أعلن حزب المؤتمر الوطني الحاكم منع المعارضة من إقامة ندوات سياسية في الميادين والساحات العامة، وهو تصريح هلوع يحمل في داخله العديد من المؤشرات التي تفاقم من أزمة الحزب الحاكم. أولاً:منع المعارضة من مخاطبة جماهيرها في أي مكان ، إجراء ضد الدستور ووثيقة حقوق الإنسان ومناقض للمادة27(البند 3 /4 ) التي تنص على اعتبار كل الحقوق والحريات المضمنة في الاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان المصادق عليها من قبل جمهورية السودان جزء لا يتجزأ من الدستور، وتنظم التشريعات الحقوق والحريات المضمنة في هذه الوثيقة ولا تصادرها أو تنتقص منها. وبين تلك الحقوق، حق المخاطبة في الأماكن العامة وإصدار الصحف...الخ. ثانياً: اذا كان المؤتمر الوطني، الذي ملأ الدنيا ضجيجاً وتبجحاً، صادقاً في أنه قد فاز فوزاً كاسحاً بثقة الشعب في الانتخابات الماضية، فلماذا يخاف وترتعد فرائصه عندما تخاطب أحزاب المعارضة جماهيرها. إنه منطق الانتخابات من مختلف دول العالم وهي أن الانتخابات زُيِّفت فيها إرادة شعب السودان بكل الطرق الخبيثة والوسائل المخادعة. فالمؤتمر الوطني الحاكم الذي برع في تزييف انتخابات اتحادات طلاب الجامعات والجمعيات التعاونية والمجالس الشعبية لا يستقم عقلاً ومنطقاً أن يقف مكتوف الأيدي إزاء انتخابات يعرف سلفاً ما يترتب عليه سقوطه فيها والتبعات الجسام التي ستحيق به من الجرائم التي ارتكبها في حق الشعب والوطن. ثالثاُ: المؤتمر الوطني يعلم علم اليقين أن سياسته الاقتصادية والسياسية والخدمية هي التي قادت البلاد للحالة المعيشية الكارثية التي يعيشها الشعب من فقر مطلق وجوع كافر وموت بمختلف الأمراض مثل الدرن وفقر الدم والفشل الكلوي ومرض القلب وغيرها. رابعاً: سياسات حزب المؤتمر الوطني الحاكم هي السبب الأساسي في انفصال الجنوب وما أحدثه ذلك من تداعيات. وهو السبب المباشر في إندلاع الحروب في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق . وهو الذي لعب الدور الأكبر في الصراعات القبلية الطاحنة التي تدور رحاها في غرب السودان. إن عدم تنفيذه لاتفاقية الشرق هو الذي يدفع مواطنيها قسراً على حمل السلاح دفاعاً عن مطالبهم العادلة وحقهم في حياة كريمة دون أن يموتوا عطشاً وهو الذي يجر أهلنا في الشمالية بكل قسوة للمواجهة مع نظامه لاصراره على قيام سد كجبار. هذه المخازي هي التي تدفع المؤتمر الوطني الحاكم إلى منع المعارضة من مخاطبة جماهيرها. وهو يكذب للمرة الألف عندما يتحجج بأن المعارضة ستشجع الجبهة الثورية وتحرض الجماهير على تنفيذ برنامجها لإسقاط النظام. المعارضة لم تنكر في يوم من الأيام أنها تعمل على إسقاط النظام، منذ أن كان المؤتمر الوطني حليفاً للحركة الشعبية بعد توقيع اتفاقية نيفاشا، وقبل الانفصال وكانت الجبهة الثورية في ذلك الوقت في رحم الغيب. وكذلك فهي حجة خاسرة لا يسندها منطق أو حقائق واقعية. أكثر من ذلك أعلنت قوى الإجماع الوطني برنامجها لإسقاط النظام في وثيقة وقعت عليه كل أحزاب المعارضة قبل أن تولد الجبهة الثورية. فوثيقة(البديل الديمقراطي) أعلنت الكيفية التي ستسقط