بلينكن عن التدقيق في مزاعم انتهاك إسرائيل لحقوق الإنسان: سترون النتائج قريبا    عام على الحرب فى السودان.. لا غالب ولا مغلوب    يمضي بخطوات واثقة في البناء..كواسي أبياه يعمل بإجتهاد لبناء منتخبين على مستوى عال    اللواء 43مشاة باروما يكرم المتفوقين بشهادة الاساس بالمحلية    السيارات الكهربائية.. والتنافس القادم!    واشنطن توافق على سحب قواتها من النيجر    الخطوة التالية    ملف السعودية لاستضافة «مونديال 2034» في «كونجرس الفيفا»    سوق الابيض يصدر اكثر من عشرين الف طنا من المحاصيل    الأكاديمية خطوة في الطريق الصحيح    شاهد بالصورة.. المذيعة السودانية الحسناء فاطمة كباشي تلفت أنظار المتابعين وتخطف الأضواء بإطلالة مثيرة ب"البنطلون" المحذق    شاهد بالصور.. الفنانة مروة الدولية تكتسح "الترند" بلقطات رومانسية مع زوجها الضابط الشاب وساخرون: (دي اسمها لمن القطر يفوتك وتشتري القطر بقروشك)    شاهد بالصور.. الفنانة مروة الدولية تكتسح "الترند" بلقطات رومانسية مع زوجها الضابط الشاب وساخرون: (دي اسمها لمن القطر يفوتك وتشتري القطر بقروشك)    شاهد بالصورة.. زواج الفنانة الشهيرة مروة الدولية من ضابط شاب يقيم بالقاهرة يشعل مواقع التواصل السودانية    القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح: بدأت قواتكم المشتركة الباسلة لحركات الكفاح المسلح بجانب القوات المسلحة معركة حاسمة لتحرير مصفاة الجيلي    مصطفى بكري يكشف مفاجآت التعديل الوزاري الجديد 2024.. هؤلاء مرشحون للرحيل!    شاهد مجندات بالحركات المسلحة الداعمة للجيش في الخطوط الأمامية للدفاع عن مدينة الفاشر    إجتماع مهم للإتحاد السوداني مع الكاف بخصوص إيقاف الرخص الإفريقية للمدربين السودانيين    وكيل الحكم الاتحادى يشيد بتجربةمحلية بحرى في خدمة المواطنين    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    ضياء الدين بلال يكتب: نحن نزرع الشوك        غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اعلية علاني : الإرهاب الصاعد في تونس!..تحد يبحث عن حل!ّ
نشر في حريات يوم 22 - 10 - 2013

شهد يوما التاسع عشر والعشرون من أكتوبر نشاطا ملحوظا لتنظيم أنصار الشريعة في تونس، وخاصة في بؤرته الأهم بلدة قبلاط بمحافظة باجة القريبة من العاصمة تونس في أعنف مواجهة منذ حظر هذه الجماعة قبل شهرين، وارتفعت حصيلة المواجهات إلى 13 قتيلا يومي 18 و 19 أكتوبر الماضي، مما يستدعي دراسة هذا الصعود الإرهابي المتصاعد في تونس وسائر بلدان الثورات العربية، وهو ما يمثل تحديا نظريا لمقولة قديمة روجها عدد من الكتاب الغربيين من أن الديمقراطية توقف الإرهاب! وتناقشها هذه الدراسة التي ننشرها وكتبها الأكاديمي التونسي والخبير في الحركات الإسلامية الدكتور أعليه علاني، متتبعة تطور هذه الظاهرة التنظيمي وخاصة منذ العام 2011 كما تقرأ أسبابها وجذورها وتضع في سبيل مواجهتها عددا من التوصيات والحلول.
ترتبط الظاهرة الإرهابية عادة بحكم تيارات وأحزاب عقائدية partis doctrinaires لا تقبل التعايش مع من يخالفها في توجهاتها الايديولوجية، ولم تكن تونس بمنأى عما حدث في العالم العربي والإسلامي إثر حرب أفغانستان من بروز تدريجي للتيارات المتشددة الجهادية والتكفيرية والممارسة للإرهاب، فقد عرفت تونس ظواهر إرهابية قبل ثورة 11 جانفي 2011 لكنها كانت محدودة في الزمان والمكان، وبنسق ضعيف بمعدل حادثة إرهابية واحدة كل خمس سنوات، مثل التفجيرات التي حصلت في بعض فنادق في مدينة المنستير مسقط الرئيس التونسي الأسبق الحبيب بورقيبة في 3 أوت 1987، وعملية محاولة تفجير كنيس "الغريبة" اليهودية في مدينة جربة بالجنوب التونسي سنة 2002، وعملية الاشتباك المسلح مع جهاديين في مدينة سليمان أحد الضواحي القريبة من العاصمة التونسية في ديسمبر 2006 – جانفي/يناير 2007. ومع انطلاق ثورات الربيع العربي دخلت تونس مرحلة حكم تيار الإسلام السياسي[1]، الذي يحكم البلد لأول مرة.
كان الغرب والرأي العام الوطني يتطلع إلى معرفة ما ستُسفر عنه تجربة حكم تيار الإسلام السياسي وهل سيتطابق حكم هذا التيار مع المشروع الديمقراطي؟ وهل هو قادر على تحييد تيار الاسلام الراديكالي؟
ونسعى في هذا البحث إلى التعرض إلى المحاور التالية:
- الإرهاب تنظيميا في تونس:
بدأ التيار السلفي في تونس في جمع شتات أنصاره من مختلف التوجهات سواء الإصلاحية أو الجهادية، وانعقد أول اجتماع عام له تحت أنظار السلطة الجديدة في مارس 2011 أي ثلاثة أشهر بعد قيام الثورة في تونس. ثم ما لبث أن تشكلت عشرات الجمعيات السلفية التي تحصلت على رخصتها القانونية في حيز زمني قصير في عهد حكومة حمادي الجبالي أمين عام حركة النهضة الإسلامية، إذ تم في عهده الاعتراف بثلاث أحزاب سلفية[2] وحزب آخر ينتمي لتيار الإسلام الراديكالي وهو حزب التحرير، بالإضافة إلى عدد هام من الجمعيات ذات التوجه الوعظى والخيري ظاهريا، لكنها تخفي في الحقيقة رؤية سياسية ومشروعا مجتمعيا لا يتطابق مع رؤية الإسلام المحلي الزيتوني المعتدل.
