لا نملك، ونحن نتابع كلبنانيين انتفاضة الشعب المصري او ثورته منذ 17 يوما، إلا أن نتمنى له عدم السقوط في المطبات والافخاخ التي سقطنا فيها، كوننا كنا السباقين في “ثورة الأرز” التي أنتجت لنا الاستقلال الثاني. نقول ذلك، ولا ننتحب على الأطلال، لأننا نعتبر أن “ثورة الأرز” لا تزال حركة حيّة نابضة في وجدان اللبنانيين، ولأنها حققت مكاسب غير قابلة للإلغاء والمحو مهما تقلبت الأحوال وتغيرت موازين القوى، ولأنها أمانة في أعناق كل من آمن ويؤمن بقضية شهداء هذه الثورة وحركتها التاريخية. ولكن ذلك لا يعني أن نطمر رؤوسنا في الرمال ونتجاهل فداحة الأخطاء والافخاخ التي وقعنا فيها، وجعلت كل من تربص شرا بهذه الانتفاضة العظيمة يحقق بعضاً، أو كثيراً، من أهدافه. وها هو شبح التدخلات والوصايات الخارجية يعود بقوة الى لبنان، مع مهزلة التدخل في يوميات تشكيل الحكومة الجديدة، اعترف بذلك من يعنيهم الأمر أو لم يعترفوا. وإذا كان الشعب المصري اثبت في الأيام ال17 الماضية من ثورته انه لم يسقط بعد في فخ الانقسام وتدمير وحدته وتسليم مقاليد أزمته للخارج، فإننا، من باب الغيرة على شبابه النابض في هذه الثورة فقط، نتمنى له حظّاً أوفر من حظّ الشباب اللبناني، ولا نسمح لأنفسنا، ولا نريد لأي فئة لبنانية، التدخل في شؤونه و”وعظه” وإرشاده. نقول فقط أن هناك مهزلة سافرت انكشفت مع هذه الثورة، كما سبق لها إن انكشفت عندنا، هي مهزلة التدخل الخارجي المتهافت بمصالح متحاربة ومتناقضة ومتصارعة على “تركة” النظام المصري، كما تتهافت على استغلال الثمار المحتملة للثورة. هي مهزلة حقيقية، مع المواقف الغربية التي تتلون يوميا وتتبدل بتبدل التطورات بين الثوار والنظام. وهي مهزلة مماثلة، مع تدخل إيران السافر لقطف ثمار الثورة وتحويلها نظاما إسلامياً، كما انها مهزلة اكبر في تطوع فئات لبنانية مرتبطة بالخارج الإقليمي لإسداء النصح والتوجيهات إلى المصريين وتلقينهم الديموقراطية، فيما سلوكها الداخلي يناهض ابسط قواعد الديموقراطية، بل يقوضها من أساسها. نتمنى للشباب المصري أن يزيل عن عينيه كل غشاوة، وألا ينخدع بهذه الغيرة الكاذبة المصطنعة عليه، وان يدرك أن طريقه إلى الانتصار في ثورته لا تمرّ إلا بوحدته ووطنيته وولائه لبلاده فقط ، وان يمنع كل تدخلات من تفسيخ وحدته. ونتمنى له أيضاً أن يأخذ التجربة اللبنانية كنموذج حيّ، في ايجابياتها وسلبياتها، لمنع تعريض ثورته للاستباحة الخارجية و”غيرة” المصالح المتصارعة على أرضه التي لا تؤدي إلا إلى تدمير كل الأهداف السامية التي يثور من اجلها. لا شأن لنا، ولا حق، في التدخل بين الشعب المصري والنظام. لكننا نقف أمام ثورته بإجلال كبير، لان إرادة الشعب من إرادة الله، خصوصا متى فجّرتها عوامل الظلم والقهر. ومع ذلك نقول له احذر مهزلة “الغيارى” عليك. نايلة تويني [email protected]