الكشف عن سلامةكافة بيانات ومعلومات صندوق الإسكان    بنك الخرطوم يعدد مزايا التحديث الاخير    هل يرد رونالدو صفعة الديربي لميتروفيتش؟    شاهد بالصورة والفيديو.. سيدة سودانية تبهر الأسافير وتخطف الأضواء بعزفها على "الطمبور" بطريقة مدهشة ومتابعون: (ملوك السلك رجال ونساء وشوايقة والبلد رايقة)    شاهد بالصورة والفيديو.. نجم "التيك توك" السوداني أبو أحمد يطلب الزواج من حسناء فلسطينية قابلها في "لايف": (من زمان نفسي أعرس فلسطينية) والجمهور يطلق عليها لقب دنجوان نساء العرب    شاهد بالصورة والفيديو.. فتاة سودانية تظهر في لقطات رومانسية مع زوجها "الخواجة" وتصف زواجها منه بالصدفة الجميلة: (أجمل صدفة وأروع منها تاني ما أظن القى)    شاهد بالصورة والفيديو.. فتاة سودانية تظهر في لقطات رومانسية مع زوجها "الخواجة" وتصف زواجها منه بالصدفة الجميلة: (أجمل صدفة وأروع منها تاني ما أظن القى)    المريخ يوقِع عقداً مع شركة (Sport makers)    لاعب برشلونة السابق يحتال على ناديه    مفاوضات الجنرالين كباشي – الحلو!    محمد وداعة يكتب:    مستشفي الشرطة بدنقلا تحتفل باليوم العالمي للتمريض ونظافة الأيدي    عالم «حافة الهاوية»    مليشيا الدعم السريع تجتاح قرية البابنوسة شرق مدني وتقتل وتصيب 8 أشخاص    تعرف علي أين رسم دافنشي «الموناليزا»    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    انتخابات تشاد.. صاحب المركز الثاني يطعن على النتائج    برقو لماذا لايعود مديراً للمنتخبات؟؟    عقار يلتقي وفد مبادرة أبناء البجا بالخدمة المدنية    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    كوكو يوقع رسمياً للمريخ    باريس يسقط بثلاثية في ليلة وداع مبابي وحفل التتويج    السودان..اعتقالات جديدة بأمر الخلية الأمنية    جماهير الريال تحتفل باللقب ال 36    شاهد بالصور.. (بشريات العودة) لاعبو المريخ يؤدون صلاة الجمعة بمسجد النادي بحي العرضة بأم درمان    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    نتنياهو مستمر فى رفح .. إلا إذا...!    ترامب شبه المهاجرين بثعبان    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    السيسي: لدينا خطة كبيرة لتطوير مساجد آل البيت    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    روضة الحاج: فأنا أحبكَ سيَّدي مذ لم أكُنْ حُبَّاً تخلَّلَ فيَّ كلَّ خليةٍ مذ كنتُ حتى ساعتي يتخلَّلُ!    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    القبض على الخادمة السودانية التي تعدت على الصغيرة أثناء صراخها بالتجمع    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    (لا تُلوّح للمسافر .. المسافر راح)    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المهرجان الثقافي لتراث جبال النوبة : المثال الحي ل(نقص القادرين على التمام) وأنموذج ال(Bad finishing)
نشر في حريات يوم 17 - 12 - 2013


[email protected]
ومن يجد الطريق إلى المعالي فلا يذر المطي بلا سنام
و لم أرَ في عيوبِ الناسِ عيباً كنقصِ القادرينَ على التمام أو
و لم أرَ في عيوب الناسِ (شيئا) كنقصِ القادرينَ على التمام
هكذا يقول الشاعر الحكيم أحمد بن الحسين بن الحسن الشهير بأبو الطيب المتنبي في طي ميميته الشهيرة التي مطلعها :
ملومُكما يجِلُّ عن الملامِ ووقعُ فعالِهِ فوقَ الكلامِ
ذَراني وَالفَلاةُ بِلا دَليلٍ وَوَجهي وَالهَجيرَ بِلا لِثامِ
والتي من أبياتها الشهيرة أيضاً (وهو يصف معاناته مع حُمَّى الملاريا) :
وزائرتي كأنَّ بها حياءٌ فليس تزورُ إلا في الظلامِ
بذلتُ لها المطارفَ والحشايا فعافتها وباتت في عظامي
يضيقُ الجلدُ عن نفسي وعنها فتوسعُهُ بأنواع السقامِ
إذا ما فارقتني غسلتني كأنا عاكفانِ على حرامِ
والبيت (نقص القادرين) كما هو جليٌّ و بيِّن وواضح إنتقاد وإستهجان لمن يمتلكون مقومات ومقدرات وإمكانات و(فُرَص) التسامي والتسامُق والتعلِّي والتجلِّي والتواجد على القمم والأعالى، ويملكون أن يكونوا ناجحين ومتفوقين ومتقدمين (أفراداً أو مجتمعات) لكنهم يهدرون الفرص وينحدرون إلى السفوح والمستنقعات لكونهم لا يجتهدون في طلب ذلك تكاسلاً أو عدم حرص على النجاح والتفوق، أو لقناعتهم وإكتفائهم وإنبهارهم بتحقيق القليل منه، أو بسبب جهلهم لهذه المُقومات والقدرات او بسبب سوء توظيفها أو إساءة برمجتها.
