والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    "منطقة حرة ورخصة ذهبية" في رأس الحكمة.. في صالح الإمارات أم مصر؟    بايدن يعين"ليز جراندي" مبعوثة للشؤون الإنسانية في الشرق الأوسط    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    مصادر: البرهان قد يزور مصر قريباً    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    إقصاء الزعيم!    برشلونة: تشافي سيواصل تدريب الفريق بعد تراجعه عن قرار الرحيل    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    إيفرتون يصعق ليفربول بثنائية    الحلم الذي لم يكتمل مع الزعيم؟!    الجيش يقصف مواقع الدعم في جبرة واللاجئين تدعو إلى وضع حد فوري لأعمال العنف العبثية    أحلام تدعو بالشفاء العاجل لخادم الحرمين الشريفين    السيسي: قصة كفاح المصريين من أجل سيناء ملحمة بطولة وفداء وتضحية    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    تشكيل وزاري جديد في السودان ومشاورات لاختيار رئيس وزراء مدني    السودان..رصد 3″ طائرات درون" في مروي    دبابيس ودالشريف    البيت الأبيض: يجب على الصين السماح ببيع تطبيق تيك توك    في أول تقسيمة رئيسية للمريخ..الأصفر يكسب الأحمر برعاية وتألق لافت لنجوم الشباب    كواسي إبياه سيعيد لكرتنا السودانيةهيبتها المفقودة،،    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    فيديو.. مشاهد ملتقطة "بطائرة درون" توضح آثار الدمار والخراب بمنطقة أم درمان القديمة    وزير الخارجية المكلف يتسلم اوراق اعتماد سفير اوكرانيا لدى السودان    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. إعلامية مصرية حسناء تشارك في حفل سوداني بالقاهرة وتردد مع الفنانة إيلاف عبد العزيز أغنيتها الترند "مقادير" بصوت عذب وجميل    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    عن ظاهرة الترامبية    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أنا النبي لا كذب (16) تاريخ المسلمين لا يمثل النبي ودينه، ولهذا لا نبي بعده
نشر في حريات يوم 03 - 03 - 2014


سيف الحق حسن
[email protected]
دأب جل المؤرخين في كتابة التأريخ بالنظر للسلاطين وما يسمونهم بخلفاء المسلمين وإهمال جانب الشعوب. ففيما يبدوا إنهم إعتبروا الشعوب كقطيع الخراف التي تساق للذبح، فلا تدري إلى أين هي ذاهبة، فلا إحساس لها ولا مشاعر. وإذا ثار منهم أحد فإنه كان يريد الفتنة و الفساد وشق عصا الطاعة وتفريق الجماعة و تمزيق الأمة. فقد دُرِسنا التأريخ من الناحية الملوكية والسلطانية وكان لازما علينا حفظ أسامي السلاطين والأمراء وإنجازاتهم في توسع رقع ممالكهم ونتعرف على جانب من حيات الترف التي عاشوها والعمران الباذخ والجواري والمدح الذي نالوه. بينما لا نعلم ما عانت منه الشعوب المحكومة من ظلم وإستبداد وحرمان واستعباد أورثت في النفوس ذلا وإستكانة، ولم نشعر بهذا الإرث القمئ إلا في عقولنا و واقعنا الحالي التعيس. وطفق رجال الدين يحكون ويرددون نفس قصص التأريخ المزخرف والملفق على انه حقائق تمثل الإسلام، دون التعقل للتشويه الذي يسببه لهذا الدين والنظر للنتيجة أو لما آلت إليه الأمة.
لابد من الفصل بين الدين والتأريخ..
القرآن العظيم يعطينا صورة واضحة لما هو الدين عكس التأريخ و رواياته المتناقضة كما بينا سابقا. ويبين لنا الله العلي الحكيم طريقة مثلى، فريدة ومختلفة لكتابة التاريخ. فالقرآن الكريم يمجد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كموسى ونوح وكل من تبعهم من المستضعفين والمنكسرين، ويحقر الطغاة كفرعون وهامان وكل من تبعهم من المترفين المتكبرين كقارون. أما كتب التأريخ عندنا فهي تمجد الفراعنة السلاطين وفتحهم وزخرفهم وعمرانهم، وبالكاد تذكر ما تكبده الناس وكم تحملوا من مشقات العذاب والآلام. فالله تعالى يعلمنا الطريقة الصحيحة لكتابة التأريخ وذلك بالنظر لما يربحه المجتمع ككل وليس الأفراد. فتأتي القصص كشكل تفاعل إجتماعي و صراع بين دعاة الخير والإصلاح والتغيير الأنبياء الموحدين الأحرار، ضد دعاة الشر والفساد وعدم التغيير الطغاة المشركين والأغنياء المترفين والكهان. فالأخيرين هم أعداء الحرية وعايثي الفساد ومحبي الجمود فالتغيير خطر عليهم ويهدد مكانتهم ومصالحهم.
