خطة مفاجئة.. إسبانيا تستعد لترحيل المقاول الهارب محمد علي إلى مصر    مشاهد من لقاء رئيس مجلس السيادة القائد العام ورئيس هيئة الأركان    (خطاب العدوان والتكامل الوظيفي للنفي والإثبات)!    من اختار صقور الجديان في الشان... رؤية فنية أم موازنات إدارية؟    المنتخب المدرسي السوداني يخسر من نظيره العاجي وينافس علي المركز الثالث    الاتحاد السوداني يصدر خريطة الموسم الرياضي 2025م – 2026م    البرهان يزور جامعة النيلين ويتفقد مركز الامتحانات بكلية الدراسات الاقتصادية والاجتماعية بالجامعة    وزير الصحة المكلف ووالي الخرطوم يدشنان الدفعة الرابعة لعربات الإسعاف لتغطية    إعلان خارطة الموسم الرياضي في السودان    غنوا للصحافة… وانصتوا لندائها    ترتيبات في السودان بشأن خطوة تّجاه جوبا    توضيح من نادي المريخ    حرام شرعًا.. حملة ضد جبّادات الكهرباء في كسلا    تحديث جديد من أبل لهواتف iPhone يتضمن 29 إصلاحاً أمنياً    شاهد بالفيديو.. لاعب المريخ السابق بلة جابر: (أكلت اللاعب العالمي ريبيري مع الكورة وقلت ليهو اتخارج وشك المشرط دا)    شاهد بالفيديو.. بأزياء مثيرة وعلى أنغام "ولا يا ولا".. الفنانة عشة الجبل تظهر حافية القدمين في "كليب" جديد من شاطئ البحر وساخرون: (جواهر برو ماكس)    امرأة على رأس قيادة بنك الخرطوم..!!    ميسي يستعد لحسم مستقبله مع إنتر ميامي    كمين في جنوب السودان    تقرير يكشف كواليس انهيار الرباعية وفشل اجتماع "إنقاذ" السودان؟    محمد عبدالقادر يكتب: بالتفصيل.. أسرار طريقة اختيار وزراء "حكومة الأمل"..    وحدة الانقاذ البري بالدفاع المدني تنجح في إنتشال طفل حديث الولادة من داخل مرحاض في بالإسكان الثورة 75 بولاية الخرطوم    "تشات جي بي تي" يتلاعب بالبشر .. اجتاز اختبار "أنا لست روبوتا" بنجاح !    المصرف المركزي في الإمارات يلغي ترخيص "النهدي للصرافة"    الخرطوم تحت رحمة السلاح.. فوضى أمنية تهدد حياة المدنيين    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    أول أزمة بين ريال مدريد ورابطة الدوري الإسباني    أنقذ المئات.. تفاصيل "الوفاة البطولية" لضحية حفل محمد رمضان    شهادة من أهل الصندوق الأسود عن كيكل    بزشكيان يحذِّر من أزمة مياه وشيكة في إيران    لجنة أمن ولاية الخرطوم تقرر حصر وتصنيف المضبوطات تمهيداً لإعادتها لأصحابها    انتظام النوم أهم من عدد ساعاته.. دراسة تكشف المخاطر    مصانع أدوية تبدأ العمل في الخرطوم    خبر صادم في أمدرمان    اقتسام السلطة واحتساب الشعب    شاهد بالصورة والفيديو.. ماذا قالت السلطانة هدى عربي عن "الدولة"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان والممثل أحمد الجقر "يعوس" القراصة ويجهز "الملوحة" ببورتسودان وساخرون: (موهبة جديدة تضاف لقائمة مواهبك الغير موجودة)    شاهد بالفيديو.. منها صور زواجه وأخرى مع رئيس أركان الجيش.. العثور على إلبوم صور تذكارية لقائد الدعم السريع "حميدتي" داخل منزله بالخرطوم    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    رحيل "رجل الظلّ" في الدراما المصرية... لطفي لبيب يودّع مسرح الحياة    بنك أمدرمان الوطني .. استئناف العمل