..هذا التوصيف الكئيب البئيس لم أجده ينطبق على شئٍ كمثال حي ونابض و(standard) مثلما ينطبق بكل أسف وأسى وحسرة على واقع منطقة (وأبناء منطقة) جبال النوبا في مناحي و مجالات عديدة، بل نكاد نقول في كل المناحي والمجالات بلا إستثناء يُذكر الشئ الذي جعل المنطقة ومجتمعها يعيش على الدوام واقع ما يُصطَلح عليه (الفقر وسط الوفرة) ليس الفقر المادي فحسب وإنما المعنوي أيضاً بينما (الآخرون) يرتعون في (الغِنى وسط النُدرة) .. و ذلك ببساطة بسبب الهُتافيين الغوغائيين الببغائيين الذين يبتكرون و(ينجرون) منابر هُلامية فضفاضة لإلهاء الناس وتلقينهم (فن الركض للوراء) بغرض أن يخلقو لأنفسهم مقاعد زعامة وهمية جوفاء مستغلين بساطة الناس وطيبتهم وإنفعالهم وحماسهم تجاه كل شئ يتصل بقضاياهم ورمزية كيانهم، متناسين (أي أدعياء القيادة أولئك) إن القائد الحقيقي هو من (و يجب أن) يعمل على خلق الوعي الحقيقي في مجتمعه والأخذ بيده نحو مراقي الخروج من أزماته وعلاته وليس إستغلال البساطة فيه، و(غياب الوعى) منه، والإنفعال العاطفي عنده، لتعبئته بشعارات هلامية مطاطية، وشحنه بخطب و(خطابات) عاطفية لا تحمل مضموناً جوهرياً في ثناياه، و قد إستغل الكثيرون، الكثيرون جدَّاً، مآسي ومِحن جبال النوبا المتراكمة، خاصة أزمتها الأمنية السياسية الإنسانية المزمنة الماثلة في ساحتها الآن فجعلوا من (فزَّاعة الفناء) و(أم بُعولو الإفناء والإستعداء والإستهداف و…..) كلمة حق وحقيقة وواقع يُراد بها باطل و يُرام بها (مقاعد ومغانم ومكاسب ومظاهر و منابر …إلخ) بالإيحاء إلى هؤلاء إنكم طالما إن هذا هو واقعكم لا محالة أنتم هالكون فانون إن لم تصطفوا في (one line) وتجعلوني (in command) لذلك الصف حتى أعبر بكم إلى بر السلامة والأمان، ثمَّ يرفعون في وجه الجموع لافتة و(فزَّاعة) أخرى إسمها (مفارقة الكيان) أو حتَّى (خيانة القضية) لقفل الطريق أمام أي رأي آخر مُخالف لرؤيتهم أو ضد خطهم لعلمهم المسبق بخطل فكرتهم وخبل منهجهم، والإيعاز دوماً بأن (أناساً ما) أو ربما (كل الناس) يستهدفون النوبا ويتربصون بهم ويتحينون الفرص والسوانح للإنقضاض عليهم والنيل منهم، و لا أحد يريد لهم و بهم الخير أبداً، هذا حتى يظل هؤلاء النوبا على الدوام أسرى ورهائن ل(فوبيا) الإستهداف هذا فيكونون جاهزين للإسراع في (ركوب) أي صف في سبيل (الإستقواء والبقاء).
..بدءاً، من البداهة القول إن الحياة لدي كل الكائنات الحية على الأرض ليست إلا تدافُعاً مستمراً ودأب مستدام، و لم يكتب الخالق المصور (عقداً) مع أيٍّ من خلقه بان يديم الهدوء والدعة بين يديه، أو أن يجعل عناصر الكون الأخرى كلها منابع تضخ الخير والنعيم المقيم إليه، إذ الحياة بحال ليست (منظمة خيرية) أو (بابا نويل) يسعى بين الخلق بالهدايا والعطايا والهِبات، و يكاد ينعدم فيها ما نصطلح عليه في أحايين كثيرة (خيرية، إنسانية، …إلخ)، و يكاد يصدق ويُعمم على كل شئ ما يطلقه البعض في العمل السياسي عند مجادلة البسطاء الطيبين من عضويتهم بأن (الحزب دا ما منظمة خيرية) إشارة إلى إن العمل السياسي عبارة عن برامج لتحقيق أغراض سياسية معينة ومعلومة وليس لتقديم خدمات أو مساعدة الناس مقابل اللاشئ، حتى و لو رفع ذاك الحزب شعار إنه (من الناس و بهم وإليهم و من أجل خدمتهم ونهضتهم ورفاهيتهم) والصحيح انه حتَّى ذلك المسمى بالعمل الإنساني هو عمل خدمي صحيح لكن خلفه بالضرورة منافع خاصة، على الأقل خاصة بمقدمي تلك الخدمات سوى كانوا دولاً أو أفراد أو جماعات أو مجموعات إذ ليس في الدنيا العريضة هذه بل في هذا الكون الفسيح كله ثمة (عمل ما) لا ينطوي على (منفعةٍ ما) ل(جهةٍ ما)، و لا أعني هنا المنفعة أو المصلحة الخاصة بالجهة المُدَّعى إنها تقام من أجلها الخدمة فهي مستفيدة بالضرورة حتى بشهادة صاحب ومقدم الخدمة نفسه فهذا معلوم ومفهوم ومهضوم، لكن أعني فائدة وإستفادة الجهة المقدمة للخدمة نفسها والتي تدَّعى في الغالب إنها لا تستفيد وإنها تعمل لغرض إنساني فقط إذ لو أخذنا مثلاً تجربة المنظمات (وطنية أو إقليمية أو دولية) تلك التي ترفع شعار إنها منظمات طوعية إنسانية خيرية …إلى آخر مسلسل المفردات والمصطلحات والعناوين البراقة الناعمة فلو إنها بالفعل تقدم الخدمات والمساعدات هكذا من أجل اللاشئ فعلى الأقل من أين لها معينات التحريك والتحرك من أجل تقديم هذه الخدمة (المركبات والوقود) و من أين لها مرتبات موظفيها والتي تسميها هذه المنظمات (حوافز أو نثريات) وليس مرتبات (تحايلاً) على المانحين أو (تدليساً) على المستهدفين بخطاب الخدمة، و من أين لها بناء أو إيجار الدور والمكاتب ودفع فواتير الكهرباء والإتصالات، و من أين لها شراء الأجهزة والمعدات المكتبية …إلخ، فإذا إستقطبت (منظمة ما) مائة ألف دولار مثلاً من مانحين أو خيِّرين أو محسنين لعمل إنساني فان عشرة ألف مثلاً أو إثنا عشر أو خمسة عشر ألف دولار منها تذهب مقابل المنصرفات تلك والمتبقي يذهب لفائدة المستهدَفين الحقيقيين، إذاً فان المنظمة تربح عشرة أو إثنا عشر أو خمسة عشر في المائة من المبلغ المرصود نظير تقديمها تلك الخدمات أو المساعدات أو ….. (الإنسانية)، بل إن مصطلح ومفهوم فعل الخير والإحسان والبر هذا حتى في الإصطلاح الديني فانه ليس خدمة أو صدقة او فضل مجاني هكذا مثلما ينطبع في المفهوم العام والمشاع حيث أن مقدم الخدمة (المحسن، المتصدق، البار) هذا على الأقل ينتظر من وراء فعله رضاء الله وأجراً وثواباً ومكافأة منه تعالى في الدنيا والآخرة و لكن للقصور الإنساني المعتاد ومحدودية وضيقِ دوائر تقييمه وقياسه للأشياء يجعله ينظر ل(الخدمة الإنسانية، الخيرية) على إنه مقابل (اللاشئ) لقياسيه وتقييمه ل(الشئ) هذا وتأطيره وتحديده بما هو منظور ومرئي أمامه ومحسوس لديه وبالتالي فإن ما لا يراه أو يحسه أو يتحسسه فهو (لا شئ) .. و بهذا المفهوم و(الفذلكة) فإن هؤلاء (القيادات الهُراء) يفترضون و(يفرضون) بإن النوبة لا مجال لهم للإنطلاق والإنعتاق بلا تعطيل أو تعويق أو محاولات(كعبلة) و(زرع كوابح) في طريقهم إلا في غير هذه الدنيا وهذا الكون إذ في هذه الدنيا وهذا الكون لا وجود فيه لبشر يقدمون ويخدمون بشراً (آخرين) هكذا (سمبلة) بلا مقابل أو (منفعة مُتبادلة أو مصلحة مشتركة على الأقل) ولا أثر ل(كائنات) تفرش ل(الآخرين) الطرقات والدروب بالزهور والورود والبساط و(الموكيت) وتعبِّد لهم الشوارع والطرق للعبور بالأمان والسلامة والسلاسة (إحساناً وخيراً وبراً ومقابل اللاشئ) .. بل إن البعض لا يفرقون حتى بين (التدافع العام) و(الحراك الإجتماعي) في إطار صراع الحياة والوجود والبقاء والإصطراع عليها وبين (العداء) و(الإستهداف) في إطار أهداف (إفناء الآخر) و(إقصائه) عن الحياة والوجود والبقاء، وهناك أيضاً التعالى العنصري والصفوية العرقية الذي يجعل البعض ينظر لنفسه (كيانه العرقي) بأنه الأفضل والأصلح والأمثل وإنه (وحده) صاحب الأهلية والإمتياز في القيادة والسيادة والريادة وإن الآخرين جميعهم دونه (دون كيانه العرقي) و لا يملكون القدرات والخصائص ما يجعلهم يتساوون معه في (الحراك العام) من قيادة الأمور وطرح الأفكار وخلق المبادرات وصناعة الإبتكارات …إلخ وهذا بالطبع شئ مختلف عن العداء والإستهداف العرقي و إن كان يلتقي معه في جامع الرغبة في إقصاء الآخر، إذ على العكس من الإستعلاء العرقي فإن شعور البعض بالعداء للآخر والرغبة في إفنائه و(إخراجه) عن الحياة والوجود يأتي من الشعور بالنقص والدونية والإحساس بأن ذلك (الآخر) أفضل وأقدر منه ويمتلك من الصفات والقدرات والخصائص ما يجعله مهدداً لوجوده معه فلا مجال للبقاء إلا بفنائه وإفناء صفاته وخصائصه تلك لتبقي صفاته وخصائصه الأقل و تجد فرصتها في البقاء .. لكن بعض الغوغائيين والببغائيين والهُتافيين في جبال النوبة، وفي سبيل إستغلال عقول البسطاء وإستدرار العاطفة العرقية والإثنية يجعلون من الشعارات الجوفاء شيئاً مثل حصاد حاطب الليل (كلها على تناقضها وتنافرها وإختلافها في حِزمة و سلة واحدة) بإسم (إستهدافنا)، (العدء لنا)، (…..