[email protected] خذها مني نصيحة: لا تنصح من تعود على قراءة الأحداث بمؤخرته أن يحاول قراءتها بعقله، فقراءة الأحداث بمؤخرته ستريحه أكثر. لذلك لا تأمل في أن يقرأ أنصار تيارات الشعارات الإسلامية ما حدث في شوارع مصر وميادينها قراءة توصلهم إلى الحقيقة التي تصوروا أنها دُفنت تحت ركام أكاذيبهم وهي «لا يمكن أن تطالب ببقاء شرعيتك الرئاسية وأنت تنسى أنها بُنيت على إتفاق مع القوى الثورية قمت بنقضه ولم تترك لها خيارا سوى الخروج إلى الشارع ضدك»، على العكس، إنتظر منهم فقط تنابزا بأعداد المتظاهرين، وهوسا بذكر مؤامرات يلقون فيه الإتهامات يمينا وشمالا دون دليل، وإعادة إنتاج ملتحية لشعار مبارك الشهير «أنا أو الفوضى». لا تطلب أيضا من قادة الإخوان أن يفكروا قبل إستخدام الورقة الطائفية… تذكر أنهم لا يستطيعون بعد وصولهم إلى الحكم أن يتهموا علنا من يعارضهم بالعمالة لأمريكا وإسرائيل كما كانوا يفعلون أيام تحالفهم مع المجلس العسكري، فهم الآن المسئولون الرسميون عن حماية مصالح أمريكا وإسرائيل، لذلك لا سبيل لهم لشحن جماهيرهم إلا اللعب بالورقة الطائفية ليتهموا المسيحيين كما نشر موقع (إخوان أون لاين) بقيادة تنظيم «البلاك بلوك»، دون أن يتمهلوا قليلا ويواجهوا أنفسهم بصدق سائلين: ما الذي جعل البعض أصلا يفكر في إنشاء إمتداد لذلك التنظيم الذي شهدته العديد من الدول الغربية منذ ثمانينات القرن الماضي وإنت طالع، وهل كان يمكن أن يكون لشباب «البلاك بلوك» وجود في الشارع لولا غباء الحاكم الذي جعل الواقع «بلاك» وجعل الراغب في التغيير يخبط رأسه في أقرب «بلوك»؟. الآن، بعد أن اشتعلت الشوارع، تذكر الإخوان وحلفاؤهم أهمية العقل. نسوا أن إصرارهم على الكذب والعناد والتكويش السياسي لم يجعل للعاقلين مكانا في المعادلة، الآن يتحدثون عن خطورة ظهور الميليشيات المنتقبة ناسين أنه ليس على من لعب بالميليشيات الملتحية أن يشكو من نار الميليشيات المنتقبة خاصة وهو صاحب إبتكار إدخالها إلى الساحة المصرية، الآن يتحدثون عن خطورة وجود منظمات غير شرعية وغير معروفة التمويل وغير معلنة العضوية وغير مراقبة من أجهزة الدولة وكلها صفات تنطبق تماما على تنظيمهم الذي يظنون أن من يسمع قادته وهم يتحدثون عن الشرعية وسيادة القانون يمكن أن يقول شيئا غير «يا أخي هاأو»، مشيها هاأو. طيب، هل العنف هو الحل، من قال هذا؟، أعرف أن العنف ليس له أي مستقبل وأنه يعقد المشكلات ولا يحلها، متأكد من ذلك والله، ويمكن أن أقرأ لك معلقات كاملة في خطورة العنف الذي يمكن أن يدمر السلطة لكنه يعجز بالضرورة عن خلقها والذي لا يدفع ثمنه المهزوم فقط بل والمنتصر أيضا كما قالت المفكرة الأمريكية حنّه أرندت، وربما تطرب لهذا الكلام مثلما طربت له، لكن تعال أنا وأنت لنقرأ هذه السطور وغيرها على ذوي شهيد يئسوا من القصاص، أو على شاب غاضب أفقده الغباء الإخواني صوابه، وسينتهي بنا الحال وقد لبسنا الكتاب إن لم نلبس ماهو أسوأ منه. ما الحل إذن؟