[email protected] ….. فيصل محمد صالح أول صحفي عربي – بالفهم التصنيفي التقليدي – ينال جائزة غلوبال ميديا فورام الأمريكية (جائزة بيتر ماكلر السنوية) للشجاعة والنزاهة الصحفية. يحتل السودان المركز 170 في تدني حرية الصحافة من أصل 179 دولة حسب آخر تقرير لمنظمة "مراسلون بلا حدود" المعنية بحرية الإعلام في كل العالم. وتنادي المنظمة بضرورة تمتع الصحافيون بالحرية الكافية التي تمكنهم من نقل الحقائق والتنديد بانتهاكات حقوق الإنسان وتوعية الرأي العام. حافظ السودان على المرتبة 170 في تصنيفي عامي 2012 و2013 على التوالي. دلالات منح فيصل الجائزة في بلدٍ ينوء بتركة ثقيلة ومخيفة في مجال الحريات عامة وحرية الصحافة والتعبير على وجه التحديد، دلالات لا تخفى على متبصر وعاقل. أولى الدلالات تكمن في قدرة الصحافي/الإعلامي النزيه على الصمود أمام العسف الأمني والمضايقات التي تحدث له ولأسرته. هذا الصمود هو الكفاح الذي يتوج به الإعلامي مهنيته وهو مؤشر ومقياس إلى أي مدى يستطيع أنْ يمضى بها غير آبهٍ أو عابٍ بالتحديات، بل يعمل على كشفها ومنافحتها بكلمته وقلمه. دلالة النزاهة والموضوعية مهمة أيضاً في تقييم عمل وأداء الإعلامي، بحيث ينبغي أنْ تحمل رسالته مفاهيماً واضحة وقيماً تعلي من شأن التفكير الحر وتمتع الإنسان بكافة حقوقه المدنية والسياسية والاقتصادية. دلالة ثلاثة لا تقل أهمية تكمن في أنَّ الصحافي/الإعلامي المصنوع بأمر السلطة والقوانين العسفية لن يبلغ شاؤاً في نظر المراقب المحايد، مهما علا وصفهم الوظيفي في أي صحيفة أو جهاز إعلامي. وهذا درس لمن ظلوا مسلطين على الصحافة السودانية منذ تولى الإنقاذ سدة الحكم في 1989 وظلوا في إدارة الصحف ورئاسة التحرير دون قيم صحفية أخلاقية يستندون عليها سوى موالاتهم البينة لنظام حكم فاسد وقمعي. وهذه دلالة قمة في الأهمية بأنه ليس فيهم من يتمتع بقيم الشجاعة والنزاهة الصحفية، فهل وصلتهم الرسالة؟ الآن يقتلهم فيصل محمد صالح بمهنيته وعلو كعبه عليهم جميعاً. فالنزاهة والشجاعة الصحفية لا تصنعها المواقع بل المواقف. فيصل بالطبع ليس وحيداً، فهو نموذج لعشرات صحفيين/ات سودانيين/ات بذات المهنية والمثالية والذين لم تستطع السلطة البائسة في الخرطوم تركيعهم/ن أو سوقهم/ن إلى الإستكانة أو تغيير مواقفهم/ن. وبقدر إحتفائنا بالجائزة الرمزية، بقدرما نتخوف على فيصل من ضربات موجعة من صحفيي النظام الموالين وطيور الظلام الأمنية التي تهيمن على صحافة السودان اليوم. ضربات تحت الحزام ولن يألوا جهداً في استعمال شتى الوسائل للنيل من هذا الإنسان النبيل الذي جعلنا نرفع رأسنا مرة أخرى رغم أنف الثقافة السلطوية السائدة وجعلنا نقول بأنَّ السودان بخير برجاله ونسائه الذين لم ولن يسايروا ثقافة الانحطاط السائدة التي تبجل الفساد وتحتفي باللصوص وسارقي قوت الشعب والمنكلين بأبنائه وبناته الأوفياء لقيم الحرية وانحيازهم التام للإنسان السوداني وحقه في حياة كريمة تصون حقوقه وتؤمن مستقبلاً مضيئاً لأبنائه. شكراً لك فيصل محمد صالح، الإنسان السوداني المتخم بحب وطنٍ لا يعرف الانحناء والانهزام أمام سلطات القمع والفساد.