حوار: النائبة العامة السودانية تكشف أسباب المطالبة بإنهاء تفويض بعثة تقصّي الحقائق الدولية    حمّور زيادة يكتب: السودان والجهود الدولية المتكرّرة    الأهلي الفريع يكسب خدمات نجم الارسنال    الطاهر ساتي يكتب: بنك العجائب ..!!    «تزوجت شقيقها للحصول على الجنسية»..ترامب يهاجم إلهان عمر ويدعو إلى عزلها    رئيس مجلس السيادة القائد العام وأعضاء المجلس يحتسبون شهداء مسجد حي الدرجة بالفاشر    صحة الخرطوم تطمئن على صحة الفنان الكوميدي عبدالله عبدالسلام (فضيل)    بيان من وزارة الثقافة والإعلام والسياحة حول إيقاف "لينا يعقوب" مديرة مكتب قناتي "العربية" و"الحدث" في السودان    يرافقه وزير الصحة.. إبراهيم جابر يشهد احتفالات جامعة العلوم الصحية بعودة الدراسة واستقبال الطلاب الجدد    حسين خوجلي يكتب: السفاح حميدتي يدشن رسالة الدكتوراة بمذبحة مسجد الفاشر    البرهان يصدر قراراً بتعيين مساعد أول للنائب العام لجمهورية السودان    راشفورد يهدي الفوز لبرشلونة    وزير الزراعة والري في ختام زيارته للجزيرة: تعافي الجزيرة دحض لدعاوى المجاعة بالسودان    بدء حملة إعادة تهيئة قصر الشباب والأطفال بأم درمان    نوارة أبو محمد تقف على الأوضاع الأمنية بولاية سنار وتزور جامعة سنار    لجنة أمن ولاية الخرطوم: ضبطيات تتعلق بالسرقات وتوقيف أعداد كبيرة من المتعاونين    المريخ يواجه البوليس الرواندي وديا    هجوم الدوحة والعقيدة الإسرائيلية الجديدة.. «رب ضارة نافعة»    هل سيؤدي إغلاق المدارس إلى التخفيف من حدة الوباء؟!    الخلافات تشتعل بين مدرب الهلال ومساعده عقب خسارة "سيكافا".. الروماني يتهم خالد بخيت بتسريب ما يجري في المعسكر للإعلام ويصرح: (إما أنا أو بخيت)    شاهد بالصورة والفيديو.. بأزياء مثيرة.. تيكتوكر سودانية تخرج وترد على سخرية بعض الفتيات: (أنا ما بتاجر بأعضائي عشان أكل وأشرب وتستاهلن الشتات عبرة وعظة)    تعاون مصري سوداني في مجال الكهرباء    شاهد بالصورة والفيديو.. حصلت على أموال طائلة من النقطة.. الفنانة فهيمة عبد الله تغني و"صراف آلي" من المال تحتها على الأرض وساخرون: (مغارز لطليقها)    شاهد بالفيديو.. شيخ الأمين: (في دعامي بدلعو؟ لهذا السبب استقبلت الدعامة.. أملك منزل في لندن ورغم ذلك فضلت البقاء في أصعب أوقات الحرب.. كنت تحت حراسة الاستخبارات وخرجت من السودان بطائرة عسكرية)    ترامب : بوتين خذلني.. وسننهي حرب غزة    أول دولة تهدد بالانسحاب من كأس العالم 2026 في حال مشاركة إسرائيل    900 دولار في الساعة... الوظيفة التي قلبت موازين الرواتب حول العالم!    "نهاية مأساوية" لطفل خسر أموال والده في لعبة على الإنترنت    شاهد بالصورة والفيديو.. خلال حفل خاص حضره جمهور غفير من الشباب.. فتاة سودانية تدخل في وصلة رقص مثيرة بمؤخرتها وتغمر الفنانة بأموال النقطة وساخرون: (شكلها مشت للدكتور المصري)    محمد صلاح يكتب التاريخ ب"6 دقائق" ويسجل سابقة لفرق إنجلترا    السعودية وباكستان توقعان اتفاقية دفاع مشترك    المالية تؤكد دعم توطين العلاج داخل البلاد    غادر المستشفى بعد أن تعافي رئيس الوزراء من وعكة صحية في الرياض    دوري الأبطال.. مبابي يقود ريال مدريد لفوز صعب على مارسيليا    شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا ود القضارف يسخر من الشاب السوداني الذي زعم أنه المهدي المنتظر: (اسمك يدل على أنك بتاع مرور والمهدي ما نازح في مصر وما عامل "آي لاينر" زيك)    الجزيرة: ضبط أدوية مهربة وغير مسجلة بالمناقل    ماذا تريد حكومة الأمل من السعودية؟    