أما السلفية الجهادية فأهم فصيل لها هي جماعة أنصار الشريعة[3] التي يترأسها أبو عياض.[4] وقد رفض هذا الأخير التقدم بمطلب ترخيص قانوني لإيمانه بأنه لا يقبل التوجه بمثل هذا الطلب إلى حكومة غير إسلامية، وبذلك فإن تنظيم أنصار الشريعة كان يشتغل في إطار وضعية المسموح به لا وضعية المعترف به قانونيا Tolerated not recognized وهذه الوضعية مكّنته من القيام بعدة أنشطة أبرزها الخيمات الدعوية المقامة قرب الأسواق الأسبوعية وبعض المعاهد الثانوية، والاجتماعات العامة الكبرى على غرار اجتماع القيروان في 20 مايو 2012 الذي ضمّ حوالي 5000 شخص.
وبعد تشكل الحكومة الأولى بقيادة أمين عام حركة النهضة حمادي الجبالي عرفت تونس سلسلة من الاعتداءات المتكررة على رجال السياسة والفكر كانت تمر في معظمها دون عقوبة. وتحدثت الصحف في تلك الفترة عن أخبار تفيد باعتزام التيار الجهادي إقامة إمارات إسلامية له في بنزرت وغيرها، وأخبار أخرى تحدثت عن تدريبات يقوم بها جهاديون في جبل الشعانبي (يقع في الوسط الغربي بالبلاد في محافظة القصرين وعلى تخوم الحدود الجزائرية) إلا أن وزير الداخلية آنذاك علي العريض كذّب هذه الأخبار، واعتبر أن ما يحصل ربما يكون نوعا من ممارسة الرياضة، حسب رأيه، إلى أن جاء تصريح رئيس أركان الجيش السابق رشيد عمار في القناة التلفزيونية الخاصة "التونسية"[5] يؤكد فيه أن تدريبات مجموعات من السلفية الجهادية ومن عناصر القاعدة كانت تتم في جبل الشعانبي طيلة سنة كاملة.
عرفت تونس بين 06 فيفري/ فبراير 2013 و25 جويلية/ يوليو 2013 اغتيالين سياسيين لرموز من القوى المدنية وهما شكري بلعيد ومحمد البراهمي ومذبحة للجنود في شهر رمضان يوليو 2013. وصرّح رئيس الحكومة ووزير الداخلية ومساعدوه آنذاك أن تنظيم أنصار الشريعة وراء هذين الاغتيالين وأعلنوا أن هذا التنظيم أصبح يُصنف كتنظيم إرهابي. وهكذا أفاق التونسيون فجأة على أن هذا التيار الذي كان يقطع البلاد طولا وعرضا بخيماته الدعوية ونشاطاته الخيرية واجتماعاته العامة والجماهيرية ما هو إلا تنظيم إرهابي موال للقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي حسب وزير الداخلية، الذي أكد في نفس الوقت على وجود خلايا إرهابية نائمة تتبع القاعدة لا تزال فوق الجبل و "أن أبو عياض هو الرأس المدبر لكل العمليات الإرهابية والاغتيالات وقد بايع هذا الأخير أبو مصعب عبد الودود المنتمي للقاعدة (هو زعيم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي) على السمع والطاعة. وقد سعى أنصار الشريعة لبناء دولة إسلامية من خلال الإرهاب والتفجيرات والذبح وترويع الناس". كما أوضح الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية محمد علي العروي "أن التنظيم الإرهابي (يقصد أنصار الشريعة) لديه جناح أمني وآخر عسكري يخزّن الأسلحة ليستعملها في مخططاته وهو الذي ينفذ أوامر أبو عياض وقيادات تنظيم القاعدة. كما أوضح أن جبل الشعانبي شهد ما يعرف بجهاد النكاح، حيث تنقلت عدة فتيات قاصرات لممارسة الجنس مع الإرهابيين كما اعترفت بذلك إحدى المقبوض عليهن" [6].
وأكد وزير الداخلية على وجود خلايا إرهابية نائمة تتبع القاعدة لا تزال فوق الجبل وذكر في تصريح آخر له يوم 25 سبتمبر 2013 أن الموقوفين في قضية الارهاب بجبل الشعانبي بلغوا 300 متورطا، و أن الإرهابيين ينتمون لعدة دول عربية وافريقية مثل مالي والجزائر وليبيا.[7]
و هكذا لم تعد تونس- كما كان يقول أبو عياض- أرض دعوة بل أصبحت أرض جهاد، بالنظر إلى هذا المخزون الهائل من السلاح الذي قام أنصاره بإدخاله من ليبيا.