إن التأريخ لا يمثل النبي صلوات الله وسلامه عليه ولا دينه ولا يمت له بصلة ولا بأخلاقه الطاهرة، لذلك يجب فصله عنه. فكثير من المكتوب في التاريخ وسيرته وفي حديثه لفق لتمرير أهواء السلاطين والدسائس على الدين. ويمكننا تحرى الصحيح من الخطأ بأن يكون المقياس المطابق للسيرة والأحاديث هو كتاب الله الحكيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد. فبالرغم من نشوء علم الرجال وما جاءوا به، فهناك ما يزال منه ما لا يتسق ويتوافق مع كلام الله عز وجل. وغذا وثقنا في الرجال فكيف نضمن أن علم الرجال أيضا لم يشوبه أي تحريف ودسائس فيه. لذلك لا يمكن أن يخدعنا أحد ويقول إن ذاك الكتاب أصح كتاب بعد القرآن الكريم، فالله تعالى أساسا لم يكن ليفرط في الكتاب من شئ. فإذا كانت بعض الأحاديث تخالف كتاب الله فيعني إنها إفك ملفق على نبينا صلوات الله وسلامه عليه، ما أنزل الله به من سلطان.
وللأسف أسمي التاريخ لنا بتاريخ الإسلام لنجبر على قبوله كتأريخ مطهر ونقدس شخصيات معينة وليستخدمه البعض لتأصيل تجبر السلاطين والحكام المستبدين ليأخذوا بذلك الصبغة الدينية ويمارسوا بطشهم وقمعهم وتعذيبهم للناس والذي لا يمت للإسلام بصلة. فعلينا أولا أن لا نخلط بين الإسلام كدين وبين التأريخ كتدوين. لأن التأريخ لم يلتفت لتدوين أحوال الشعوب والمجتمع و المسلمين كأمة بينما أسهب في تمجيد السلاطين وإعتبار غزوهم وإغاراتهم وعدوانهم على الشعوب، لتوسيع ممالكهم ولغنائمهم، جزءا أصيلا من الدين. ومن جهة أخرى الإتيان بما خطه فقهاء السلاطين على أنه الإسلام تعزيزا لحكم أربابهم و تلميعا لفرقة أو جماعة. فإذا سلمنا بأن التاريخ صحيح فكيف نضمن إنه ليس مزيفا ومكتوبا على الأهواء!. فالمنطق العقلي يقول إذا شككت في أمر ما، عليك برده كليا أولا ومن ثم عليك عدم الأخذ منه إلا بعدما تتأكد من صحته تماما. وإذا أردت أن تأخذ جزئية منه عليك بتنقيحها وتمحيصها جيدا قبل الأخذ بها.
فمصداقية التأريخ ليست كاملة ولكن مع ذلك يجب أن ننقب عن التأريخ بشفافية لشمل كل فئات المسلمين ومن زوايا مختلفة. وكما يقول الدكتور عدنان إبراهيم: أعجز الناس عن إدارة حاضرهم، أو لا مستقبل لهم أساسا، هم أعجزهم عن الإستفادة من تاريخهم أو فهم ماضيهم".
ويقول الفيلسوف الروسي نيقولا بيرديائيف (1874-1948)، في كتابه "معنى التاريخ" أو "The meaning of the History": "ان الأمم في لحظات الإنحطاط يكون لديها شفافية مرهفة لذلك يزيد الحس النقدي للإنحطاط بالرجوع للتاريخ". وهذا صحيح لحد ما، لأن ما زرعه الأسلاف والسلاطين وما كانت عليه الأمة نحصده الآن، وما نزرعه نحن سيحصده خلفنا. فالمجتمعات تتطور نتيجة سلسلة من الحركة وليس بعبث الطفرة.
وإن عيون الناس إنفتحت وعقولهم تفتحت وبدأت تتجول في الآفاق شرقا وغربا فليس من السهل أن يتستر مجتمع عن معايبه ومثالبه و يتظاهر بالكمال، وليست الأمة الناجحة من قالت كان أبي ولكن الأمة الناجحة من تقول ها أنذا.
فهذا ليس تاريخ الإسلام وإنما تاريخ المسلمين وبالأحرى السلاطين والممالك. وإعتبار تاريخ المسلمين ممثلا للإسلام فتح المجال للفهم الخاطئ لدين الله و للإساءات المتكررة لسيد الخلق ورحمة للعالمين، وشوه من صورته الأصلية لإعاقة دعوته. ولكن وبالرغم من كل هذه الحرب الشعواء فالنبي سيظل هو الرحمة المهداة للناس الذي جاء وحرر الإنسانية والرق والعبودية وأتى بحقوق النساء والفقراء وكسر الأصنام وأذل الطغاة وتغير العالم من بعده وخرج من الظلام إلى النور.
ولأننا في عصر العلم والتكنولجيا فالعقل بدأ يعتمد التفكير المنطقي والعلمي الحديث. ولأن إرتقاء الأمة البشرية أحدث ثورات عديدة وآخر ثورة هي ثورة الإتصالات التي قربت المسافات وخلقت نوعا من الحرية، فالناس بدأت تفكر التفكير العملي الحر. وكل هذه الأسباب مجتمعة ستجعل الناس تعتمد على البحث والتنقيب والمقارنة وإستباط الحقائق بمقتضى العقل والمنطق وليس بمقتضى العلماء الأجلاء أو ما يطلبه الحكام الطغاة. فلن يكون هنالك قدسية للأشخاص أو وجود لشخص فوق الشبهات والشك. وهذا يعني إن المستقبل لظهور الحقائق والتي من بينها معرفة الناس لخاتم النبيين ورسول الإنسانية، ودين الحق الذي سيظهره الله على الدين كله، و سيتم الله نوره ولو كره المشركون والمنافقون والمخدوعون.