الشرطة تضع حداً لعصابة النشل والخطف بصينية جسر الحلفايا    إنت ليه بتشرب سجاير؟! والله يا عمو بدخن مجاملة لأصحابي ديل!    في أزمنة الحرب.. "زولو" فنان يلتزم بالغناء للسلام والمحبة    إيد على إيد تجدع من النيل    حسين خوجلي يكتب: الأمة العربية بين وزن الفارس ووزن الفأر..!    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    في الجزيرة نزرع أسفنا    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    الخرطوم: سعر جنوني لجالون الوقود    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    تخصيص مستشفى الأطفال أمدرمان كمركز عزل لعلاج حمى الضنك    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ذو القرنين والفصل بين الدين والدولة (1)..من هو؟
نشر في حريات يوم 28 - 06 - 2013


سيف الحق حسن
[email protected]
الحمد لله.. وأشهد أن لا إله إلا الله الذي فصل في هذا القرآن العظيم كل شئ..وأشهد أن محمد صلى الله عليه وآله وسلم سيد المرسلين بن قصي..أدى الأمانة ونصح الأمة ولم يكتم من الرسالة شئ.. وعلى آله وصحبه الكرام ومن تبعهم بإحسان وعنا معهم يا كريم ياحي.
سألت نفسي مرارا لماذا نجد بالذات آيات القصص في القرآن ليست معروضة في سورة واحدة ومتسلسلة في سرد واحد، ليسهل علينا فهمها وتطبيقه. بل تجدها مذكورة في عدة سور وبصيغ مختلفة. فبالتأكيد فإن الله جل وعلا لا يريد أن يتوهنا، ولكن ماذا يريد سبحانه. ما إستدركته بعد ذلك أن الله تعالى يريدنا أن نتدبر أياته ونشغل عقولنا. وهذا الإستدراك أيضا من صلب القرآن إذ يقول الحق تعالى: ((كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب)) [ص: 29]، ((أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها)) [محمد: 24].
يتدبر الشيء في اللغة: تتبع دبره، أي نظر إلى أواخره وعواقبه ومآلاته. وإستدبر الشئ: رأَى في عاقبته ما لم ير في صدره. والتدبير هو حسن القيام بشئون الشئ.
إذا تدبر القرآن هو النظر إلى آيات القرآن، ليس بإعتبارها ماضيا، بل بالنظر إليها من موقعها في نفسك، وفي المجتمع، مستشفا بذلك أثار تطبيقها أو مخالفتها في حياتك، وفي المجتمع. ومن هذا يمكن أن تقيس وتقوم وتستنتج ما يجدر بك. وبعده تشرع في أن تغير ما يمكن أن تنتهي الأمور إليه من مآلات وعواقب لا يحمد عقباها. وهنا تجدني لا أتفق تماما مع المقولة التي تقول: العبد في التفكير والرب في التدبير. بل هي: العبد في التفكير والعبد في التدبير والرب في التقدير.
إذا التدبر لتقوية الملاحظة وتحريك العقل والإجتهاد والعمل بما توصل إليه التفكير وتطبيقه في واقع الحياة. ولهذا شهدت أمنا السيدة عائشة رضي الله عنها أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان قرآنا يمشي بين الناس.