واكتشف التونسيون أن الإرهاب أصبح منظما ومكثفا إذ تحدثت بعض الدراسات عن 80 خلية إرهابية في تونس، وهو في الحقيقة إرهاب له مداخل عديدة من بينها التهريب وإعادة بناء وتجديد هياكل القاعدة إثر ملاحقتها وطردها من مالي، وهو ما دفع الحكومة الى اقامة منطقة عازلة بالجنوب التونسي لإحكام الرقابة على دخول البضائع والأسلحة وتسلل الإرهابيين.[8]
حول جذور الارهاب في تونس:
يُجمع عديد الباحثين أن للإرهاب جذورا اقتصادية واجتماعية واديولوجية، وقد أثبتت عديد الدراسات أن المنبت الاجتماعي للجهاديين في تونس يوجد في الطبقات الاجتماعية الهشة أي في جزء هام من الطبقة الفقيرة وجزء صغير من الطبقة الوسطى. كما أظهرت بعض التقارير أن عديد الجهاديين هم من العاطلين عن العمل سواء من صنف أصحاب الشهادات أو من التلاميذ المنقطعين عن التعليم والذين أصبحوا يشكلون نسبة كبيرة في السنوات الأخيرة [9]
إن من بين أسباب قيام الثورة التونسية غياب الديمقراطية وتفقير الطبقة الوسطى، هذه الطبقة نجدها الآن تراوح مكانها إن لم تقل ازدادت حالتها سوءا وهذا يشكل أحد المداخل التي يستغلها التيار الارهابي لانتداب أنصاره. وقد دلت عديد الدراسات أن نسبة الذين يعيشون تحت عتبة الفقر في تونس تقدر بحوالي 25% في حين تبلغ في مصر 42%. واذا أضفنا ارتفاع نسبة الفقر مع ارتفاع نسبة المنقطعين عن الدراسة حاليا (3 فاصل 2 مليون تلميذ)، مع ارتفاع نسبة العاطلين عن العمل إلى أكثر من 700 الف عاطل عن العمل[10] أدركنا أن هذه الوضعية تشكل البيئة المثلى التي ينتشر فيها الارهاب والجريمة المنظمة. وبالإضافة الى الجذور الاقتصادية هناك جذور أخرى للإرهاب تعود الى تدني جودة التعليم وغياب المشروع الثقافي. فالثورات العربية ركزت على إرساء مشروع سياسي لإرساء الديمقراطية في مجتمع لم يمتلك بعد ثقافة ديمقراطية، كما أن الغائب الأكبر في هذه الثورات هو المشروع الثقافي الذي يتبنى الحداثة والفكر المستنير. وكان هذا احد الاسباب في الصراع بين الاسلاميين في الحكم ومعارضيهم لأن للإسلاميين رؤية لنموذج المجتمع تختلف عن المعارضة الليبرالية واليسارية والقومية، رؤية تستند إلى التماهي الكبير مع الماضي بدعوى الرجوع إلى الأصول والتشبث بهوية غير متحركة وغير مُحيّنة. ولهذا لم تتحرك حركة النهضة بجدية، وهي في الحكم، لتدافع عن رجال الثقافة والفكر وهم يتعرضون لاعتداءات جسدية من طرف التيارات الدينية المتشددة [11].
لم تبدأ حركة النهضة في التضييق على التيارات الجهادية إلا بعد حادث الاعتداء على السفارة الأمريكية في 14 سبتمبر /أيلول 2012، ومنذ ذلك الوقت بدأت العلاقة تتجه نحو التصعيد تدريجيا مع هذا التيار انتهت بإعلان القطيعة ضده وتصنيف أنصار الشريعة كتيار إرهابي.
وهناك أيضا الجذور الإيديولوجية للإرهاب وتكمن في انتشار أفكار التشدد عبر بعض أئمة المساجد والمدارس الدينية الخاصة، وذلك في غياب واضح لسلطة الدولة في مراقبتها للخطاب الديني وللمساجد بصفة عامة[12].
وأمام استشراء ظاهرة الإرهاب في تونس التي لم تكن طبيعية، بحكم عدم وجود قاعدة اجتماعية عريقة لهذا التيار، فإن عديد الدلائل تشير الى ضعف الإرادة السياسية في مقاومة الإرهاب بعد ثورة تونس. ونستدل على ذلك بتصريحات رشيد عمار المذكورة آنفا حول وجود مراكز تدريب للجهاديين لمدة تقارب السنة في جبل حول الشعانبي منذ 2012.
بالإضافة إلى ذلك فإن السلطة لم تكن جادة في تعاملها مع السلفيين، فقد أكد كبار قياديي النهضة أن "السلفيين أبناؤنا ولم يأتوا من المريخ ويجب التحاور معهم" (تصريح الغنوشي ورد في صحيفة ميدل ايست بتاريخ 09 مارس 2012)
لكن لم يقع في الحقيقة التحاور معهم [13] في وسائل الإعلام بشكل جدي معمق، وهو ما جعل العديد من الباحثين يرون أن النهضة اضطرت إلى أن تقدم تيار السلفية الجهادية، وتحديدا أنصار الشريعة، كبش فداء خاصة في ظل انتقاد شديد من المعارضة لانحراف السياسة الدينية للدولة، ولتواتر العمليات الإرهابية من اغتيالات سياسية وذبح وتنكيل بالجنود. ويتساءل بعض الملاحظين عن صمت حركة النهضة في عدم إصدار بيان يؤيد تصنيف أنصار الشريعة كتيار إرهابي بل ان البعض من قياداتها رفض هذا التصنيف[14]، في حين سارعت الحكومة وعلى رأسها الأمين العام المساعد لحركة النهضة علي العريض الى إدانة أنصار الشريعة وتصنيفها كتيار إرهابي، فهل يعود هذا الغموض والتردد في موقف حركة النهضة إلى الرغبة في ابقاء قنوات للاتصال مع هذا التيار ؟ أم إلى أدوار أخرى؟
ولا يفوتنا أن نذكر إن وزير الداخلية أشار إلى أن قوات الأمن أحبطت 50 مشروعا لعمليات إرهابية [15] ولا تزال المطاردات يومية لعناصر أنصار الشريعة، وقد أكد وزير الداخلية أن السلاح الذي تم كشفه ومصادرته قادر على إشعال حرب بأكملها [16]
هذه التصريحات تدفع إلى التساؤل: إذا كان خطر الإرهاب بهذا الحجم وفي هذا الحيز الزمني القصير فمن المسؤول عن استقراره واستشرائه؟ وهل يمكن القول أن خطر الإرهاب زال بمجرد تصنيف أنصار الشريعة كتيار إرهابي؟ وهل يمكن القول أن إيديولوجية التشدد الديني تفسر لوحدها اللجوء إلى العنف في ظل ما يعرف بتأثّر أنصار الشريعة بالفكر الوهابي[17] إن خطر الإرهاب لن يزول إلا باتخاذ أشكال ناجعة للتصدي له ذات بعد أمني وسياسي واجتماعي وأيديولوجي؟
آفاق تجاوز الإرهاب:
الحلول العاجلة:
تفصلنا عن الانتخابات القادمة بضعة أشهر، ولإنجاح هذا الحدث السياسي الهام لا بد من ضبط إستراتيجية لما تبقّى من المرحلة الانتقالية من بين عناصرها كيفية التعامل مع ظاهرة الإرهاب، لأن ذلك مرتبط بالمناخ الذي ستجري فيه الانتخابات. وفي هذا الإطار يُستحسن:
أولا: الإسراع بالسيطرة على كل المساجد المتبقية تحت رقابة التيار المتشدد.
