فايز الشيخ السليك ……. [email protected] ……. حين تقدم الشاب أشرف زين العابدين،وهو يهتف في وجه نافع علي نافع، أشهر مؤسسي بيوت الأشباح، وأطولهم لساناً، وأكثرهم وقاحةً، (اسكت يا كضاب يا حرامي انت كتلت الناس داير تجي تتبجح لينا هنا؟)، ثم يقذفه بحذائه. أي سر دفع هذا الشاب نحو رمز الصلف الإنقاذي؟، وتجر عناصر أمن نافع الشاب أشرف إلى نقطة الشرطة، وهناك ينهالون عليه بالضرب، إلا أن أهله يلحقون به ويخلصونه من بين أياديهم الملطخة بالدماء ، وينتزعون منه انتزاعاً، دون اعتقاله!. و حين يتسلل شخص مثل جاسوس محترف، أو حتى مثل لص يمشي فوق أمشاط رجليه حتى لا يشعر الناس بوجوده،ويجلس فوق كرسي داخل خيمة عزاء الشهيد صلاح سنهوري، ماذا نسمي هذا التصرف ؟، وحين يلتفت الناس فجأة نحوه، ويكتشف أحدهم أن الرجل المتسلل هو نافع على نافع، يطردونه من بيت البكاء، وهي حالة نادرة الحدوث في السودان، ماذا نسمي مثل هذا الموقف؟، وما هي دلالاته؟. وحين يقول أحد حملة الدكتوراة، أن ( الصور الفاضحة ليست عند بناتنا وأولادنا في موبايلات وهي لا تخرج من نطاق اعمال الطبيعة في الناس والبشر وهي خاصة بمن يحتفظ بها نفعاً وضرراً ولا تتعداه الي غيره ، أما صوركم الفاضحة فهي دائماً تتعدي الي غيركم ضرراً فقط وهي وصمة في جبينكم أينما حللتم وان أخذكم الموت ، سيرثها أبناؤكم ايها الغافلين . فضائحكم مصورة ومسجلة وموثقة ليس لدي الشعب السوداني فقط وإنما لدي كل الدول ومجلس الامن وصولاً الي محكمة الجنايات الهاربون منها مؤقتاً ولا يجدي عدم اعترافكم بها . من انتم ايها الغافلون ؟). ويكون المتكلم هو الدكتور ميرغني أبن عوف، وهو والد شابة في بداية العشرينات أعتدى عليها باشبوزق شرطة البشير لأنها رأت أحدهم يطلق الناس على انسان، ويرديه قتيلاً، ولكي يغطي الباشبوزق على جريمتهم ينتزعون هاتف الشابة سمر، ويضربونها، ويسوقنها إلى قسم الشرطة، وهناك يعذبونها، ثم يوجهون لها الاتهامات، ومن بينها أن هاتفها يحتوي على صور فاضحة، مع أنه، ولو صح، فهو أمر شخصي، لكن والد الشابة يسخر من اتهامات الباشبوزق، وهذا الرجل كانوا يريدون أن يذلوه بفبركة قصص حول بنته، لكنه يرد عليهم بالطريقة المذكورة ماذا نسمي مثل هذا التصرف؟، وما هي دلالات هذا الموقف ؟؟ و الأب مصطفى محى الدين، والد الشهيد مصعب؛ حين يقول: ( كل النحنا مطالبين بيهو مستند قانونى يثبت لنا ان ولدنا قتل . الورقة بتاعة تصريح بالدفن دى مافيها أسباب الوفاة . ولدى هو الشايل البيت انا نزلت معاش من بدرى هو ركازة البيت وحقو انحنا بنعرف نجيبو). . ماذا يمكن أن نسمي موقف هذا الرجل ؟؟ وما هي تفسيرات مثل هذا الموقف؟. و والدة المناضل جعفر خضر تقول (انتو ما ناس أمن انتو ناس ارهاب )، وتتوعد السيدة فتحية عناصر جهاز الأمن بأنها سوف تنادي نساء الحي، لينظمن مظاهرة ضدهم لو كرروا اقتحامهم لبيت المناضل جعفر، وهي تنادي إحدي جاراتها، لكن عنصر الأمن يرد قائلاً ( يا حاجة عايزة تلمي فوقنا الناس.؟). ثم تؤكد جازمة بأن لهم يوم، وان النظام سوف يسقط قريباً جداً. ما هو شعورك يا صديقي، وأنت تستمع لكلمات هذه السيدة التي تتحدى الأمن بعنجهيته، وبتهديده؛ بأنه قادر على تفتيش حتى منزل والي ولاية القضارف، وهو محق لأنه جهاز بصلاحيات غير محدودة، وهو دولة داخل دولة، لكن ذات الجهاز القمعي، يتحول إلى ( نمر من ورق)، أمام أصوات نساء عزل، فينكشف ضعفه الحقيقي، وإن استخدم العنف المفرط، أو التعذيب الممنهج!. والصحافية أمل هباني، وفي غرف التوقيف، أو ( ثلاجة الموز) يحققون معها وتقول لهم (الدولة أوتيت من قبلكم انتم، ودول الإمبريالية لن تجد وضعاً أفضل من هذا الوضع لتنفذ فيه أهدافها)، وتقول لهم كذلك (هذه البلد تستحق حياة افضل، دولة مدنية ودولة مؤسسات)،أي موقفٍ هذا؟!. ووالدة الشهيد، الصبي، هزاع عز الدين، تقول ( حسبي الله ونعم الوكيل، حسبي الله ونعم الوكيل، ربنا يخلص حقي في الدنيا قبل الآخرة، كل لحظة ألم انا عشتها اتمنى رب العالمين ينتقم منها في الدنيا قبل الآخرة، أي لحظة الم انا ضقتها خليتها لله والرسول انا ما عافية نهائي، خليت ولدي في البيت وجيت لقيته في المقابر، أنا ما عافية خالص خالص. أما جدته، فتقول ( إن ذلك كله من عمر البشير لأنه عاقر، ما ضاق الجنا، بكتل في جنا الناس ويحرق حشاهم، حرقة حشانا الضقناها الله يضوقا ليه ولي أمه ولي حبوبته (زي ما هرد كبدتنا الله يهرد كبدته وكبدة أمه وحبوبته واحرق حشاهم في جناهم). وروت أن الوالي أرسل لهم ليحضر وليعتذر، فقالت للمرسال، قل له قالت ليك حبوبته (إن انت راجل تعال). وابراهيم الشيخ، رئيس حزب المؤتمر السوداني يقود مظاهرة بنفسه، والخطيب سكرتير الحزب الشيوعي لم يتأخر كذلك، وهناك عشرات الشباب من قادة المستقبل، كانوا بين أكثر من ألف معتقل، والأسماء كثيرة، أخشى أن أذكر البعض وأسقط البعض سهواً، لكن الكثيرين يعلمون من هم؟؟.وإحسان عبد العزيز يخطفونها من داخل بيتها، وبعد أن أصدرت كتابها ( نساء في مرمى البندقية) لم تسعد بمولودها هذا، لتجد نفسها ( تحت حصار الأمنجية) ، لكنها لا تلين، وهناك داليا الروبي وايثار ، وأمل سليمان، وريان شاكر زين العابدين. وصديق مقرب، لا يحب أن أشير إلى اسمه، زهداً في الظهور، يتصل بي عبر الهاتف، ليخبرني أن ابنه اصيب في رأسه، لكن الجرح لم يكن عميقا، إلا أن والد الشاب، يخبرني بعد يومين بعد أن سألته عن أخبار ابنه، فقال ضاحكاً ( اليوم مشى مظاهرة تانية). هذه مشاهد، ليست من نسج الخيال، ولا من تأليف كاتب روايات، بل هي قصص موثقة، نشرتها المواقع الأكلترونية، وهي موجودة فوق صفحات ( حريات) ، و(الراكوبة)، بالأسماء والتواريخ، والأماكن، وبعضها بالصورة والصوت. و مشاهد أسر المعتقلين وهم يعتصمون أمام مباني الجهاز الفاشسيتي نفسه، معظمهم، أمهات