سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    بعد أزمة كلوب.. صلاح يصدم الأندية السعودية    وزارة الخارجية القطرية: نعرب عن قلقنا البالغ من زيادة التصعيد في محيط مدينة الفاشر    الإمارات وأوكرانيا تنجزان مفاوضات اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة    ياسر عبدالرحمن العطا: يجب مواجهة طموحات دول الشر والمرتزقة العرب في الشتات – شاهد الفيديو    حقائق كاشفة عن السلوك الإيراني!    المؤسس.. وقرار اكتشاف واستخراج الثروة المعدنية    البيان الختامي لملتقى البركل لتحالف حماية دارفور    الداخلية السودانية: سيذهب فريق مكون من المرور للنيجر لاستعادة هذه المسروقات    مدير شرطة ولاية النيل الأبيض يتفقد شرطة محلية كوستي والقسم الأوسط    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    تدرب على فترتين..المريخ يرفع من نسق تحضيراته بمعسكر الإسماعيلية    الزمالك يسحق دريمز في عقر داره ويصعد لنهائي الكونفيدرالية    سان جرمان بطلا للدوري الفرنسي.. وعينه على الثلاثية    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    شاهد بالفيديو.. سائق "حافلة" مواصلات سوداني في مصر يطرب مواطنيه الركاب بأحد شوارع القاهرة على أنغام أغنيات (الزنق والهجيج) السودانية ومتابعون: (كدة أوفر شديد والله)    السودان..توجيه للبرهان بشأن دول الجوار    شاهد بالصورة والفيديو.. طلاب كلية الطب بجامعة مأمون حميدة في تنزانيا يتخرجون على أنغام الإنشاد الترند (براؤون يا رسول الله)    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصور.. بالفستان الأحمر.. الحسناء السودانية تسابيح دياب تخطف الأضواء على مواقع التواصل بإطلالة مثيرة ومتابعون: (هندية في شكل سودانية وصبجة السرور)    تجارة المعاداة للسامية    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    جبريل إبراهيم يقود وفد السودان إلى السعودية    رئيس حزب الأمة السوداني يعلق على خطوة موسى هلال    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    بايدن منتقداً ترامب في خطاب عشاء مراسلي البيت الأبيض: «غير ناضج»    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    دبابيس ودالشريف    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    بمشاركة طبنحة و التوزة...المريخ يستأنف تحضيراته    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



(2) ربع قرن على انقلاب الانقاذ : سنوات عجاف
نشر في حريات يوم 22 - 08 - 2014

الكتابة عن التأريخ ممتعة، فهي سياحة ممتعة تتوفر لها مصادر موثقة يختار منها الكاتب ما شاء حسب منهج تحليله، كما أن هناك اصواتاً مختلفة من كل الاطياف تقتح الطريق لفهم ما حدث, أيضاً الكتابة عن المستقبل ممكنة لأنها تبنى على نظريات استشراف المستقبل وتعتمد على اعمال الخيال، الابداع، قراءة الاتجاهات العامة للسياسة والوضع الدولي. المشكلة تأتي عند الكتابة عن الحاضر، فهي تعتمد على المعلومات اكثر من التحليل والالمام بمجريات الاحداث. هذا عمل الصحافة والمؤسسات البحثية وعمادها الحرية والشفافية، وكليهما في ازمة منذ ربع قرن.
مثل الربع قرن في حياة الوطن تقطيراً لكافة الازمات التي عصفت به منذ تشكله كدولة جغرافية منذ حوالي القرنين. من الصعب حصر آثر هذه السنوات على مستوى الافراد، الاسر والجماعات مما سيحتاج للجان تحقيق عديدة في كافة مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية. لن اتناول في هذا المقال سيناريوهات التغيير في السودان، سواء تفكيكاً او اسقاطاً، لأن هذا يحدده الشعب السوداني الذي يصطف يومياً في احتجاجات وتحركات، يتعرض شيبه وشبابه للاعتقالات والتعذيب في المدن، يتعرض سكان قراه للقصف الجوي، المدفعي، نساء معسكراته وبواديه للاغتصاب ويجوع سكان الوطن باكمله. هذا مقال عن الانقاذ ويبحث عن مصائرها ومآلاتها وسوف نتعرض لسيناريو ما اسميناه انقاذ الانقاذ.