نا) ليهرع و يندفع إليهم الجميع بالحراب والرماح والسيوف والنبال و(الكواكيب) و(الكراتيب) و(السفاريك) و ما أتيح من مرطمونات …إلخ في سبيل حماية (الأرض والعرض والكيان)، و من ثمة يتاح لهم تقدُّم هذا (الجمع الكريم، العظيم) والسير به نحو قتال طواحين هواء وحصد إنتصارات سحرية لا يراها سواهُم، و من ثمَّة ينصبون (وسائد) و(أرائك) في مقدمة المحفل بإدعاء إنهم (الثيران) التي تقود موكب (الحظيرة) إلى فضاءات الخلاص عبر وصفات وشفرات كهنوتية لا يفهمها و يفك طلاسمها إلاهُم، و في الواقع إن هؤلاء (عن قصد أو جهل، عن دَفرة أو دفع، أو عن أي عنعنة أُخرى) هم من يسوقون مجتمع جبال النوبا إلى (حظيرة فوبيا) و (دائرة وسواس قهري) يجعلان من إنسان هذه المنطقة شخصاً متوجِّساً على الدوام من كل شئ حوله، متردِّداً من التعاون والتعاطي والتداول والتناول مع أي (آخر)، فما من أحد يقترب منه إلا قاصداً طعنه بخنجره المسموم الذي (يدسه) بين طيات ملابسه، و ما من إبتسامة من أحد إلا أنياب ليث يتحين الإفتراس، و…، و لو إن أحداً يعادِي النوبا بقصد حقيقي و يسعى لإقصائهم عن الوجود وتعويق مشاركتهم في الحياة العامة فإنه لن يجد أفضل من هؤلاء لتحفيزهم وتحفيظهم وتشجيع منهجهم هذا لينوبوا عنه في قتل شخصية إنسان جبال النوبا معنوياً وقتل إنطلاقته وتلقائيته، وتحويله إلى (كائن) إنزوائي إنتحائي إنطوائي إنكفائي متوجس من كل شئ.
..في الفترة (13 14) ديسمبر الجاري أتيح لي مثلما مئات العشرات من أبناء جبال النوبا وجنوب كردفان وعموم (أهالي) الخرطوم، شهود (المهرجان الثقافي الثالث لتراث جبال النوبة)، والذي لا يستطيع عاقل إلا أن يقر بأنه محاولة لإلقاء حجر في الماء الراكد وتحريك الساكن وإنطاق الساكت خاصة في ظل الواقع الأليم الذي تمر به منطقة جبال النوبا وأخواتها من رفيقات المعاناة فالحرب اللعينة في هذا الوطن الموبوء يشذب ويُجِزّ ويُحِزّ كل يوم قطعة آمنة ومطمئنة من (جغرافية وديموغرافية الهامش) المفجوع برحيل ونزوح المواطنين نحو الوسط النيلي لأسباب غياب الأمن و(الأمان)، و في المقابل تمتد وتتمدَّد و(تتكرَّش) مدن الوسط هذه والشمال بفعل المتدفقين والمُتدافعين إليها، ومن تلك، بل وعلى رأس تلك، ولاية الخرطوم التي تبتلع في (كرشها وحدها) ما يقارب خُمْس سكان البلد في سياج جديد من (الهامش المركزي) تحمل أسماء أحيائها كلمات (السلام، البشير، الإنقاذ، البركة…إلخ) في واقع لا صلة له بمدلول المفردات تلك.. وجنوب كردفان (جبال النوبا) هي الأخرى (مثلما أترابها من رفيقات الأزمة) تقف على رأس قائمة (رافدي) و(مُمولي) الوسط بالسيول البشرية بسبب الأوضاع الإنسانية المأساوية التي تدور بالمنطقة، لكن أبناء جبال النوبا أولئك المولعين المسكونين بالحياة والحيوية والحركة والحراك والإبداع والمَرح والإبتهاج يتوقون دائماً إلى أن يجدوا متنفساً و(ميداناً) لأشواقهم المتدفقة تلك ويصرون على أن يجعلوا لبصماتهم وقسماتهم حضوراً أينما حلوا، وأن تتحرَّك وتمشي بين الناس طقوسهم وتقاليدهم وعاداتهم وألعابهم وتراثياتهم الذاخرة الفاخرة، وذلك ما يجعل قولنا بأن (المهرجان الثقافي الثالث لتراث جبال النوبة) لا يستطيع عاقل إلا أن يقر بأنه محاولة لإلقاء حجر في الماء الراكد وتحرك الساكن وإنطاق الساكت كلمة حق في حق هذا المحفل، لولا ما شابه، وشاب سابقاته، من الإصرار الغريب من البعض على ممارسة (إبداع نقص القادرين على التمام) و ال(Bad finishing) لبداياتنا وأمنياتنا ونوايانا الجميلة، وذلك للنوايا السيئة والشريرة، ربما، من البعض لإستغلال بداياتنا وأمنياتنا ونوايانا الجميلة تلك، على ما سنسرد .. وقد سبق أن نصحنا بكل تواضع القائمين على هذا المهرجان (الكبير) ب(توخِّي الحيطة والحذر) من الإنجراف وراء الشعارات العاطفية الهُتافية التي (نمتاز) بها في قيادة وإخراج أشيائنا الجميلة والنبيلة مما يُنتِج لنا حصيلة ومخرجات عكس ما نرجو تماماً (أو في الحقيقة عكس ما يرجوه شعب المنطقة والبسطاء الأنقياء هناك، فكثير ممن يرفعون الشعارات بإسم المنطقة لا تكون أهدافهم بالضرورة هي أهداف البسطاء الأنقياء أولاء) ذلك يوم قلت لهم إن هذا الأسلوب التي تتبعونه في جمع تبرعات المهرجان بضخ الحماس ودغدغة العواطف للتبرع على طريقة الشوباش وتكرار أقوال مثل إنه (الآن معنا بضعة وثلاثين ألف والميزانية المقترحة مائة وكذا، ولكن بكل حال سنقيم المهرجان، و حتَّى بدون قروش سيقوم المهرجان ..