واخوات وزوجات، مثلما تصورها لنا جولات التضامن الإنساني مع أسر الشهداء والجرحى والمعتقلين، حيث مر المئات عليهم، وهم يرددون ( عيد شهيد)، ويحملون شعارات الثورة وشارات النصر، دون أن نسقط من المشاهد صورة لحوالي (500) سوداني من أهالي الخوجلاب وهم يحملون الهدايا إلى المعتقلين في سجن أم درمان، في تضامن كبير، وموقفٍ نبيل ، يعكس فخرهم بفلذات أكبادهم. إن كلمة السر هنا، هي الجسارة، وانتقال حركة الجماهير، نقلةً نوعية ، ما يعني أننا على أعتاب ثورة، بعد أن كسر الناس حاجز الخوف، ورأينا كيف قابل الصبيان والصبيات الرصاص وعيونهم مفتوحة، وصدورهم مكشوفة، بجراحها متزينة، على حد قول شاعرنا ؛ محمد المكي ابراهيم أو مثلما يقول شاعرنا الآخر، عاطف خيري ( جيل الشمس موكب حريق). وهذه الجسارة نشاهدها في عيون أمهات الشهداء، وفي صمود آباء المعتقلات، في وقت تقوم فيه الخطة الشريرة لجهاز الأمن على تخويف الأسر، من اغتصاب بناتهم، أو تشويه سمعتهن، ليتم كسر الأسر، وبالتالي كسر مقاومة القمع، والبقاء في مرحلة الرضوخ والاستسلام. إن ّ ثورات الجماهير" تتم عبر تراكمات كمية تفضي إلى تحولات نوعية ، ليكون أي مشهد فيها هو مجرد فعل، غير منفصل عن أفعال سابقة أو تالية في حدث زمني مستمر ، وهو الفعل الذي يشكل قطيعة معرفية بين القديم والجديد"، وتتم هذه التراكمات عبر المظاهرات الصغيرة، الاحتجاجات المختلفة، التضامنات في القضايا الحقوقية، الكتابات الصحفية عن الحرية، والتحول الديمقراطي، كشف الفساد، ونقد الاستبداد، والسياسات الحكومية الخاطئة، وهو ما يقود إلى النقلة الحاسمة، أو "اللحظة الفارقة"، أو "انفجار القنبلة الناسفة"، وهو انفجار قد يقع لمجرد حادث صغير، مثل مقتل بائع متجوّل، مع أنّ عشرات أو مئات كانوا قد قتلوا قبله، إلا أنّ التراكم، والتحريض، والتعبئة، والحشد تجعل هذا الفعل انتصاراً لكرامة مثل حالة محمد بوعزيزي التونسي ، أو استشهاد طالب مثل حالة القرشي في أكتوبر، أو ربما لهزة اقتصادية كبيرة، مثل غلاء أسعار، وجوع، وانقطاع كهرباء، ومياه، أو كل فعل يمكن أن يثير هذا (الوحش أو الجماهير) و(الوحش الكاسر)، لا توقفه بعد ذلك وسائل القمع، ولا رسائل التهديد، أو الترغيب، حال حصول (القطيعة المعرفية) مع الماضي، والانعتاق من أسره،بل ورفضه، ورفض سياساته، وتوجهاته، بعد انكشاف خدعه التي كان يضلل بها الناس فتراتٍ طويلة، ويدجن عبرها الجماهير، لتكون مطيعةً، ومنقادةً، بل وراضحةً ومستسلمة، لدرجة أن من يحاول تغييرها ستقف ضده بضراوة في بداية الأمر لأن التحول من موقف إلى موقف ليس بالأمر السهل، وحتى لو أراد شخص تبديل ملابسه، فإنه في حاجة إلى مرحلة انتقال من ستر إلى ستر تتخللها مرحلة " تعري"، وهي هنا تعرية العقل، بعد تعرضه لمثيرات جديدة، أو أكثر اثارةً لتتم عملية الاستجابة وفق شروط الإثارة والاستجابة في علم النفس، ولحظة