تناولت الازمات التي عصفت بالسودان واقعدته عن شق طريقه للمستقبل في كتابي "الرؤية السودانية: انتاج الفشل" واعتمدت على نظريةالتنمية السياسية والتحديث في دول العالم الثالث، والتي تنطلق من أفكار أحد منظري نظرية التحديث لوسيان باي (لوسيان جورج باي 1921 -2008) عالم السياسات والصينيات والسياسة المقارنة في الولايات المتحدة. وقد صنفت الأزمات من منظري التنمية السياسية بطرق مختلفة، اعتبرلوسيان باي أن هناك ست أزمات للتنمية تتمثل في: أزمة الهوية؛أزمة الشرعية؛ أزمة الاندماج (قدرة) الأجهزة الإدارية والسياسية على أداء الوظائف المنوطبها)؛ أزمةالتغلغل (مدى سيطرة النظام على كامل التراب الوطني)؛ أزمة المشاركة وأزمة التوزيع. تنشأ الأزمة نتيجة عدم تطور النظام وبنيته، وعدمقدرته على تلبية المطالب واستيعاب تلك المدخلات ومعالجتها، وعدم قدرته علىالاستجابة لحاجات ومتطلبات النظم الإجتماعية الأخرى، إقتصادية وثقافية وإجتماعيةوغيرها.
هذه محاولة لقراءة الوضع الراهن في السودان من واقع القليل من المعلومات او الوثائق، لكنها من تجميع خيوط التصريحات، المواقف والتدخلات. سوف نرصد تجليات هذه الازمات وتأثيراتها على الوضع السياسي، الاقتصادي، العالمي، العسكري والامني، كما سوف نحاول رصد كيف تؤثر هذه الازمات المتداخلة على التحركات المحتملة للانقاذ والسيناريوهات المطروحة في الساحة السياسية السودانية.
ضغوط العنف في العام العالمي ضد العنف
أختتمت في العاصمة البريطانية لندن، الجمعة 13 يونيو 2014 ، الجلسة الختامية للقمة التي بحثت العنف ضد النساء، بإصدار بروتوكول عالمي ضد العنف. افتتح القمة نجمة هوليوود سفيرة النوايا الحسنة للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين أنجلينا جولي ووزير الخارجية البريطاني، وكان حول العنف الجنسي أثناء النزاعات واستخدام الاغتصاب "سلاح حرب". شاركت في القمة وفود أكثر من مائة دولة تشمل ممثلين حكوميين ومنظمات غير حكومية، شخصيات دينية، خبراء عسكريين، قانونيين وجمعيات خيرية وأفراداً من المجتمع المدني. كما شارك 48 وزير خارجية، إضافة إلى عدد من الضحايا والشهود والفاعلين على الأرض. وكان قد صدر عام 1993 الاعلان العالمي لمناهضة كل أشكال العنف ضد المرأة وصدر كذلك قرار أممي ينص على اتخاذ يوم 25نوفمبر من كل عام كيوم عالمي للقضاء على العنف ضد النساء.
عندما يجد النظام نفسه تحت ضغوط محلية ودولية، اصبح من العادة أن يطلق انواعاً من القضايا المتشددة، التي ترضي النزعات التكفيرية في عضويته الملتزمة، تحشد له تأييداً جفت منابعه وشغل المجتمع. في هذه الاجواء حكمت محكمة جنايات الحاج يوسف بإعدام مريم يحي ابراهيم، يوم 15 مايو 2014 تحت المواد (126) الردة والمادة (146) الزنا وإنجاب مولود غير شرعي. وفي بداية جلسة المحاكمة، تحدث رجل دين مسلم إلى المرأة وهي في قفص المحكمة لنحو ثلاثين دقيقة. ثم تحدثت المرأة إلى المحكمة في هدوء وقالت "أنا مسيحية، ولم أرتد على الإطلاق". وعليه حكم عليها القاضي بالإعدام شنقاً.