ولكن لماذا لا نبي بعده؟..
فلابد أن يكون هنالك طارئ حدث يستدعى عدم أهمية بعث الأنبياء بعد النبي محمد صلوات الله وسلامه عليه. و للإجابة علينا ان نسأل أنفسنا اولا: لماذا كثر ظهور الأنبياء قديما ولم يظهر منهم أحد في العصور الحديثة؟. بالمنطق يمكن أن نعلل ذلك بإحتمالين. فإما ان الناس الذين أهتدوا ببعث خاتم النبيين في ذلك الزمان كفاية، وبتعاقب الأجيال سيستطيعوا نشر دين الله بأنفسهم ولن يحتاجوا لنبي بعد ذلك. أو أن الناس تلقائيا سيهتدوا مستقبلا بإذن الله لدينه الذي جاء به هدي نبيه الخاتم، والله العليم بخلقه يعلم أنهم لن يكون لهم حوجة لبعث أنبياء آخرين.
كلتا الإحتمالين صائب. ولكن الإحتمال الأول يستدعي الأمانة والنزاهة في حمل الرسالة للناس دون خلطها بالمصالح الشخصية والدنيوية، ودون سؤوال أي أجر، إن الأجر إلا على الله، كما يقول الأنبياء جميعا عليهم الصلاة والسلام. أما الإحتمال الثاني فيستوجب تغير طبيعة الناس للفهم والإستيعاب مع أهمية صدقية المصدر للإيمان بحرية وقناعة وبعقلانية تامة.
فهناك شئ من الإحتمال الأول ولكن الراجح هو الإحتمال الأخير لأننا إذا نظرنا للعالم نجد انه تغير تغيرا جذريا، والبشر تطوروا تطورا هائلا في 1400 عام و لم يشهده تاريخ الإنسانية وربما التاريخ الكوني المقدر بحوالي 13.8 بليون عام تغيرا مثله. ففي هذه ال 1400 عام، من زمن الأرض، حدثت حروب طاحنة، كحروب الظلام لعصور التنوير، وثورات عديدة كالثورة الصناعية والتكنولوجية والإتصالات. ومن هذا التدافع التاريخي تغير العقل البشري وتطور كثيرا. وسبحان الله العليم الذي يعلم بأن العقل البشري سيطرأ عليه التغيير الذي يجعله قادر على التطور المستدام. فلن يحتاج البشر لأنبياء لهدايتهم وتصديقهم بسبب نمو عقليتهم بكفرهم بالطاغوت وإنتفاء حاجزه الذي يحجب عقولهم من الوصول لهديه سبحانه، فقد تبين لهم الرشد من الغي.
لقد كانت عقول الناس قديما ذات نزعة دينية عميقة تفتقر للنظرة العلمية للأشياء بحيث تصدق ما تجد عليه أبائها واجدادها وتتقيد بالمروثات والتقاليد تقيدا شديدا. و كانت المجتمعات محكومة بالسيف والسوط بحيث كان الملوك وأصحاب الإمبراطوريات والسلاطين يستعبدون الناس بإسم الدين، ويستخدمون الكهنة لتطويعهم. حتى إن البعض تمادى بتأليه نفسه وتقديسها ليخدع الناس بأنه ظل الله في الأرض فينقادوا خلفه. والناس في ذلك الزمان الغابر كانت عقولها بسيطة تصدق الدجل والخرافات والأباطيل والشعوذة والسحر، ناهيك عن عدم وعيها بالمستقبل. وبالإضافة لا تقدر أن تثور ولا تفهم معنى الثورة ولا الحرية لأنهم مؤمنون بالطاغية ومخدوعون بسلطته الدينية. لذلك من المستحيل لأي زعيم إجتماعي عادي أن يصنع التغيير في تلك المجتمعات تغييرا جذريا بثورة ضد هؤلاء الطغاة المتدثرون بسلطتهم الدينية، من غير حمله رسالة إلهية صادقة تشمل الإصلاح الديني وتتضمن التغيير الإجتماعي. فمادام الإمبراطور الطاغية يدعي بأنه يحكم بأمر الله فلابد للثائر أن يكون مرسلا من عند الله حقا ليقصمه.