في 80% من الفروع بالخرطوم    زيادة راس المال الاسمي لبنك امدرمان الوطني الي 50 مليار جنيه سوداني    وفاة 18 مهاجرًا وفقدان 50 بعد غرق قارب شرق ليبيا    احتجاجات لمرضى الكٌلى ببورتسودان    السيسي لترامب: ضع كل جهدك لإنهاء حرب غزة    تقرير يسلّط الضوء على تفاصيل جديدة بشأن حظر واتساب في السودان    استعانت بصورة حسناء مغربية وأدعت أنها قبطية أمدرمانية.. "منيرة مجدي" قصة فتاة سودانية خدعت نشطاء بارزين وعدد كبير من الشباب ووجدت دعم غير مسبوق ونالت شهرة واسعة    مقتل شاب ب 4 رصاصات على يد فرد من الجيش بالدويم    دقة ضوابط استخراج أو تجديد رخصة القيادة مفخرة لكل سوداني    أفريقيا ومحلها في خارطة الأمن السيبراني العالمي    الشمالية ونهر النيل أوضاع إنسانية مقلقة.. جرائم وقطوعات كهرباء وطرد نازحين    شرطة البحر الأحمر توضح ملابسات حادثة إطلاق نار أمام مستشفى عثمان دقنة ببورتسودان    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    ترامب: "كوكاكولا" وافقت .. منذ اليوم سيصنعون مشروبهم حسب "وصفتي" !    بتوجيه من وزير الدفاع.. فريق طبي سعودي يجري عملية دقيقة لطفلة سودانية    نمط حياة يقلل من خطر الوفاة المبكرة بنسبة 40%    عَودة شريف    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مختصر كتاب (الفتنة الكبرى) للمفكر طه حسين بقلم

= يقول طه حسين ( هذا حديث أريد أن أخلصه للحق و أحمل نفسي فيه على الإنصاف لا أحيد عنه و لا أمالي فيه حزبا على حزب ) . و على هذا الأساس كتب كتابه القيم (الفتنة الكبرى .. عثمان و على و بنوه) عام 1952 و نشرته ( دار المعارف ) المصرية .. و ما بين يدينا الآن هو الطبعة الثالثة عشر منه . و فيما يلي مختصر ما ورد بالكتاب من ذكر الأحداث الكبرى التي أبتلي بها الإسلام .
يقول طه حسين :
= لقد كان نظام الحكم في الخلافة الراشدة نظاما إسلاميا , و لكنه الى ذلك تأثر بالدين الى حد بعيد جدا . كما تميز بالضمير الحي الذي يرى الرسول أمامه في كل خطوة . و تميز من ناحية أخري بكون القائمين عليه هم طبقة من الناس الذين قربهم الرسول اليه و الذين أحبهم الناس و وثقوا فيهم لحسن سيرتهم بين الناس . فنظام الحكم في الخلافة الراشدة نظام إسلامي تديره تلك الطبقة المتميزة دون غيرها . كما تم تحديد إطار تلك الطبقة بدقة تامة بحيث يكون الأئمة من قريش و يكون المستشارين من الأنصار .. و فجأة نشأت أرستقراطية قرشية بين الناس .. و ما لبثت قريش أن حرفتها بإتجاه مصلحتها و منافعها . و لكن هذه الأرستقراطية الممتازة كانت بطبيعة الحال الى زوال و كان لابد من نشوء أجيال جديدة ليس لها ما كان لهذا الجيل من الإمتياز .
= كانت القاعدة الأساسية التي أقام عمر و أبوبكر عليها نظام حكمهما هي أن يسيرا سيرة النبي في المسلمين .. و كان قوام هذه السيرة تحقيق العدل الخالص المطلق بين الناس . و قد سار أبوبكر سيرة النبي في نفسه فتحرج أن يموت و عنده من أموال المسلمين شئ فرد أهله هنات أوصي بردها الى عمر .. فبكى عمر. و عمر أيضا سار في الناس سيرة النبي .. فعمر في عام الرمادة عرف أن عامة الناس من حوله لا يجدون السمن فحرم السمن على نفسه و صبرها على الخبز الجاف و الزيت .