وجد السودان نفسه أمام ضغوط محلية، حيث احتشد عشرات الناشطين والمهتمين أمام محكمة "الحاج يوسف" يحملون لافتات "لا لمحاكمة الأديان"، "لا إكراه في الدين" و "احترموا حرية الأديان". وضغوط دولية وحملة إدانات من جانب منظمات حقوق الإنسان مثل منظمة العفو الدولية (أمنيستي)، منظمة العفو الدولية وغيرها. وأصدرت سفارات الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا وهولندا بيانًا مشتركاً أعربت فيه عن "قلقها العميق" بسبب القضية وطالبت حكومة السودان باحترام حرية اعتناق الأديان. وجاء اكثر المواقف عنفاً من بريطانيا على لسان رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، الذي طالب بإلغاء حكم الإعدام ضد مريم ووصف الحكم الصادر في مواجهتها ب"البربري" متعهداً بالضغط على الخرطوم للإفراج عنها. كما طالب الاتحاد الاوربي الحكومة الافراج عن السيدة مريم يحي وإلغاء جميع الأحكام القانونية التي تفرض عقوبات أو التمييز ضد الأفراد بسبب معتقداتهم الدينية.
اعتمدت الانقاذ سياسة الارض المحروقة في حروبها في الجنوب، حبال النوبة والنيل الازرق. يتم ذلك بالقصف الجوي والمدفعي الثقيل على المدنيين. وتستعمل طائرات (الانتنوف) وتسقط ما بين 12 الى 24 قنبلة، طائرات (السخوي) وتسقط ما بين 4 الى 8 دانات وهي روسية الصنع وباحجام متفاوتة، القصف المدفعي بعيد المدى اكثره من صورايخ (الشهاب) الايرانية (ووتشي) الصينية. أدي هذا القصف إلى تصاعد النزوح واللجوء. ترافق القصف العنيف في الشهور السابقة مع العام العالمي ضد العنف. ادى هذا تصاعد الاحتجاجات، الادانات والتقارير المتلاحقة من الخبير المكلف من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة مسعود بدرين لمتابعة أوضاع حقوق الانسان في السودان، وقال المبعوث الأميركي الخاص إلى السودان وجنوب السودان دونالد بوث "اعمال العنف التي ارتكبت بحق المدنيين في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق والعديد من مناطق دارفورغير مقبولة".وأضاف أن "الغارات الجوية والهجمات البرية على سكان مدنيين والهجمات على مستشفيات ومدارس هي أمور تثير قلقا بالغا لدى الولايات المتحدة".
جاء تقرير منظمة العفو الدولية الصادر قي 11 يونيو 2013 في نفس الاتجاه فقد صرحت إن الصور الملتقطة بواسطة الأقمار الاصطناعية، وإفادات شهود العيان من المناطق الخاضعة لسيطرة الثوار في ولاية النيل الأزرق بالسودان، تظهر لجوء القوات المسلحة السودانية إلى تحركات وحشية تتمثل باتباع سياسة الأرض المحروقة بغية حمل المدنيين على مغادرة مناطقهم. ويوثق تقرير المنظمة كيف أتت عمليات القصف الجوي والأرضي التي قام بها الجيش السوداني على القرى ودمرتها عن بكرة أبيها، موقعةً العديد من القتلي والجرحى، ومتسببة بفرار عشرات الألوف– حيث أصبح معظم هؤلاء الآن يواجه خطر الجوع والمرض والإرهاق الشديد, ويعلق الباحث في الشؤون السودانية بمنظمة العفو الدولية، جان بابتيست غالوبان قائلاً: "يأتي هذا الاستهداف المنظم والمتعمد للمدنيين كجزء من نمط مقلق لجأت الحكومة السودانية إلى استخدامه، وعاد بنتائج كارثية على دارفور", ويعد غالوبان إن قتل المدنيين عمداً يعد من جرائم الحرب، وبالنظر إلى حجم هذه الهجمات وطبيعتها المنتظمة على ما يظهر، فهي تشكل أيضاً جرائماً ضد الإنسانية. أصبحت الأوضاع الإنسانية التي يعيشها القاطنون في المناطق الخاضعة لسيطرة الثوار أوضاعاً بائسة. إذ لا يستطيع المدنيون العناية بمحاصيلهم الزراعية خشية التعرض للقصف بالقنابل، وعليه فلقد أصبح مخزون الغذاء شحيحاً. وأخبر النازحون منظمة العفو الدولية أنهم غالباً ما اضطُروا لتناول الجذور السامة للبقاء على قيد الحياة، وذلك بعد نقعها في الماء لأيام عدة قبل الإقدام على تناولها.