إلخ)، قلنا إنه ليس أسلوباً لبرنامج إلا إذا كان الغرض مجرد حشد الناس وتجميعهم بأي كيفية وإستعراض (أي شئ) بأي طريقة كيفما إتفق والقول بان ذلك تراث جبال نوبا .. ذلك لأن التراث هذا عبارة عن نسيج ووحدات متماسكة ومتكاملة من عناصر عديدة .. بشر، أزياء، مقتنيات فولكولورية، تصاميم، نماذج، موسيقى، رقص …إلخ، مما يستعصي معه التعامل بنظرية (ما لا يُدرَك جُلُّه لا يُتْرَك كُلُّه)، كما إن أسلوب الشحن العاطفي وتغييب الوعى بشعارات مثل (الزول لو يبيع قميصو أو يجوع أو … لازم يساهم يا جماعة عشان دا تراث و دا هوية …) يبقي شعاراً إنتهازيتاً إستغلالياً من الدرجة الأولى حين نأتي للنتائج (نتائج أن نرى إن كان هؤلاء حقَّاً عرضوا تراثهم، أو شاهدوا تراثهم، أو إستمتعوا بتراثهم)، كما إن القيادة تقتضي أن لا يدفع القائد من معه إلى العناء أو التهلكة والفناء ليهنأ هو بزهو الإنتصار وإنما (يدبِّر) لهم وسائل الإنتصار وكسب المعركة (أو تحقيق النتائج) دون إحداث خسائر أو أذي وسطهم .. و لا يجدي هنا مثل ما يمكن أن يقال (أن أحداً لم يقتلع شيئاً من جيب أحد وإنما كان تفعيلاً للناس لشأن يختص بكيانهم وهويتهم ورمزيتهم وبقائهم و…..إلخ) خاصة إذا رجعنا إلى ما سردته وأسرده عن سوء الإخراج وضيق (بل إنعدام) فرص العرض و فرص المشاهدة …إلخ.
..إن التنظيم والترتيب ليس شيئاً عصيّاً أو مُحالاً لمن يؤمن بالتنظيم والترتيب ويعرف قيمتهما وأهميتهما في بلوغ الأهداف وتحقيق النتائج وإختصار المسافات وسرعة الوصول، و هما (التنظيم، الترتيب) أقل عناصر التخطيط كُلفةً، لأي هدف، وأكثرها يُسراً إذا توفرت الرغبة والإرادة، لكونهما شأن يختص ب(المخطط) نفسه وتحت يديه ورهن رغبته وإستعداده فقط .. و هذا ما لم يتوفر للمهرجان لإصرار البعض مثلما في تجارب كثيرة، و بطريقة نقص القادرين تلك على الخطابية والهُتافية الغوغائية والإفتنان بالجمهرة و(الإحتشاد) كأن (الجمهرة والإحتشاد) هذين غاية وهدف في حد ذاتهما، فإن الأفيال والزراف، وحمار الوحش والغزلان، والنحل والنمل والديدان أيضاً تحتشد، وتمشى في أسراب ومواكب .. و لكن السؤال ماذا تفعل و ما هو الناتج!! ، طبعاً الغوغائيين الذين يهرعون إلى بتر أقوال الناس لمحاكمتهم بها على طريقة (لا تقربوا الصلاة) دون ذكر (وأنتم سُكارى) سيهرعون لبتر (قولي هذا) للإدعاء بأني أقول (إن مهرجان تراث عمل ليس ذو قيمة أو ذو نتيجة، وإنه شئٌ مثل إحتشاد النمل والنحل والديدان)، لذلك أكرر أنه يمكنني، كما يمكن لأي احد غيري قول ذلك وأعيده ويعيده آلاف المرات ولكنه يظل قولاً مثلما أن نقول (إن الشمس تشرق من المغرب أو الشمس تشرق ليلاً، أو نحن نتنفس الضوء وليس الهواء) سيظل قولاً لا علاقة له بالحقيقة مهما أعدناه و رددناه، فالتراث قيمة و قامة أساسية وجوهرية في كيات وتكوين وبناء ووجود أي مجتمع إنساني في أي زمان ومكان و في أي واقع (بدائي، متخلف، متحضر) .. (ديني، لا ديني) .. (مجتمع فقير، غني) …إلخ، لكن السؤال : أي مهرجان وأي عرض لهذا التراث، هذا مبعث ومعزى هذه المقالة .. فعلاوة على كل ما سردته أعلاه أضيف إنه إذا كان العشرات يأتون ب(كروت دعوات أنيقة مهذبة) على ما رأيت بأم عيني فلا يعرفون لمَ و فيمَ هذه (الكروت الأنيقة المهذبة) إذ يوجههم المنظمون بالتوجه (شرقأ) حيث الواقفون!!.. هل تكون (الكروت) قد أُعطِيت للبعض (بمثابة دعوة) للحضور والوصول للميدان و(بمثابة إذن) للمشاهدة والفرجة!!.. أظن (وليس كل الظن إثم) كانت الدعوات لأغراض إجلاس الناس، دخول المنصة …إلخ، إذ بديهي أن لا أحد يحتاج (كرت) لمشاهدة عرض في ميدان مفتوح فذاك أمر مفتوح ومسموح ومطروح لكل السابلة والعابرين في الشارع فعشرات المارين حتى غير المعنيين أو المُهتمين بالبرنامج كان يجذبهم مشهد (اللمَّة) فيقفون للفرجة لحظات ثم ينطلقون إلى حال سبيلهم إذ هذا لا يحتاج (كرت دعوة) و لكن اللجان (المُنظمة) للمهرجان وزعت و(تكرمت) ب(كروت دعوة) للناس للمشاهدة والفُرجة!!.. ستقولون هذه أشياء شكلية ومظهرية والمهم الجوهر والهدف .. ليكن!!.
