مدير شرطة ولاية القضارف يجتمع بالضباط الوافدين من الولايات المتاثرة بالحرب    محمد سامي ومي عمر وأمير كرارة وميرفت أمين في عزاء والدة كريم عبد العزيز    توجيه عاجل من"البرهان" لسلطة الطيران المدني    حركة المستقبل للإصلاح والتنمية: تصريح صحفي    جبريل إبراهيم: لا يمكن أن تحتل داري وتقول لي لا تحارب    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    برقو الرجل الصالح    مسؤول بالغرفة التجارية يطالب رجال الأعمال بالتوقف عن طلب الدولار    رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة يتفقد عمليات تأهيل مطار عطبرة ويوجه بافتتاحه خلال العام    لماذا لم يتدخل الVAR لحسم الهدف الجدلي لبايرن ميونخ؟    مصر تكشف أعداد مصابي غزة الذين استقبلتهم منذ 7 أكتوبر    هيومن رايتس ووتش: الدعم السريع والمليشيات المتحالفة معها ارتكبت جرائم ضد الإنسانية وتطهيراً عرقياً ضد المساليت.. وتحمل حميدتي وشقيقه عبد الرحيم وجمعة المسؤولية    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    مقتل رجل أعمال إسرائيلي في مصر.. معلومات جديدة وتعليق كندي    توخيل: غدروا بالبايرن.. والحكم الكارثي اعتذر    النفط يتراجع مع ارتفاع المخزونات الأميركية وتوقعات العرض الحذرة    النموذج الصيني    غير صالح للاستهلاك الآدمي : زيوت طعام معاد استخدامها في مصر.. والداخلية توضح    مكي المغربي: أفهم يا إبن الجزيرة العاق!    ضمن معسكره الاعدادي بالاسماعيلية..المريخ يكسب البلدية وفايد ودياً    الطالباب.. رباك سلام...القرية دفعت ثمن حادثة لم تكن طرفاً فيها..!    بأشد عبارات الإدانة !    موريانيا خطوة مهمة في الطريق إلى المونديال،،    ثنائية البديل خوسيلو تحرق بايرن ميونيخ وتعبر بريال مدريد لنهائي الأبطال    شاهد بالصورة والفيديو.. خلال حفل مصري حضره المئات.. شباب مصريون يرددون أغنية الفنان السوداني الراحل خوجلي عثمان والجمهور السوداني يشيد: (كلنا نتفق انكم غنيتوها بطريقة حلوة)    شاهد بالفيديو.. القيادية في الحرية والتغيير حنان حسن: (حصلت لي حاجات سمحة..أولاد قابلوني في أحد شوارع القاهرة وصوروني من وراء.. وانا قلت ليهم تعالوا صوروني من قدام عشان تحسوا بالانجاز)    القبض على الخادمة السودانية التي تعدت على الصغيرة أثناء صراخها بالتجمع    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    الجنيه يخسر 18% في أسبوع ويخنق حياة السودانيين المأزومة    إسرائيل: عملياتنا في رفح لا تخالف معاهدة السلام مع مصر    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    الولايات المتحدة تختبر الذكاء الاصطناعي في مقابلات اللاجئين    الخليفي يهاجم صحفيا بسبب إنريكي    كل ما تريد معرفته عن أول اتفاقية سلام بين العرب وإسرائيل.. كامب ديفيد    زيادة كبيرة في أسعار الغاز بالخرطوم    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    (لا تُلوّح للمسافر .. المسافر راح)    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المناضل خالد الحاج الى رحمة الله
نشر في حريات يوم 08 - 02 - 2011

انتقل إلى رحمة الله مساء الاثنين7 فبراير المناضل الأستاذ خالد الحاج الحسن، مؤسس وصاحب موقع منتديات (سودانيات) .
المرحوم الاستاذ خالد الحاج إعلامي قدير، وباحث معروف في توثيق التاريخ السوداني، وله إسهامات عديدة ومشرقة في هذا المجال.