= حكم عثمان الستة أعوام الأولى لا يكاد يجد معارضة . ثم حكم الأعوام الأربعة التي تليها فصار يجد الكثير من المعارضين . و في العام الأخير بلغ إحتجاج المعارضين لسياسته ذروتها . و كان عثمان قد إحتج عليه الناس أنه يختار الولاة من ذوي قرابته , و أنه كثير الإنفاق على قرابته من بيت مال المسلمين أيضا . فالشئ الذي ليس فيه شك أن عصر عثمان قد شهد معارضة لم يشهدها عصر عمر . و كانت هذه المعارضة في الأمصار البعيدة كما كانت في المدينة مقر الحكومة . و هذه المعارضة ظاهرة طبيعية محتومة دعت اليها ظروف الحياة الإحتماعية و السياسية و الدينية المستجدة . و ما كان لعثمان أن يقاوم الظروف أو يقهر طبيعة الحياة . و لقد كان من بين زعماء المعارضة لعثمان في المدينة ثلة من الصحابة الكرام هم : عبدالرحمن بن عوف / سعد بن أبي وقاص / الزبير بن العوام / طلحة بن عبدالله / علي بن أبي طالب / عبدالله بن مسعود الهذلي / أبوذر الغفاري / عمار بن ياسر / ينصحونه فيلينون حينا و يشتدون معظم الأحيان .
= إنطلقت شرارة الثورة من الكوفة حيث ثار الكوفييون مطالبين بتغيير الوالي عليهم فاضطر عثمان أن يفعل ذلك و كانت تلك بداية الفتنة حيث أدرك الناس أن الثورة هي طريق التغيير . و ما هي الا أشهر قليلة بعد ثورة الكوفة حتى يخرج الكوفيون مرة أخرى مع المصريين و البصريين و يسيروا حتى يدخلوا المدينة يحتلونها و ينادي مناديهم ( من دخل داره فهو آمن ) ثم يضربون الحصار حول دار عثمان . و قد كان الحصار في أول أمره يسيرا و كان الخليفة في البداية يخرج من داره يصلي بالناس و من بينهم الثائرين أنفسهم و يخطب فيهم و يسعى بينهم السفراء المصلحون . كان الثائرون يريدون من الخليفة أن يخلع نفسه (يرحل) .. وكان الخليفة عثمان يأبى أن ينزع قميصا قد كساه الله عز و جل إياه . و لكن الأمور تتعقد فجأة ,, فالجند مقبلون من الأمصار لنصرة الخليفة . و هنا تتغير خطط الثوار . ففي أثناء خطبة لعثمان في المسجد يهجم عليه أحد الثوار و يأخذ من عثمان العصا التي كان يخطب عليها و يكسرها (العصا التي كان يخطب عليها النبي و أبوبكر و عمر) .. ثم ثار الناس و حصبوا عثمان حتى صرع فأحتملوه مغشيا عليه الى داره لم يخرج منها بعد ذلك .. فقد حبسوه و منعو عليه الصلاة في المسجد و منعوا عليه الماء . و لزم أكثر الصحابة بيوتهم و أقام الناس في بيوتهم لا يخرج أحدهم الا و معه سيفه . و حينما أوشك الإمداد أن يصل المدينة لنصرة الخليفة أنفذ الثوار نفرا منهم عليهم محمد بن أبي بكر فتسوروا الدار و أحرقو أبوابها و إنتهوا الى عثمان فقتلوه . قتل عثمان و كان الثائرون قد ملؤوا المدينة رعبا و خوفا , فلم يكن دفن الخليفة المقتول ممكنا إلا بليل و على إستخفاء شديد من الناس . و لقد ظلت المدينة أياما و ليس للناس فيها خليفة و إنما يدير أمورهم فيها الثوار . و كانت أهواء الثوار فيمن يكون الخليفة مختلفة : فأهل مصر مع علي .. و أهل الكوفة مع الزبير .. و أهل البصرة مع طلحة . الا أن المهاجرين و الأنصار قد مالوا الى علي فأصبح علي هو الخليفة الرابع .