..الغريبة إن أؤلئك الذين يرون ويرددون إن (مستوزري) الحكومة و(أزلام) النظام خاصة من عناصر المؤتمر الوطني بالطبع ( الحزب الحاكم) يعملون ضد أهلهم النوبة و هم لا يمثلونهم والنوبة بريئون منهم …إلخ، هم أنفسهم من حوَّلوا هذا المهرجان والمحفل إلى (حظيرة بروتوكولية) محجوزة لدستوريي وقيادات المؤتمر الوطني (الحزب الحاكم) لدرجة فصل مقدِّمة جلوس هؤلاء بسياج في حالة لا تحدث حتى في بروتوكولات الحكومة حين جلوس رئيس الدولة في الملتقيات واللقاءات الجماهيرية، وإمتلات الصفوف الأولى من المقاعد باللافتات والأسماء والألقاب البرَّاقة لوزراء وقيادات أبناء جبال النوبا في الحكومة الشئ الذي جعل الأمر يبدو وكأنه (ملتقي ممثلي جبال النوبا في الحكومة) وليس مهرجاناً شعبياً، في تهافت و(تكسير تلج) غريب من قيادة مهرجان يدَّعون إنه ل(تراث جبال النوبة) .. قد (يهتف) المبرراتية والتبريريين الببغائيين بأن هذا نفسه جزءٌ من تراثنا في (توقير وإحترام الكبار)، ليكن!!..، إذاً فهؤلاء هم كبارنا الذين يستحقون التوقير والإحترام، إتفقنا، ولكن غالب هؤلاء الموقرين المحترمين الذين كانت ديباجاتهم (ملصَّقة) في المقاعد بالعشرات قاطعوا (مهرجان تكسير الثلج) هذا ولم يحضروا وتركوا المقاعد (بديباجتها البراقة) شاغرة فاغرة أفواها عجباً من هذا التناقض الفصيح، إنه النفاق بعينه والتناقض بشحمه و لحمه، أولئك الذين لا يفتأون أو يفترون ليل نهار (لكن في الأركان المظلمة طبعاً) من شتم وسب أبناء جبال النوبا المشاركين أو (المتواطئين) مع الحكومة بأنهم أذيال وأذناب ومعادين لأهلهم و…إلخ، ولكن في الضوء والهواء الطلق يهرعون إلى الإحتفاء بهم وتكسير (الثلج و البَرَد) لهم و(معهم و بهم) برغم إن هؤلاء لا يعبأون (بثلجهم) هذا، ولا يحضرون ولا يعتذرون ولا هُم يحزنون!!.. إنها دائماً أزمة التناقض والنفاق والهتاف الأجوف والشعارات الفضفاضة ممن يدعون حمل قضايا جبال بمختلف المحاور.
..في محفل راشد و(كبير) بحجم (مهرجان .. ثقافي .. لتراث .. جبال النوبا) ما الذي جعلت المنصَّة تتحول إلى شئ أقرب لركن نشاط طلابي من هتافات شباب منفعل ومُتشنج غير ناضج (أكرر منفعل مُتشنج غير ناضج، فربما هذه صفة للفئة والمرحلة العمرية أكثر منه لشباب المهرجان كأشخاص، و هذا ما يقول به العلم والدين والفلسفات الإنسانية جميعها تقريباً وليس كاتب السطور وحده)، فهولاء طبيعي إنهم لا يزالون في طور التشَكَُّل والبناء (الفكري والبدني معاً) ما يجعلهم ليس العنصر المناسب بحال من الأحوال لإدارة منشط بهذا (المُسمَّى) الضخم والجاذب والحسَّاس، فهو يُعبِّر ويعرض ويعرِّف عن هذا الكيان (المُدَّعى عليه) وليس عن القائمين بأمر المهرجان، فلو إن المظهر والمردود والأثر يعود ويقع فقط على (أصحاب) المهرجان هذا ما كان لنا أن نقول كلمة فذلك شأن خاص .. فالطلاب والشباب أولئك ( ولا يحتاج الموضوع أن أعبر عن تقديري وإعتباري لفئة الشباب والطلاب كطاقة وحيوية وتوقُّد وتوثُّب وإنطلاق فهذا شئ لا يمنحه أحد لهذه الفئة إذ هو ممنوح لهم بقانون فطرة الخلق والتكوين و تقنينات الأديان والفلسات الإنسانية جميعها، مرَّة اخرى) لكنهم لما ذكرنا من (مرحلية) البناء والتشكل وُجِدت لهم منابر (طالبية، شبابية) خاصة تتفق وطبيعة أنشطتهم وإنفعالهم وتفاعلهم وحماسهم …إلخ، لتفجير طاقاتهم تلك هناك والتنفيس عنها في منابر تخصهم وليس في منابر تخص المجتمع الناضج وكيان مثل تراث جبال يعبَّر في الحقيقة عن (الكبار) ويقتضي الخطاب (التقديم) فيه إلى هدوء وعقلانية وإتزان .. فقد تحوَّلت المنصة بسبب هؤلاء وحماسهم وإنفعالهم و(إفتعالهم) إلى (سوق عكاظ) يتبارون فيه بقراءة الأشعار الثورية ومقاطع التحميس، و(الكولات) الهجين