كما له تاريخ طويل في النضال ضد الشمولية، حيث فُصل من عمله وُشرَّد ولوحق وعذب كثيرا في بيوت الاشباح، وزامل الكثير من المناضلين عام 1992 في بيوت التعذيب من امثال ميرغني عبد الرحمن سليمان و بكري عديل، والحاج مضوي، ومحمد عتيق، وكمال التيجاني، وله توثيق هام بعنوان (لكي لا ننسى ) وثق فيه للفظائع التي تمت في بيوت الأشباح بواسطة جهاز امن الانقاذ.
صحيفة (حريات) تنعي للشعب السوداني مناضلاً فذاً ورائداً من رواد التنوير والثقافة، تنشر أدناه مقاله التوثيقي عن فظائع وجرائم جهاز الامن :
لكي لا ننسى
خالد الحاج
العام 1992 شهر مايو والخرطوم كعادتها تزدحم بالسابلة يحتمون بظلال النيم ويسيرون علي عجل منهم من يبحث عن وسيلة مواصلات ومنهم من يسارع الخطي مخافة الكشات مرة لتفريق العاصمة ومرات للتجنيد القسري عدت في ذاك اليوم من مكتب الضرائب بعد أن بزلت فيها جهد ليس بالقليل لإقناع أحد المفتشين أن أدوات معمل مصنع الصابون مستوردة بإسم ريمون بيطار وأن هذا الرجل لا توجب عليه زكاة ودخلت مكتبي في عمارة التاكاوما أن جلست علي المكتب حتي جاءني إحدي المراسلات قائلا أن هنالك من يسأل عني فقلت دعه يتفضل جاء شخص ضخم وسلم خير سلام ثم تبعه آخر قلت تفضلوا- ياجماعة تشربوا شنو -والله لو ممكن موية باردة لو سمحت- ثم بادرني- نحن من الأمن العام ويااخي دايرنك تجي معانا شوية- في شنو يا جماعة إن شاء الله خير-لا مافي حاجة بس شوية أسئلة كدة وبترجع لي شغلك-خير مافي عوجة بس خلوني أسلم الورق ده وأستأذن وأمشي معاكم- لا الورق خليه في مكتبك ده وأرح طوالي مافي داعي تستأذن- وتركت مكتبي وأوراقي ومفتاح الفيسبة وخرجت معهم وعند نزولي أسفل البناية رأيت عربة بوكس بها شخص يجلس في مؤخرتها وبادرني أهلا بالبطل المناضل وأكرموني بالجلوس في السيارة في الأمام وجلس احدهم بجانبي وقال لرفيقه -أرح- واتجه الأخير الي الخرطوم ثلاثة وعند وصولنا الي نادي الأسرة سألني- بيتكم وين-فقلت -بيتنا في الصحافة يا جماعة فقال- يا زول إنت ماساكن هنا- ولم ينتظر إجابتي وقال -أرح00مربع كم يازول -مربع خمستاشر -أرح- وصلنا المنزل سلموا أسلحتهم لمن ناداني بالبطل ودخلوا معي الي المنزل وكانت الوالدة عليها الرحمة تجلس تحت ظل النيمة في الحوش فرحبت بنا ودخلنا الصالون وقام أحدهم بالإتجاه نحو المكتبة -دي مكتبتك يازول- لا مكتبتي في الغرفة التانية- ممكن نشوفها-جدا -الوالدة يا ولدي في شنو -مافي حاجة يمة بعدين بوريكي- ودخلوا غرفتي دخول الفاتحيين وبدأ أحدهم يقرأ للأخر عناوين الكتب-مجلات الكرمل اللهجة العامية في السودان طبقات ود ضيف الله النزعات المادية في الإسلام ده جيبو جاي مدن الملح الزول ده مثقف القرآن الكريم الأطفال والعساكر ده برضو جيبو علاقات الرق في المجتمع السوداني جيبو كدي زح ليّ وقام بأخذ ما مجموعه عشرون كتاب لم يكن بينهم القرآن الكريم -الوالدة تنادي يا ولدي الشاي وتسألني حينما خرجت لأخذه في شنو وديل منو إنت سويت ليك مصيبة ولا شنو مجموعة من الأسئلة لم أكن أملك لها إجابة وخرج هولاكو ورفيقه بما حملاه من غنائم وخرجنا الي الشارع وأحدهم يجيب الوالدة التي لم تعد تستطع صبرا الزول ده بجي بعد شوية ياحاجة مافي مشكلة مجرد أسئلة وبجي راجع ومن جديد تحركت السيارة ولم يقل أرح هذه المرة .