لقد أرسل الله الرسل المختلفين للبشر لتخليصهم من مختلف الطواغيت. وكلام الله تعالى يوثق لنا قصص هذه الثورات ويبين لنا أن سقوط قريش بقيادة خاتم الانبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه كان آخر ثورة لنبي على طغاة بإسم الدين. فمن أصعب الأشياء على الإنسان هو الثورة على قومه وعشيرته لتغييرهم. وقد بدأت الثورة سلمية ولم يحتاج النبي إلا للحرية لنشر دعوته. ولكن قريش تريد إستمرار طغيانها ولا يعجبها مبدأ الحرية بالذات، فعادوه وقمعوا وعذبوا الثوار وقتلوا منهم وشردوهم. وعندما هاجروا وتركوا بلدهم وإستقروا بالمدينة لاحقوهم إلى هناك عدوانا وظلما. و عندما إشتد العدوان والظلم كان لابد للثوار من الدفاع عن أنفسهم ومبادئ ثورتهم. والملاحظ هنا، إن الله تعالى كان عندما يعصي قوم رسولهم يعذبهم و يرسل عليهم ألوان من عذابه المختلف –والعياذ بالله- ويدمرهم تدميرا. ولكن في مسيرة رسول الله لم يتدخل الحق تعالى بنفس طريقة عذاب وهلاك الأمم السابقة، ولكنه نصر الثوار المستضعفين المظلومين على الطغاة الظالمين نصرا مؤزرا خلال 23 عاما فقط. فلقد كانت سنة الله تعالى الجديدة لخلقه ولا تحتاج لرسل هي الثورة.
ومن أهم مبادئ هذه الثورة الحرية لي ولغيري. و الله تعالى يعلم إن البشر سيزالوا مختلفين حتى بعد النبي الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم لأن هذه طبيعتهم. ولكن إتاحة الحرية للبشر وإحترامهم لها وتفهمهم برحمة لما بينهم من إختلاف سيحدث تدافع إجتماعي ناعم يثمر عن تطورهم بطريق معرفة الحقيقة بالتجربة ونمو عقولهم بالمعرفة المتبادلة. وهذا الأثر تركه لنا الحق تعالى في كتابنا العزيز بضرورة إتاحة الحرية وعدم الخنوع للطغيان والظالمين. ((ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين* إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين)) [هود: 118].
وفي آية أخرى ((ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين*وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون)) [يونس: 100]. وذلك تأكيدا لأهمية حرية الإختيار وإتاحة الفرصة لإيمان الناس بحرية دون قهر أو تزييف، فحينها يمكن للناس أن تؤمن إيمانا سليما بالعقل، فيتميز الخبيث من الطيب ويجعل الله عذابه وسخطه ولعنته على الذين لا يعقلون.
وهل سيؤمن أحد بنبي بعده أصلا؟..
وإذا كان بعث الأنبياء مستمرا في زماننا هذا لكان لابد للأنبياء أن يكونوا قادة ثورات التغيير الإجتماعية، أي كالزعماء الإجتماعيين أو الأمثولات الوطنية وأيقونات السلام التي يحتفي بها كل العالم مثل غاندي و مانديلا. ولكن كانت المشكلة إن الدعوة لله الحق سبحانه وتعالى ستختلط بنضالهم من أجل قهر الطغاة المجرمين. وبذلك لن يصدقهم أحد، لأن الناس ستظن للوهلة الأولي إنهم يعملون ذلك من أجل مصلحتهم وكسبهم السياسي والمادي، و ليس لكلام الله تعالى وحديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم (لا نبي بعدي)، ولكن أيضا لأن الناس صار إيمانها بالأمور المادية أكثر من الأمور الغيبية. وحتى في الأمم السابقة كان النبي يقول لقومه: ((ما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على الله)).
وفوق ذلك أيضا تغيرت الأذهان. فقد طليت عقول الناس بالصبغة العلمية العملية التي يتعارفون عليها عالميا أكثر. أي بالصبغة العالمانية من حيث تصديق التجارب والبحث والعلوم العالمية أكثر من الوعظ النظري بالأقوال والأفواه فلا يتأثرون بكل من يتحدث عن الأمور الغيبية كثيرا ولكن يتأثرون بالتجربة العملية الواضحة. والناس طبيعتها واحدة بحيث تجد معظمهم يتأثر وربما يبكي حين يسمع الوعظ ثم ينصرف من ثم ليباشر ما كان عليه من قبل. وتجد آخرين يريدون أن يتأكدوا من رؤية معجزة أو كرامة كنبتة أو شجرة أو حيوان مكتوب فيه إسم الله أو رسول الله ليزيد يقينهم إنهم على حق، أو تنزل معجزة في هذا الزمان ليزدادوا إيمانا. ولكن هل يجدي هذا لإقناع بقية الناس.
فكضرب مثل بعلم الفيزياء، فبإمكانك أن تعمل عدة خدع بسيطة. هذه الخدع تمثل للسابقين معجزات ولكن الناس الحاضرين الآن يرفضونها أولا بعقلياتهم النقدية ثم يمحصونها جيدا ويختبرونها علميا بعقولهم، وفي غالب الأحيان لن يؤمنوا بأنها معجزة ناهيك عن أنه نبي إلا ذوي العقليات السلبية المجبولة على عدم النقد والتقليب والتمحيص. وحتى هؤلاء لن يؤمنوا لأنهم من جهة أخرى تجدهم أكثر تقييدا بالموروثات والتقاليد و تربوا على عدم الإختيار الحر و الإتباع والإنقياد وما وجدنا عليه أبائنا أكثر من قريش أنفسهم. فكيف يؤمنوا بنبي جديد!.