وتحوَّل (الشئ) وكأنما (قُريش) و(مُضَر) و(كنانة) هي إحدي المجموعات اللغوية العشر بقبائل جبال النوبا أو إن جبال تُهامة هي إحدي ال(تسعة وتسعين) جبل بجبال النوبا .. إنها تناقض الشعارات والإنهزامية النفسية والعيش في جلباب الآخر رغم إدعاء العكس، كما لم أجد سبباً (في فهمي البسيط على الأقل) للإصرار على إستعمال اللغة الإنجليزية في تقديم بعض الفقرات أو ترجمة تقديمات البعض (وأنا شخص ليس لدي أي صدامية أو عقدة من ألإنجليز أو الإنجليزية وبحمد الله أجيدها وأتقنها بأكثر ممن يحاول التشدُّق والتنطُّع بها بلا مبرر مفهوم) وحقيقة أعياني أن أعي (المحاولة المستميتة) للتحدث بها و(حشرها) بلا طائل في محفل (يُقال) إنه لتراث جبال النوبا ومعلوم بداهةً إن ليس ثمة قبيلة في جبال النوبا لغتها الإنجليزية أو حتى قبيلة يتعامل أفرادها باللغة ألإنجليزية، ولا هي لغة الدولة التي ينتمي إليها النوبا حتَّى يمكن أن يقال (مجبورون عليها لأنها اللغة الرسمية) .. إنها إحدي أعراض (مرض الدونية) و تقمُّص شخصية الآخر والذيلية والتبعية ل(أحد ما).. إنه مركب النقص الذي يلازم الهتافيين من جبال النوبا الذين يدعون محاربة (الدونية ومركب النقص) بجبال النوبا!!.. إن إستعمال اللغة الإنجليزية مثلما قلنا عن (الأشعار العكاظية، والمقاطع، والكولات الثورية) لا يرددها في الحياة العامة بجبال النوبا إلا أدعياء المعرفة وأنصاف المثقفاتية وناقصي الشخصيات ومجتمع جبال النوبا يتعاطى حتَّى مع اللغة العربية التي هي اللغة الرسمية لدولته بالكاد و(الكفاف) وللضرورة فما بالك بالإنجليزية ليأتي بها هؤلاء خطاباً في منبر المحفل الذي يفترص إنه للتراث الذي يفترض إنه شئ عن ولعامة الشعب!!..
..إن إحدى جوانب الخلل العميقة، إذا عَنَّ لنا التحدُّث عن جوانب خلل، وإذا الحديث عن الخلل يغير شيئاً، فإن ما (سُميت) بالمنصة كان خللاً مُجسَّداً يتحدث عن نفسه ببلاغة وفصاحة، فذاك الذي يتلو معلقات عكاظ نفسه حين ينحو نحو التحدُّث للبسطاء (باللغة العادية الإعتيادية) كان (يرتكب) و(يقترف) ما لا يمكن أن يسمى ألا فظائع فأحدهم كان يستعرض(رقصة ما) ب(نُقَّارة دَمبا)!!.. وكان يعنى تقريباً (كرنق دَمبا) .. (نُقَّارة)!!.. إنه الحديث عن التراث!!.. وآخر كان يُهدِّد ويتوعَّد (من نبرة الصوت وصيغة العبارات) بأن على الناس الإنتظام (وإلا فإن العرض لن يتواصل، وإلا فإن الفِرِق لن تواصل هذه العروض الشيقة)!!.. وآخر يطالب الفرق الشعبية بأكثر من خمسة أو ستة مرات متتالية مما يعني إنه كان يعنى ما يقول بأن تنتظم في المرور أمام المنصة (طبعاً لن أحدثكم عن مصطلح المنصة في مهرجان ثقافي شعبي)، المهم الأمر أن تمر أمام المنصة ولكل فرقة دقيقة واحدة (للمرور في شكل طابور السير أمام المنصة)، أقسم بالله العظيم هكذا قالت المنصة بأكثر من مرة!!.. (شكل طابور السير)!!.. طبيعي إن الفرق هذه و ب(عروضها الشيقة) تلك لم تأتي ل(طابور سير) وإنما ل(عرض، وإستعراض) فنونها التي لا تتم بالضرورة في شكل (طابور) أو شكل (سير) أو عبور أو غيره .. لعرض وإستعراض ولكن ليس بالطبع ل(ملوك) أو (مكوك) جبال النوبا في المنصة الرئيسية أو الرئاسية مثلما ظلت تفعل عشرات السنين أمام عشرات المنصات الرئيسية والرئاسية في المحافل الرسمية كجزء من الديكور والإكسسوار (القومي)، ولكنها أعني هذه الفرق جاءت هذه المرَّة إلى ساحة خاصة ومتخصصة لعرض فنونها (على أصولها) و(براحتها) وليس بالأسلوب المختزل المتعجل المُبستر، وكذا ليس لأفراد أو منصة وإنما لجماهير شعب (أو شعوب) جبال النوبا التى تدفقت بعشرات المئات مُتعطشة لرؤية تراثها الذي حُرِمت منه و فارقت بيئته لأوضاع قاهرة وخارجة عن إرادته ورغبته الحُرَّة.