وصلنا سادتي الي حي المطار وبالتحديد الي عمارات ضخمة في مواجهة مقابر الكمنولس وتلاصق مباني القيادة العامة لقوات الشعب المسلحة ودخلت السيارة دونما إستإذان وأدخلوني الي المبني الوسيط ومن ثم الي الطابق الثالث وداخل الصالة قرأت علي لوحةضخمة معلقة علي الحائط الآية الكريمة (يا أيها الذين أمنوا إن جاءكم فاسق) الي أخر الأيةفاطمئنت نفسي ولا أخدعكم فقد كان بي بعض الوجل وجلست في غرفة صغيرة أربعة في أربعة وجاء غيري شباب ونساء ثم دخل علينا محمد شريف علي المسرحي الشهير وبدأ لساني ينطق والونسة إحلوت ومر الوقت وكل من جاء غادر وبقيت كالسيف وحدي وعندما أرخي الليل سدوله جاء أحدهم عابس الوجه قميئه وناداني تعال يازول وسرت خلفه الي غرفة يتوسطها مكتب يجلس عليه شخص عندما قمت بعد ذلك بوصفه للأستاذ الصحفي محمد عتيق قال أنه عاصم كباشي وبدأ الرجل يسألني إسمك منو بتعرف فلان وفلان وفلان وتعددت إجاباتي فمنهم من أعرف و كثيرون لا وفجأ أحس بيد تمسك بي من مؤخرة رأسي -أوعك تتلفت – ثم أعقب ذلك بصفعة علي الأذن ثم أخري وعلي أن لا ألتفت لم أراه وخرج تاركني للأول يواصل أسئلته ثم جاء أخر هذه المرة بلا إستحياء وصار الأول يسأل والثاني يشجعني علي الإجابة بالصفعات مرة ومرة بالشلوت ثم أخذني الأخير الي غرفة مليئة بالكتب الي سقفها وهناك كان علي أن أحمل أنبوبة غاز واقوم بعملية إحماء جلوس ثم قيام ثم جلوس حتي تورمت ساقاي وكان يحفذني بضرابات توالت لساعة ثم صارت ضربات بدون غاز لأني ما عدت أقوي علي حمل الأنبوبة ثم لم أعد احس بشيئ بعد ساعات من الضرب وتركوني أنزف من أنفي وفمي وفي الصباح جاء أحدهم وسلمني لمكتب أخر وقاموا بعصب عيوني وأرقدوني في الكرسي الخلفي لسيارة ملاكي تحركت لمدة ربع ساعة ثم توقفت لينزلوني ودخلت ليربطوا لي يدي بحبل في شجرة نيم وصرت أقف علي أمشاطي من الصباح حتي عصر نفس اليوم وبعد أن حلوا وثاقي أدخلوني الي حوش كبير فيه ساحة مفروشة بالخرصانة تتوسط ثمانية عشرة زنزانة وكان بالحوش مجموعة من الناس عرفت منهم ميرغني عبد الرحمن سلمان /بكري عديل/ العم الحاج مضوي /محمد عتيق/ فوزي/كمال التجاني المحامي ومجموعة ضخمة تعرفت علي بعضهم بعد ذلك وسيأتي ذكرهم .
