وزير الداخلية المكلف يستعرض خلال المنبر الإعلامي التأسيسي لوزارة الداخلية إنجازات وخطط وزارة الداخلية خلال الفترة الماضية وفترة ما بعد الحرب    روسيا ترفض لتدخلات الأجنبية في السودان ومخططات تمزيقه    البرهان يودع سفيري السودان لمصر واثيوبيا "الفريق أول ركن مهندس عماد الدين عدوي والسفير الزين إبراهين حسين"    الزمالك يسحق دريمز في عقر داره ويصعد لنهائي الكونفيدرالية    سان جرمان بطلا للدوري الفرنسي.. وعينه على الثلاثية    أرسنال يحسم الديربي بثلاثية    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    طباخ لجنة التسيير جاب ضقلها بكركب!    شاهد بالفيديو.. سائق "حافلة" مواصلات سوداني في مصر يطرب مواطنيه الركاب بأحد شوارع القاهرة على أنغام أغنيات (الزنق والهجيج) السودانية ومتابعون: (كدة أوفر شديد والله)    وزير الصحة: الجيش الأبيض يخدم بشجاعة في كل ولايات السودان    شاهد بالصورة والفيديو.. طلاب كلية الطب بجامعة مأمون حميدة في تنزانيا يتخرجون على أنغام الإنشاد الترند (براؤون يا رسول الله)    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصور.. بالفستان الأحمر.. الحسناء السودانية تسابيح دياب تخطف الأضواء على مواقع التواصل بإطلالة مثيرة ومتابعون: (هندية في شكل سودانية وصبجة السرور)    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    جبريل إبراهيم يقود وفد السودان إلى السعودية    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    تجارة المعاداة للسامية    رئيس حزب الأمة السوداني يعلق على خطوة موسى هلال    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    الانتفاضات الطلابية مجدداً    بايدن منتقداً ترامب في خطاب عشاء مراسلي البيت الأبيض: «غير ناضج»    استجابة للسودان مجلس الأمن يعقد اجتماعا خاصا يوم الاثنين لمناقشة العدوان الإماراتي    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    دبابيس ودالشريف    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    بمشاركة طبنحة و التوزة...المريخ يستأنف تحضيراته    السودان..البرهان يصدر قراراً    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    لماذا لم تعلق بكين على حظر تيك توك؟    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الولايات المتحدة واسرائيل أكبر المستفيدين من التقارب الاخواني السوداني-القطري
نشر في حريات يوم 07 - 04 - 2014


فتنة الاخوان المسلمين والاستقطاب الخطير
الولايات المتحدة واسرائيل أكبر المستفيدين من التقارب الاخواني السوداني- القطري
د. أحمد حموده حامد
مقدمة:
تجئ زيارة الشيخ تميم بن حمد آل ثاني رئيس دولة قطر الى السودان في ظروف استقطاب خطير في المنطقة , والاستقطاب سببه فتنة الاخوان المسلمين . قطر تستضيف الجماعة وتوفر لهم الحماية والدعم المالي والاعلامي , بينما لفظ محيطها الخليجي الجماعة , بل وجرمهم وصنفهم جماعة ارهابية . قطر اصبحت تغرد خارج السرب الخليجي . السودان تحكمه الجماعة منذ 25 عاماً تمنكنت فيها من مفاصل الدولة والسيطرة التامة على المال والاقتصاد , بينما مصر الجارة الشمالية جرمت الجماعة واعتبرتهم جماعة ارهابية . أصبحت جماعة الاخوان المسلمين فئة خارجة على القانون في مصر وفي معظم الدول الخليجية – هذا المعسكر حسم أمره وأعلن حرباً لا هوادة فيها على الجماعة , ويسعى لاقناع الدول الكبرى في الساحة الدولية بخطورة الجماعة على الامن والاستقرار الاقليمي والدولي . المعسكر الثاني ترعاه قطر وحكومة الخرطوم , يسعى للم شمل الجماعة بعد ان ضيق عليها الخناق . تكون ضربة البداية هي إعادة وحدة صف الجماعة في السودان بين جناح الشيخ الترابي وجناح الرئيس البشير اللذان افترقا منذ المفاصلة الشهيرة في رمضان عام 1999 . لعبت قطر والتنظيم الدولي للجماعة ومن ورائهم الولايات المتحدة دوراَ محورياً في إعادة وحدة الجماعة في السودان . الاستقطاب الخطير اليوم في المنطقة هو بين معسكر تجريم الجماعة في الدول الخليجية بقيادة السعودية والامارات والكويت والبحرين ومعهم مصر , ومعسكر حاضنة الجماعة يمثلهم التنظيم العالمى برعاية قطر والسودان ومن ورائهم الولايات المتحدة ليؤدوا الدور المنوط بهم في إثارة الفتن وتقويض النظم المستقرة وزعزعة الاستقرار لايقاف عجلة التقدم والازدهار التي انتظمت المنطقة .
