سيف الحق حسن……. [email protected] ……. أم 77 ضمت 35 وزيرا و42 و وزير دولة. كانت تلك آخر حكومة تشكلت في السودان الموحد في يونيو 2010. بالتأكيد كان غالبيتهم من حزب المؤتمر الوطني. و إنفصل الجنوب وفقد الوطن ثلث مساحة جزء عزيز منه. كان الإنفصال بمثابة ناقوس فشل وفرصة للطغمة الحاكمة بإعلان إخفاقها ومراجعة سياساتها لإجراء الإصلاحات اللازمة. فعلى أقل تقدير كان يجب إشراك كل القوى السياسية الوطنية في حكومة جديدة تقود البلاد خارج النفق المظلم وإنتشاله من وحل الفشل وحافة السقوط. فكانت المشكلة ليست فيمن يحكم بل القضية الملحة هي كيف نحافظ على ما تبقى من البلد الفضل (بلد المليون ميل مربع)؛ وكيف ينعاد لهذا الشعب الفضل المجروح كرامته الوطنية. فكل وطني غيور إنجرح وشعر بغصة ومرارة شديدة في حلقه بفقدان جزء من تراب الوطن ورحيل أهله معها. ولكن تشققت أذاننا وتصدعت رؤوسنا في الفاضي بمصطلح الجمهورية الثانية والحكومة الجديدة العريضة الرشيقة. و ضرب المؤتمر اللاوطني بعرض الحائط كل المخارج وجاء التشكيل الجديد بنفس الأوجه القديمة والبلاوي والنهج الشمولي بالرغم من كميات النصح ومداد الحبر الذي أهريق. فتشكلت الحكومة العريضة الرشيقة بمشاركة 15 حزبا سياسيا مع إحتفاظ البلوة الكبرى -حزب المؤتمر اللاوطني- بالجمل وما حمل. فظل وزير الخارجية علي كرتي ووزير الدفاع عبد الرحيم محمد حسين ووزير المالية علي محمود، وأصبح وزير الصناعة الحالي عوض الجاز وزيرا للنفط وهو منصب كان يشغله في عقد التسعينات. كما ظل الفريق بكرى حسن صالح وزيرا لرئاسة الجمهورية، محمد بشارة دوسة للعدل و اسامة عبد الله للكهرباء. إذا هي نفس حكومة البلاوي أم 77 بمكياج هزيل من أحزاب الفكة وقدر ظروفك. فبالتأكيد أخفقت ولم تصمد أمام الأزمة وتحديات المرحلة التي كان أبرزها الوصول لتوافق سياسي وتحقيق الأمن الوطني وتصحيح الوضع الإقتصادي لشح النقد الاجنبي بسبب فقدان البلاد لنحو 75% من الموارد النفطية الداعمة لإقتصاده. و بعد عامين لحكومة البلاوي إتسعت رقعة الحروب وإستمر قطاع التعليم والصحة في التدهور. وإستفحلت مشكلة الإقتصاد وإزدادت الزراعة مرضا مع المتعافي وإنكمشت الصناعة والإستثمار مع الطفل المعجزة. وبديهيا زادت نسبة العطالة والعقول المهاجرة وطار سعر الدولار من 3500 جنية ليصل إلى 7000 جنيه وإنت طالع. وإرتفعت الأسعار إرتفاعا ملحوظا وشبعت كرش غول الغلاء والآن يتكئ ويتجشأ وينكش في أسنانه. وبالتوازي إستمر عفن الفساد والتطبيع معه ليكون صديقا للبيئة كما رأينا في الحج والعمرة وغلوتية خط هيثرو، وشركة الأقطان، وفضيحة إفتتاح مصنع سكر النيل الأبيض والهيئة العامة للإستثمار. وناهيك عن المشاكل الإجتماعية الأخري، كتفشي العنصرية والقبلية وتعمق مشكلة الوطنية والهوية التي باتت من أكبر الهواجس. والآن ومنذ رمضان نسمع عن إعلان حكومة جديدة. فقد سمعنا إرهاصات بتبادل كرتي ومصطفى عثمان المواقع وترضيات جمة للفصيل الإصلاحي بقيادة د غازي صلاح الدين وإعطاء قوش وود إبراهيم مناصب رفيعة فيها. فهل تعتقد بأن الحكومة المرتقبة ستختلف عن سابقاتها أو الحكومات التي تشكلت منذ 24 عاما. كل حكومة جديدة تنافس التي سبقتها في إحراز الفشل تلو الفشل بتفنن وبلا انقطاع!. فماذا نتوقع من هذه الحكومة الجديدة غير البلاوي المتلتلة!. عقب إنفصال الجنوب كان من الواجب إبتداء عهد جديد بفترة انتقالية تمحو أثار الفشل وتصحح المسار وتؤسس لوضع جديد بتشكيل حكومة أزمة على غرار حكومة الببلاوي في مصر الآن. فحكومة الدكتور