ثانيا: مراقبة الخطاب الديني والدروس الدينية من خلال القيام برسكلة الاطار الديني من وعاظ وأئمة
ثالثا: تحسين الأوضاع المادية للمشرفين على المساجد حتى لا يتم إغراؤهم من طرف بعض الجمعيات الدينية ذات المصادر المالية المشبوهة
رابعا: وضع خطة تنموية عاجلة للمناطق الأكثر تهميشا وخاصة في المناطق الحدودية.
خامسا: تقديم برامج دينية في وسائل الإعلام تقوم على الطرافة في طرح المواضيع وتتفادى الشكل التقليدي المؤدلج الذي تقدّم به أحيانا.
سادسا: تطوير التنسيق الاستخباراتي مع الدول المجاورة حول مسألة الإرهاب وإخضاع المشبوهين لمراقبة لصيقة دون التعدي على حقوق الإنسان.
سابعا: عقد مؤتمر وطني ضد الإرهاب تشارك فيه كل التيارات بما في ذلك التيارات الدينية المتشددة. وينبثق عن هذا المؤتمر ميثاق يؤكد على مسألتين:
المسالة الأولى: الاتفاق حول مضمون ومعنى الإرهاب
المسألة الثانية: الاتفاق حول أشكال التصدي للإرهاب.
ويصبح هذا الميثاق ملزما لكل الأطراف الممضية عليه. وكل من يتجاوزه يُعرّض نفسه للتتبعات القانونية.
2- الحلول الآجلة:
هي عديدة ونذكر في هذا المجال:
أولا: القيام بعملية تأهيل الجهاديين عن طريق القيام بمراجعات داخلية لفكرهم ويشارك في هذه المراجعات علماء دين وعلماء نفس وعلماء اجتماع. ويصدر عن هذا الحوار وثيقة تؤكد على الالتزام برؤية إسلامية مستنيرة وتحريم حمل السلاح على المخالفين في الرأي مهما تكن المبررات.
ثانيا: مراجعة المنظومة التربوية في اتجاه التأكيد على التعايش والتسامح. ومحاولة تفادي ظاهرة الانقطاع المدرسي التي أدت ببعض المنقطعين إلى التشدد.
ثالثا: نظرا إلى أن أكثر المنتمين للتيارات المتشددة هم من الشباب فلا بد من وضع سياسة شبابية تعمل على تشريك الشباب في سلطة القرار، وتوفر له كل أسباب الترفيه والعيش الكريم.
رابعا: تشجيع تيار الإسلام المحلي الزيتوني وتوفير مستلزمات العمل له ودفعه إلى تقديم منتوج ديني عصري وحداثي على غرار ما فعل أسلافه في العشرينات والثلاثينات مثل بن عاشور والنخلي وغيرهما.
خامسا: تركيز مؤسسات ديمقراطية تقوم على انتخابات شفافة، ونشر ثقافة المواطنة.
سادسا: تحديد برنامج اقتصادي طويل المدى لمدة 10سنوات لمعالجة كل بؤر الفقر والتهميش ولا يتسنى ذلك إلا بتنمية داخلية حقيقية وهو ما يستلزم تطوير البيئة التحتية[18].
سابعا: تحديد إستراتيجية طويلة المدى للأمن القومي تقوم على دمج بعض الهياكل الأمنية بين الأمن والديوانة وبعض الوحدات العسكرية. كما أن إستراتيجية الأمن القومي تستوجب تنسيقا أعلى في المرحلة الحالية في الجانب الاستخباراتي سواء مع المواطنين أو مع المخابرات الأجنبية لأن ظاهرة الإرهاب تهم دول الجوار ودولا أخرى عبر العالم ولا بد أن نشير أيضا إلى أنه من الضروري تعصير اللوجستيك وتحسين ظروف العمل للأمنيين والعسكريين ماديا وإصدار تشريعات تحميهم وتحمي عائلاتهم أثناء مباشرتهم لمهامهم.
إن الظاهرة الإرهابية رغم اتساعها، لا تزال تحت السيطرة. وأعتقد أنه إذا أشركنا هؤلاء المتشددين في الحوار وخاصة في نحت نموذج "التونسي" أو العربي المسلم الذي نريده اليوم، في حوار جدي، فإن ظاهرة الغلو والتطرف لن تبقى، خاصة إذا راقبت الدولة الفضاء الديني وفضاء الجمعيات الدينية، وإذا ما قامت الدولة أيضا ببرامج تحد من ظاهرة التهميش والبطالة حينها نقول أننا اقتربنا من كسب معركة مقاومة الإرهاب. وحينها يصبح الإرهاب ظاهرة معزولة ومحدودة في الزمن لا ظاهرة منتشرة كما نراها اليوم.
خاتمة: حول عودة الظاهرة الإرهابية ببلدان الربيع العربي
من المفارقات العجيبة أن تطور الظاهرة الإرهابية في بلدان الربيع العربي تزامنت مع مشاكل هيكلية عاشها تيار الإسلام السياسي في كل من مصر وتونس وليبيا. ففي ليبيا أصبحت حالة انعدام الأمن هي القاعدة والاستقرار هو الاستثناء فآلاف قطع الأسلحة موزعة على مئات الميليشيات المسلحة وأصبح تيار السلفية الجهادية قوة ضاربة في ظل ضعف السلطة المركزية وأبرز مثال على ذلك اختطاف رئيس الوزراء علي زيدان يوم 10 أكتوبر / تشرين الأول 2013 من طرف ميليشيات دينية متشددة والإفراج عنه بعد ساعات، وبالتالى فإن عددا هاما من الملاحظين لا يرون عودة قريبة للاستقرار الأمني في ليبيا وربما يستغرق ذلك بضع سنوات.
