من جاور الحداد اكتوى بناره محمد حبيب كانت فكرة ترشح أحد قيادات جماعة الإخوان لانتخابات الرئاسة خطأ استراتيجيًا قاتلا، وقلت يومها إنها سوف تكلف الجماعة والوطن غاليا..فقد احتاجت الجماعة لاستجلاب أكبر عدد من الأصوات- ليفوز مرشحها- أن تلجا إلى الجماعة الإسلامية، والسلفية الجهادية، وهى التى تختلف معها فى الفكر والمنهج والحركة.. لقد ظلت الجماعة بمنأى عن كل من له أو كان له صلة بالعنف طيلة العقود الأربعة الماضية، حفاظا منها على نقاء الفكرة وطهارة المنهج وسلامة الحركة، كما حرصت على إعلان رفضها وإدانتها ونبذها للعنف، واستبعاد أى فرد منها تستشعر منه ميلا إلى العنف، أو تبنى فكرة استخدام السلاح فى الوصول إلى السلطة، حيث يفتح ذلك أبوابا من المفاسد والشرور والفتن، فضلا عن أنه يعطى مشروعية لمن يمتلك السلاح للوثوب على السلطة. كان متوقعا أثناء الجولة الثانية لانتخابات الرئاسة، أن تكون قيادات الإخوان قدمت تعهدات، حال فوز مرسى، للجماعة الإسلامية والسلفية الجهادية..ربما شملت هذه التعهدات إصدار عفو رئاسى عن رموز محكوم عليها فى قضايا جنائية، أو غض الطرف عما يحدث فى سيناء من تدريبات عسكرية تقوم بها تنظيمات «جهادية»..وعندما وصل مرسى إلى الرئاسة، كان عليه أن يفى بتعهداته، واعتقد أن استشهاد ال 16 جنديا فى رفح، والعنف والقتل فى سيناء، وكذلك خطف ال 7 جنود مع ضرورة «الحفاظ على الخاطفين والمخطوفين»، تمثل أبلغ دلالة على ذلك. لم يكن الإخوان- والمتحالفون معهم- مستعدين أو مهيئين لحكم مصر نظرا لضعف قدراتهم وإمكاناتهم، فضلا عن ضخامة التحديات الداخلية والخارجية التى تواجههم، إضافة إلى محاولة استئثارهم واستحواذهم على مفاصل الدولة.. ثم كان الإعلان الدستورى المشؤوم الذى أصدره مرسى، والذى تسبب فى الانقسام الحاد، والاحتراب الأهلى، والعنف المجتمعى، وعدم الاستقرار السياسى، والفشل فى التعامل مع الأزمة الاقتصادية.. فى 5 ديسمبر وقعت مجزرة الاتحادية..كانت هذه هى البداية.. بداية تأثير السلطة وتأثر قيادات وأفراد من الإخوان بطريقة تفكير ومنهج الجماعة الإسلامية والسلفية الجهادية فى التعامل مع الخصوم السياسيين.. انتهى المنهج السلمى، وحل مكانه نزوع وميل لاستخدام العنف.. وكان نتيجة ذلك كله ثورة 30 يونيو، اليوم الذى سقط فيه قتلى من المتظاهرين أمام مقر مكتب الإرشاد بالمقطم. عقب عزل مرسى فى 3 يوليو، نتذكر جيدا تلك الخطابات النارية والملتهبة وذلك التهديد والوعيد من على منصة رابعة والنهضة، وكيف كان الخطاب عدائيا واستعلائيا واشبه ما يكون بإعلان حرب..نتذكر أيضا كلمة البلتاجى «أنه سيتوقف ما يحدث فى سيناء، فى اللحظة التى يرجع فيها عبد الفتاح السيسى عن الانقلاب»..نتذكر كذلك من قال: «أنا بنذرك يا سيسى..انت حتحرق البلد..حتفجر مصر»..ومن قال: «سيكون هناك من يفجرون أنفسهم فى التجمعات، وتفجيرات بالريموت كنترول وسيارات مفخخة..وأنتم أقل من ذلك بكثير»..وكانت محاولة اقتحام دار الحرس الجمهورى، ثم المنصة، وما حدث فيهما من ردود فعل عنيفة أودت بحياة 182 قتيلا..ومع فض اعتصامى رابعة والنهضة، كان هناك عنف وقتل واقتحام أقسام شرطة وحرق كنائس وتخريب وتدمير وإشاعة فوضى.. وتتابعت أعمال العنف، كان آخرها قتل 25 من الجنود أثناء عودتهم من العريش. وجاء تفجير سيارة مفخخة أثناء سير موكب وزير الداخلية بالقرب من منزله صباح الخميس 5 سبتمبر، ليؤكد أننا أمام تغير نوعى وتقنى عال..علينا انتظار نتائج التحقيقات..واضح أن الهدف هو كسر الشرطة، وإسقاط هيبتها فى محاولة اغتيال شخص الوزير، خاصة بعد الضربات الأمنية التى وجهتها لجماعة الإخوان، والتى يوجهها الجيش لبؤر العنف والإرهاب فى سيناء..الهدف يتضمن أيضا إعطاء انطباع أن مصر تعيش حالة فوضى، نتيجة عزل مرسى (!!)..المفتونون بنظرية المؤامرة يزعمون أن الداخلية هى التى خططت للعملية، حتى يظهر للعالم أن الدولة تحارب الإرهاب فعلا، وليس ادعاء، وكى يكون ذلك مسوغا لمزيد من إلقاء القبض على أعضاء التيار الإسلامى، وهو منطق متهافت، إذ ليس من المعقول أن يظهر وزير الداخلية- المنوط به حماية أمن المواطنين- أنه فشل فى تأمين نفسه، وبما يجعله موضع سخرية من المواطنين أنفسهم.