مخاوف مشروعة من خطورة تنظيم الاخوان المسلمين:
ان المخاوف التي أدت الى تجريم الجماعة واعتبارها جماعة إرهابية خارجة على القانون هي مخاوف مشروعة بالنظر الى طبيعة التنظيم السرية وارتباطاته المشبوهة باجهزة الاستخبارات الغربية والمحافل الماسونية العالمية , وطبيعة اهدافه المعلنة وغير المعلنة التي تشترط الانتماء للجماعة وليس للوطن , وتعقد البيعة للمرشد وليس لولي الأمر , ثم سعي الجماعة الحثيث سراً وعلناُ لتغيير الانظمة المستقرة باخرى تتوافق وهواها واجندتها . تاكدت خطورة التنظيم على المنطقة وعلاقاته المشبوهة حين اتى الى قمة القيادة نفر من الوطنيين الغيورين من خلفيات استخباراتية كالفريق اول السيسي في مصر , والامير بندر بن سلمان في السعودية والقائد ضاحي خلفان في الامارات , على معرفة ودراية تامة بما يحيكه الاخوان وشبكاتهم الاستخباراتية وتحركات اموالهم وعلاقاتهم بقوى لا تريد خبراً للامة . فكان ما كان من قطع الطريق امامهم حتى لا يحدثوا المزيد من التخريب للاوطان ولعقول الشباب والتغرير بهم باسم الدين . هذا وفي بال القائمين على الامر سجل الجماعة الحافل بالكمر والدسائس والعمالة للاجنبي . نورد هنا نتفاً من هذا السجل الماكر:
بدأت الشراكة بين الاخوان المسلمين والاستخبارات البريطانية في ظل نظرية ونستون تشرشل (رئيس وزراء بريطانيا آنذاك) الشهيرة "الستار الحديدي اThe Iron Curtain " أسست للتحالف الانجلو-امريكي الذى وصفه تشرشل "بالعقل البريطانى والقوة الامريكية يمكننا أن نحكم العالم." وهكذا بدأ التحالف الانجلو-امريكى مع جماعة الاخوان المسلمين بنسج هيئات من الاسلاميين اليمنيين تحت راية مناهضة الشيوعية الملحدة Communism Godless , لكن في حقيقته هدف الى محاربة الدول الوطنية التي استقلت حديثاً بهدف زعزعة استقرارها ووقف عجلة التنمية والتقدم فيها .
استهدفت هذه السياسة الامريكية ايران ومصر بوجه خاص خلال عقد الخمسينات 1950, باعتبارهما اولى حالتى اختبار بروز الدولة القومية فى الدول الاسلامية. وفى كلتا الحالتين , انحازت الولايات المتحده لبريطانيا ضد الحكومات الشعبية فى مصر (جمال عبد الناصر) وايران (محمد مصدق) . وفى كلتا الحالتين لجأ التحالف الانجلو-امريكى الى تحريك جماعة الاخوان المسلمين واستعمالها كمطرقة لهدم النظاميين المارقين .