مدخل للتوضيح..
أن لا أتحدث في العنوان عن العبارة المضللة التي روجت: فصل الدين عن الدولة والتي بها خدعتان: الأولى: الإيحاء بتنحية الدين وعزله. الثانية: الإيحاء بأن الدولة هي المواطنين. فالمواطنين شئ والدولة شئ آخر.
المواطنون هم الأفراد والشعب أو الناس المختلفين: عرقيا ودينيا وطائفيا، الذي يعيشون في بقعة أرض واحدة. أما الدولة هو الكيان العادل الذي يجمعهم في تلك الأرض ويساوي بينهم وينظم ويعطي حقوقهم بالعدل. والدولة مصطلح سياسي بحت له معنى محدد يشمل الحكومة والمؤسسات والوزارات... إلخ.. ولا تعني المواطنين بتاتا.
فما أعنيه هنا هو: الفصل بين الدين والدولة -(وضع ألف خط تحت بين)- فالفصل بين الدين والدولة يحقق مصلحة الجميع: الدين والمواطنين والدولة كذلك،وذلك ب:
- حماية الدين وقدسيته من إستغلال رجال الدولة له لتحقيق مصالحهم الشخصية عبره والتي يمكن أن تحسب على الدين. أي بصورة أخرى عدم تشويه صورة الدين بأفعال أشخاص معينين يزعمون أنهم مفوضون إلهيا من رب العالمين.
- حماية الدولة من سيطرة رجال الدين أو رجال دين معين. وبالتالي المساواة الدينية وعدم إنحياز الدولة لفئة معينة وقمع معتقدات ذوي الديانات الأخرى بواسطة الدولة. أي العدل بين المواطنين الذين خلقهم الله أساسا مختلفين: قبليا وعرقيا وطائفيا ودينيا، ..إلخ.
إذا الفصل بين الدين والدولة بجدار عازل. جدار التقوى للعدل والله يأمرنا بذلك حين يقول: ((يا أيها الذين ءامنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا ، اعدلوا هو أقرب للتقوى ، واتقوا الله ، إن الله خبير إن الله خبير بما تعملون)) [المائدة: 8].
من هو ذو القرنين؟..
وردت قصة ذو القرنين في القرآن الكريم في سورة الكهف الآية [83 إلى 98 ]. وكانت لدي تساؤلات عن هذه الشخصية المذكورة في القرآن العظيم. فمن خلال بحثي وجدت أن معظم كتب السيرة تقول إن ذي القرنين هو عبد صالح أو ملك صالح حكم الأرض وجاب مشارق الأرض ومغاربها وأقام العدل فيها. أما الويكيبيديا تقول: لا تعرف هوية ذي القرنين على وجه الدقة، وقد قيل أنه الاسكندر الأكبر، وقيل أنه كورش الكبير وثمة دراسة حديثة تقول بأنه اخناتون الفرعون المصري، بينما رأى آخرون أنه ملك عربي ممن عاشوا قبل الإسلام، والكثيرون أو بالأحرى كل غير مسلم يرى أن الشخصية مجرد أسطورة، ويستندون في ذلك على عدم وجود أي دليل تاريخي ملموس يناسب حجم إنجازات هكذا شخصية عظيمة مفترضة.
ولكن هناك بحث وجدته لشخص إسمه: المهندس محمد عبدالعزيز الخليفة فرضيته تقول ان ذو القرنين ليس مجرد عبد صالح وإنما هو نبي، وهذا النبي هو نبي الله سليمان عليه السلام. وأنا مقتنع بهذه الفرضية فأعرض عليك هذا البحث مختصرا فيه ومضفيا عليه بعض الخواطر، لنصل لسياق خلاصة تدبر هذه الآيات الكريمة على واقعنا.