أما في مصر فقد كانت وتيرة حوادث الإرهاب المنبعثة من سيناء محدودة نسبيا أيام حكم محمد مرسي، لكنها تعاظمت بعد سقوطه.[19] وأصبحت العمليات الإرهابية من تفجيرات وقتل أعوان الأمن مكثفة في الأسابيع الأخيرة في مصر. وهو ما يطرح تساؤلا عن القوى التي تقف وراءها وهل هذا الإرهاب وافد أم مستورد؟
وفي تونس فإن الحوار الوطني الذي انطلق خلال سبتمبر/ أيلول وتواصل في أكتوبر 2013 بهدف الوصول إلى اتفاق حول الحكومة القادمة المستقلة وغير المتحزبة ما يزال متعثرا بسبب وضع حركة النهضة للعديد من الشروط التي لا تساعد على التقدم بنسق الحوار. لكن ما سجله الملاحظون باندهاش عودة العمليات الإرهابية بقوة وبكثافة في نهاية أكتوبر/ تشرين الأول 2013 آخرها حادثة مدينة قبلاط (تقع بالشمال الغربي حوالي 60 كلم عن العاصمة) التي استُشهد فيها عوني أمن ومات فيها 9 إرهابيين وقبض على 4 و2 مازالا بحالة فرار،[20] وقبلها حصلت مطاردات للعديد من الإرهابيين الذين كانوا يعدون لتفجيرات بالمدن واحتجزوا كميات هامة من السلاح والمتفجرات.[21]
وأثناء موكب دفن عوني الأمن من سلك الحرس الوطني الذي حضره الرؤساء الثلاث[22] فقد فوجئ هؤلاء بإطلاق شعارات مناهضة لهم أطلقها الأمنيون، منها شعار الثورة المشهور " ارحل"، واضطر الرؤساء الثلاث مغادرة المكان دون حضور حفل التأبين، وهو ما يترجم عن تعاظم أزمة الثقة بين السلطة السياسية والسلطة الأمنية بتونس،[23] أزمة تفاقمت بحكم غياب تشريعات قانونية وحوافز مالية تحمي الأمنيين وعائلاتهم من نتائج حوادث الإرهاب.
والجدير بالملاحظة أن نقابات الأمن احتجت في بيانات سابقة على محاولات لاختراق حدثت في هياكل أمنية بوزارة الداخلية وتوظيفها حزبيا في إشارة للحزب الإسلامي الحاكم وتيارات أخرى. واعتبرت أن هذا الاختراق يعطي للإرهابيين فرصة أكبر لتنفيذ مخططاتهم.
وتضغط تنظيمات المجتمع المدني بقوة على الترويكا وخاصة على حركة النهضة للتعجيل بتشكيل حكومة مستقلة تكون قادرة على محاربة الإرهاب والحد من الأزمة الاقتصادية وخلق مناخ ملائم تجري فيه الانتخابات القادمة. ورغم تعثّر عملية التفاوض فإن مؤشرات عديدة تدفع في اتجاه خروج اضطراري لحركة النهضة من الحكم، في انتظار الاستعداد للانتخابات القادمة، لكن هذه الانتخابات وحسب آخر عمليات سبر للآراء فإنها أعطت للمعارضة 56بالمائة وللترويكا الحاكمة بقيادة حركة النهضة36 بالمائة، وهي نسبة مرشحة لتتقلص في جانب حركة النهضة إذا ما حصلت عمليات إرهابية أخرى وهي في الحكم.[24]
إن تطور الظاهرة الإرهابية بتونس ومصر يؤكد أن تيار الإسلام السياسي عجز أن يحتوي أو يُطوّع الإسلام الراديكالي، كما كان يدعي، بل أن العديد من الباحثين يتهمون التيار الإخواني في مصر وبلدان الربيع العربي بالتواطؤ مع تيار الإسلام الراديكالي، وأن الظاهرة الإرهابية لن تشهد تقلصا مع حكم تيار الإسلام السياسي.
- من أجل إستراتيجية عربية لمقاومة الإرهاب :
لم يكن الأمن القومي العربي مهددا مثلما هو عليه اليوم، فحوادث التفجير والقتل والحرق تكاد تكون يومية في وطننا العربي، ولا يختلف عاقلان من أن "أرهبة"(زرع الإرهاب) البلدان العربية تخدم أعداء الأمة العربية. فالملايير التي تضيع في حوادث الإرهاب كفيلة بسد العجز الغذائي بوطننا العربي، وقادرة على تحسين جودة التعليم به حسب عديد الخبراء. كما أن انتشار الإرهاب يعود بالمضرة على المدى الطويل لا على الدول المتضررة فحسب بل وكذلك على الدول المصدرة للإرهاب. ولذلك فان ما يحصل في العراق وسوريا وليبيا وتونس ومصر وغيرها من البلدان يؤشر إلى:
أولا: أن المتضرر الرئيسي في هذه البلدان غالبا ليست الأنظمة وإنما الشعوب[25] التي يؤثر الإرهاب فيها على مسار التنمية الاقتصادية والاجتماعية .
ثانيا: أن عدم الاستقرار السياسي والأمني للدول المتضررة من الإرهاب يُنتج بشكل آلي إرهابا مضادا لا يمكن التحكم في تداعياته.
ثالثا: أن التشدد الديني والتطرف المذهبي يفرز إرهابا داخليا مضاعفا. وما لم يكن هناك توجه حقيقي لضمان الحريات ومنها حرية الاختلاف فإن حظوظ التعايش تصبح محدودة جدا ويُعد ذلك مجالا خصبا لانتعاش الإرهاب.
ولا يمكن تجنب الصراعات المذهبية والطائفية والدينية والعشائرية والحزبية إلا بتكريس ثقافة المواطنة.
إن أكبر رد على موجة الإرهاب يكون من خلال:
أولا: الاتفاق على خارطة طريق داخل البلد الواحد بين الأحزاب وتنظيمات المجتمع المدني حول أولويات التنمية السياسية والاقتصادية.