أخذني الرجل قابضاعلي أذني وكاني بهيمة وهذه المرة كان هزيل العود ضامر ونحيف جدا فتخيلت لو كان المكان غير المكان كنت(طبيتو كربون ونشفت ريقو) لكن ما علينا المهم سادتي توسط بي الحوش وخاطب الجمع بكل وقاحة الليلة جبنا ليكم زول جديد وقام بتوزيع المعتقلين الي مجموعات وأوقفني مع مجموعة كمال التجاني هنا فقط عرفت تصنيفي وعرفت أنه نسبة لسخونة الجو فقد أنعموا علي المعتقلين بحبة هنبريب وتركوهم يجلسون في الحوش ثم قام أحدهم بتشغيل شريط تسجيل للمبدعة عائشة الفلاتية وسأل الجمع- العارف الفنان ده يبلغ- وهو تعبير عسكري ولم يرد احد عليه ولما رأيت الرجل مصر يعرف قلت له هذه عائشة الفلاتية (شليق) فقال قوم كمان عارف يالله ادينا أرنب نط ولما كنت جديد كان علي أحدهم أن يشرح لي أسأله الغفران فقد كنت السبب في جعله يقفز علي أمشاطه كحيوان الكنقارو وكانت ساقاه طويلتان وهي مشقة لو تعلمون قاسية خاصة علي طويلي الأرجل وقمت بتلك الحركة اللعينة جيئة وذهابا لمدة خلتها دهرا حتي أرضيت غرور ذاك الهضيم ثم تركني أجلس وجاءوا بالتجاني حسين في تلك الليلة ملطخا بالدماء ورموه في وسط الحوش وأمروه بالوقوف وما كان له الي ذلك سبيلا ولم يوقفهم ذلك من ضربه حتي خلنا ان الرجل قد مات ثم أدخلونا في المغيب الي الزنازين وكانت من نصيبي زنزانة صغيرة بها أربعة أشخاص غيري وهم عوض عباس من مواطني الكلاكلة النور أبراهيم الدور رقيب بالقوات المسلحة وأبو بكر عبد المجيد موظف والصحفي محمد عتيق رئيس تحرير مجلة الدستور السودانية أيام الديموقراطية الثالثة
ولم أنم تلك الليلة ليس للآلم الجسدية فحسب وإنما لأن أحد المعتوهين من عساكر الأمن كان يقوم بتسلية نفسه برجم أبواب الزنازين بالخرصانة وقد إستمر في ذلك الي صباح اليوم الثاني .
نخرج اليوم أحبتي من جو المعتقل الحار جداالي خارجه لتكتمل الصورة وأبدأمن شركة بيطار حيث قامت إيفون فلتاؤس رئيستي المباشرة بالسؤال عن الحاصل بعد خروجي وقد توجست خيفة كما قالت لي فيما بعد ولما لم يسعفها أحد بإجابة شافية قامت بإبلاغ الخواجة ريمون بيطار الذي رأي الإنتظار عملا بنصيحة السيد بوب المحامي ومحامي الشركة ومر اليوم دونما جديد سوي أن مجموعة الزملاء قاموا بالإتصال بالمنزل وكانت الوالدة تتوقع حضوري حسب وعد هولاكو لها ولما تأخرت تحول المنزل الي مناحة وتجمع الشايقية من الدروشاب والكلاكلات والحاج يوسف وما بينها وهاك يا شاي في المعتقل كان اليوم الثالث وبغير العادة هادئ جدا وساعات النهار في شهر مايو طويلة طويلة وبدأت أشم رائحة جسدي تتعفن ولما سألت عن إمكانية حمام ضحك الحضور بالزنزانة وكان الموضوع باعث للتندر يا زول إنت قايل ده الهيلتون والله أنا لي شهر ما إستحميت قال النور أبراهيم وكنت لا أحتاج لقسمه بالله لأصدقه فرائحتة دليل مادي لا يقبل الطعن ومرت ساعات النهار بلا نهاية وحلا المساء ولم يتغير الموضوع ما ذال الهدوء العجيب وأخيرا زال عجبنا في صلاة المغرب حينما همس أحد القادمين الجدد بأن الترابي تعرض لمحاولة إغتيال في كندا وكنت أتخيل أن