، الحل ببساطة أن نقول لمرسي وجماعته وحلفائهم «من العبث أن تتحدى جيلا ثائرا، يا قادة يا كرام، إفتحوا لمصر ممرا آمنا إلى المستقبل وتذكروا أن هذا الوطن لن يبنيه إلا التوافق، وإياكم ومن يصور لكم أن أحدا يمكن أن يكسر إرادة أحرار المصريين، قل عددهم أو كثر…ولتكن لكم في حامل دكتوراة العِند أسوة حسنة. الحل أن يتذكر الجميع أن هناك ثورة حدثت في مصر، ويستحيل على أجعص جعيص أن يتحداها فيظن أنه يمكن أن ينفرد بتغيير موازين الأمور إما بقوته أو حماسه أو تنظيمه، فقد تغيرت قواعد الصراع في مصر إلى الأبد، ولذلك لا بد أن يدرك من يحكم عبث تحديه لجيل ثائر يمتلك الأمل والمستقبل، وأن يدرك هذا الجيل الثائر أن هدم الدولة بكسر إرادة أي سلطة تديرها الآن قد يبدو تحديا جميلا ونحن جالسون على القهوة لكنه في الواقع أمر مخيف لن ينجو من عواقبه أحد أيا كان نبله، لذلك الحل ببساطة أن يتراجع الجميع إلى نفس المواقع التي كانوا عليها يوم 11 فبراير لنبدأ من أول وجديد، فلا زالت لدينا فرصة ربما لن تتكرر». طيب، لو قلت لك أنني نشرت السطور السابقة في جريدة (التحرير) في عام 2011 وكانت موجهة حينها لقادة المجلس العسكري قبل أن يتورطوا في إرتكاب مذابح ماسبيرو وما تلاها، بالتأكيد سيزيد غضبك وقلقك وستقول لي: ما دام الكلام لا يجدي أبدا في هذه البلاد، فإذن ما العمل وإلى أين وكيف الخلاص مما نحن فيه؟، وسأجيبك: للأسف خذها مني نصيحة: عندما نكون في ثورة لا تنصح أحدا، فالثورة مسئولية كل ثائر، لذلك وفر نصائحك للحاكم بأن يتوقف عن العناد والغباء السياسي وإخلاف الوعود، صدقني أستطيع أن أعطيك محاضرة في خطورة العنف، لكن ذلك لن يوقف العنف بقدر ما ستوقفه قرارات عاقلة وشجاعة وحكيمة من مسئول ذكي، وفي ذلك يقول المثل الشعبي «يامستني السمنة من إيد النملة عمرك ما تتقلى». مشيها إيد النملة. لا تقل لي: يعني إيه، كده خالتي سلمية ماتت؟، لأنني سأجيبك بكل أسى: كانت الخالة سلمية سترتاح لو كانت قد ماتت، فما يبدو جليا أنها تعرضت وستتعرض لحالات إغتصاب متكررة ستجعلها تتمنى الموت فلا تجده. ولذلك لا يبقى أمام المؤمنين بخطورة العنف في هذه البلاد إلا أن ينتظروا حلا سياسيا شاملا وشجاعا، وهم يهتفون بهتاف أجدادهم ساعة النوازل «ياخفي الألطاف نجنا مما نخاف». (نشرت جزءا كبيرا من هذا المقال قبل أكثر من خمسة أشهر في نفس هذه المساحة بعنوان من اغتصب الخالة سلمية، ما قلته بالأمس للأسف لا يزال يشكل جزءا كبيرا من الإجابة التي أمتلكها لكل من يسألني اليوم وكل يوم: هيحصل إيه تلاتين سته؟).