سيف الحق حسن …… [email protected] …….. في مقالي السابق "حكومة البلاوي وحكومة الببلاوي" أشرت إلى أن خيارنا نحن المقاومة والنضال والثورة إلى آخر مدى لنصرة المستضعفين والمظلومين وجعل للكل بلد أمين. فهذا لا يحتاج منا غير سيف السلم وسلاح القلم الذي هو أصدق انباءا من العنف. وبتحقيق الهدف نسترد الحقوق ونقيم القصاص فنصنع الحياة و نحقق وطن يسع الجميع. ونحن نثق بعدل الله تماما وبأنه يمهل ولا يهمل، وعدالته قائمة وناجزة ولو بعد حين. ولا يظلمنا ربنا البتة ولكننا نظلم أنفسنا بتقصيرنا وتقاعسنا وإنبطاحنا للظلم وإستسلامنا لليأس. أما خيار الطغمة الحاكمة هو التنحي وإعلان الفشل ومن ثم الإستعداد للمحاسبة على كل ما اقترفوا في حق الوطن والشعب. فهذا هو الخيار الوحيد والذي ما يزال قائما والذي يعتبر بمثابة خروج آمن لكم لحد كبير أيتها الطغمة الحاكمة. فإذا لم تأخذوا بهذا الخيار فعليكم الإستعداد لما أعد لكم عدل الواحد الجبار. فعندئذ لا يوجد إختيار بل مختار. و المختار هو المختار بن أبى عبيد الثقفي. ولد بالطائف، فى السنة الأولى للهجرة. والده الصحابي أبو عبيد الثقفى قائد المسلمين في معركة الجسر. نشأ المختار بالمدينة وعرف على أنه كان فارسا شجاعا وكان من محبي الإمام علِي بن أبى طالب عليه السلام. بعد إستشهاد الإمام علِي، بايع المختار الإمام الحسن بن علي عليهما السلام. ثم ما لبث أن اختلف معه مع من انفضوا عن الإمام الحسن قبل مصالحة معاوية. قبل فاجعة كربلاء كان قد أرسل الحسين ابن عمه مسلم بن عقيل إلى الكوفة لأخذ البيعة من أهلها، فأسكنه المختار داره وأكرمه. ولكن لما علم والي الكوفة الجديد زياد بن عبيد الله الذي عينه يزيد بن معاوية لملاحقة موالين ومحبي الإمام الحسين عليه السلام، قتل مسلم وسجن المختار وفقأ عينه بقضيب حديد. ولبث في السجن إلى أن توسط له عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ليزيد. فقبل ولكن قال له إن وجدتك بعد ثلاثة أيام بالكوفة ضربت عنقك. فسار إلى الحجاز وهو يتوعد بقطع أنامل عبيد الله بن زياد، وأن يقتل بالحسين بن علي بعدد من قتل بدم يحيى بن زكريا. ثم بايع عبد الله بن الزبير. و ما لبث عدد سنين حتى إنفض عنه وعاد إلى الكوفة مجددا والتى تحولت لحكم عبد الله بن الزبير وواليها هو إبراهيم بن محمد بن طلحة. وعندما سمع الوالي بقدوم المختار أمر بحبسه تخوفًا من مشاركته فى جيش التوابين. وجيش التوابين هو ذاك الذى خرج يطالب بثأر الإمام الحسين وكان بقيادته قيادة سليمان بن صرد الخزاعي. وبعد هزيمتهم كتب المختار إلى بعض الناجين من ذاك الجيش يطلب منهم أن يبايعوه على ثأر الحسين رافعا شعار "يا لثارات الحسين". وكان يقول داخل السجن: "أما ورب البحار والنخيل والأشجار والمهامة والقفار والملائكة الأبرار والمصطفين الأخيار، لأقتلن كل جبار بكل لدن خطار ومهند بتار بجموع الأنصار ليس بمثل أغمار ولا بعزل أشرار حتى إذا أقمت عمود الدين، وزايلت شعب صدع المسلمين، وشفيت غليل صدور المؤمنين وأدركت ثار النبيين، لم