(أحمد يوسف التاي- الإنتباهة ) شبهة تمكين أهل الولاء من النهب «المصلح»!!..«الإنتباهة» تنشر نصوصاً مذهلة لتعاقدات مضروب عليها سياج من التكتم..أكثر من «50%» من أموال الدولة خارج سيطرة وزارة المالية أحمد يوسف التاي تظل التعاقدات الخاصة في المؤسسات والوزارات والشركات الحكومية واحدة من صور الفساد المفضوحة في كثير من جوانبها الغامضة، وهو أمر وصفه الرئيس البشير في وقت سابق ب «النهب المصلح» وهي أيضاً وسيلة من وسائل السطو على المال العام، والنهب المحصن بالقوانين الخاصة، وهو أمر يبدو أنه قد طفح كيله، وبلغ منتهاه، وتصاعد بخار غليانه إلى خارج الأسوار العالية والأبراج العاجية، ولم يعد فقه السترة يجدي معه نفعاً لطالما أنه مازال بالإمكان تقديم كباش فداء، ولعل هذه الخطوة تعيد جزءاً يسيراً من ثقة المواطن في الدولة وهيبتها وقدسية قوانينها… والمراجع العام وفي آخر تقاريره أمام البرلمان أكد أن كل «التعاقدات الخاصة» التي تمت بالدولة ومن بينها تعاقد مع خبيرين بهيئة الطيران المدني بمبلغ «607» آلاف دولار في السنة، تعاقدات تمت دون علم مجلس الوزراء، وهو أمر يخالف نص القانون!!. ويعتقد الكثيرون أن مثل هذه المخالفات ذات الصلة بالتعاقدات الخاصة يتم التفكير في ارتكابها أولاً، ثم تأتي بعد ذلك مرحلة تفصيل القوانين الخاصة التي تحمي هذه الممارسات التي تنهب أموال الدولة وتضعها بين يدي «أهل الحظوة، والولاء» دون وجه حق، وبذلك تمر كثير من المخالفات والتجاوزات الخطيرة دون عقاب أو محاسبة لأن كل شيء في السليم وب «القانون».. ولا شك أن وجود قوانين خاصة «سيوبر» تحمي الفساد من أية مساءلة وتحصنه داخل قلاع حصينة، يجعل القوانين العامة وحتى الدستور نفسه بلا قيمة، وفي هذه الحالة تصبح ولاية وزارة المالية على المال العام صورية أو مجرد ديكور فقط، وهنا يصبح وزير المالية «كومبارساً» وتصبح أكثر من 50% من الأموال العامة خارج سيطرة وزارة المالية، بحسب رأي كثير من الخبراء الاقتصاديين. فساد مشروع ويرى ذات الخبراء أن قضية الفساد الأساسية التي أصابت الدولة بصداع نصفي لا يمكن اختزالها في اختلاسات بعض الموظفين وحالات خيانة الأمانة والتجاوزات التي تحدث في كل عام من صغار الموظفين التي تظهر سنوياً في تقارير المراجع العام، فهذه كلها تعتبر «أعراضاً» فقط لأمراض خطيرة تفت عضد الدولة وتصيب اقتصادها المنهك في مقتل، ومن هذه الأمراض الخطيرة، استغلال النفوذ السياسي في إبرام صفقات غامضة وعامولات، والعمل على تعطيل وتغييب القوانين واللوائح التي تحمي المال العام وإضعافها بأخرى خاصة تجعل للخيانة والفساد مشروعية، بل تحميها بتشريعات خاصة تجعل الجرم إجراءً قانونياً سليماً لا يعاقب مرتكبه، ولعل هذا ما أشار إليه وزير المالية علي محمود بوضوح.. وهذا هو بيت الكلاوي الذي نريد أن نقتحمه في هذه الحلقة، ونفضح ممارساته بإلقاء مزيدٍ من الأضواء عليه، وهو عملية «تغييب وتعطيل قوانين حماية المال العام»، والإجهاز عليها.. كيف يتم ذلك وبأية وسيلة وما هي الممارسات التي حدثت فعلاً؟ هذا ما سنعرفه من خلال الأسطر أدناه: رغم أنف الدستور أما كيف يتم تغييب وتعطيل قوانين حماية المال العام، فقد حدثنا وزير المالية عن كيفية ذلك أمام البرلمان حينما بلغ لديه السيل الزبى، وظن ألا ملجأ ولا مناص سوى تبرئة ذمته مما يحدث أمام نواب الشعب، وفهم الكثيرون استنجاد وزير المالية بالبرلمان في إطار تبرئة الذمة واللجوء للرأي العام المحلي كآخر طلقة يدافع بها عن نفسه، رغم إدراكه التام أن البرلمان ربما أضعف من أن يقوم بمهمة إلغاء قانون التعاقدات الخاصة وإغلاق هذا الباب في وجه عمليات نهب المال العام المحصنة بالقانون.. فقد ذكر وزير المالية علي محمود أن القوانين الخاصة التي تشرِّع للتعاقدات الخاصة باتت فوق الجميع، ورغم أنف الدستور والقوانين، كما أشار لذلك وزير المالية تماماً في حديث «الضراع القوية» و «الأقوى» منها، وهي القوانين التي تبيح التعاقد الخاص، وتمكن أشخاص من التلاعب بالمال العام، وتمنع وزارة المالية من ممارسة دورها في المحافظة عليه وضبطه. كشف التحايل وثمة أسئلة ملحة تحوم حول هذا الملف الخطير نطرح منها: من أين استمد التعاقد الخاص «الضراع الأقوى» مشروعيته وصفته القانونية؟ وما هي دواعي وجود مواد قانونية «تمكن» للتعاقد الخاص؟ وهل ثمة حاجة ماسة لهذه التعاقدات المفضية للفساد؟ ومن كان وراء إقحام هذه المواد؟ ولأجل ماذا وكيف تم فيما بعد استغلال هذه المواد الخاصة بالتعاقد وتوسيع دائرة استثناءاتها؟ وكيف تم تجاوُز الشروط الخاصة بالتعاقد على النحو الذي أباحه قانون الخدمة المدنية لسنة 2007م؟ «1» تقول المادة «27» من قانون الخدمة المدنية القومية لسنة 2007م: يصدر قرار التعاقد من مجلس الوزراء بناءً على توصية من الوزير المختص. «2» المادة 27/2 شروط التعاقد تكون مع السودانيين أو الأجانب لأداء مهام محددة تحتم الضرورة أداءها عن طريق التعاقد. «3» المادة «4» من لائحة الخدمة المدنية القومية لسنة 2007م تنص على: «يجوز لمجلس الوزراء بقرار منه بناءً على ترشيح الوزير المختص وتوصيته ووزير المالية في حالات استثنائية، تعيين سوداني من ذوي التأهيل العلمي والخبرات الرفيعة أو النادرة بعقد خاص لأداء مهمة محددة لفترة أو فترات محددة، ويحدد العقد ما يمنح له من أجر وبدلات ومخصصات». «4» قرار مجلس الوزراء 485/2004م الصادر في 16/10/2010م في شأن تحديد مخصصات وامتيازات الخبراء الوطنيين والمستشارين وأسس التعاقد الخاص، حيث نص في سابعاً بند رقم «4» منه على: «يكون تعيين مديري الهيئات والمؤسسات العامة الاقتصادية وشركات القطاع العام في المدة التي يتفق عليها وزير المالية والوزير المختص والأجهزة المختصة الأخرى». مراكز القوة سؤال يقفز إلى الذهن مباشرة وهو: لماذا اشتكى وزير المالية من التعاقدات الخاصة طالما أن القوانين واللوائح التي تنظمها تشترط مشاورة وتوصية وموافقة وزير المالية ومجلس الوزراء؟ وسؤال آخر يطرح نفسه أيضاً: هل يستطيع وزير المالية رفض أي تعاقد يرى فيه مخالفة وتبديداً للمال العام ويعرقل أداء وزارته في ضبط المال العام وحمايته من كباراللصوص؟ فإذا كان يستطيع ذلك فلماذا اشتكى للبرلمان؟ وإذا كان لا يستطيع فما فائدة النصوص القانونية التي تلزم الوزير المختص بموافقة وزير المالية ومشاورته في عملية التعاقدات الخاصة؟! إذن الصحيح أن وزير المالية اشتكى من مراكز القوى التي ربما «لوت» ذراعه القوية، وليس من خلل إجرائي في النصوص القانونية التي تنظم التعاقد، با عتبار أن مراكز القوة هذه صاحبة مصلحة في استمرار هذا الوضع الذي اشتكى منه الوزير وأعاق مهمته في منع لصوص المال العام من نهب خزينة الدولة. تغييب وزير المالية ويعزز النقطة أعلاه أن وزير المالية والمراجع العام كشفا أن كثيراً من التعاقدات الخاصة في المؤسسات والشركات والهيئات العامة تتم دون مشاورة مجلس الوزراء، مما يعني ارتكاب تجاوزات واضحة وصريحة ل «المادة 27» من قانون الخدمة المدنية القومية لسنة 2007م وكذلك لائحة الخدمة المدنية.. ويبدو جلياً أن وزير المالية أيضاً بدا مغيباً في هذا الجانب ولم تتم مشاورته ولم يعتد أصحاب التعاقدات الخاصة برأيه مثلما يفعلون مع مجلس الوزراء، وإلا لماذا اشتكى للبرلمان .!!