ثانيا: الاتفاق حول المبادئ الأساسية خاصة فيما يتعلق بوحدة الوطن والتقسيم العادل للثروة وضمان حقوق الأقليات.
ثالثا: إصدار ميثاق حول مقاومة الإرهاب ملزم لكل التيارات بما في ذلك التيارات المتشددة التي تقبل الإمضاء عليه. ويشمل هذا الميثاق أسس التعايش بين مختلف التيارات ومحاذير الصراع المذهبي ويضبط أشكال التصدي للإرهاب.
رابعا:طرح مسألة الإرهاب على جدول أعمال الجامعة العربية للبحث في السبل الكفيلة بالحد منه، وإصدار ميثاق عربي يفصل جذور هذه الظاهرة والحلول الممكنة لها.
خامسا: الإسراع بإرساء تنمية اقتصادية خاصة في المناطق المهمشة وتوفير المرافق والخدمات للمواطنين وتقوية القدرة الشرائية للطبقة الوسطى وتحقيق الحد الضروري من مستوى العيش للطبقات الضعيفة حتى لا تكون لقمة سائغة للإرهاب. أما الطبقات الغنية فان تشريكها في خلق الثروة والشغل أمر حيوي فلا بد من تقديم الحوافز لها وفي المقابل لا بد من مقاومة الرشوة والفساد المالي والتهرب الضريبي.
سادسا: أن الإرهاب لا يتعايش مع دولة القانون. ومن أهم مقومات دولة القانون : القضاء العادل المستقل والإعلام الحر، والانتخابات النزيهة والتعليم الجيد والجباية العادلة. كل هذه العناصر تكون مندرجة في إطار دولة المواطنة وهذا كفيل بجعل الإرهاب ظاهرة معزولة يسهل التصدي لها.
سابعا: الاتفاق على إستراتيجية جديدة للأمن القومي العربي تأخذ في الاعتبار الجانب اللوجستي الأمني والجانب الاقتصادي وتحسين الظروف المادية والقانونية للساهرين على الأمن، وتطوير التنسيق الاستخباراتي بين مختلف الدول لأن الإرهاب عابر للبلدان والقارات.
إن للعراق ومصر وتونس حظوظ كبيرة للنجاح في الحد من ظاهرة الإرهاب إذا تمكنوا من الاشتغال أكثر على التوافقات السياسية والمجتمعية بكل ما يعنيه من تنازلات حقيقية متبادلة تحفظ للبلد وحدته وتجعله أكثر أمنا واستقرارا. أما الدول العربية الأخرى سواء التي شهدت ثورات داخلية أم لم تشهد فان قدرتها على مكافحة الإرهاب تبقى مرتبطة بمدى نجاحها في إقرار إصلاحات سياسية واقتصادية وأمنية ناجعة.
ملاحظات واستنتاجات
- من الملفت للنظر أن الشعوب العربية منذ القرن التاسع عشر إلى اليوم ما تزال تبحث عن أسباب النهضة الحقيقية فقضت عقودا في مقاومة الاستعمار وعقودا في مقاومة التخلف الاقتصادي والاجتماعي إثر استقلالها، وعقودا في مقاومة الإرهاب منذ ثمانينات القرن العشرين إلى اليوم، ولا نعلم ما هي الآفة القادمة التي يتعين على هذه الشعوب التصدي لها. إنه ما لم يأخذ العرب بأسباب النهضة الحقيقية القائمة على الاستثمار في العلم والمعرفة والداعمة للديمقراطية ودولة القانون والمؤسسات فلن يكون بإمكانهم الخروج من وضعية التخلف[26]
- إن المطلوب بإلحاح من الدول العربية والإسلامية أن تقيم حوارات وطنية وإقليمية ودولية في إطار ندوات مشتركة تطرح فيها طبيعة العلاقة بين مخزوننا التراثي الديني ومبدأ المواطنة بمفهومها العصري لا التقليدي القديم الذي كان قائما على ثنائية الراعي والرعية بمن فيهم أهل الذمة.
- إن العلاقة بين مختلف الأديان، وبين المذاهب داخل الدين الواحد يجب أن تحكمها ضوابط التعايش والاحترام المتبادل والابتعاد عن الشحن والعداء المذهبي والطائفي. وبقدر ما تكون العلاقة بين مختلف الأديان والطوائف سليمة بقدر ما تصبح مصدر إثراء إذا تأسست في ظل احترام مبدأ المواطنة. أي أن الكل يعبر عن أفكاره ويمارس معتقداته في ظل احترام وحدة البلاد، وفي ظل احترام الدستور الذي يكفل حرية المعتقد ويمنع التباغض ودعوات التكفير والتمييز العرقي والديني. فإذا عرفنا كيف ننشئ هذه العلاقة السليمة فإن الاختلاف الديني والمذهبي لن يمنع من تطوير التنمية الاقتصادية ولن يمنع من استتباب الأمن، بل يصبح هذا التنوع العرقي والمذهبي عامل إثراء ثقافي يمكن تسويقه سياسيا واقتصاديا وحتى سياحيا، فيصبح ذلك البلد مقصدا لملايين السواح وعشرات المستثمرين. ويمكن أن نعاين بسهولة نجاح بعض الدول في إقامة علاقة سليمة بين الأديان والمذاهب والطوائف، ويكمن سر نجاحها في اعتماد هذه الدول على مبدأ المواطنة citizenship
كأساس لتنظيم العلاقة بين السكان[27].
- إن رهان الاستقرار السياسي والأمني مرتبط كذلك بعودة الانتعاش والقوة للطبقة الوسطى التي زادت تفقيرا في ظل حكم تيار الإسلام السياسي بوطننا العربي،[28]
- لقد احتضنت الدولة الإسلامية في العصر الذهبي للعهد العباسي عشرات المذاهب و عديد الأديان واللغات، واستفادت كثيرا من غير المسلمين بل وشجعتهم ماديا وسياسيا عبر المناصب والعطايا، فكانت النتيجة أن أصبحت الدولة أكثر ثراء وأكثر أمنا، لأن الدولة هي التي أعطت الأمان لمختلف طوائف شعبها فتقلصت مظاهر التطرف التي تؤدي إلى الإرهاب.