أحد مهندسى اللعبة البريطانية الكبرى فى تحريك الاسلاميين كالدمى ضد الوطنيين والشيوعيين فى الشرق الادنى كان هو د. بيرنارد لويس Bernard Lewis عميل الاستخبارات البريطانية التابع لشعبة العالم العربى.
في عام 1954 , جورج يونج أحد كبار ضباط الاستخبارات البريطانية M16 الموجود فى مصر , صدرت اليه الاوامر من ادن باغتيال عبد الناصر . حسب تقارير M16 , لجأ يونج سرياً للاستعانة بجماعة الاخوان المسلمين للقيام بالمهمة . وبمنتصف ذلك العام , نشبت حرب شاملة بين عبد الناصر وجماعة الاخوان المسلمين , قُتل فيها آلاف وفى النهاية اجبر الاخوان على الهرب الى السعودية والاردن ودول عربية آخرى .
في ايران , عين الشاه محمد مصدق ليكون رئيس الوزراء الجديد . روج التحالف الانجلو-امريكى ان نظام مصدق القومى على انه علمانى ثم اتهامه زوراً بأنه شيوعى . وكما كان الحال فى مصر لجأ البريطانيون الى الاخوان المسلمين ممثلين فى جماعة "مخلصى الاسلام" لالهاب اعمال الشغب فى الشوارع وأعمال تخريبية أخرى قادت فى النهاية لاسقاط حكومة مصدق .
كما قام فرع الاخوان فى سوريا "شباب محمد" وجناحه المسلح "طليعة المقاتلين ." اللذان أسسهما سعيد رمضان , زوج ابنة حسن البنا بتدبير الانقلاب البهائي في عام 1969 , بدأ الاخوان الحرب في عقد السبعينات 1970 – 1979 شنوا فيها هجوماً عسكرياً على الأكاديمية العسكرية السورية في مدينة أليبو . تلا ذلك أن نشبت حرباً مفتوحة بين الأخوان والحكومة السورية كان حصيلتها آلاف الضحايا . وفي النهاية هرب الأخوان المسلمون الى المملكة العربية السعودية ودول أخرى .
تم الاعداد للاطاحة بحكم الملك يحيي في اليمن من المركز العام للجماعة في مصر عام 1948م . وكان ذلك التآمر عل الملكية اليمنية هو الذي حرك الريبة والشك لدى الملك عبد العزيز آل سعود في نوايا وأهداف الجماعة ما حدا به لرفض جميع الطلبات التي تقدمت بها لفتح فرع لها في المملكة السعودية .
دخلت الولايات المتحدة فى ما يمكن وصفه بالحلقة المتآمرة بين واشنطن , ولندن واليمين الإسلامي التي كان نتاجها الحرب الأفغانية .
لم تكن الحرب الافغانية هي رد فعل على الغزو السوفيتي لافغانستان كما يعتقد . الحقيقة كما وضحها المستشار زبقنيو برززنسكي – مستشار الرئيس كارتر – مفاخراً أنه استطاع أن يقنع الرئيس بالموافقة على دعم سري لمتمردي المجاهدين الأفغان , وبذا تم التحريض على الغزو السوفيتي . كان هناك ما يقدر بنحو 35 ألف من "الأفغان" العرب من 43 دولة عربية تم تجنيدهم للحرب في أفغانستان ينتمون غالباً للاخوان المسلمين.
كان أحد الشخصيات المفتاحية في عمليات التجنيد هذه مدعوماً من المعسكر الأنجلو-أمريكي شخص فلسطيني من جماعة الأخوان المسلمين يسمى عبد الله عزام. في العام 1984 , وتحت رعاية أنجلو-أمريكية وباكستانية, قام عزام ومعه ربيب آخر : أسامة بن لادن , قاما بتأسيس مكتب الخدمات في بيشاور بباكستان .
