(عماد عبد الهادي-الجزيرة نت) عاد ارتفاع أسعار الأدوية وشح المنقذ للحياة منها ليطل برأسه في السودان من جديد، مسببا أزمة مضافة لأزمات أخرى متلاحقة. فعلى الرغم من استقرار أسعار الدواء لعدة أشهر قبل أن يلتحق بغيره من كل ما هو مستورد للبلاد، فإن جهات مسؤولة ترى غير ما يراه من يوجهون أصابع الاتهام بحجة التقصير. وفي المقابل، تقول جهات متابعة أن انخفاض سعر الجنيه السوداني مقابل الدولار الأميركي وتباطؤ الحكومة في وضع التسهيلات المناسبة دفعا بأسعار الدواء إلى ما هي عليه الآن من ارتفاع. الأمين العام لجمعية حماية المستهلك ياسر ميرغني عزا ارتفاع أسعار الدواء لتسجيلها بالعملات الحرة مثل الدولار الأميركي والجنيه الإسترليني وبعض العملات الحرة الأخرى التي تمثل بلدان الاستيراد. ويشير إلى عدم توفير بنك السودان للعملات الحرة المناسبة لاستيراد الدواء ما جعل المستوردين يلجؤون لشراء العملات من السوق الموازي "وكأن الجهات المسؤولة تبيح للمستوردين شراء الأدوية عبر السوق السوداء". ويقول إن المبالغ المخصصة من بنك السودان المركزي كافية لاستيراد الدواء الذي تحتاجه البلاد، مشيرا إلى أن ذلك ما يزال محل خلاف بين عدد من الجهات. ويضيف أن توفر أموال البنك المركزي لا يعني أنها مخصصة للأدوية الحقيقية وكإنقاذ للحياة "وإنما تكون ضائعة في فيتامينات وبعض المضادات الحيوية" معتبرا أن ما يحدث من نقص في الدواء "كأنه متعمد لأن الأموال تصرف في أدوية غير أساسية". ويشير ميرغني أيضا إلى وجود أدوية شبه محتكرة أو ذات تسجيل ضعيف مثل أدوية السكري والفشل الكلوي والضغط والغدة، كاشفا عن وجود أدوية غير مطابقة للمواصفات لم يتم سحبها من الصيدليات "ولم يصدر أي إخطار للصيدليات بسحبها حتى الآن". ويقول مسؤول ببنك السودان رفض الكشف عن هويته إن البنك يخصص عبر محفظة موجهة للمصارف السودانية 10% من عائدات الصادر لاستيراد الأدوية، مشيرا إلى جمع وتسخير تلك المبالغ لاستيراد الدواء، بجانب محفظة للصناعة المحلية للدواء. وأكد للجزيرة نت توفير 10% من محفظة الصناعات الدوائية المحلية، مشيرا إلى عدم وجود مشكلة للبنك المركزي في توفير النقد الأجنبي لاستيراد وصناعة الدواء محلياً عبر المحفظتين. أما رئيس غرفة مصنعي الأدوية مدير معامل أميفارما للصناعات الدوائية أحمد محمد الأمين فينسب ندرة الدواء وارتفاع أسعاره لشح تدفق النقد الأجنبي من البنك المركزي "رغم أن المركزي بدأ ضخ أموالا لكنها لا تكفي الحاجة". وقال للجزيرة نت إن البنك يضخ ما يعادل 40 إلى 50% من المطلوب لاستيراد الدواء، مشيرا إلى وقف تعاملات بعض البنوك الأجنبية مع حكومة السودان "مما خلق مشكلة كبيرة لقطاع الدواء". واتفق مع الأمين العام لجمعية حماية المستهلك بوجود مشكلة في تسجيل الأدوية المحلية، مشيرا إلى أن ما ينتجه السودان من دواء بلغ نحو أربعمائة صنف أساسي "ويقل سعرها بنحو (40%) عن نظيرتها المستوردة". ولكنه أكد أن ما ينتج محليا لا يغطي أكثر من 30% من الحاجة الفعلية للدواء، متوقعا وصول الرقم لنحو 50% بنهاية العام، ونحو 80% خلال الأربع سنوات المقبلة. وكشف الأمين العام للمجلس القومي للصيدلة والسموم محمد الحسن إمام أن أربعمائة مليون دولار هي الحاجة الكلية للدواء للقطاعين العام والخاص بالسودان، مشيرا في تعليقات صحفية إلى أن هيئته توفر من الأدوية ما يبلغ قيمته ثمانين مليون دولار. وقال إمام إن أسعار الدواء بالسودان "أقل بكثير من أسعاره في بعض دول المنطقة العربية باستثناء مصر وسوريا" معللا ارتفاع أسعار الدواء بارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي مقابل الجنيه السوداني بجانب تحرير سعر صرفه. وأكد أن الدولة عازمة على الاكتفاء الذاتي من الدواء وتصدير الفائض منه خلال الفترة المقبلة "خاصة بعد إلغاء الجمارك على الأدوية ومواد التعبئة".