فما أحوجنا اليوم لاستلهام الدروس من المحطات المضيئة في تراثنا وماضينا ومن تجارب الأمم المتقدمة حاليا لأن القراءة الصحيحة والعلمية والموضوعية لماضينا وحاضرنا تساعدنا على النجاح في مستقبلنا، ولن ينتعش إرهاب في شعوب تنتشر فيها ثقافة المواطنة والديمقراطية والتسامح الديني والمذهبي. ولن ينتعش إرهاب في مجتمع تكثر فيه فرص العمل والاستثمار والتعليم الجيد.
المصادر
[1] – في تونس شكل الاسلاميون مع حزبين آخرين هما المؤتمر من أجل الجمهورية بقيادة الرئيس الحالي منصف المرزوقي والتكتل الديمقراطي بقيادة مصطفى بن جعفر حكومة تسمى حكومة الترويكا لكن أهم المناصب أسندت فيها لحركة النهضة ذات التوجه الإخواني وشهدت هذه التجربة تعثرات كبيرة خاصة في المجال الأمني و الاقتصادي .
[2] – الأحزاب الثلاثة هي جبهة الإصلاح وحزب الأصالة وحزب الرحمة. وهي أحزاب لا تحتكم على قاعدة شعبية هامة لأن الثقل السلفي يوجد في الجمعيات لا في الأحزاب وخاصة في الجمعيات غير المعترف بها قانونيا مثل جماعة أنصار الشريعة.
[3] – تأسست هذه الجماعة في مارس 2011 وعقدت اجتماعين عامين ضم بضعة آلاف في 2011 و2012 لكنها منعت من عقد اجتماع شعبي في القيروان في 19 ماي 2013 وكان ذلك إيذانا بدخول هذا التيار في مرحلة ليّ الذراع مع السلطة لا تزال قائمة إلى اليوم.
[4] – اسمه الكامل سيف الله بن حسين من مواليد 1964 قضى فترة في أفغانستان أين التقى بأسامة بن لادن وتم تسليمه من طرف تركيا إلى السلطات التونسية سنة 2003 وحكم عليه بأكثر من 30 سنة سجنا وقد وقع الافراج عنه بعد قيام الثورة التونسية في إطار العفو التشريعي العام.
[5] – تصريح رشيد عمار في قناة التونسية يوم 24 جوان 2013 أكد فيه أنه يخاف على تونس من الصوملة. انظر الشروق 25 جوان 2013. والموقع الالكتروني "المصدر" بتاريخ 25/06/2013 .
[6] – انظر: تونس الرقمية 28/08/2013
[7] – الشروق 26/09/2013
[8] – انظر صحيفة "التونسية" بتاريخ 01 أوت 2013 التي تحدثت عن وجود 80 خلية ارهابية في تونس على طول الحدود التونسية الجزائرية تتولى تأمين نقل الأسلحة والممنوعات عبر السلاسل الجبلية الوعرة. وتتركب كل خلية من حوالي 20 فردا.
[9] – بلغ عدد المنقطعين عن الدراسة خلال السنة الدراسية 2011-2012 ما قدره 100 ألف تلميذ حسب الكاتب العام للنقابة العامة للتعليم الثانوي الذي أكد أن عدد المنقطعين يبلغ سنويا بين 60 و70 ألف تلميذ ويعود ارتفاع عدد المنقطعين في السنة الأخيرة حسب رأيه الى خلل في المنظومة التربوية أضيفت إليها في السنة الماضية تعدد الأنشطة والخيمات الدعوية التي تنظمها تيارات دينية متشددة: انظر الشروق 24 أوت 2013
أما وزير التربية فقد ذكر أن العدد الجملي حاليا للمنقطعين عن الدراسة فيبلغ 3.2 مليون تلميذ من مجموع 11 مليون ساكن وهو ما يشكل أكثر من ربع السكان الذين يوجدون في حالة بين الأمية والتعلم.
[10]-حسب محافظ البنك المركزي التونسي الشاذلي العياري في محاضرة له على منبر المعهد العربي لرؤساء المؤسسات يوم 19 أكتوبر /تشرين الأول 2103فإن تونس خسرت 140 ألف موطن شغل منذ الثورة الى اليوم بسبب الأوضاع الأمنية والاجتماعية والصعوبات التي شهدتها الشركات الوطنية والأجنبية المنتصبة بتونس.( محاضرة حضرتها شخصيا وستنشر لاحقا من طرف المعهد)
[11] – ظاهرة الاعتداءات السلفية على رجال السياسة والفكر انتشرت في الأشهر الأولى لحكم الترويكا الذي تقوده حركة النهضة.
[12] – أكد كاتب عام نقابة الأئمة أن وزارة الشؤون الدينية لا تراقب بشكل جيد الخطاب الديني وأن هناك 216 مسجدا خارج عن سيطرتها أي تحت سيطرة التيارات الدينية المتشددة وذكر أنه تم رصد 1300 خطاب تحريضي سياسي متشدد.
[13] – خصصت القناة الوطنية الثانية حوارا مع زعيم السلفية العلمية البشير بن حسن ، لم يتبعه حوار آخر. أما مع السلفية الجهادية فلم يحصل حوار اعلامي معمق معهم ماعدا بعض التدخلات العابرة التي قام بها الناطق باسم أنصار الشريعة في أحد القنوات التلفزية الخاصة
[14] – مثل العجمي الوريمي والصادق شورو والحبيب اللوز.
[15] – تتضمن هذه العمليات اغتيال شخصيات سياسية وثقافية وتفجيرات في العديد من المناطق الحساسة من بينها مبنى وزارة الداخلية.انظر المغرب 27 سبتمبر 2013.