والأدهى والامر تجدهم متعصبون جدا و يحتقرون أي صاحب رأي آخر مخالف لرأيهم ويتفهونه بشدة ثم يستخدمون أساليب الإرهاب والإجبار ثم يسفكون دمه ولا يبالون. ويجب أن نسألهم أولا: هلا وضعوا أنفسهم مكان الشخص الآخر وكيف علموا إنهم على صواب؟. فلولا الصدفة الجيدة إنهم وجدوا انفسهم في تلك البيئة و مؤمنون بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم لكانوا هم مكان من يخالفهم الذي ينظر لهم نفس النظرة التي ينظرون بها إليه. فذوي العقليات السلبية و منطق المتعصبين سيكونوا من أشد أعداء الأنبياء إذا ظهروا في زماننا هذا. فالأفضل منهم هنا أصحاب العقليات النقدية والأحرار الذي يؤمنون بقناعتهم الذاتية وحرية إختيارهم الشخصية.
فالمؤمنين منهم سيتحلون بإيمان راسخ أما الذين لم يؤمنوا فستكون الفرصة متاحة لهم لمعرفة الحق. إنظر مثلا للهندوس والسيخ والبوذيين وغيرهم، ماذا إذا كان لديهم العقلية النقدية وتخلوا عن منطق إنا وجدنا أبائنا على أمة. لا أماري إذا قلت لك إن الناس جميعا إذا أصبحوا أحرارا وتخلوا عن تعصبهم وما كان عليه أجدادهم سيصلون حتما للفطرة. وكلام الله عز وجل يتماشى مع حديث رسول الله الشريف (كل إنسان يولد على الفطرة…). فلم يقل صلوات الله وسلامه عليه "يأسلمانه" ليس لأن المسلمين سيأسلموا أولادهم، ولكن لأن "الأسلمة" أساسا مرفوضة فستصبح مثل ينصرانه ويهودانه. فالمسلمون يجب أن يكونوا مؤمنين بالغيب قلبا وقالبا بالعقل.
إن ذوي العقليات النقدية الذين لم يؤمنوا اعمياء الآن عن قدرة الله عز وجل الظاهرة وآياته التي تتجلى جليا في كل حياتنا الآن. فلم ينتهي زمن المعجزات وخوارق العادات، بل إن المعجزات التي تدل على وجود خالق عظيم لهذا الكون تظهر في كل إنسان ((وفي أنفسكم أفلا تبصرون)) [الذاريات: 21]. بل ولا تزال مستمرة كل يوم وربما في كل لحظة وبصورة مخيفة حتى كالإكتشافات والإختراعات في شتى المجالات التي نرى الإنسان يصنعها بنفسه. مصداقا لقوله جل من قائل: ((سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد)) [فصلت: 53].
وهناك من يحاول أن يربط كل الظواهر العلمية بالدين ليثبت للناس أنه على حق. ولكن كما ذكرنا من قبل، فإن كلام الله تعالى يورد بعض الحقائق العلمية، وليس كل العلم، ولا يدخل في تفاصيل دقيقة وربما لم يصل الناس لإستنباطها بعد. فالتعويل على الإعجاز العلمي لا يؤثر كثيرا. وهناك من يعارض أساسا تداخل العلم والدين، ويدعو لفصل الدين عن العلم أو العكس. وانا أقول دائما إننا لا يمكن أن نفصل الدين """عن""". ف """عن""" هذه مضللة جدا وتدل على نزع الشئ من الآخر وفصل العلاقة والرابط بينهما. بينما نقول دائما الفصل """بين""". و """بين""" تعني إن العلاقة مستمرة ولكن بفواصل.
فليس هناك نزاعا أصلا بين العلم والدين. فالدين يؤمن بوجود خالق. والعلم لا ينقض فكرة وجود خالق ولا يستطيع أن ينفيها تماما. فإذا كان للعلماء حالات إيمانية فردية لا يعضد هذا من فكرة وجود خالق، أو كان هناك عالما ملحدا فلا يعني عدم وجود إله. فهذه حالات فردية حسب إيمان وحرية العلماء المختلفين، والعلم لم يثبت شئ. وإذا ناطح أحدهم وقال إن الكون وجد بالصدفة فيمكننا ببساطة سؤواله ومن الذي أحدث هذه الصدفة؟، أو أولا يمكن لأحد أن يحدث الصدفة؟. فبالتأكيد نعم. فكما قال إنشتاين: "إن الله لا يلعب النرد"، فمن الذي رمى النرد؟. فالصدفة ذاتها لا يمكن أن تكون موجودة دون من يحركها.
والفكرة إذا لم تستطع نفيها نفيا قاطعا فهذا يبقى إحتمال انها موجودة ولو بواحد في المائة فقط. وإذا كان لا أحد يستطيع نفي وجود خالق لهذا الكون مائة في المائة فهذا يعنى إن فكرة وجود خالق موجودة والعلوم كفيلة بإثباتها يوما ما. ومن سخرية العلم إن بعض نظريات الأمس التي قيلت إنها حقائق مثبتة وبنيت عليها علوم اليوم يمكن دحضها و نفيها بتطور العلم وظهور نظريات جديدة. فلا حقيقة مثبتة في هذه الدنيا إلا لا إله إلا الله محمد رسول الله.