على الرغم من أن حركة الاخوان المسلمين بدأت اولاً فى مصر 1928 الا أن جذور دعم بريطانيا للمحافل الماسونية السرية يرجع الى ما وراء ذلك التاريخ بجيلين . تحديدا للربع الاخير من القرن التاسع عشر , حين دعمت الاستخبارات البريطانية جمال الدين الافغانى (1897-1838) . ولكونه ماسونى بريطانى (وفرنسى) وملحد موثوق , قضى الافغانى كل شبابه كعميل للاستخبارات البريطانية يقود التمرد الاسلامى حيثما اتفق ذلك مع الاهداف الامبريالية لبريطانيا . كان الافغانى مؤسساً لحركة شباب مصر , والتى كانت شبكة من خبراء تضم الجبهات اليعقوبية البريطانية (الماسونية) حول العالم التى شنت الحرب على اعداء بريطانيا الامبرياليين فى النصف الثانى من القرن التاسع عشر . فى السودان وفى اعقاب الثورة الوطنية التى قادها المهدى وقتل اللورد غردون الحاكم البريطانى , نظم الافغانى ثورة مضادة (اسلامية) لدعم استعادة السيطرة الاستعمارية البريطانية على السودان . (من مفارقات التاريخ الغريبة يقف الامام الصادق المهدي حفيد الامام المهدي اليوم مع ذات الجماعة التي تعاونت مع القوى الاستعمارية لتقويض الدولة المهدية التي اقامها جده الامام محمد احمد المهدي في ثورة زلزلت اركان الامبراطورية التي (كانت) لا تغيب عنها الشمس) .
من هذا السجل الحافل بالمكر والخيانة والتآمر والعمالة , يصبح التخوف من مكر الجماعة وكيدهم هو تخوف مشروع يحق لمصر ودول الخليج ان تجرم الجماعة وتحرٌم انشطتهم.
لا عجب اذن ان موقف مصر ودول الخليج وتجريم الجماعة قد جر عليها غضب الولايات المتحدة التي رعت اسخباراتها نشاة الجماعة لتكون حليفاً لها في تنفيذ اجندتها . راهنت الولايات المتحدة على الجماعة في الاستيلاء على مقاليد الامور في كل المنطقة حين رعت ما اطلقت عليه وسائل الاعلام الغربية "الربيع العربي" – الذي كان عبارة عن تمويه لتمكين الجماعة وبدعم قطري للسيطرة على الحكم في مصر وتونس وليبيا , وحين فشلت الخطة , ارتبكت حسابات الولايات المتحدة وحلفائها , خاصة بعد المواقف الصلبة والحاسمة لكل من السعودية ومصر .موقف الولايات المتحدة من هذه القضية لا زال يلفه الغموض , رغم الرسائل الواضحة التي ارسلتها كل من الرياض والقاهرة بان الجماعة اعتبرت في عداد التجريم القانوني. هذه القضية هي احد اركان زيارة الرئيس اوباما الي اللملكة العربية السعودية الجمعة الفائتة .
زيارة الرئيس اوباما للسعودية ومقابلة الملك عبد الله:
استقبل العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزبز الرئيس الامريكي باراك اوباما يوم الجمعة الماضي . كانت القضايا الساخنة التي تمت مناقشتها هي : الحرب في سوربا وموقف الولايات المتحدة الذي تعتبرة قيادة المملكة تراجعاً عن دورعا الذي يجب ان تقوم به بدعم كفة المعرضة السورية . القضية الثانية كانت هي موضوع ايران وما اعتبرته المملكة تقارب بين الولايات المتحدة وايران خصما على حساب امن الخليج . القضية الثالثة هي الموقف المعلن من المملكة وكل من مصر ودول خليجية اخرى وتجريمهم جماعة الاخوان . ما رشح من معلومات ومن النبرة الخفيضة Low-key لحدث الزيارة يمكن استنتاج ان كل طرف ظل ممسكاً ببندقيته, فلا المملكة راضية عن مواقف الولايات المتحدة في القضايا المثارة , ولا الولايات المتحدة متحمسة لتغيير سياستها .