[16] – وكالة أنباء الصحافة العربية والإفريقية PNA الرابط
[17]- يجدر في هذا المجال الإشارة إلى أنه لا توجد حاليا وهابية واحدة في العالم العربي ، هناك وهابيتان: وهابية داخل المملكة العربية السعودية، ووهابية خارج المملكة. فالأولى وهي المذهب الأصلي نجدها منذ النشأة تفصل إجرائيا ما بين الفضاء الديني والفضاء السياسي، فآل سعود استأثروا بالسلطة السياسية وهي المؤسسة الأهم في الحكم، ومحمد ابن عبد الوهاب وأتباعه استأثروا بالسلطة الدينية ولم يحدث أن تدخّل علماء الدين بالمملكة في شؤون السياسة منذ نشأة هذا المذهب إلى اليوم. وهذا التقاسم في الأدوار أنتج شكلا من الانفصال الخفي والمرن بين الفضاء الديني والفضاء السياسي، انفصال لم يؤد لحد الآن إلى قطيعة أو إلى تناقض رئيسي بين رجال الحكم والمؤسسة الدينية. والملفت للنظر أن هذه المؤسسة، وتحت تأثير السلطة السياسية والعولمة، بدأت تشهد حراكا داخليا وانتقادات لعدم مواكبتها مقتضيات التطور سواء فيما يتعلق بحقوق المرأة أو بمبدأ انتخاب الهياكل التمثيلية مثل مجلس الشورى والبلديات وقد تمكنت السلطة السياسية في المملكة من تطويع المؤسسة الدينية وفرض بعض الإصلاحات لكن وتيرة الإصلاحات السياسية والاجتماعية والتربوية ما تزال تحتاج إلى تطوير، ويرتبط نجاحها بمدى قدرة المؤسسة الدينية على خوض تجربة إصلاح الفكر الديني باعتماد منهج النقد التحليلي في فهم أصول الدين والابتعاد عن القراءة الحرفية للنص الديني والاعتماد على الفكر المقاصدي وتطويره. أما الوهابية الموجودة خارج المملكة فأغلب أتباعها يفتقدون للتكوين العلمي الصحيح في شؤون الدين وينحدرون غالبا من أوساط اجتماعية متوسطة وفقيرة، ومعظمهم متأثرون بما تُسوّقه بعض الفضائيات من مادة دينية تحث على التشدد، هذه الفئات يتم استغلال وضعيتها الهشة ويقع توظيفها لتنفيذ أجندات معينة فيرفعون السلاح ضد الأنظمة وضد الجماعات التي تعارض أفكارهم وتصبح التصفية الجسدية هي التعامل السائد بينهم وبين خصومهم .
[18] خاصة تطوير السكك الحديدية وربطها بكل المناطق الداخلية،لان ذلك هو الحافز الهام الذي سيدفع المستثمرين للتوجه نحو المناطق الداخلية.
[19]- انظر صحيفة ميدل ايست بتاريخ 28 أيلول / سبتمبر 2013
[20] – انظر تفاصيل حول هذه الحادثة في، الشروق 20 أكتوبر/ تشرين الأول 2013.
[21] – المصدر السابق
[22] – هم رئيس الجمهورية منصف المرزوقي ورئيس الحكومة علي العريض ورئيس المجلس التأسيسي مصطفى بن جعفر.
[23]- الملفت للنظر أنه بعد مغادرة الرؤساء لموكب التأبين تحت هتافات الأمنيين المطالبة برحيلهم، توعّد رئيس الحكومة علي العريض بمعاقبة الأمنيين الذين هتفوا ضد الرؤساء لكن نقابات الأمن أصدرت في اليوم الموالي بيانا شجبت فيه موقف الحكومة. انظر الشروق 20 أكتوبر 2013
[24]- عملية سبر الآراء الأخيرة نشرت بصحيفة المغرب،18 أكتوبر /تشرين الأول 2013احتل فيها الإسلاميون مراتب متأخرة في الانتخابات التشريعية والرئاسية.
[25] – حصد الإرهاب 200 ألف ضحية في تسعينات القرن 20 بالجزائر و500 ألف ضحية بالعراق في العشر سنوات الأخيرة 2003-2013.
[26]- يمكن الاستشهاد بمثال كوريا الجنوبية وبعض دول شرقي آسيا التي كانت تنتمي للعالم الثالث وأصبحت في فترة وجيزة من الدول المتقدمة
لأنها استجابت لشروط النهضة الحقيقية بالرغم من أن هذه الدول تعيش تنوعا عرقيا وطائفيا ولا تحتكم على ثروات باطنية هامة.
[27]- نشير في هذا الإطار أن التوع العرقي والديني في العديد من البلدان الأوروبية والأمريكية والآسيوية لم يمنع من دفع عجلة التنمية والاستقرار في هذه البلدان، ففي الولايات المتحدة الأمريكية نجد أن دستور هذا البلد يسمح بحق ممارسة الشعائر الدينية لكل معتقد، ويسمح بحق الأقليات في الحفاظ على طقوسها وعاداتها ولغاتها لكن في إطار احترام وحدة الوطن، وتحريم التباغض الديني والعرقي، فالعلاقة بين الدولة و المواطن الأمريكي أيا كان دينه أو مذهبه أو لغته تقوم على مبدأ المواطنة التي تسوّي بين جميع المواطنين في الحقوق والواجبات.
[28]- تضررت الطبقة الوسطى كثيرا في مصر تحت حكم الإخوان (انظر مقال منذر بالضيافي المنشور في "معهد العربية للدراسات"بتاريخ 11 يوليو 2013: الثورة المصرية الثانية ومخاوف حركة النهضة في تونس. وللإشارة فإن الطبقة الوسطى لتي أطاحت بمبارك هي نفس الطبقة التي أطاحت بمرسي ، انظر مقال محمد مبارك: أبناء الطبقة الوسطى الصادر بالصحيفة الالكترونية " المواطن" الرابط
وفي تونس أورد الكاتب رفيق بن عبدالله أن نسبة الأثرياء ارتفعت في تونس في ظل حكم حركة النهضة بأكثر من 16 بالمائة في حين ازداد تفقير الطبقة الوسطى التي قامت على كاهلها الثورة وهي مفارقة غريبة في ظل حكم تيار الاسلام السياسي الذي يدعو إلى العدالة الاجتماعية (انظر الصحيفة اليومية التونسية " الصباح " بتاريخ 19أكتوبر/ تشرين الأول 2013).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.