تناول كتاب كثر ملابسات الحوار سواء مع الفضاء السياسي او الجبهة الثورية، اسبابه ودواعيه ونلخصها في اسباب داخلية وخارجية. داخلياً هناك تشوش كبير ومواقف متعددة في هذا الحوار. هناك اتفاق عام بين الاطراف على أن يؤدي الحوار لتحول ديمقراطي وتفكيك الانقاذ مع اختلاف في آليات الحوار وبيئته. ابرز الداعين للحوار كانا الزعيمان الصادق والترابي. ليس هذا هو الحدث الذي يؤثر على الحوار بقوة لكن الحراك الشعبي المتنوع والذي يتراوح من عشرات الاحتجاجات، الوقفات، المطالبات، المظاهرات، جمع توقيعات اقالة الوالي، مظاهرات العطالى، العطش وغيرها, هذه التحركات هي التي تحدد بوصلة المواقف السياسية وتوجهاتها، وتضعط على السياسيين.
إذا كان تململ الداخل وتحركاته، خاصة احداث سبتمبر- اكتوبر 2014 وجرائم القتل العشوائي التي صاحبتها لمدنيين عزل، هو الذي فرض توجه الانقاذ إلى محاولة طرح الحوار لفك الحصار عنها والاستمرار في السلطة. ادى هذا لتدخلات واسعة من اطراف عديدة، كانت ابرز التحركات زيارة أمير قطر للخرطوم في 2 ابريل 2014 لمدة ساعات، جاءت الزيارة في وقت تشهد العلاقات القطرية تدهوراً شديداً مع جاراتها في الخليج، الجولة التي شملت الجزائر، الأردن و تونس قرئت كجزء من تحركات فك العزلة، البحث عن وساطة ولترتيب اوضاع حلفائها من الاخوان المسلمين
برغم ما اعلن عن اسباب الزيارة رسمياً، فقد قرأها الخبراء في أنها تركزت حول توحيد جماعات الاسلام السياسي في السودان وبالتحديد بين الترابي والبشير، وتوسيع ماعونها بضم بعض الأحزاب القريبة من التوجه الاسلامي لتوسيع قاعدة النظام والحفاظ عليه من السقوط بعد الانهيارات في مصر، محاصرته في تونس، فشله في إحراز نصر في سوريا وبدء التخلص من الجماعة في ليبيا. وتمخضت الزيارة رسمياً عن ايداع قطر مبلغ مليار دولار في بنك السودان المركزي عبارة عن القسط الثاني من الوديعة التي أعلنتها الدوحة من قبل، وذلك لدعم السودان خاصة بعد قرار المصارف في السعودية ودولة الإمارات العربية في فبراير تعليق التعامل مع المصارف السودانية. تم اعفاء القطريين من تأشيرة الدخول للسودان، كتمهيد لتوفير ملاذات آمنة لجماعات الاخوان المتواجدة في الدوحة لتنفيذ شروط المصالحة الخليجية. ويمكن أن تكون زيارة الترابي ومن بعده السيد الصادق للدوحة كجزء من محاولات هذه الترتيبات.
تصاعد الموقف السعودي من السودان تدريجياً، فرغم مواقف النظام تاريخياً من حكام المملكة في تسعينات القرن الماضي، والخطب الحماسية ليونس محمود التي كانت تذاع في الإذاعة السودانية، ثم وقوفهم إلي جانب العراق في حرب الخليج الأولي أبان غزو الكويت.بدأت التغييرات في الموقف السعودي في السنوات القليلة الاخيرة مع تصاعد العلاقات السودانية الإيرانية ووصول سفنها الحربية لميناء بورتسودان. تم تصعيد الموقف بمنع الرئيس السوداني من عبور الأجواء السعودية، ايقاف المساعدات المالية، ايقاف اللقاءات بين المسؤولين في البلدين، وتصاعدت بوقف كل التعاملات البنكية بين البلدين. وصل الموقف السعودي قمته مع تصاعد عدائها لجماعة الأخوان المسلمين في المنطقة وأعلانها تنظيماً ارهابياً، ترافق هذا مع التحالف الخليجي المصري وتاثيرها والاتجاه للقيام بالتضييق والضغط علي نظام الخرطوم حتى رحيله مثل النظم الأخري، أو تفكيكه.