يكبر على زوال الدنيا، ولم أحفل بالموت إذا أتى". وكان قد سمع وقرأ كتابه هذا عددا من المغبونين الذي سيكونون معه جيشه لاحقا. بعض الرواة يحكي إن المختار كان لا يعرف لا بالصلاح ولا بالتعقل بل بالرعونة. ولكن عزمه على الثأر للإمام الحسين سيد شباب أهل الجنة كان مبعثًا لتشجيع الموالين على التحالف معه رغم كل مثالبه. أرسل المختار لعبد الله بن عمر مرة أخرى ليتوسّط له عند عبد الله بن الزبير ليخرجه من السجن، فأمر عبد الله بن الزبير عامله فى الكوفة بإطلاق سراحه. و فور خروجه قام المختار بتجميع جيشه للقصاص من قتلة مولانا الإمام الحسين وبنفس شعاره "يا لثارات الحسين" وأهدافه الصريحة للإنتقام. ومما زاد إلتفاف المزيد من الناس حوله هو عدم نكران محمد بن علي بن أبي طالب المعروف بإبن أبي الحنيفية لما يريد أن يفعله المختار إذ قال: "وأما ما ذكرتم ممن دعاكم إلى الطلب بدمائنا، فوالله لوددت أن الله انتصر لنا من عدونا بمن شاء من خلقه، ولو كره لقال لا تفعلوا". وكان سببا في إنضمام إبراهيم بن الأشتر النخعي، وكان معروفًا بشجاعته الفائقة. قام المختار بتتبع كل مَن شارك فى قتل وخيانة الإمام الحسين، فرد فرد بيت بيت دار دار زنقة زنقة، وقتلهم جميعًا شر قتلة. وعلى رأسهم عمر بن سعد وشمر بن ذي الجوشن وعبيد الله بن زياد وحرملة بن كاهل الأسدي وعبد الرحمن بن سعيد بن قيس الكندي وسنان بن أبي أنس وخولي بن يزيد الأصبحي والحصين بن نمير. وتعامل بمبدأ الجزاء من جنس العمل. فمنهم من قطع رأسه ثم أحرق جسده وهدم داره، ومنهم من رموه بالنبل والحجارة وترك بين الحياة والموت حتي يموت. ومنهم من قطع أنصاله بالسيف ومنهم من رماه بسهم في جوفه فيأخذ يضنضنه ليخرج السهم ولكن يبقى النصل في جوفه. وقام بالتمثيل بجثث الكثير. وما أرتكبه المختار من تعدي ومجازر وفظائع هو ما لم يقره آل البيت لأنه حرام شرعا وهو ما يقول عنه القانون الدولي اليوم بأنها جرائم حرب. ولكن آل البيت يقرون بأن قضاء الله الذى كتبه للإنتقام ممن قتلهم وخانهم وقضاءه للإنتقام من كل ظالم قاتل متكبر سافك دم لا يكون إلا بمثله. وأختلف المسلمون في أن الحديث الشريف (إن في ثقيف كذابا ومبيرا) بين أن المقصود به هذا المختار أم الحجاج بن يوسف الثقفي. فقد عرفت أسماء بنت أبي بكر ذات النطاقين رضي الله عنهما على الحجاج الثقفي إذ قالت له: أما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أن في ثقيف كذابا ومبيرا فأما الكذاب فرأيناه وأما المبير (أي المهلك) فلا اخالك إلا إياه. قال فقام عنها ولم يراجعها. وقيل ان الكذاب هو المختار ولكن من دون سند ولا رواية تشير إليه. وعلى كل فإن الحكمة التى تعلمناها من إستشهاد الإمام الحسين وآل بيته، عليهم الصلاة والسلام، في إنتقام المختار، في أن الله يستخدم من خلقه من يقتص به ليثبت أركان عدله، ويحدث التوازن فى كونه. ومن هذا فلكل حسين مختار. فالله بالمرصاد لكل ظالم فهو للمظلوم منتقم جبار. أما وإن لم تختاروا فأستعدوا للمختار. و "يا لثأرات السودان والشعب الفضل".