لكن بالطبع المملكة لها خيارات اخرى وكروت ضغط كثيرة يمكن ان تجبر الولايات المتحدة على تغيير استراتيجيتها:
المملكة شريك استراتيجي ليس فقط للولايات المتحدة بل لكل القوى الفاعلة في العالم كاحد اهم دعائم النظام العالمي القائم بعد الحرب العالمية الثانية بما توفره للعالم وللاقتصاد العالمي من مصادر الطاقة الرخيصة بما مكن من استقرار دوران منظومة الاقتصاد العالمي على مدى العقود الثمانية المنصرمة وحتى اليوم , ودعم الدولار الامريكي كعملة التداول في اسواق الطاقة مقابل رعاية وتوفير الامن للمنطقة الاكثر انتاجاً لمصادر الطاقة في العالم .
القوة الاقتصادية الضاربة والمستقرة للمملكة كاحد أهم دعائم الاقتصاد العالمي وعضو مجموعة العشرين اكبر الاقتصاديات في العالم .
ثقل المملكة الاقليمي ودورها القيادي في العالمين العربي والاسلامي يجعل منها قوة اقليمية لا يمكن تجاوزها ابداً .
المملكة ودورها القيادي في مجموعة مجلس التعاون الخليجي يضعها في موقف قوي ثابت ومؤمن مع دول المجلس
موقع المملكة الاستراتيجي المطل على معابر التجارة الدولية الهامة على البحر الاحمر وباب المندب وقناة السويس في تحالفها الاستراتيجي مع مصر يزيد من قوتها التفاوضية مع اى قوى اقليمية او دولية , خاصة مع الولايات المتحدة التى من مصلحتها تامين معابر التجارة الدولية ومصادر الطاقة في الخليج الضرورية لاستقرار النظام العالمي الذي تقف الولايات المتحدة على قمته وما يوفره لها ذلك من امتيازات الهيمنة وتحقيق المصالح.
المملكة تدرك مكامن قوتها التفاوضية مع القوى الكبرى ولذلك فهي في الوقت الذي تدير فيه حوارات مع الولايات المتحدة , تبقى خياراتها مفتوحة مع شركاء آخرين محتملين. نرى ذلك جلياً حين ارسلت المملكة بعض المسؤلين النافذين لكل من اليابان والهند والصين وباكستان , في اشارة يفهم منها ان الولايات المتحدة هي التي تحتاج للمملكة في ازمتها الاقتصادية الحالية , وليس العكس , فللمملكة خيارات اخرى .
تجلت هذه الاعتبارات في قوة المملكة التفاوضية في مضامين الزيارة الاخيرة للرئيس الامريكي باراك اوباما للمملكة حين نقلت قيادة المملكة للرئيس الامريكي بوضوح لا لبس فيه وجهة نظرها في النقاط المشار اليها آنفاً التي شكلت محاور النقاش . ويبدو ان متخذي القرار في الولايات المتحدة , وايضاً حلفاءهم مثل بريطانيا قد فهموا الرسالة . يتضح ذلك في الآتي مما رشح حتى الآن:
نقلت الانباء ان الولايات المتحدة بدأت تعيد النظر في استراتجيتها في سوريا , وربما دعمت المعارضة السورية بصواريخ ارض-جو لقلب موازين القوى لصالح المعارضة السورية ضد نظام بشار الأسد .
