في الوقت الذي تمكنت فيه مجموعات شبابية من اختراق الأسواق الشعبية والمركزية على حد سواء بمخاطباتها الثورية السلمية وهتافاتها المنادية صراحة وعلنا بإسقاط النظام بشكل جذري وكلي شرع النظام المرعوب – كعادته في مثل هذه الأحوال – في العزف على اوتاره الصدئة. انتشرت كالنار في الهشيم تسجيلات بذيئة لسودانيات بالخارج، وتم تصعيد محسوب لقضية مريم يحي، ونشر سجالات شخصية وشبه شخصية بين أقطاب النظام في الصحف، ثم جاءت مسرحية الصادق المهدي والاستدعاء والتعهد والاعتقال. في الأثناء (و بينما الناس مشغولون بتلك الفرقعات)جرى اعتقال قيادات شبابية وطلابية تعتقد الأجهزة الأمنية أنها مسئولة عن ذلك الاختراق كما تم تنفيذ حملة بوليسية واسعة شملت كل أحياء العاصمة المثلثة الخرطوم. غني عن التنبيه أن قضيتي إعدام مريم يحي واعتقال الصادق المهدي، والمرتبطتين بأصل الحرية في جوهرهما وجوهرها المجرد تجدان كل الدعم والتأييد والمناصرة من كل ذي ضمير حي وعقل رشيد. بيد أن "الخبرة المتوسطة" بطبيعة هذا النظام تدرك أنه لن يجرؤ على تنفيذ حكم الإعدام المثير للجدل ولا حتى على التلويح به نظرا لعلاقته الانبطاحية العميقة بدوائر "يهمها الأمر" في النظام العالمي. وبالفعل، سرعان ما تم إرجاء تنفيذ الحكم سنتين بدواع تضحك العنز. ذات هذه الخبرة المتوسطة تعرف معرفة يقينية أن الظروف الموضوعية التي يمر بها النظام ووقوعه تحت طائلة الفخاخ التي نصبها بنفسه من دعاوي الانفتاح والحوار وما إليه تنهاه عن اعتقال فاروق ابوعيسي ومحمد ضياء الدين القياديين بقوى الإجماع "المعارض للحوار" على سبيل المثال، ناهيك عن الصادق المهدي المسوّق الأكبر والمتبضع الأعظم في هذه الدعاوي المقيتة. إن هذا المسلسل السمج الذي جرت أحداثه عقب مذبحة المؤسسية في حزب الأمة وإبعاد دكتور إبراهيم الأمين قائد تيار المعارضة الحقيقية للنظام داخل حزب الأمة، بإجراءات وملابسات فيها نظر ديمقراطي كبير، وعودة "ابن العم" المنافس العنيد للصادق في قيادة الحزب والكيان اللذين يعتمد عليهما بشكل كلي في وجوده وثرائه السياسي الحرام، وإدلائه بتصريحات "فاضحة" عن طبيعة "الزواج السري" بين الصادق والنظام ، لا "ينبغي" للبيب أن يحاول قراءة هذا المسلسل بمعزل عن هذين الحدثين السابقين له مباشرة. ولا أن يعزله من سياقهما. ربما جاء اعتقال الصادق في غير سياق الفبركة والتمثيل والتلميع، ربما ولكنه في هذه الحالة يكون ناتجا عن تناقضات داخل النظام وليس عن موقف كله له، ذات التناقضات التي قد تؤدي بجهات في النظام لاعتقال أو اغتيال البشير نفسه. لذا لزم التنويه. التفسير المنطقي لما يحدث في الخرطوم الآن أن النظام استنفذ كل طاقة للبقاء "بصورته" و "تركيبته" الحالية وأن بعض اللاعبين في المعارضة والحكومة قد وضعوا لمسات نهائية لصورة وتركيبة جديدة ظنوا أنها ستنطلي على جماهير الشعب السوداني وقواه الحية التي لن تمانع من هذا الانطلاء شريطة انتماء المولود (غير المشوه الجديد؛ نتمنى) بدرجة مقبولة لثالوث المطالب الشعبية المقدس: حرية سلام وعدالة والثورة خيار الشعب. هل ستستجيب أراجوزات اللمسات الأخيرة المتنافسة لهذا الشرط الضروري اللازم لقبول الطبخة السياسية التي فاحت رائحتها؟ هل ستتم محاكمة "كل" قتلة "كل" الشهداء خلال 25 سنة مثلا؟ هل سيعطى مواطنو الاقاليم التي تضررت من مماحكات إبقاء البشير حاكما حتى الآن كل حقوقهم ومطالبهم مثلا أيضا ؟ هل سيكون لعامة الناس ما لأسياد الغفلة وروحهم وعليهم ما عليهم؟ لنر، وكل ما نتمناه أن يكون جماهير حزب الأمة وشبابهم في الشارع العريض حتى بعد انقشاع أزمة إمامهم مع " نظامه " ، إلا هل بلغت فتحي البحيري 18 مايو 2014.