الحكاية رصاص حتي جاء الخبر الأكيد عندما جاء الي زنزانتنا في اليوم التالي سائق سيارة السيد الصادق المهدي ضيفا عزيز علينا وهنا حكاية طريفة فقد كان جرم الرجل عظيم تصوروا أنه كان يقوم بتوصيل سيد الصادق الي منزل للعزاء وعلي لسانه أروي القصة -يا زول مالك جابوك في شنو – السؤال التقليدي- والله كنا ماشين بيت عزا وعربة الأمن كانت ورانا قام نزل ليهم لستك فوقفوا ونحن واصلنا مشوارنا وبعد ما رجعنا البيت لقيناهم منتظرننا فجابوني هنا وهاك يا ضرب – وكان وجه الرجل عجيب من أثار الضرب وقام الرجل مشكور بتوضيح القصة لنا أن هاشم بدر الدين قام بجلد الرجل وأسع هو كده كده- ولم يفرح لذاك الحدث أحد علي الأقل بزنزانتنا وكانت الحكاية دليل علي مستوي الخصومة التي أوصلنا لها نظام إحترف العنف وسيلة لفرض أراءه فإذا بها ترتد إليه في شخص رمزها الشيخ ويا لها من مأساة لم تنتهي فصولها بعد نسأل الله اللطف
جاء الليل سادتي وتواصل الفلم الهندي من ضرب بالخراطيش والدبشك والزحف علي الخرصانة .
مضي أسبوعي الأول في المعتقل وأخذت أعتاد الأشياء والوجوه نري بعضنا للحظات عند الخروج للصلاة ويتعرفون عليك في عجالة من أمرهم فالونسة ترف لا يملكه معتقلوا بيت الأشباح وعرفت صفوة من الناس تنحني الشمس خجلا لهاماتهم النبيلة أحمد حمدان/التجاني حسين/عبد المنعم عبد الرحمن/فيصل حسن التجاني/حسن هاشم/محمد وداعة الله/علي أحمد حمدان ناهل/أحمد دهب/نادر عباس/التجاني مصطفي/علي أبوبكر/كمال الجزولي/الحاج مضوي محمد أحمد/نصرحسن بشير نصر/ملازم أمن الجمري/وفوزي أمين/تيراب تندل أدم/بكري عديل/سيد أحمد الحسين والكثيرين الذين لم تسعفني الذاكرة بأسمائهم -كان ذهاب التوليت مشكلة فهم لا يمهلونك حتي تغضي أمرك ويضربون علي الباب وإن تأخرت تحول الضرب إليك مما أصابني بإمساك ومقاص في الإمعاء عانيت منهم الأمريين وبعد مرور الأسبوع صارت الرائحة لا تطاق وكلما منيت نفسي بالتعود تقول لي هيهات وطبعا لا يوجد ما يسمي مسواك حتي صار من المألوف أن تخاطب رفقاء الزنزانة وأنت تولي وجهك نحو الجهة المعاكسة وأصبحت الزنزانة تحمل رائحة مشرحة الخرطوم العتيقة وصار الكرش (حك فروة الرأس والجلد) عاديا جدا لا يثير إنتباها ونادوني صباح يوم غير بهي إلي غرفة غصية وبدأ ما يمكنني تسميته تحقيق لأول مرة -إنت البوديك تلاتة شنو -والله ياخي تلاتة دي أنا مولود فيها وأصدقائي اغلبهم هناك عشان كدة بمشي بعدين ممكن أعرف أنا عملت شنو – إنتا تقفل خالص ونحن هنا البنسأل بس يعني تجاوب وإنت ساكت(كيف دي لم أسأله رغم إنها جديدة) وقلت في نفسي كلام عساكر -بتعرف فلان ماتقول لي ما بتعرفو عشان حا أكسر ليك راسك الكبير ده وفلان داك بتعرفو من وين والجماعة الفي النادي بتاعين الفرع ديل ما قدرك البقعدك معاهم شنو وبعدين إنت ما عندك أهل مقضي اليوم كلو في تلاتة هنا يدخل من يسمي بي أبي زيد ويلطمني دونما توقع مني حتي غفذ الدمع من عيني الشيوعي الكافر ده ما داير يقول الحقيقة حقيقة شنو يا غضبة الله عليك الزول ده قايلني زينب الحويرص و لا شنو ؟ .