اعتبر السودان شأناً مصرياً حتى بعد الاستقلال وكان لها وجود سياسي، اقتصادي، استخباراتي وشعبي كبير. برغم هذا فقد ظلت أيضاً في غالبها تعالج سرياً واستخباراتياً وقليلها سياسياً. استمر هذا الوضع تصاعداً وهبوطاً حتى منتصف التسعينات، وعزلت مصر تماماً بفعل سياسات الانقاذ وأيضاً بفعل المتغيرات الاستراتيجيات العالمية في توجهها نحو التيارات الدينية وتحضيرها للمستقبل. وكان الخروج الاولي لمصر من الملف السوداني مع توقيع بروتوكول مشاكوس في 20يوليو عام 2002، والنهائي مع اتفاقية نيفاشا في عام 2005. مع وصول مرسي للحكم تفتحت آفاق عديدة لعودة علاقات من الصعب سبر غورها لأنها لم تكتمل.
طوال سنوات الحرب الاهلية حافظت الحركة الشعبية لتحرير السودان بعلاقة وثيقة مع النظام المصري، وقد اتجهت مصر بعد حضورها احتفال توقيع نيفاشا كضيف، لتوثيق علاقتها مع الدولة الوليدة في جنوب السودان، بهدف تعويض العلاقة المختلة مع الشمال. لمصر حضور ملموس في الجنوب من خلال الانشطة الاقتصادية، سفريات يومية لمصر للطيران، جامعة الاسكندرية فرع جوبا وغيرها. ويفسر هذا حرص مصر على تواجد مكاتب الجبهة الثورية تحسباً للمستقبل.
حدث تحول جذري في مستقبل العلاقة بين البلدين بثورة 30 يونيو 2013، فقد تم ابعاد تنظيم الاخوان المسلمين وحلفائه من الساحة السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية والقانونية في مصره. طوال عام اعيد تعريف العلاقة بين البلدين وطرحت في الساحة قضايا متشعبة: مياه النيل وسد النهضة، العلاقات السودانية الايرانية وتوافد السفن الايرانية على ميناء السودان، دخول السلاح من الحدود وتسليم القيادات الاخوانية الهاربة. باكتمال الطوق العربي على السودان من الخليج، الاردن دخلت مصر لتحكم الحصار على نظام الانقاذ، ومع قرب حسم تواجد التيارات الدينية في رأس السلطة في ليبيا، سوف تستعيد مصر كثير من دورها في السودان مستقبلاً.
لم تنتظر الانقاذ ان يطوق الحبل عنقها، فاستبقت الامر بإرسال بعض الرسائل المطمئنة في خصوص القضايا المعلقة الاربعة، تحاشي الحديث عن حلايب او التمدد المصري في حلفا، فقامت بايفاد الفريق عبد الرحيم محمد حسين (النوبي الاقرب لمصر بحكم الجوار الجغرافي والتأريخي) لمقابلة المشير السيسي قبل الرئاسة لتأكيد المواقف السودانية المحايدة، وحضر الفريق بكري حسن صالح (أيضاً نوبي سوداني) حفل تنصيب السيسي وسوف نشهد زيارات اخرى قريباً,
يهمنا موقف مصر من المستقبل القريب في السودان، خاصة وهناك توجه اقليمي ودولي لدفع الحوار ليشمل كافة القضايا السودانية. فضلت مصر دائما سوداناً يحكمه العسكر وساهمت في انقلاب النميري وثبتت انقلاب الانقاذ وعملت دائماً طوال التسعينات على عدم وصول التجمع الوطني الديمقراطي إلى اسقاط النظام. ربما تتغير السياسات المصرية بعد ثورتين، لكن مع الظروف الصعبة في مصر وتحديات الوضع فقد تستمر التقاليد الراسخة في وزارة الخارجية والمخابرات. هذا هو دور السياسيين، الناشطين والمفكرين السودانيين قي تغيير معادلات التعامل بينهما. لابد من التوافق الموضوعي أن دولتين جارتين قويتين هما افضل لصالح البلدين، لأن هناك امكانيات غير محدودة للتعاون بينهما.