تردد ايضاً ان الولايات المتحدة تنظر في امر تصفية قواعدها في قطر بحجة التكاليف المالية الباهظة التي لم تعد تحتملها الخزانة الامريكية في ظل الازمة الاقتصادية الخانقة . لكن ليس واضحاً ما اذا كان ذلك هو السبب الحقيقي, ام ان للامر علاقة بترتيبات التسوية مع ايران التي لم تعد القواعد الامريكية ضرورية لحماية امن الخليج من تغول ايراني محتمل ؟ ام ن الامر جاء بإملاء من المملكة لتجريد قطر من احد اهم اوراقها وإجبارها بدخول بيت الطاعة الخليجي بعد حرق ورقة القواعد الامريكية؟
في بريطانيا امر رئيس الوزراء ديقد كميرون الاستخبارات البريطانية التحري في انشطة جماعة الاخوان المسلمين التي تنشط وتتخذ من لندن منطلقاً لعملياتها الانتقامية ضد مصر والدول الخليجية , ومدى تاثير ذلك على تهديد الامن والمصالح البريطانية , ويرأس مفوصية التحقيق السفير البريطاني في الرياض جون جنكنز . ربما قادت التحركات البريطانية لحظر نشاط الجماعة في بريطانيا اتساقاً مع موقف مصر والسعودية والامارات , ما يعني ان الرسالة من هذه الدول وصلت بقوة اي متخذي القرار في كل من الولايات المتحدة وبريطانيا .
يقول مسؤلون في السعودية ودول الخليج الاخرى انهم ينتظرون لنحو شهر أو شهرين حتى يروا شواهد ملموسة على الارض تقنعهم بتغيير جوهري في سياسة الولايات المتحدة وبريطانيا في الملفات محل الخلاف . وفي الاثناء تنتظم معسكر الرياض-القاهرة-دبي-الكويت-المنامة خطى قوية لتمتين الجبهة الداخلية تمهيداً للانطلاق نحو خلق حلف اقليمي ضارب اقتصادياً وعلمياً وعسكرياً يستطيع إملاء إرادته على اللاعبين الاقليميين والدوليين بما يحقق تطلعات شعوبهم في الاستقرار والامن والطمانية والرخاء .
من المؤسف والمخزي ان تقف حكومة السودان وحكومة قطر في المعسكر الآخر الذي لا يريد للامة خيراً , الفئة التي جاء وصفها في محكم التزيل "ها انتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الانامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم ان الله عليم بذات الصدور * إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً إن الله بما يعملون محيط". (صدق الله العظيم: آل عمران: الآيات 119- 120).
زيارة الشيخ تميم والتنسيق القطري-الامريكي- السوداني لتجميع فلول الجماعة:
الولايات المتحدة ربما لا تزال ترى ضرورة الحفاظ على الجماعة كحليف استراتيجي لتعزيز اجندتها في المنطقة . ولذلك فلا عجب ان جاءت زيارة الشيخ تميم الى السودان تواً بعيد زيارة قام بها المبعوث الامريكي للسودان المستر دونالد بوث الى الدوحة التقى فيها القيادة القطرية في ما يتعلق بالقضايا التي تهم واشنطن في السودان , ما يشير الى ان تنسيقاً على مستوى القيادة يتم بين الدوحة وواشنطن والخرطوم لا شك انه يتعلق بمستقبل الجماعة بهدف تجميعهم , وتكون نقطة البداية إعادة وحدة صف الجماعة في السودان بين جناح الشيخ الترابي وجناح الرئيس البشير الذين تفاصلا منذ رمضان عام 1999 . يتضح ان موقف قطر والولايات المتحدة هو دعم النظام الاخواني وتحريضه على عدم الاذعان لمطالب الشعب والمعارضة وحاملي السلاح, وعدم الجلوس معهم للحوار الا بالشروط التي يمليها وتحفظ بقاءه في السلطة حتى تنفيذ الاجندة الموكلة اليه .
تأتي زيارة الشيخ تميم الى السودان في ظروف تتعرض فيها قطر لضغوط متزايدة من جبرانها الخليجيين بسبب إيوائها ودعمها لجماعة الاخوان المسلمين . وقامت الدوحة بترتيب إيواء بعض من قادة الاخوان في لندن في إشارة لاستجابة قطر لضغوطات السعودية والامارات والبحرين الذين سحبوا سفراءهم من الدوحة . لكن شواهد اخرى توضح ان الدوحة لا تستطيع فعلاً التحرر من تركة الجماعة الثقيلة للاعتبارات التالية:
الحكم القطري هو في حقيقته صنيعة اخوانية اتت بالشيخ حمد الى قيادة قطر في انقلاب ابيض على والده بتدبير وتنسيق بين الاستخبارات الغربية وبتنفيذ جماعة الاخوان , فحكومة قطر هي اخوانية , مثلما ان حكومة الخرطوم اخوانية هي الأخرى .