= و كان أول ما واجهه علي بن أبي طالب من الناس قضية القصاص من قتلة عثمان . و لكنه طلب أن يمهل ريثما يثبت أركان حكمه . فخلق هذا الأمر معارضة قوية له و لما يبدأ حكمه بعد . ثم إنه أراد أن يسوس الناس بسيرة عمر (شدة في غير عنف و لين في غير ضعف) .. الأمر الذي لم يحتمله كثير من الناس خصوصا بعدما ألفوه من لين عثمان و دفعه اليهم بالعطايا و المنح من بيت مال المسلمين . و من ناحية ثالثة فقد بدأ في تنحية الولاة الذين طالما شكا منهم الناس في الكوفة و البصرة و مصر .. و هذا جعله مبغوضا من من كانوا يعتاشون على الوضع السياسي القديم . الا أن أس البلاء قد جاءه من الشام و التي كان عليها معاوية بن أبي سفيان . فقد رفض معاوية إعطاء البيعة للخليفة الجديد و أعلن العداء في غير إستخفاء . فمعاوية و أهل الشام يريدون أن يثأروا لعثمان و نصبوا قميصه للناس و جعلوا يلتفون حوله و يبكون . و حينئذ علم علي أنها الحرب و قرر أن يخرج بجيشه للقضاء على تلك الفتنة . و أثناء تجهيزه لجيشه جاءته الأنباء غير السارة من مكة حيث تجمع عمال عثمان المبعدون و تجمع الساخطون على مقتل عثمان و تجمع الزبير و طلحة و عائشة زوجة رسول الله و جعلوا من مكة معقل المعارضة الأكبر لدرجة أنهم رفضوا تعيين الوالي خالد بن العاص بن المغيرة الذي عينه علي على مكة . و تشاورت المعارضة المكية و قررت الرحيل الى البصرة لمحاربة علي بن أبي طالب من هناك . فجاءت أخبار تحرك المعارضين المكيين الى علي فتحول عن قتال أهل الشام ليرد هؤلاء الثائرين مما قصدوا اليه . و يخرج علي من المدينة يريد البصرة و ما كان يقدر أنه سيترك المدينة الى غير رجعة .
= و هناك في الكوفة يلتقي الجيشان .. جيش علي و جيش عائشة .. و أقتتل الفريقان قتالا شدسدا منكرا . و رأى المسلمون يوما لم يروا مثله شناعة و لا بشاعة و لا نكرا . سل المسلمون فيه سيوفهم على المسلمين . فقتل من هؤلاء و أولئك جماعة من أفضل أصحاب النبي و من خيرة فقهاء المسلمين و قرائهم . و بلغ عدد القتلى ما يتجاوز العشرة آلاف و إن كثيرا من دور البصرة و الكوفة قد سكنها الحزن و الثكل و الحداد . و بعد أن إنتهت الحرب في البصرة أمر علي على البصرة عبدالله بن عباس و رجع الى الكوفة يريد أن يستعد لحرب معاوية في الشام .
= و قد إجتمع حول معاوية أهل مشورته و هم رؤوس الأجناد و شيوخ القبائل و أهل بيته من بني أبي سفيان و بنو عمومته من بني أمية .. و إنضم اليه عمرو بن العاص . و بعد فشل كل محاولات الصلح يلتقي الجيشان في صفين . و هناك تزاحف الجيشان العظيمان و تقاتلوا أشد قتال و أعظمه نكرا . و بينما الرجال في إقتتال إذ بالمصاحف قد نشرت و إذ بالتحكيم يطلب من قبل معاوية و يقبله على . و تكون لجنة تحكيم ثنائية لوقف نزيف الدم المسلم بعد أن وصل قتلى أهل الشام ما فوق الأريعين ألفا و قتلى أهل العراق ما فوق الخمسة و العشرين ألفا . و ضمت اللجنة عمرو بن العاص من طرف معاوية و أبو موسي الأشعري من طرف علي . و إنتهت اللجنة الى خلاف مشهود على المنبر أخفي وراءه مكيدة كبرى . لقد كان أصل الإتفاق هو خلع الرجلين .. معاوية و على .. و يترك الناس ليختاروا أميرا جديدا عليهم . الا أن ما حصل أن الأشعري صعد المنبر في براءة و أعلن خلعه لعلي و نزل .. ثم جاء بعده العاص معلنا من ذات المنبر أنه قد أثبت معاوية . و كان لابد للحرب أن تعود من جديد . فنهض علي بأصحابه يريد الشام . لكنه لم يمض بهم الا قليلا حتى جاءته أنباء قلبت خطته رأسا على عقب . فالخوارج قد تجمعوا في النهروان يرفضون التحكيم و لا يريدون عليا و لا يريدون معاوية معا . يرسل علي اليهم مفاوضا فيقتلوه . فيتحول جيش علي من سيره الى معاوية ليسير الى النهروان لقتال الخوارج . و كان عديد الخوارج الثلاثة آلاف .. و ما هي الا ساعة حتي قتلوا عن آخرهم . و مرة أخري تراق دماء المسلمين بسيوف المسلمين . و ظن على أن الأمور قد إستقامت بهذه الإبادة الجماعية . و ما لم يخطر على باله أن هؤلاء الثلاثة آلاف كانوا كلهم من أهل العراق و جلهم من الكوفة تحديدا . و عشائرهم و أقرباؤهم جميعهم في جيش على . فالجند في نهاية المطاف ناسا من الناس يحزنون لفقدان الأحبة و الأهل . و لذا فما أن عاد الجيش من معركة النهروان الى الكوفة حتي تسلل من معسكره و عاد أفراده الى البيوت و قد كرهت نفوسهم القتال . و إشتدت المحنة على علي .