..كذا المعارض أيضاً، تلك التي كلفت القبائل والفرق الشعبية دم قلبها لجمعها وإعدادها أملاً في أن (تباهي بها الأمم) و(تقدِل) بها بين القبائل والقوميات في مثل هذا اليوم وسط الجموع فلم تجد إلا بضعة ساعات مُهرجَلة إذ ضاع اليوم الأوَّل (الإفتتاح) في ما قيل إنها كانت (لأسباب خارجة عن اليد) بسبب إن (الأهوية) أزالت الخيام و(الصيوانات) التي كانت مُعدَّة من قبل يوم فإضطر القائمون إلى إعادة نصبها يوم الإفتتاح نفسه (الجمعة 13 ديسمبر) فأخذ ذلك من الزمن حتى ما بعد صلاة الجمعة!!.. ومؤكد إن (القائمين) و(القاعدين) معهم تفاجأوا بما حدث وكأن هؤلاء قادمون من ألاسكا أو الملايو ولا يعرفون السودان ومناخه وطقسه ما قبل أربعة وعشرين ساعة فقط، أو هم لا يعرفون بشكل عام أجواء ديسمبر الذي قررو قيام المهرجان فيه!!..
..وعلى سبيل (شبه الشكليات) رأينا مثلاً كيف إن (طلب الكسرة)، تلك الأكلة (التراثية) المحببة كانت تُباع لأولئك الحضور (المشحون المنفعل المُتحمس) بعشرة جنيهات سودانية هي تماماً (ضعفي سعرها الحقيقي) في مواقع كثيرة بالخرطوم!!.. وهذا كمثال ليس شيئاً جانبياً أو (هامشياً) أو غير ذات صلة بالموضوع، في مجتمع هو من دفع من دم قلبه لإقامة المحفل وبالكاد والكفاف توفَّقوا في توفير تذكرة الترحيل إلى مقر المهرجان والعودة منه، و إلا فإن من يتصدون لقضايا وهموم و(تراث) و(هوية) شعب جبال النوبا لا يعرفون أوضاع وأحوال ومأساة ومعاناة هذا الشعب (الطيب)!!.. فهو تعطيل و تدمير للإقتصاد المتواضع لهؤلاء البسطاء وهو أمر ينسف ما يمكن أن يرفع عقيرتهم به بعض المتنطعين المتطنقعين بأن (و ماذا تساوي بضعة جنيهات مقابل إحياء تراث شعب وتثبيت هوية كيان، و ماذا …) والإجابة البسيطة المتواضعة هو (إذاً أنتم لا تعرفون ماذا يساوي الجنيه عند هؤلاء البسطاء الذين ألقتهم الظروف في طاحونة غول المدينة التي لا ترحم، ولا تترك غيرها يرحم .. على مقولة الكوميديان عادل إمام).. ستقولون هذه أشياء شكلية ومظهرية والمهم الجوهر والهدف .. ليكن !!.
..المهرجان هذا هو الثالث على سنوات ثلاث على التوالي والتتالي، و لو إنه في كل مرَّة يتلافى الناس ربع فقط من جملة الأخطاء السابقة فإن ثلاث سنوات كافية لتلاقي خمسة وسبعين في المائة من الأخطاء أي الإقتراب من درجة الكمال (الكمال الإنساني طبعاً) بنحو (ربع أخطاء محتملة فقط)، لكنه الهُتاف والغوغائية التي تجعل الناس يكتفون من أي عمل بالشعارات الفضفاضة وتبادل الإشادة بينهم وشكر أنفسهم!!.. والإجتماع المنعقد يوم الإثنين (16 ديسمبر) .. بعد يوم واحد فقط تقريباً من ظهور هذا المقال على الشبكة العنكبوتية، وقبل بضعة أيام من ظهوره في الصحف الورقية إذا ظهر، يفترض إنه للتقييم، فإذا كان مهرجان لثراث جبال النوبا التى هي (همُ، وأنا ، ونحن وأنتم، …إلخ) فبالله عليكم قولوا كان القصور كبيراً ومخجلاً وغير مبرر وغير منطقي .. بذلك يمكننا أن نتحدث عن إمكان مهرجان لتراث ثر وعملاق وضخم مثل تراث جبال النوبا وعرضه (على أصوله) في ميادين أمبدة أو الحاج .. و إلا فالأفضل، في حال الإصرار على أن النجاح هو (تهنئة الذات وتقديم الشكر والتقديرات للنفس) وتبادل التهاني مع الأنا، الأفضل ترك الناس (في حالهم)، ليتفرغو على الأقل إلى مصارعة عنت الحياة وكبد العيش ولو على طريقتهم الفردية وعدم إلهائهم وصرف زمنهم الثمين وأوقاتهم الثمينة المخصومة من (نضالات رزق اليوم) ب(الجمهرة والإحتشاد) للإستماع إلى (مطارحات شعرية و منابر سوق عكاظ) ومتابعة (طوابير سير) بإسم تراث جبال نوبا.
ونواصل و نتواصل


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.