يؤكد ذلك ما قال به الشيخ يوسف القرضاوي الاربعاء حين قال : "قطر لن تتركني وانا لن أتركها" بمعنى انه لا يمكن لكليهما الاستغناء عن الآخر . يعرف الشيخ القرضاوي والدكتور الشيخ الترابي وغيرهم من اساطين التنظيم العالمي للأخوان المسلمين الخفايا والاسرار التي تقف وراء الامبراطورية القطرية المالية والاعلامية الممتدة حول العالم , وقطر ليس بمقدورها الفكاك من هذه الشباك وان أرادت .
زيارة الشيخ تميم في حد ذاتها للنظام الاخواني في الخرطوم تؤكد على حقيقة العلاقة العضوية بين النظامين الاخوانيين وارتباطهما بالتنظيم العالمي للأخوان وبالمحافل الماسونية والولايات المتحدة . لا يمكن الفصل بين هذه الدوائر المتداخلة والدليل على ذلك العلاقات الحميمة التي تربط قطر بكل من اسرائيل والولايات المتحدة .
دعم قطر المستمر لتثبيت الحكم الاخواني في السودان يقف ضد رغبة عموم الشعب السوداني وسعيه المستميت لإزاحة هذا الحكم , عبر عن هذه الرغبة في عشرات الهبات والثورات بل والحروب التي راح ضحيتها مئات الآلاف من السودانيين وتشرد ملايين واجبرت ملايين أخرى على الهجرة الى خارج البلاد بسبب سياسات الحكم الاخواني .
دعم قطر للحكم الاخواني ضد رغبة عموم شعوب السودان يؤكد ان سياسة قطر تنسجم تماماً مع النهج الاخواني في الحكم الذي لا يقيم وزناً للأوطان , ولا يأبه بالشأن الوطني العام والمصلحة الوطنية وحق الشعوب في ان تحيا حياة كريمة , بل يهمه تمكين الجماعة من الحكم والمال والتسلط لتنفيذ اجندة خارجية ترسمها القوى الامبريالية والصهيومية العالمية تنفذها الجماعة على ارض الواقع .
فما هي هذه الاجندة الخارجية التي يأتي التقارب السوداني-القطري لتنفيذها رغم أنف الشعوب؟
الأهداف الامريكية-الصهيونية وتنفيذها بواسطة جماعة الاخوان المسلمين:
تقوم السياسة الامريكية في المنطقة اساساً على صمان امن اسرائيل وتفوقها العسكري , وان الأهداف المعلنة للاستراتيجية الصهيونية هي تقويص اسس الدولة في السودان وكل دول المنطقة واستبدالها بكانتونات صغيرة ضعيفة قائمة على التكتلات القبلية والعشائرية والطائفية والمذهبية . تبدأ الاستراتيجية بما يعرف بسياسة "شد الاطراف" بتقويض السودان حتى يمكن حرمان القضية العربية والاسلامية من امكانات السودان الضخمة الطبيعية والبشرية . ولهذه الاستراتيجية لكي تنجح , كان ان تم التخطيط لاستيلاء جماعة الاخوان – التي هي في حقيقتها صنيعة ماسونية – على السلطة في السودان . وان التمويه الذي تم في بداية الانقلاب – حين ذهب الشيخ للسجن حبيساً وذهب الجنرال للقصر رئيساً – كان القصد منه خداع الرأي العام والتعتيم على طبيعة الانقلاب وحقيقته الاخوابية ومن يقف وراءه من القوى الخارجية .