عالمياً، وكما جاء في صحيفة الشرق الاوسط 11 يونيو 2014 العدد 12979، أصدرت الترويكا المكونة من وزراء الخارجية الأمريكي والنرويجي والبريطاني، بياناً حثت فيه الحكومة السودانية والمعارضة والحركات المسلحة على اتخاذ خطوات حاسمة لإنهاء الصراعات والنزاعات في البلاد، وإلى بناء الثقة الشعبية في عملية صناعة السلام. ونددت بالتراجع في دعوة الحكومة السودانية للسلام، ارتفاع وتائر القمع، التضييق على الحريات الفردية السياسية والصحافية. ورأت الدول الثلاث الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها الخرطوم، تضييقا للمساحة اللازمة لإجراء حوار وطني ناجح. تطور خطاب الترويكا بالدعوة بضرورة إعادة هيكلة الدولة من جديد نحو الحل الشامل والبنيوي، تشارك فيه المعارضة المسلحة وغير المسلحة والمجتمع المدني للوصول الى مشروع وطني جديد. كما انتقد بقوة قوات الدعم السريع، واعتبرها ميليشيا ترعاها الحكومة.
لم يخرج موقف الاتحاد الاوربي (الحوار الوطني السودانى امر حيوي للسلام والتنمية في السودان)، مجلس الأمن الدولي، ومجلس السلم والأمن بالاتحاد الأفريقي، وجامعة الدول العربية، الامم المتحدة عما جاء في بيان الترويكا. بل أن الامم المتحدة ابدت شكوكاً حول التوصل لأي نتائج وفق الآليات المطروحة، كما جاء في جريدة الحياة 16 ابريل و"طالب مبعوث الامم المتحدة إلى السودان هايلي منغريوس الخرطوم بخطوات لتعزيز الثقة من أجل اقناع قادة تحالف متمردي "الجبهة الثورية" من فصائل دارفور و"الحركة الشعبية –الشمال" بالمشاركة في حوار وطني داخل البلاد لمعالجة قضاياها. وعلمت "الحياة" أن المبعوث الدولي اقترح على الخرطوم وقفاً للنار وإصدار عفو عن قادة المتمردين وفتح ممرات لإغاثة المتضررين من الحرب، في حين وعد المسؤولون السودانيون بعدم الممانعة، شرط أن يقابلها وقف للنار من جانب المتمردين. وطلب من القيادة السودانية تهيئة الأجواء لذلك عبر اتخاذ خطوات لبناء الثقة".
يعاني السودان من تدخل واضح ومرتب وانتقاص في سيادته الوطنية واصبح دولة تحت الوصايا الدولية. فبعكس شعاراته الطنانة حول الاستقلال الوطني اصبح السودان مكبلاً بقرارات اممية، إذ أصدرت الأمم المتحدة 15 قراراً ضد السودان منذ قدوم النظام للحكم. ففضلاً عن وجود قوات اليوناميد في دارفور، أبيي وهي في واقع الأمر تحت الوصايا الدولية من خلال إسناد الأمن فيها للقوات الإثيوبية التابعة للأمم المتحدة، (قوات الأمم المتحدة الأمنية المؤقتة في ابيي (يونسفا(، هناك العديد منالمقررين والمبعوثين الخاصيين لحقوق الانسان ومراقبة اصناف وانواع من السياسات السودانية (مبعوث وزارة الخرجية الامريكية، المبعوث الخاص للرئيس الامريكي، ممثل بعثة الاتحاد الافريقى فى دار فور، مبعوث بريطانى، ونرويجى، فرنسى، الجامعة العربية).