التعري هي إزالة الغشاوة عن العقل الواعي، وتخطي مرحلة الزيف والتضليل، إنها مرحلة طويلة وصعبة، لكن لا تتشكل الكتلة الحاسمة " الجماهير" بدونها، لكن ، فعندما تتكون الكتلة، فعندئذ؛ يذوب الأفراد في الجماعة، وتتولد الروح الجماعية، وهي مثل روح القطيع، ففرد القطيع يشعر بالأمان مع جماعته، وتهزم الجموع داخله قشعريرة الخوف، فيشعر بالقوة، وبالثقة، وبالأمان، ويمكن أن يفعل ما لا يفعله لو كان بمفرده. لقد دخلت الشعوب السودانية في هبة سبتمبر مرحلة الجسارة، وكسر الخوف، وكسر هيبة الدولة، وهوما لا يمكن للمستبدين استيعابه بيسر بسبب طول فترات استبدادهم، فهم منفصلون عن الواقع، و لا يصدقون أنّ لهم أخطاء، ويتوهمون بأنّهم قوة لا تُقهر، وأنّهم حقيقة لا يأتي الباطل من خلفها، أو بين يديها، ويحتكرون السلطة، والمعرفة، وسلاح اإُرهاب، وحين يقتلون يظنون أنّهم يدافعون عن أوطانهم، وهم في الحقيقة لا يدافعون سوى عن" أمجاد شخصية"، ومكاسب " ذاتية"، ومن أجلها مستعدون لمحاربة الجميع، وإهدار دماء الكل، وتفريقها " حارة حارة.. دار دار.. زنقة زنقة". خارج النص .. قال زعيم حزب "الاتحادي الديمقراطي الأصل" في السودان محمد عثمان الميرغني، إن حزبه لن ينسحب من الحكومة، مضيفاً أن الانسحاب سيؤدي إلى "كارثة" في البلاد وأكدت مصادر في الحزب الاتحادي الديمقراطي أن الميرغني أبلغهم بضرورة الإستمرار في الشراكة مع الحكومة في تلك المرحلة الصعبة التي تمر بها البلاد. اعترف الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي أن حزبه لم يدع الشباب إلى الخروج في الإختجاجات الأخيرة رغم إدراكه حجم الأزمة التي تواجهها البلاد، وفسر قائلاً ( عدم دعوتنا للشباب للإحتجاج لعدم وجود البديل المناسب، وسبق وأن طرحنا من هو البديل ولم نجده)!.. وهو ما تريده الأنظمة المستبدة باحباط الناس، عبر سؤال ( البديل)، أو ( نحن أو الفوضى)، لكن هذا لن ينقذ الأنظمة من غضب الجماهير، ولن تتوقف جماهير بمثل هذه الجسارة، فهي قد تستكين ولو لو بعض حين، إلا أنه السكون الذي يسبق العاصفة، وعاصفة التغيير قادمة، تمنحها أرواح الشهداء قوة دفع إضافية، وتضخ دماءهم الطاهرة حياة داخل شرايينها ، وتحول الجسارة تلك عتمات الليل البهيم إلى ضياء، وهو ما نلمحه في الأفق القريب. ولي أن أختتم بتصريحات للكاتبة الروائية رانيا مأمون، التي تعرضت للضرب والتعذيب مع إخوتها في مدينة ود مدني، فقد قالت رانيا انها مستعدة لدفع كلفة التغيير التى دفع الشهداء دماؤهم لها، وقالت ان نار الثورة بمدينة ودمدنى لازالت متقدة ولن تخبو . واضافت في تصريح ل (حريات) : (مهما كانت العقوبة التي تنتظرني ، لا تراجع ولا قفز عن ركب التغيير ومسيرته، صامدون مهما نالنا من عذاب وما وقع علينا من قهر وظلم، لا بد لليل أن ينجلي وح نصليك يا فجر الخلاص حاضر. ننحاز لخيار وحيد هو الصمود ولا شيء غيره).