الأربعاء 26 يناير 2011م ……..طالعت ما كتبه الدكتور محمد سعيد القدال وقد أرخ لتجربته التي عاشها بسجن كوبر، بعنوان: «كوبر.. ذكريات معتقل سياسي في سجون السودان»، ويقول د. القدال: “إن (حوش) السرايا (جناح عتاة المجرمين) يتحول في مطلع المساء الى سوق صغير يباع فيه الشاي والقهوة والسجائر والسكر وغيرها من المواد الاستهلاكية وانه عرف ان (البنقو) وهو نوع من المخدرات او الحشيش المنتشر في السودان يباع فيه كذلك، وعلنا دون خفاء، وتقوم ادارة السجن بإجراء تفتيش مفاجئ (كشة) على اقسام السجن من وقت لآخر، وتجرى (الكشة) عادة عندما يكون السجناء في الخارج اثناء ساعات النهار، وتصادر كل الممنوعات والاسلحة، ولكن سرعان ما يقوم السجناء بتجميعها من جديد”. ذهبت بتفكيري إلى أنني أن أستطيع أن أتفهم أن تكون هنالك تجارة للمواد الغذائية داخل سجن كوبر، وذلك نسبة لأن الأكل بالسجن ردئ، غير مستساغ وكمياته قليلة!!!!!!، وتحيرت فيما كتبه د. القدال، حول تجارة البنقو والحشيش والسلاح داخل سجن كوبر!!!!!!!، والذي أعرفه، أنه لم يسبق لنا طيلة فترة حبس أبوذر والتي أكملت عاماً كاملا!!!!!!، لم يحدث، أن دخلنا السجن، إلا وتعرضنا لتفتيش شخصي دقيق جداً!!!!!!!، فهنالك موظفين رجال يفتشون الرجال تفتيش شخصي!!!!!، وتقوم بتفتيشنا موظفة بالسجن، وتدقق في ذلك كثيراً، فتبدأ بتفتيش الرأس، وتتحسس ما إذا كان هنالك شئ مندس وسط شعورنا وما إذا كنا أحكمنا ربط الإيشارب ووضعنا شيئاً داخل رؤوسنا!!!!!!، وتحت الأبطين والصدر والبطن والأرداف والأرجل!!!!!!، وتتحسس كل أجزاء الجسم بدقة متناهية، للتأكد من أننا لم نخفي شيئاً ولو صغيراً!!!!!!!!!. وبعد ذلك تبدأ بتفتيش ما نجلبه من مواد عذائية، وفي مرة أحضرت كبابي شاي وزجاجة (نسكافية) فتم إرجاعهم بحجة أن الزجاج، يمكن أن يؤذي أحد السجناء!!!!!!، فلا يسمح بإدخال الزجاج أو غيره!!!!، وفي مرة أخرى لم يسمح لي بإدخال عراقي بتكة، بحجة أن السجين يمكن أن يشنق نفسه بالتكة!!!!!!!، فحتى أبسط الأشياء يصورونها، على أنها يمكن أن تؤذي السجناء!!!!!!!. أما الأشياء الحادة فحدث ولا حرج، مثل الضفارة التي قيل لنا أنها يمكن أن يُقتل بها أحد السجناء!!!!. حتى أنني علقت ضاحكة لأبوذر، قائلة: قد تخيلت نفسي، أتيت لزيارة مجانين بمصحة نفسية وليس عقلاء بالسجن!!!!!!!. عهدنا بسجن كوبر، الدقة والتشدد في التفتيش والصرامة التي تصحبه، بحيث لا يمكننا، أن ندخل ولا حتى نملة دون علم الإدارة بها!!!!!!!. وأنه أمر غير قابل للتصديق ومحل شك، أن يكون إدخال الأسلحة والمخدرات قد تم دون علم إدارة السجن. وزادت دهشتي عندما تحدث د. القدال عن سوق تمُارس به هذه التجارة، وتعجبت لكيفية إدخال البنقو والحشيش لسجن كوبر، والتي يتم جمعها بواسطة الكشات، ثم تظهر من جديد!!!!!، فبالرغم كل تلك الإجراءات المتشددة والتي وصلت درجة من الهوس المرضي، لأن يتم منع، أتفه الأشياء من الدخول!!!!!!!، فكيف يمكن تهريب الأسلحة إلى داخل السجن!!!!!!!. فإذا افترضنا أن المخدرات من السهل دسها وسط المواد الغذائية أو إخفائها بالجسم أو غيره!!!!!!، ولكن أن يكون هنالك إدخال متكرر للأسلحة، فهذا شئ يدعو للعجب والغرابة!!!!!!!. بحيث لا يمكن أن أتخيل دخول وتسريب للسلاح دون أن تتم ملاحظة ذلك من الموظفين بالسجن!!!!!!!!. وتساءلت متعجبة، كيف تغفل إدارة السجن عن ذلك؟؟؟؟ وهل حدث ذلك سهواً؟؟؟؟؟ وإن كان ذلك صحيح، وحدث مرة، فكيف إذن تظهر المخدرات والأسلحة مرة ثانية، رغم أن الكشات التي تدار بواسطة إدارة السجن تتولى أمرها؟؟؟ وكيف يمكن أن نبرر هذا، رغم صرامة التفتيش ودقته؟؟؟؟؟ ألا يعني هذا تسريب مستمر وبصورة منتظمة للأسلحة والمخدرات إلى السجن؟؟؟؟؟؟ ومن له مصلحة ليحافظ على استمرارية ورواج سوق الأسلحة والمخدرات بالسجن؟؟؟؟ وكيف لم تفلح الكشات في محاربة هذا السوق؟؟؟؟ وما هو تبرير إدارة السجن في عجزها وفشلها لمحاربة هذا السوق؟؟؟؟؟ وهل قامت إدارة السجن بمساءلة الموظفين المسئولين ومحاسبتهم على ذلك؟؟؟؟؟ وهل يعني استمرار هذه التجارة، هو تراخي من الإدارة وغض الطرف عنها؟؟؟؟؟. ما عرفته من خلال معايشتي للسجن، أن السجناء السياسيين وضعهم ممتاز جداً مع المقارنة بالسجناء العاديين!!!!!!، فالطعام الذي يتم تقديمه للسياسيين أفضل ألاف المرات عن ما يتم تقديمه للسجناء العاديين!!!!!!، وحتى وضعية العنابر من حيث التأثيث والبيئة، لا يمكن أن تقارن مع العنابر التي يوجد بها العاديين!!!!!!!. وعرفت من إدارة السجن أن أبوذر وبقية الصحفيين موجودين مع السجناء العاديين وليس السياسيين، بعنبر اسمه (كولمبيا) وقد أتت التسمية لأن معظم السجناء مدانين بجرائم التعاطي أو الإتجار بالمخدرات!!!!!!، وقلت في نفسي، إن الأوضاع التي تحدث عنها د. القدال، تحكي واقع السجن الأليم وتجربته به، رغم أنه سجين سياسي!!!!!!، وأن من يعيشون مع السجناء العاديين بعنابرهم سوف يكتبون ويقصون مجلدات تحكي وقائع آلامهم ومآسيهم التي تفوق حد الخيال والوصف!!!!!!!!.