= ألا أن محنة على تشتد أكثر عندما يعلم أن نصره في النهروان لم يغن عنه شيئا . فقد بقي من الخوارج جماعة ظلت تكيد له المكايد . ثم تأتيه الأنباء من مصر بأن معاوية قد دخلها بجيش يقوده عمرو بن العاص و أن محمد بن أبي بكر الصديق قد قتل هناك . و منذ ذلك اليوم إنقسمت الدولة الإسلامية الى قسمين : قسمها الشرقي تحت قبضة معاوية .. و قسمها الغربي تحت إمرة على بن أبي طالب . و تاتي الى علي الأنباء بأن عمه عبدالله بن عباس الذي كان عامله في البصرة قد إختلس أموال بيت المال و عاد أدراجه الى مكة . و أما الجيش .. فقد إشتد عصيان الجيش على الخليفة الذي تعب من محاولاته المستميتة أن يعبئهم لقتال معاوية من جديد حتى أنه قال فيهم ( يا أشباه الرجال و لا رجال .. و يا عقول ربات الحجال ) .. يضاف الى ذلك أن معاوية يشن الغارات المتوالية على أطراف ولايات على .. بينما يشعل بقايا الخوارج حروبا متقطعة هنا و هناك في الداخل . و فيما كان علي يعالج هذه المشاكل يتفق الخوارج على خطة دموية فاصلة يرتاحوا يريحوا بها الأمة من الثلاثة الذين هم أصل الإختلاف في ذلك الوقت : علي في الكوفة و معاوية في الشام و عمرو بن العاص في مصر . و كان عبدالرحمن بن ملجم موكلا بإعتيال علي . و في فجر ذلك اليوم خرج على مناديا للصلاة كعادته فإذا بسيف عبدالرحمن بن ملجم قد أصابه في رأسه حتى بلغ دماغه .. فخر علي حين أصابته الضربة و هو يقول (لا يفوتنكم الرجل ) . و حمل الناس عليا الى داره حيث مات فيها في ليلة اليوم الثاني . و لأن الناس في وجع ما بعده وجع لموت من كان حبيب المصطفى فقد دفعوا فورا بالبيعة لإبنه الحسن . و كان الحسن رجل صدق قد كره الفرقة و آثر إجتماع الكلمة .
= و قد مكث الحسن قريبا من شهرين لا يذكر الحرب التي كان يعد لها أبوه علي حتي الحوا عليه الحاحا و حرضوه تحريضا فخرج أخيرا في جيشه الى المدائن . الا أن معاوية بعث اليه يريد السلم و الصلح . و يقول الناس أن تحول معاوية للسلم مع الحسن سببه معرفته بأن الحسن كان عثماني النزعة كارها للفتنة . و تم الصلح في نهاية المطاف ببيعة الحسن لمعاوية . و كان الحسن يريد بهذا الصلح حقن الدماء . أما و قد تم الصلح فقد حمل الحسن أشياءه و أرتحل عائدا الى المدينة . لكنه بدأ من هناك يدير أمور أحد أكبر الطوائف الإسلامية .. الشيعة .. وأول حزب سياسي إسلامي . لكنه ما لبث أن توفى عام خمسين للهجرة .. فصارت رئاسة الشيعة الى أخيه الحسين بن على . و كان في الحسين شدة و عزم أشبه شئ بشدة و عزم عمر بن الخطاب .