تدافع التأريخ….
بعد وفاته صلوات الله وسلامه عليه، واصل أصحابه الصادقين بنفس نهجه فكانوا أمناء الثورة ولكن لمدة ثلاثون عاما فقط لأن المنافقين وبني إسرائيل لم يتركوا هذا الدين كما أوضحنا من قبل. فبعدما كان الدين ناصرا للمستضعفين وقاصما للطغاة ومبينا للرشد والغي، قلب الدين ليستخدم كأداة في أيدي المستكبرين ومساهما في الضلال والزيغ، و مساعدا للطغيان والتجبر. فقد جاءوا بحديث يقول "الخلافة بعدي ثلاثون عاما وبعدها سيكون ملكا عضوضا"، ليبرروا بذلك إن أمر ملكهم وتسلطهم أمر إلهي لا مفر منه، وبذلك تستسلم الشعوب ضمنيا وتخنع لهم وليدوم ملكهم إلى أبد الآبدين.
وبالرغم من وضوح كلام الله تعالى في هذا الأمر إلا أنهم صدقوه. فالله تعالى قال للرسول صلى الله عليه وآله وسلم قل: ((قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم إن أتبع إلا ما يوحى إلي وما أنا إلا نذير مبين)) [الأحقاف: 9]. فالرسول لا يعلم الغيب إلا ما يوحي له الله تعالى به. فهل قال هذا الحديث ليستسلم الناس!. والأغرب من ذلك إن البعض ما زال يصدق مع أن الملك العضوض قد زال وجاء بعده عدة ممالك عضوضة، وظهرت بعدها ديكتاتوريات وستزول حتما. ولا شئ إسمه خلافة سيعود ليعيدوا أمجاد الملك العضوض والسلاطين، بل دول حديثة تعيش شعوبها الحرية بكل معانيها. ونفهم إن السابقين صدقوا لانهم لم يروا تقهقر الملك العضوض ولكن كيف لنا أن نصدق ونحن نرى عكس ذلك ونقرأ كلام الله.
وإذا كان الصحابة يعلمون حقا بأن الخلافة بعد رسول الله ثلاثون عاما ثم تكون ملكا عضوضا لماذا إذن تقاتلوا؟. فالأولى إنهم كانوا يتركوا حياتهم تسير كما تكون إلى أن تتم الثلاثون عاما ثم يأتي معاوية فيفعل ما يفعل ولا يسأله أحد. ولعمري هذا لا يحدث لمن يقرأون الذي يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا. فالله تعالى يقول لرسوله صلوات الله وسلامه عليه قل: ((قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون)) [الأعراف: 188]. فالرسول صلوات الله وسلامه عليه بالنصح ويترك الناس لحريتهم وكيف يتصرفون بمقتضى الأحداث ولا يمكن له أن يصب التاريخ في القالب الذي يريده. أما رجال الدين والوعاظ الأفاضل يريدون أن يفصلوا التاريخ كما يشتهون ويجعلوه ورديا خلابا ويصوروا لنا السابقين إنهم لم يكونوا بشرا عاديين وإنما ملائكة لم يكن بينهم نزاعات. فإذا لم يكونوا كذلك فأنى لنا إتباع ملائكة!، وإذا حجب منا ما حدث فكيف نتعلم ونستفيد لنعرف الحق ومن كان على صواب أو خطأ. فما : ما سل سيف في الإسلام مثلما سل في الإمامة كما يقول الشهرستاني. ولكن الواقع يذهب مع مقولة ابن حجر العسقلاني: لقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة المتغلب والقتال معه. أي رجعنا إلى مفهوم البدو والغلبة للقوي ولصاحب الجاه والمال وقوة السيف لينشأ طواغيت جدد، مما يناقض هذا مبادئ الإٍسلام بأن الإستبداد لا يجوز حتى لأي نبي كما وضحنا.
وإذا كان النبي شغله الدنيا والدولة لكان سمي فقط خليفة ليخلفه ولكنه لم يفعل. وقد جاءوا بحديث غريب يقول إن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان يهذي في آخر أيامه ويقول: "إتوني بكتاب أكتبه لكم لن تضلوا بعدي أبدا؟". أولا: كيف لنا أن نصدقه والهدي من الله تعالى يقول: ((إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم)). وهذا يتعارض مع الحديث الذي يقول: (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا). والحديث صحيح إذ المعني هو كتاب الله وسنته التي هي تطبيق لكتاب الله. وفي الحقيقة الناس ذهبت لعدة تفاسير في القرآن الكريم الفصيح المبين، وفسره كل على ما يشتهي، أفلا يجوز إذن أن يختلفوا على ما يفصله النبي لهم بشأن الخلافة إن كان ينوي أو عين خليفة أساسا!.