وتوالت الأسئلة طيب البوديك جامعة الخرطوم شنو ياخي انا بقرا هناك في معهد الدراسات الأفريقية هنا لطمة أخري -شوف يا زول ماتقول لي ياخي انا صاحبك قول ياكمندان (بضم الكاف والميم) قول ماسامعني-يا كمندان أي كده بعدين قلت لي داير تبقي دكتور نحن ناقصين فلسفة ما أهي البلد ملانة دكاترة جابوا لينا شنو بلا المرض والكلام الفارق-وطبعا الرجل معذور فهو يقوم بعمل ذو شأن عظيم يحمي الثورة العظيمة من أمثالي شذاذ الأفاق وله أن يقود سيارة جديدة وأن يقبض مرتب بأربعة أصفار ولك الله يا دكتور يوسف مدني وأنت تأتي كل صباح لصرحك العظيم مشيا علي الأقدام- المهم سادتي تواصل المسلسل بنفس الوتير بلا كلل منهم أو ملل يذلون من شاءوا ولا رقيب عليهم سوي إيمانهم الراسخ بأنهم إنما يرسون دعائم الدولة الإسلامية ويوجهون الأمة نحو حضارة السلف الصالح0000 وبعد مرور عشرة أيام ماعدت أطيق رائحتي فجاء أحدهم يحمل علبة للتنباك وبعد أن مارس ساديته في التهكم علي من يستفونه وبهبل يدعو للشفقة عليه- البسف فيكم منو أديهو سفة والله صعوط كارب نمرة واحد كدي يا النور تعال شمو أصلكم إنتو أهلنا ناس الغرب ديل خبرة كارب مش كده لكن والله تشموا قدحة-وقلت أن الرجل عوييل فالأجرب معه علي أستطيع للحمام سبيلا يا كمندان يعني لو سمحت ممكن يعني أستحمة -شنو كدي تعال جاي يالله كدي قميصك ده أتنيهو أها إتكسر ولا لا شفته لمن ينكسر ويقول كش أنا بخليك تستحمة بعدين إنت جيت متين عشان تستحمي يا كمندان تعال أسمع ده بقول شنو مالو الشيوعي ده قال داير يستحمي بالللللللللللله يا خي ديل ما ناس تلاتة وتلاتة حلاتة كدي أفتح ليه الباب يالله عايزك تذحف في الخرصانة دي لحدي ما نجيك وبدلا من الحمام فقد تيممت في خرصانة كانت جذء من جهنم عملا بالسلف الصالح وصلح التيمم في حضور الماء وكله فقه والله أعلم .