لقد ذكر سيدنا سليمان عليه السلام في القرآن 17 مرة في سور متفرقة بينما ذكر ذو القرنين ثلاث مرات فقط كلها في سورة الكهف. كل الشواهد والأدلة على أن ذو القرنين هو نبي الله سليمان عليه السلام مستنبطة من القرآن الكريم.
*الدليل الأول: النبوة:-
- ((قلنا يا ذا القرنين)). قلنا هنا تعني ان هناك نوع من أنواع الوحي (القولي) لإبلاغ كلام الله تعالى، وهذا لا يكون إلا لرسول.
- ((قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسرا)) [الكهف: 86]. وفي هذا تفويض بالجزاء والعقاب ، وهذا لا يكون إلا لرسول.
- ((قال هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقا)) [الكهف: 98]. وفي هذا إطلاع له على بعض من الغيب المستقبلي ، وهذا لا يكون إلا لرسول. ((عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً * إلا من ارتضى من رسول)) [الجن: 28].
إخفاء نبوة ذو القرنين توحي بأن ذو القرنين لم يحكم الناس بصريح مكانته كنبي بل بأنه حكم كواحد من الناس يعمل بالأسباب.
*الدليل الثاني: كنية ذو القرنين:-
للقرن ثلاثة معاني في اللغة العربية (القرن الزمني بمعنى المئة عام، والقرن الذي يظهر على رؤوس الذكور من الحيوانات مثل الثور والكبش وغيرها، ويبقى المعنى الثالث وهو يأتي بمعنى الأمة أو القوم.).
القرآن تغاضى عن استخدام المعنيين الأوليين، وتركز الإستخدام القرآني على المعنى الثالث والذي يعني الأمة أو القوم. فمثلا: ((وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أشد منهم بطشا فنقبوا في البلاد هل من محيص)) [ق: 36]. ((وكم أهلكنا قبلهم من قرن هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا)) [مريم: 74]. ((كم أهلكنا من قبلهم من قرن فنادوا ولات حين مناص)) [ص: 3]. ووردت في الأنعام: ((ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم وأرسلنا السماء عليهم مدرارا وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم فأهلكناهم بذنوبهم وأنشأنا من بعدهم قرنا آخرين)) [الأنعام: 6]. وحديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: (خير القرون قرني ثم الذين يلونهم).
ومن المعروف أن الرسل ترسل لأقوام بعينها ولابد أن يكون الرسول متكلم بلسان قومه. ((وما أرسلنا من رسول الإ بلسان قومه ليبين لهم)) [إبراهيم: 4]. ومن المعروف أن سيدنا سليمان كان يتكلم بجميع اللغات ولغة الحيوانات كذلك. فإذا كنية ذو القرنين تعني أنه مبعوث لقومين أو للأمتين المكلفتين، أمة الإنس وأمة الجن. ولا يمكن أن نقول بانه أرسل لقرنين من الزمان لأن نبي الله سليمان عاش في الغالب حوالي 52 عام فقط حسب المؤرخين.
والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا لم يستخدم الحق سبحانه اسم نبيه سليمان في هذا المقام؟. أولا نقول أن استخدام الكنية هو أسلوب قرآني شائع. فمثلا ((وذا النون إذ ذهب مغاضبا)) [الأنبياء: 87]، وذا النون هو نبي الله يونس والذي قيل أن النون هو الحوت. وفي سورة نون: ((ولا تكن كصاحب الحوت)) [ن: 48]. ويستخدم الله تعالى كنية المسيح لنبيه عيسى بن مريم، وهكذا. ولأن مقام ذو القرنين هنا مقام إنسان يحكم، لذا خاطبه الله بكنيته التي يكنيه بها الناس.