= و قد شدد معاوية من قبضته على الرعية خصوصا بعد استلحافه زيادا أخا له و توليته البصرة و الكوفة . كما إشتد الشيعة مع رئاسة الحسين في معارضتهم . و كان رأس المعارضين الشيعة حجر بن عدي الكندي ذلك الرجل الصالح الذي القي في السجن و أشهد ضده الشهود زورا فأمر معاوية عامله على البصرة بأن يدفن حجر حيا .. ففعل . و قد ذعر المسلمون في أطراف الأرض لهذا الحدث . ثم أتبعه معاوية بطوافه على الأقاليم يأخذ البيعة جبرا أو إختيارا على ولاية العهد لإبنه يزيد المعروف بالخلاعة و المجون . فإستقر في الإسلام ملك يقوم على البأس و البطش و الخوف . و قد تم ذلك سنة 56 هجرية .
= ثم يموت معاوية و يجئ بعده إبنه يزيد الماجن الذي لم يكن يحتمل أن يلتوي أحد عليه بطاعة . وأما الحسين فقد أقام بمكة رافضا بيعة يزيد . و لكنه أرسل ابن عمه مسلم بن عقيل الى الكوفة لتعبئة الناس ضد يزيد . فيعلم يزيد بأمرهم . و ذات يوم يخرج مسلم من مخبئه و معه الألوف متجهين ناحية مسجد الكوفة . و لكن الليل يجئ فيجد الفتي نفسه وحيدا فيقبض عليه و يرسل ليزيد فيقتله في أعلى القصر و من هناك يلقي برأسه ثم جثته أرضا . فيقرر الحسين المسير الى الكوفة و الناس يخوفونه بطش يزيد .. و قد إحتمل معه أهل بيته و فيهم النساء و الصبيان . مضى مع الحسين نفر من بني أبيه و من بني أخيه الحسن و إثنان من بني عبدالله بن جعفر و نفر من بني عمه عقيل و رجال آخرون . و أنضم اليهم فيما بعد خلق كثير . و عند أبواب البصرة كان جيش عمر بن سعد بن أبي وقاص متأهبا . فدارت الحرب . و فيها رأى الحسين المحنة كأشنع ما تكون المحن .. رأى إخوته و أهل بيته يقتلون بين يديه و فيهم أبناؤه و أبناء أخيه الحسن و أبناء عمه .. و كان هو آخر من قتل منهم بعد أن تجرع مرارة المحنة فلم يبق منها شيئا . يومذاك نظر المسلمون فإذا مسلمون مثلهم بينهم القرشي عمر بن سعد بن أبي وقاص يقتلون أبناء فاطمة بنت رسول الله و يقتلون أبناء علي و يسلبون الحسين حتي يتركوه متجردا بالعراء و يصنعون به ما لا يصنع المسلمون بالمسلمين .. ثم يسبون النساء كما يسبي الرقيق و فيهم زينب بنت فاطمة بنت رسول الله .. ثم تحمل رؤوس القتلى و فيهم رأس الحسين لتوضع أمام يزيد بن معاوية بن أبي سفيان . و كأن الشر يدعو الى الشر و الدماء تدعو الى الدماء .
= و تتلاحق الأحداث .. فيثور أهل المدينة إنتقاما لمقتل آل البيت و يخرجون عامل يزيد لديهم و يؤمرون منهم رجلا عليهم . فيضطر يزيد أخر الأمر أن يرسل اليهم جيشا بقيادة مسلم بن عقبة المري . فيصل الجيش المدينة و يقتل منها خلق كثير .. ثم أباح المدينة ثلاثة أيام لجنده يفعلون فيها بالرجال و بالنساء ما يشاؤون . ثم يأخذ البيعة على من بقي منهم , لا على كتاب الله و السنة , و لكن على أنهم (خول ليزيد) .. أي عبيد ليزيد . ثم يتحول الجيش من المدينة الى مكة فيحاصر فيها إبن الزبير و أهلها ثم يرمي مكة بالمنجنيق و تحترق الكعبة .. ثم تستباح مكة لجنود الجيش الغازي يفعلون بالرجال و النساء فيها ما يشاؤون . لتتحول منذ ذلك التاريخ مدينة الرسول الى مدينة مثل باقي المدن و تصبح مكة مكانا مثل باقي الأمكنة يسود عليهم جميعا ملك عضوض فتاك .
=(( و لله حكمة أجرى عليها أمور الناس , و الله بالغ أمره , قد جعل لكل شئ قدرا . ))
= و كان ذلك آخر ما سطره المفكر / طه حسين في كتابه القيم (الفتنة الكبرى) .
مختصر كتاب (الفتنة الكبرى) للمفكر طه حسين
بقلم / نوري حمدون – الأبيض – السودان


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.