والأنكى إن الشيعة يستخدمون هذا الحديث ليقولوا إن رسول الله طرد عمر وأبوبكر لأنهم لم يطيعوه لأنه كان يريد أن يكتب و يسمي خليفته علي بن أبي طالب؟.
فنرد على هذا السؤوال أولا بمقولتنا الإسلام دين ودعوة وليس دين ودولة. فإذا كان الدين جاء ليقوم بدولة لعين رسول الله من بعده خليفة وسماه بإسمه فلم يختلف عليه الناس إلى يومنا هذا. وهب أننا سلمنا بهذا الزعم العجيب وإستلم علي بن أبي طالب الحكم لمدة ثلاثون عاما، ثم عين إبنه الحسن ثم أصبح أمر الحكم وراثيا محصور في آل البيت، فهل كان سيمنع ذلك الفتن ودفع الناس بعضها ببعض. لا أعتقد ذلك أبداً لأن طبيعة البشر وسنة الله في خلقه "التدافع" لن تتبدل، وصيرورة المجتمع تقضي عدم السكون والحركة. فإذا إستوى هذا الأمر على هذه الشاكلة فبالتأكيد لكان آل البيت يمثلون خط الطغيان والديكتاتورية، ونشأ خط ثورة جديد معاكس لهم.
فالرسول عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم لم يعين نائبا له في حياته أو يسمي خليفة له ببساطة لأنه نبي، و مذكر وليس على أحد بمسيطر، فهو ليس حاكما أو رئيس دولة أو حكومة. فهو لا يملك إلا أن يذكر وينصح فقط ويترك الناس وشأنهم للأحداث وإدارة شؤونهم وتدافعهم، ليقضي الله أمرا كان مفعولا ويأخذ التاريخ مجراه.
أسوأ أنواع التدافع التاريخي التخلف، و حذاري..
ونرجع لنكرر أن كلام الله تعالى ينفي تماما سيطرة النبي بأنه رئيس أو يصور كحاكم ليتسنى للمأفونين حلفاء السلاطين قول: "الله أنصر الدين والدولة" ليقبضوا أجورهم. فهو ليس بدعا من الرسل ولا يدري ما يفعل الله به ولا بكم، فهو يوحى إليه وليس يستوحي من عن نفسه. وهو ليس بكاهن ولا مجنون إن هو إلا نذير مبين بين يدي عذاب شديد. و علينا التحري الدقيق واخذ دين الله من منبعه الأول لأن هناك كذب كثير ودس السم في العسل.
ولأن الناس تتطور، قد ترك الله تعالى في كتابه وصية خالدة لمواكبة الإنسان تطور العصر بحسب مقتضيات الزمن من قوله جل من قائل: ((والعصر* إن الإنسان لفي خسر*إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر)) [العصر]. الإيمان والعمل الصالح والتواصي بالحق والتواصي بالصبر. فلو أخذ الناس هذه النصيحة لكفتهم وأثمرت في التغيير الإيجابي نحو الأفضل. ولكن نجد الحال ظل كما هو بحيث إستطاع السلاطين وملوك المسلمين مسخ جميع المبادئ الإجتماعية التي جاء بها الإسلام وضحى من أجلها الشهداء ليحلوا محلها مبادئ جديدة بإسم الدين تعضد أنظمة حكمهم الغاشمة. بينما المجتمعات الأخرى مرت بظروف أخرى أسوأ وأضل وعصور مظلمة، سفك فيها دماء الكثير ولكن خرجوا من تجربتهم بفائدة عظمى وهي في أهمية السلم والأمان وكيفية أن يعيش الجميع وهم يحترمون بعضهم بعضا في وطن واحد.
ومن أهم ما وصلوا إليه هو ضرورة الفصل بين الدين والدولة. وليس فصل """عن""" والتي توحي بنزعه والتي للأسف يفهمها الجميع بهذا المعنى. فالدين لا يمكن ان نفصله عن حياتنا ولكن يمكن نفصل بينه وبين الدولة. فحقوق المواطنة لكل الناس مكفولة بالقانون.
فالفصل بين الدين والدولة يعني أننا ممكن أن نعيش سويا في رقعة أرض لكل منا دينه وطقوسه وشعائره التي يؤديها بحريته. ومن ناحية الدولة فكلهم مواطنون لهم حق العيش سويا في سلم وامان والكل يحترم بعضه بغض النظر عن الدين و العرق والتنوع الإثني والقبلي فلهم المساواة في التوظيف والمسكن وتقاسم الثروة مع بعض لأنهم إخوان في الوطن. ومن غير إنهم يتفقون على دين معين ولكنهم حققوا المبدأ الأول لدين الله وهو السلام والأمان وإحترام الإنسان لأخيه الإنسان. والله تعالى خالق الدنيا هكذا.
والأهم ان الفصل بين الدين والدولة يضمن عدم تشويه صورة الدين بتبني وإدعاء بعض الطوائف والفئات والأحزاب إمتلاكها الوصاية على الناس ولها الوكالة وهي أرباب. فعلينا نبذ الدين الذي يأتي به الكهان المأجورون وأخذ دين الله من كلام الله أولا و ليس هناك لأحد الحق الإلهي على أحد.