*الدليل الثالث: التمكين في الأرض وفي طبيعة الإتيان:-
يشير الحق إلى التمكين الإلهى و طبيعة الإتيان التي أتاها ذو القرنين في: ((إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سببا)) [الكهف: 84]. كيف يكون هناك ذو القرنين آخر يمكن له الله ويأتيه من كل الأسباب غير نبي الله سليمان عليه السلام. فقد قال: ((قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب)) [ص: 38]. أما في سورة النمل يشير الحق تعالى إلى طبيعة الإتيان صراحة ((وورث سليمان داود وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء إن هذا لهو الفضل المبين)) [النمل: 16].
وللتمكين في الأرض وطوافها لابد أن يكون ذو القرنين يتحدث عدة لغات، ولم يكن كذلك إلا نبي الله سليمان عليه السلام.
*الدليل الرابع: طوفان الأرض:-
يذكر القرآن أن ذو القرنين طاف الأرض حيث بلغ مغرب الشمس ومشرقها. وبما أنه لم يكن في الحضارات القديمة وسائل سريعة للحركة إلا أن ذو القرنين أتبع سببا، وجهز طوافة أو بساط يقله يمكن أن يسير بالريح إلى أي مكان شاء. هذه الحركة تتوافق مع تسخير الريح لسيدنا سليمان عليه السلام. ((ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر)) [سبأ: 12]. ((ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها وكنا بكل شيء عالمين)) [الأنبياء: 81].
* الدليل لخامس: إستخدام مصطلحات لغوية متشابهة:-
يقول الله تعالى على لسان ذو القرنين: ((قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا)) [الكهف: 87]. أما سيدنا سليمان عليه السلام فيقول: ((ننظر أتهتدي أم تكون من الذين لا يهتدون)) [النمل: 41]. وترد الملكة بلقيس بنفس مصطلح ذو القرنين: ((رب اني ظلمت نفسي واسلمت مع سليمان لله رب العالمين)) [النمل: 44]. وعند إتيان عرشها قال الله تعالى على لسان سيدنا سليمان: ((نكروا لها عرشها ننظر أتهتدي أم تكون من الذين لا يهتدون)) [النمل: 41]. أما ذو القرنين فقال: عذابا نكرا.
*الدليل السادس: الإستواء والمطابقة في التفويض الإلهي و التصرف في الجزاء والعقاب:-
كما ذكرنا آنفا إن التفويض الإلهي لا يكون إلا لنبي. فالأنبياء يتصرفون بعد نزول الوحي. ذو القرنين أعطي هذا التفويض. ((قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا* قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا*وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاءا الحسنى وسنقول له من أمره يسرا)) [الكهف: 86-88].
اما لسيدنا سليمان عليه السلام: ((ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر واسلنا له عين القطر ومن الجن من يعمل بين يديه باذن ربه ومن يزغ منهم عن امرنا نذقه من عذاب السعير)) [سبأ: 12]. وفي أخرى: ((والشياطين كل بناء وغواص* وآخرين مقرنين في الأصفاد* هذا عطاؤنا فأمنن أو أمسك بغير حساب)) [ص: 37-40].
ويمكن أن نلحظ أن التفويض الإلهي لذي القرنين يأتي مستترا، بدون صفة نبي، ومقرونا بالأسباب.
*الدليل السابع: الزهد بما في يد البشر:-
ولو أن الأنبياء كلهم كذلك والصالحون زاهدون إلا أن هذه اللفتة الصريحة في القرآن الكريم يمكن أن تربط بين ذو القرنين وسيدنا سليمان عليه السلام. فكلمته كانت واحدة أن ما عند الله هو الخير.
((قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا))، فرد: ((قال ما مكني فيه ربي خير فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما)) [الكهف: 95]. وفي النمل قالت الملك بلقيس: ((وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون))، فرد: ((فلما جاء سليمان قال أتمدونني بمال فما آتاني الله خير مما آتاكم بل أنتم بهديتكم تفرحون)) [النمل: 36].
ألا ترون معي أن كلمة الخير هي واحدة ، والرد مماثل، ألا يعني ذلك أن شخصهما هو الآخر واحد.