ففي مثل هذه الحالات يتم التعاقد بعيداً عن القانون وشروطه ولوائحه المنظمة، ويبدو المشهد هنا في قمة الفوضى والغوغائية التي تجعل الوزير أو المسؤول المختص يتصرف بسلطة مطلقة في «تمكين» الخبير أو المستشار «الوطني» من ناصية المال العام دون وجه حق، وفي تجاوز وإهدار واضح للمال العام. نماذج من التعاقدات السرية وطالما أننا نستعرض الآن أنماط وأشكال التعاقدات الخاصة التي طالب وزير المالية بإلغائها، يجدر بنا أن نشير إلى بعض النماذج من التعاقدات الخاصة السرية التي تبرم في الخفاء بين وزراء ومديرين أو خبراء، لتتجلى لنا الحقائق بشكل أكثر جلاءً، وخير مثال لذلك التعاقد السري الذي تم بين وزير الإرشاد والأوقاف الدكتور أزهري التيجاني ومدير عام ديوان الأوقاف الدكتور الطيب مختار، والذي تم إبرامه في 1/1/ 2009م بالخرطوم.. والطرف الأول فيه الدكتور أزهري التيجاني عوض السيد وزير الإرشاد والأوقاف وناظر عموم الأوقاف الإسلامية السابق.. والطرف الثاني الدكتور الطيب مختار الطيب أمين عام ديوان الأوقاف القومية الإسلامية، ومدة العقد عامان من تاريخ التوقيع عليه.. وقد اشتمل العقد على التفاصيل والمزايا التالية: الأجر الشهري «20» مليون جنيه ب «القديم» والأجر السنوي «240» مليون جنيه. بدل عربة = «36» مليون جنيه. العلاج = «60» مليون جنيه. الإجازة = «20» مليون جنيه عيد الفطر= «40» مليون جنيه عيد الأضحى = «40» مليون جنيه بدل السكن = «80» مليون جنيه تأمينات اجتماعية = «80» مليون جنيه الإجمالي = «596» مليون جنيه ويشتمل العقد أيضاً على المزايا التالية: «4» تذاكر سفر ذهاباً وإياباً خلال العام بدرجة رجال أعمال أو ما يعادلها نقداً. تكلفة استخدام الإنترنت للاستخدام الرسمي والشخصي. بدل مأموريات وتذاكر خارج السودان. الحوافز وفق التطوير والاستثمار. إعفاء من ضريبة الدخل الشخصي أو أية ضرائب أخرى. عربة أو بدل عربة تقدره الإدارة، مع الوقود والتأمين الشامل والصيانة للاستعمال الشخصي والرسمي مع سائق. ملاحظات حول العقد ٭ يلحظ أن العقد غير موثق بواسطة وزارة العدل. ٭ يلحظ أن العقد بدون شهود. ٭ في ثالثاً «م» نص العقد على: «لا يحق لأي طرف أن يكشف بنود هذا العقد أو أن يطلع أي طرف ثالث على محتوياته إلا بوافقة الطرفين. تقرير سري وقد جاء في تقرير سري أعده فريق من ديوان المراجعة القومي في 17 يناير 2012م بشأن التحقيق في تجاوزات مالية واعتداءات على أموال الأوقاف بالخارج، جاء فيه: «أفادنا أمين أوقاف الخارج السيد خالد سليمان إدريس بأن الأمين العام لديوان الأوقاف الطيب مختار يحتفظ بعقد عمله ولم يودعه الملف لوجود نص في العقد يشير إلى حق الاحتفاظ بالعقد بين الطرفين المتعاقدين فقط «وزير الأوقاف أزهري التيجاني والأمين العام لديوان الأوقاف الطيب مختار الطيب». وكشف التقرير أنه في أكتوبر من عام 2011م خاطب ديوان المراجعة العامة القومي وزير الأوقاف والأمين العام لديوان الأوقاف، وطلب مده بنسخة من العقد، ولم يُستجب لذلك، وقد تمت المقابلة في مايو 2011م لذات الطلب. وأضاف التقرير أنه في يوم 21/12/2011م استلمنا من الأمين العام لديوان الأوقاف المكلف صورة من عقد الطيب مختار، وقمنا بمطابقته مع العقد الموجود بطرف وزير الإرشاد والأوقاف. أخيراً ثم يبقى أن نتساءل لماذا تخفي الأطراف المتعاقدة تعاقداً خاصاً كما في الأنموذج أعلاه هذه التعاقدات، وتضرب عليها سياجاً من التكتم حتى على ديوان المراجع العام رغم أن الأمر شأن عام ويخص الأموال العامة للدولة؟ أليس هذا دليلاً على شبهة الفساد والمخالفات والتجاوزات التي لا يريد أصحابها أن يطلع عليها أحد؟ والإثم ما حاك في النفس وكرهت أن يطلع عليه أحد، وهل نصُّ العقد الخاص على إخفائه وعدم السماح لأي طرف ثالث بالاطلاع عليه بدعة أتى بها أزهري التيجاني والطيب مختار وحدهما؟ أم أن كل العقود الخاصة تتضمن هذا الشرط «شرط التكتم» وإخفائه حتى عن المراجع العام ووزير المالية ومجلس الوزراء؟ أو ليس هذا شبهة فساد مفضوح ومتعمد؟!.