أخبار الخارج وعبق الصابون والأخير صار هاجس لي وكنت أحسد الأستاذ محمد عتيق لتحمله وهو ود العمارات وليت ود بادي إلتقاه 00في نهاية الأسبوع الأول من يونيو كانت تحركات الوالدة قد بدأت تاتي أكلها في صباح ذاك اليوم جاءني المدعو مصطفي دكين يحمل لي صرة وأدخلها من بين فتحات السيخ في أعلي باب الزنزانة قائلا ود تلاتة واصطاتك قوية هاك الزوادة دي لامن نطرشك ليها وفتحت الكيس ووإثني عشرة أعيون تتبعني وفيه وجدت جلباب وسروادوك وفرشة أسنان ومعجون وصابونة أي والله صابونة وكمان لوكس الللللللله (نان دي يا أمي أكلها) المهم بعدها بساعة من الزمن جاء القميئ مرة أخري وناداني بعد فتح الباب قوم يا ملحد إنتي تعال مارق أمشي إستحمة قالها ونظرت أنا إليه فقالها مرة أخري يا زول ما تمشي ومشيت يا جماعة الحمام واستحميييييييييييييييت وهاك يا كدوب وهاك يا دعك وبي الجد كنت وسخان فقد كان الماء يصب علي جسدي صافيا زلولا ثم ينحدر بعد ذلك كما ينصب الماء من سبلوقة بيت جالوص بني اللون صلصالي الملمس وبه بعض الدرادم وعندما صارت الصابونة تنزلق من يدي لصغرها قلت لنفسي فالأترك البروة دي للهديمات وغسلت قميصي وما كان بإمكاني غسل البنطال فهو جينز وهذا يغسل بأبو فيل اما ملابسي الداخلية أكرم الله أعينكم فقد كانت -كمعراكة الدوكة- ما كان مني الا أن رميتها في برميل الزبالة كما يتخفف المرء من زنوبه ورجعت الي الزنزانة وأعين مليئة بالحقد ترصد خطواتي وعند الواحدة ظهرا جاء القميئ مرة ثالثة وناداني ود تلاتة تعال آلنضيف عندك زيارة وخرجت متسائلا من تراه يكون وخلف المباني كان هنالك من بادرني إزيك يا زول عرفتني أبدا والله ماعرفتك أنا ود ناس عمك فلان أبدا والله برضو ما عرفتك ود حاجة فلانة صديقة والدتكم بالله كيف حالك كويس وإنت كيف الجماعة ديل بعاملوك كويس -مافي عوجة- كان ردي فقال راسك القوي ده خليها تبقي ليك درس -مافي عوجة- الحاجات وصلتك ايوا دي مرسلاها ليك الوالدة وهي كويسة وبتسلم عليك الله يسلمك ويسلمها شكرا يا أخي خلاص مع السلامة في أي وصية لا بس قول للوالدة ما تقلقي أنا بخير مع السلامة ورجعت ميمما وجهي تجاه الزنزانة فناداني القميئ تعال يا النضيف ما شي وين ماشي الزنزانة يا كمندان زنزانة شنو تعال بي جاي وكان مكان الوضوء في منتصف الحوش به ماء آسن وطين فقال شايف الطين داك أمشي إتعطن لي فيهو- يااخواناالزول ده بي صحو- ومشيت وإتعطنت في الطين ولم يرضيه ذلك فقال إدردق أخمج في الطين ده كويس وصرت من جديدكالغراب ورجعت الزنزانة ولم يشمتوا علي رغم إني قبل ساعة زمن كنت عريس الفريق نضيف وظريف ومر أسبوع أخر أنجلدت فيه كذا مرة ثم تركوني يومين أو ثلاثة أيام دون ضرب وأخيرا جاء أحدهم وناداني يالشيوعي أمرق وودع جماعتك ديل وقال محمد عتيق مبروك يا زول يا إفراج يا كوبر وأي الحالين مبروك وودعتهم بعد أن تبرعت بفرشة أسناني للأخ عوض عباس وكانت هدية قيمة أفرحته والله وربطو لي عيني بعد أن حلفوني علي المصحف أن لا أخبرأحد بما يحدث هناك ورجعت الي حيث بدأت وبنفس الطريقة والوسيلة الي مركز الأمن وحقق معي ضابط أمن يدعي أسامة ذكر لي مجموعة من الممنوعات ثم أخذوني الي مكتب الرجل إبن صديقة الوالدة وقد أمر سائقه أن يوصلني الي حيث أريد وذهبت الي الشركة حتي أأخذ الفيسبة ثم أذهب الي المنزل وعند دخولي المكاتب بدأ الموظفون يتجمعون وبكت الزميلات وكان يوم لن أنساه ما حييت وعند رجوعي المنزل زغردت الوالدة وتجمع الجيران ولكم أن تتخيلوا البقية ولم يكدر صفوي أحد لمدة ثم رجعت الغلاصات حتي كان هروبي بعدثلاثة أعوام خارج الوطن
التحية للشهداء
التحية للقابضون علي الجمر
والصامدون والجاهرون بكلمة الحق
ولا نامت أعين الجبناء
خالد الحاج الحسن


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.