اول ما فعله الاخوان في السودان هو تقويض اسس الدولة . فهم لا يعترفون بحدود الدول , بل بالايدولوجيا الاممية التي لا تقيم وزناً للشعوب والاوطان . وحتى لا تكون هناك مؤسسات ولا قانون , حتى يصير السودان ارضاً هاملة وفوضى تفعل بها الجماعة ما يشاءون . ثم كان فصل الجنوب دليلاً ساطعاً على عدم وطنية الحكم الاخواني حين كان الخيار بين ذهاب الحكومة الاخوانية من الحكم مقابل وحدة الوطن , أو ذهاب الجنوب مقابل بقاء النظام في سدة الحكم . ضحى النظام الاخواني بوحدة التراب الوطني مقابل بقائه في السلطة , لهو أبلغ دليل على عمالة النظام وتنفيذه للأجندة الصهيونية-الامريكية التي طالما سعت لاضعاف السودان وتفتيته الى دويلات ضعيفة تسهل السيطرة عليها ونهب ثرواتها ما نراه ماثلاً اليوم في السودان بشقيه الشمالي والجنوبي .
كما اشعلت الجماعة الحروب في كل انحاء السودان , خاصة في دار فور وجبال النوبة والنيل الأزرق . ثم صعدت من وتيرة الحروب ووسعت في نطاق الانتهاكات , ومع كل ذلك تتعنت في ايقاف نزيف الدم وتمتنع عن الجلوس مع أبناء الوطن لايجاد حلول ناجعة . كل هذا التعنت والرفض – تدعمه وتحرضه قطر بمزيد من المال والعتاد – القصد منه توفير التبريرات اللازمة للتدخل الأممي وخلق الغطاء الضروري لتكرار تجربة فصل الجنوب في دار فور والنيل الازرق وجبال النوية , وربما يلحق بهم الشرق . هذه هي الاستراتيجية الامريكية-الصهيونية في إضعاف وتفتيت السودان , ثم تطبيق النموذج على باقي دول المنطقة واضعافها لصالح اسرائيل , تنفذ الاستراتيجية على ايدي الاخوان المسلمين.
للولايات المتحدة واسرائيل اهداف اخرى في تقريب النظامين الاخوانيين السوداني والقطري . فهما نظامان اخوانيان تم صنعهما ورعايتهما لتنفيذ الاجندة الصهيو-امريكية كما سبقت الاشارة لاستخدامهم في سينياروهات كثيرة لتقويض النظم بما يحقق تلك الاجندات . الولايات المتحدة لا تريد ان تفقد ورقة الاخوان , ولذلك فهي تستعين بقطر لتجميعهم ورعايتهم ولم شملهم وترتيب صفوفهم إثر فقدانها الكبير لهم في مصر والذي كانت تعول عليهم فيه كثيراً . تريد الولايات المتحدة ان تبقي على نفوذها وقبضتها قريباً من مصر من جهة الجنوب للضغط عليها في مسائل حساسة لبقاء الدولة المصرية مثل قضية مياه النيل . وقد تحقق للولايات المتحدة واسرائيل مبتغاهما في الضغط على مصر بدعم الحكم الاخواني في الخرطوم عن طريق قطر . تنطبق ذات الاهداف بابقاء الولايات المتحدة نفوذاً لها على البحر الأحمر ومعابر باب المندب وإبقاء نفوذها على الشواطئ المطلة على آبار البترول في الخليج .
الولايات المتحدة واسرائيل هما اكبر المستفيدين من التقارب الاخواني السوداني-القطري وخصماً على حساب الشعب السوداني وشعوب المنطقة . يصبح امام الشعب السوداني خياران : إما ان يهب في ثورة عارمة على الجماعة واقتلاعهم ويتحمل الثمن الباهظ الذي سيتطلبه مهر الحرية والانعتاق من عبودية الاخوان , أو سوف تتدخل الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لتفتيت ما تبقى من السودان تحت ذرائع الابادات الجماعية والانتهاكات الواسعة التي ترتكبها الحكومة ومليشياتها وتوفرها عن قصد كشواهد ماثلة للتدخل الاممي وبتر اجزاء اخرى من الوطن .
د. أحمد حموده حامد
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.