*الدليل الثامن: معرفة المواد وكيفة إستخدامها:-
ذو القرنين حين بناء الردم إستخدم الحديد والقطر: ((آتوني زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتى إذا جعله نارا قال آتوني أفرغ عليه قطرا)) [الكهف: 96].
سليمان تعلم من أبيه النبي داوود عليهما السلام صنعة الحديد. ((ولقد آتينا داود منا فضلا يا جبال أوبي معه والطير وألنا له الحديد)) [سبأ: 10]. وورث سليمان العلم وكذلك صنعة الحديد فقال تعالى: ((وورث سليمان داود وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء إن هذا لهو الفضل المبين)) [النمل: 16].
أما في القطر: ((ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر واسلنا له عين القطر)) [سبأ: 20]. لم تشر سورة سبأ عن فيما إستخدم نبي الله سليمان النحاس المسال أو عين القطر ليأتي الرابط الصريح في إستخدام ذو القرنين للحديد والنحاس معا. فالمعدنين الوحيدين اللذان ظهرا متلازمين مع بناء الردم كانا هما معدن الحديد ومعدن النحاس المسال. ((آتوني زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتى إذا جعله نارا قال آتوني أفرغ عليه قطرا)) [الكهف: 96].
أليست هذه وحدها تكفي لتدلل على أن ذو القرنين هو بذاته نبي الله سليمان.
وفي ملمح آخر كيف يتم هذا البناء العظيم من غير مساعدة آليات ومعدات ضخمة. فهل يمكن ان يكون نبي الله سليمان إستخدم الجن الذين كانوا يعملون لديه. ثم النفخ لإشعال النار، أيمكن أن تكون الريح المسخرة لسيدنا سليمان كانت عامل مساعد لتجهيز هذه المادة السائلة المشتعلة.
*الدليل التاسع: المتابعة المستمرة للأعمال وإجراء الإختبارات للتأكد من إتقان العمل وتطبيق القانون في الجزاء والعقاب:-
كان نبي الله سليمان يباشر متابعته لأعماله بنفسه. ((وتفقد الطير فقال ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين*لأعذبنه عذابا شديدا أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين)) [النمل: 21]. ((إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد)) [ص: 31]. ((يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور* فلما قضينا عليه الموت ما دلهم علي موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين)) [سبأ: 14]. أي أن نبي الله سليمان كان يتابع أعماله دوما حتي إنه مات واقفا في مكان عمله.
أما ذو القرنين فكان متابعا ومشرف على عمله بنفسه أيضا: ((فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما* آتوني زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتى إذا جعله نارا قال آتوني أفرغ عليه قطرا* فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا)) [الكهف: 97]. أي كان مشرفا على البناء بنفسه والتأكد من تمام الإمكانيات والمواد والبناء حتى مرحلة الإختبار الأخيرة.
وللتيقن من استحالة تخطي الردم أمر فريق أن يختبر العمل. ((فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا)) [الكهف: 97]. فالأولى (اسطاعوا) تعني أنهم لم تأتيهم الفكرة ليحاولوا عمليا تسلق الردم، لشدة وضوح استحالة ذلك. أما (استطاعوا) فهي تعني أنهم بذلوا أقصى ما عندهم من جهد ومحاولات كي يثقبوه ولكن كل محاولاتهم باءت بالفشل الزريع. فتأكد ذو القرنين من إتقان عمله كما عادة سيدنا سليمان عليه السلام إتقان عمله وذكر الله في خواتيمه. ((قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي)) [النمل: 19].
وقال ذو القرنين: ((قال هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقا)) [الكهف: 98].
في الحلقة القادمة إن شاء الله سأعرض عليك بإذن الله خواطر عن طواف ذو القرنين، وكيف أنه كان نبي كما إستنتجنا ولكنه حين حكم حكم بالعدل للإنسان وعمل بإتباع الأسباب البشرية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.