إن كل العالم تطور تطورا كبيرا. فهب أن العالم كان يعيش بنفس عقليات الإمبراطوريات القديمة فكيف كانت امريكا ستتصرف في رد فعلها لهجمات 11 من سبتمبر. كانت ربما ستضرب الكعبة بمنجنيق ننوي كما ضربتها "دولة الخلافة الإسلامية" ولأستباحت الدول العربية ولكنها لم تفعل، لماذا؟ لأن الآن هو زمن العصور الحديثة المختلفة فى طريقة تفكيرها. ولكل الخيار في إرادته العيش في أي زمن يحب. ولكن لا يمكن الكيل بمكيالين في الحكم بان تريد ان تكون الحجاج في السلطة، وفي المعارضة أن تمثل غاندي. وعلى أي حال يمكنك خداع الناس بعض الأحيان ولكنك لن تخدعهم طول الزمن.
لقد وجدنا الإسلام ينتشر بين المجتمعات التي تفصل بين الدين والدولة بسهولة، بينما في مجتمعاتنا رأينا بعض الناس في أوطاننا تنفر من دين الله بسبب إدعاء فئات بأنها تمثل دين الله، وقد صار منهم ملحدين فعلا.
وعندما أصطدم بهذا الواقع أتذكر العبارة المشهورة: "وجدت إسلاما من غير مسلمين" وأشفق كثيرا على حالنا وما وصلنا إليه من جراء تلك الجماعات والطوائف والفئات التي تدعي ملكيتها لدين الله وهي تشوه فيه وتنفر الناس وأتذكر الآية: ((فإن تولوا فقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم ويستخلف ربي قوما غيركم ولا تضرونه شيئا إن ربي على كل شيء حفيظ)) [هود: 57]. والآية الأخرى: ((وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم)) [محمد: 38]. وأحسب ان هاتين الآيتين وعيد ونذير شديد. فقد تولينا عن امر الله والله يستر من تبديلنا، فمن يضمن بأن الله راضي علينا ولن يبدلنا.
فقد يظن البعض إننا آمنون من هذا والله تعالى يقول للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم إن أتبع إلا ما يوحى إلي وما أنا إلا نذير مبين)) [الأحقاف: 9]. وامر الله تعالى كن فيكون ليس بالضرورة أن يحدث لحظيا في لا زمن (in no time) ولكن يمكن ان يحدث بمرور الزمن كخلق الأرض، كان في ستة أيام، ولا ندري الأيام بحسابنا للأيام، أم بحساب رب العالمين لها. أو كخلق عيسى عليه الصلاة والسلام. ((إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون)) [آل عمران: 59]. فكن فيكون كانت بحمل السيدة مريم ثم ولادتها. والله أعلم هل إستمر حملها تسعة أشهر أم كان أقل من ذلك؟. وهل إستمرت معجزة عيسى عليه الصلاة والسلام بكلامه لبني إسرائيل و عمره يوم واحد فقط، ثم تركوه وهم الذين يقتلون الأنبياء إلى أن عاش الطفولة ثم أصبح كهلا (والكهل بين الثلاثين والخمسين) ليكلمهم من جديد كرسول مجددا؟. أم إنه كلمهم في المهد وهو رضيع، ثم خرج عليهم في اليوم التالي وقد أصبح كهلا مباشرة في معجزة أخرى كما ذكر تعالى ((يكلم الناس في المهد وكهلا)) ولم يذكر طفلا. ولكن أي كان فإن نواميس الله في الخلق والكون تختلف.
فتبديله يمكن أن يحدث ونحن لسنا معصومين لأننا بشر مثلنا مثل خلقه الآخرين. فقد خدمتنا الظروف لننشأ في هذه البيئة ونكون مسلمين بالميلاد. ولكن الآخرين نشأوا في بيئة أخرى ولكنهم سائرين للوصول لكل المبادئ الإنسانية السامية التي يدعو لها دين الله.
لقد كان النبي ثائرا مجددا يدعو للتقدم الإجتماعي في أقصى معانيه وذلك بعكس ما نري من بعض رجال الدين وفقهاء السلاطين من جمود وإتباع وتقليد أعمى ومحاربة كل شئ يدعو للتغير أو التجديد. لقد جاهد النبي في سبيل الله عشيرته وقومه متربيا على قوله تعالى ((يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون)) [التوبة: 23]، وكان أكثر أمر يكرهه أن يقول الناس: ((إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون)) [الزخرف: 22]. فهل يستطيع أحد أن يكون مثله صلوات الله وسلامه عليه؟.
ونكرر خوفنا ورهبتنا من العزيز الجبار في قوله تعالى: ((أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء ۖ وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض ۚ كذٰلك يضرب الله الأمثال)) [الرعد: 17].
فسيعرف الناس حقا النبي الرحمة للإنسانية و للعالمين جميعا، وهو أعظم شخصية في تاريخ الإنسانية فائدة لها، لأن الدنيا تغيرت بعدما جاء. فسيذهب زبد أعداء الإنسانية جفاء، أما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض.
* الحلقة القادمة الجمعة وهي ال (17) والأخيرة بإذن الله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.