مولانا سيف .. أحزنني حزنك وشعرت بغصة مرّة في حلقي .. لقد أصابني بالعدوى حزنك هذا العميق على إنسان خبرته بحق ، فجاءت مرثيتك صادقة وحارة في حقه .. ويا أخي ترانا كل يوم نفقد زهرة من أجمل ما أنبتت حديقة السودان من خير متنوع يجسده هؤلاء الذين غادرونا .. ولكن ما أحزنني وأصابني بصدمة قاسية هذا الرثاء الفاجع لك ولنا .. فإذا كان اصغر أبناء جيلك كما تقول يدرج نحو السبعين ، واحسبني منهم، أو أكاد (إذا سمح الزمن وامتد بنا العمر) ..فإننا إذن عشنا أصعب مراحل تاريخ هذا البلد ..وهي المراحل المفعمة بالحيوية .. ولدنا صبيحة استقلال الوطن أو ولدنا بعده بقليل ولكن تنسمنا عبير ما تبقى من أريج أنفاس النضال من أجل الاستقلال .. يكفي اننا أيضا شهدنا تسلط ثلاث ديكتاتوريات عسكرية (والأخيرة انفردت عن التجربتين بتحالفها الفريد بين المؤسسة العسكرية وأوليغارشية دينية شمولية مغلقة) .. ولكنا أيضاً أشعلنا ثورتين شعبيتين من أرقى الثورات في التاريخ وأطحنا بديكتاتوريتين (والثالثة في الطريق) .. فعلنا كل ذلك في نصف قرن تقريباً .. دلني على شعب في أي منطقة من العالم يتمتع بهذه الحيوية ..بهذا القلق .. بهذا الملل والضيق من السلطة ؟. ماذا كانت النتيجة ؟ .. تسأل (وربما غيرك يسأل) ؟. تعرف مدى عمق القاعدة : ليس الوصول هو الغاية ولكن السير . وهذه قاعدة اعتقد ذات جدوى في تاريخ الشعوب. لا أدري لماذا يعشق الناس الاستقرار على هذا النحو ويطلبونه بهذا الإلحاح ؟ّ! الاستقرار حالة هلامية مثل السعادة (ما السعادة على كل حال؟ّ!) الاستقرار حالة من الموات .. ظلت مصر تحت حكم نظام يوليو 52 يعني منذ استقلالنا لم تقم خلالها إلا بثورة واحدة في عام 2011 .. وظل القذافي في الحكم أربعة عقود .. ولو لم تقم ثورات الشباب لورث جمال مبارك مصرا .. وهو ما كان يهئ له على صالح في اليمن .. والقذافي في ليبيا .. وما كان سيفعله صدام حسين لو لا التدخل الأمريكي .. مثلما فعلها قبلهم حافظ الأسد الذي سلم سوريا لأبنه. المفارقة إنهم جميعا امتطوا دبابة المؤسسة العسكرية ليعتلوا عروش بلادهم (هل يجعلنا هذا نعيد التفكير في هذه المؤسسة وعقيدتها؟!) .. والمفارقة الأخرى أن أنظمة الحكم (الوراثية هذه ) تسمى أنظمة (جمهورية) .. ولا أدرى على ماذا نطلق أسم (الملكية) إن لم يكن على هذه (الجمهوريات) ؟!!. وإذا كان لنا أن نندم ، لجاز لنا أن نندم على أننا لم نقطع دابر السوس من جذوره .. ولكننا لا نجيد الالتفات إلى الوراء للبكاء على اللبن المسكوب والندم .. فما قد فات .. مات. نعم أمامنا الآن مهمة مصاولة هذه الديكتاتورية الثالثة .. واقتلاعها من جذورها .. وينتظرنا ما هو أشق من اقتلاعها .. وهو تطهير الارض منها ، بدستور لا يسمح بتوالدها .. وأراك (ما شاء الله) وقلمك في عنفوان فتوته تنافح عن العدل والحرية والعقلانية من أجل مستقبل أكثر إشراقا لمن يأتون بعدنا. فالإنقاذ لم تأخذ منك شيئا ، ولن تستطيع أن تأخذ .. وإلا لكنت الآن يا مولانا في الضفة الأخرى من النهر إذن نحن لم نخسر أنفسنا .. وليس فوق ذلك ما يستحق البكاء. الكلام في الاتجاه دا كتير جوانا .. أبكي صديقك وسنبكيه معا .. فالسودان أحوج ما يكون لكل شريف ، ولكل يد طاهرة ،وقلب نظيف ،وضمير حي وشجاع ،ولكل عقل مثقف حقيقة .. أبك .. وليظل قلمك مشرعاً .. فأمامك عمل يا مولانا صدقني بقول ليك الكلام دا وانا بقصد بيهو نفسي بحاول أنفخ النار جواي عشان الرماد ما يغطيها أما الفقيد سورج فنسأل الله له الرحمة ونحتسبه لوجه الوطن ، ووفاءنا له أن نحقق حلمه في وطن أسمى وأقوى وأجمل. دي تعزيتي ليك وفاتحتي على أخوك سورج .. تقبلها مع خالص التعازي (والبركة في السودان). * كتبتها تعليقاً عندما نشر مولاناسيفالدولةحمدنالله مقالة بعنوان " آآآآآآهمنوطنلايعرفقدرأبنائه..كلمةفيرثاءمولاناطهسورج" بتاريخ 20 أبريل 2013م. .