بها النظام وليس من بينها الانقلابات أو العمل العسكري بل وضعت البديل ونظام الحكم بعد سقوط النظام والبرنامج الذي ستنفذه والدستور الذي سيحكم الفترة الانتقالية. حدث كل ذلك قبل سنوات من ظهور وثيقة(الفجر الجديد) كرؤية للجبهة الثورية لكيفية إسقاط النظام. ولهذا فأن ربط الحكومة بما تريد أن تفعله الجبهة الثورية، هو محاولة يائسة وحجة عاجزة لإخفاء الأسباب الحقيقية التي تمنع السلطة السماح لأحزاب المعارضة بمخاطبة شعب السودان. أنه الخوف من المخازي والجرائم والفساد الذي ارتكبه النظام في حق الشعب. ومن أن تعقب تلك المخاطبات المزيد من القناعات بعجز الحكومة من إدارة الحكم في البلاد. يضاعف من كل ذلك، الصراعات المحتدمة داخل حزب المؤتمر الوطني الحاكم وحكومته سواء المركزية أو قيادات الحزب والسلطة في مختلف ولايات السودان. والتي أعلن العديدون منهم اختلافهم مع سياسات النظام، بل قاد بعض العسكريين منهم إلى التمرد ومحاولات القيام بانقلابات عسكرية ضده. كل هذا يعني أن النظام أصبح لا يحتمل( الهبشة) وأكثر ما يخشاه هو أن يتحرك الشارع ضده، وهو من تجاربه وما قاله لهم د. حسن الترابي قبل المفاصلة بقليل– رغم أن الصراع قد بدأ يحتدم – في محاولة لإيقاف المواجهة داخل الحزب الواحد، في جامعة القرآن الكريم في أم درمان، حذار من تحرك الجماهير، فالجماهير اذا خرجت إلى الشارع تتقمصها روح القطيع ولن يستطيع أحد أن يوقف مسيرتها حتى نصل إلى أهدافها التي خرجت من أجلها. إنهم الآن يجترون ما قاله الترابي رغم عدائهم له ويحاولون تعليق اخفاق سياساتهم على قوى المعارضة. المدهش حقاً أنهم لا ينسبون ثورة اكتوبر وانتفاضة مارس ابريل إلى قيادة الأحزاب ، بل يصفونها بالتلقائية الشعبية، وإنها كانت عشوائية قادها شعب السودان بنفسه بعيداً عن تأثير الأحزاب. فإن كان ما تدعونه حقيقة، فإن شعب السودان يعيش ظروفاً لا يقارن سوءها بما قاده إلى ثورة اكتوبر وانتفاضة مارس / ابريل وهو حتماً سينتفض ضدكم. قوى المعارضة يتجسد دورها في إدخال الوعي بين الشعب ليكشف مسببات معاناته وما هي أمثل وأفضل الطرق لإزالة النظام الذي جعل حياته جحيماً لا يطاق. والحكومة وسياستها القاصدة استقطاب الثروة والسلطة في يد الرأسمالية الطفيلية وما تقوم به من فساد ونهب، تفتل كل يوم جزأ من الحبل الذي تساهم به في شنق نفسها. نحن في الحزب الشيوعي نعلم كل العلم أن المعارضة لم تحدد أي وقت .. لا مائة يوم ولا عشرة أيام لإسقاط النظام، بل قالت في بيان جماهيري: إنها ستعمل برنامج مائة يوم لتصعيد عملها بين الجماهير بإقامة الندوات ضمن عملها المستدام لإسقاط النظام. على قوى المعارضة أن لا تعطي تصريح النظام أي مساحة من برنامجها المصممة على تنفيذه وأن تواصل نضالها اليومي وتقيم ندواتها في الوقت التي تحدده، وأن يلتزم كل حزب بحشد جماهيره. ليصبح ذلك خطوة بمثابة تحدي حقيقي للنظام، وإن شعب السودان مستعد لكل أنواع التضحية دفاعاً عن أرضه وعرضه ومستقبل أبنائه وغير مستعد للموت في سرير في بيته كما تموت العير بسبب الجوع والفقر والمرض. وهذا هو السبيل الوحيد لإسقاط هذا النظام.