حازم الببلاوي حكومة أزمة لفترة إنتقالية تصحيحة تشكلت من التكنوقراط. أهم أهدافها هو السير بالبلاد في هذه الفترة الحرجة حتى يتم صياغة دستور دولة المواطنة. دستور يرسخ مبادىء العدالة الاجتماعية ويضمن للجميع الحرية والكرامة والعدالة والمساواة. فليس المطلوب منها إحداث تغييرات جذرية كبرى كالخصخصة أوالتأميم أوتغيير قوانين أساسية، لأن مثل هذه الأمور متروكة للحكومة المنتخبة، بقدر ما إن الأولوية لتحقيق مراعاة حقوق الإنسان وإستقرار الوضع وحقن دماء المصريين للبدء في حياة ديمقراطية صحيحة تسع الجميع. شكل الدكتور حازم الببلاوي الحكومة من كفاءات كل في مجال عمله. فمثلا بالنسبة لوزارة الدفاع أبقى على الفريق أول عبدالفتاح السيسي وزيرا للدفاع. وزارة الإعلام أوكلها للإعلامية الدكتورة درية شرف الدين. الخارجية للسفير نبيل فهمي. ومقياسا لما تواججه حكومة الببلاوي من أزمة أمنية حادة وعدم إستقرار داخلي وإقتصادي وسجالات سياسية مع القوى الخارجية فإن أداء حكومة الببلاوي يعتبر جيدا للحد البعيد لإلتزامه بخارطة طريق معينة. وفي خضم هذا كله لم ينسى الدكتور الببلاوي معيار الشفافية. فقد قدم له ولزوجته السيدة عزة محمد لطفى إقرار ذمة الذي نشرته الصحافة. يمكن ان تستعين بالقوقل لتعرفه. ولكن لدينا نحن حكومة بلاوي. فلم نرى إقرار ذمم إلا بعدما نضب معين النهب المصلح من نفط الجنوب. فعلى سبيل المثال نشر البشير إقرار ذمته قبل عام فقط، ولم نرى إقرار ذمة بالنسبة لزوجتيه الفضليات السيدة فاطمة والسيدة وداد بابكر أو لإخوانه الأعزاء!. فإذا كنا نحتاج لحكومة أزمة قبل ذلك، الآن نحتاج لحكومة كارثة. فالقضية الملحة اليوم هي ليست هي من هي الحكومة الجديدة ولا حتى كمية الترضيات وطول وعرض وأكتاف الحكومة العريضة، ولكن كيف نوقف دمار ونزيف الوطن ونحقن دماء المواطنين ونسد رمق الجوعى ونرأب تصدعات وتشققات وتهكات نسيجه الإجتماعي. و لكن يبدو إن نهج ما أريكم إلا ما أرى سيستمر. "فقد رفض المؤتمر الوطني اشتراطات القوى السياسية المعارضة بالاتفاق على حكومة انتقالية. وأكد أن الحوار منفتح مع كل الأحزاب للوصول الى منظومة سياسية وطنية يتم الاتفاق فيها على الثوابت الوطنية.!" [الصحافة: 02-09-2013]. و الله لا يهدي كيد الخائنين وإن الله لا يصلح عمل المفسدين. فإذا أراد البشير وحزب المؤتمر الوطني فعليا تجنيب البلاد كل الويلات والجدل اللامنتهي عليهم إعلان فشلهم على الملأ وإخفاقهم في إدارة البلاد والعباد والإعتراف بفسادهم السياسي الذي هو أساس كل الفساد. والتنحي لتتشكيل حكومة من التكنوقراط. حكومة وحدة وطنية يشارك ويتوافق عليها الجميع بما فيها الجبهة الثورية وفصائل دارفور وكل من يحمل سلاحا. حكومة تكون من أصحاب الكفاءات مع أهمية فصل السلطات القضائية والتنفيذية والتشريعية للتأسيس لدولة القانون. وأيضا تأسيس دستور المواطنة الذي يسع الجميع لتحقيق العدالة الإنتقالية ويضمن السير في طريق التنمية الإجتماعية. فلا تحسين بغير موارد، ولا موارد بلا استثمار، ولا استثمار بلا دولة قانون بها إستقرار ومشاركة حقيقية للجميع. هذا هو أصل الدولة الديمقراطية، والحياة السياسية السليمة. وفوق ذلك كله إعلان البشير وزمرته الإستعداد للمحاسبة على ما إقترفوا من ذنوب في حق الوطن والشعب وكل البلاوي المتلتلة والمتنيلة بستين نيلة في ربع قرن من الزمان. وإلا سيتبقى لنا خياران لا ثالث لهما. إما الثورة لنوقد بها شمعة للمستقبل، أو لحظات ونواصل نلعن الظلام وحظنا التعيس و أبو اليوم الرمانا في البلوة دي.