الضغوط الاقتصادية
لا يحتاج الوضع الاقتصادي في السودان لكثير من التحليل، ويمكن أن يعطينا تصاعد سعر صرف الجنيه من حوالي 10 جنيهات عند بداية الانقاذ إلى حوالي عشر الف جنيه عام 2014، مؤشراً، انعكس هذا على الاسعار الخرافية، والاجور المتدنية وغيرها. الوضع باختصار أن الدولة مفلسة، تدنى انتاجها الزراعي والصناعي إلى ادنى مستوى، هذا مع سوء إدارة مزمن وفساد متمكن. ترافق هذا مع العقوبات الاقتصادية السعودية الاماراتية، المقاطعة الامريكية والاوربية وغيرها. وقد تصاعد هذا الحصار مع اجراءات القضاء الأمريكي مع مصرف "بي إن بي باريبا" الفرنسي، لدفع غرامة تزيد على عشرة مليارات دولار لانتهاكه على مدى أربع سنوات، الحظر الأمريكي المفروض على كل من إيران والسودان وكوبا.
رصد عبد العظيم سليمان المهل، عميد كلية الدراسات التجارية بجامعة السودان، في موقع الجزيرة نت في مقال جيد بعنوان آثار الحصار الاقتصادي على السودان: منذ العام 1997 أعلنت الولايات المتحدة تشديد الحصار الاقتصادي على السودان، وزادت مع 11 سبتمبر/أيلول 2001.أثر هذا على الاقتصاد السوداني فقد فقد تأثر القطاع المصرفي وتمت معاملاته مع الوسطاء، انخفاض احتياطي البنك المركزي من العملات الأجنبية، ارتفاع الأسعار، العجز عن استيراد قطع الغيار من الخارج، كما توقفت مصانع بسبب البرمجيات الغربية. ارتفاع أسعار مدخلات الإنتاج الزراعي من التقاوي والأسمدة، انخفاض استيراد المنتجات الزراعية بشقيها الحيواني والنباتي من السودان. كذلك أثر الحصار على قطاع الخدمات، قطاع النقل والمواصلات، فتوقفت السكك الحديدية بسبب عجز الدولة عن توفير قطع الغيار اللازمة لتشغيل المحركات، توقفت المنح الدراسية للخارج وحتى أجهزة المعامل التي يستخدمها الطلاب منعت من دخول البلاد. فمنعت أجهزة الليزر وأجهزة معامل الكيمياء والمختبرات والورش الهندسية مما أثر سلباً على العملية التعليمية في مستوياتها المختلفة.
منذ التسعينات خضع الانقاذ لتوجيهات صندوق النقد الدولى، نفذ كل توصياته واستجاب لكل سياساته المدمرة. حكم هذه العلاقة أن الانقاذ كانت بحاجة للقروض بشكل كبير لتمويل الحروب وسياساتها التوسعية، في نفس الوقت لم تكن تكترث للمواطن او تمتلك برنامجاً لبناء الوطن ولكن مجرد رزق اليوم باليوم. لكن وصل السودان لمرحلة العجز الكامل، ولم يعد عند الصندوق أي حلول. وجاءت سياسة الصندوق عام 2014 "إن صندوق النقد الدولى وافق على برنامج اتفاق يراقب بموجبه موظفو الصندوق الاقتصاد السودانى فى الفترة ما بين يناير إلى ديسمبر 2014، وأوضح الصندوق فى بيان مساء أمس الخميس أن البرنامج هو اتفاق غير رسمى بين السلطات السودانية وموظفى الصندوق لمراقبة تنفيذ السلطات للبرنامج الاقتصادى، ولا يتضمن تقديم المساعدة المالية أو التأييد من قبل المجلس التنفيذى للصندوق". وقال الصندوق بصراحة أن الحل سياسي اكثر منه اقتصادياً "تطوير الإصلاحات لتحقيق النمو الاقتصادى المستدام".
تبلغ ديون السودان الخارجية حسب تقديرات بيان لصندوق النقد الدولى في مارس 2014 نحو 43 مليار دولار، منها 15 ملياراً هى أصل الدين، بينما يشكل باقى المبلغ الفوائد المترتبة عليه.ولأن الأقتصاد العالمي يعتمد على قدرة الدول في الانتاج والاستهلاك، فإن غرق دول عديدة، خاصة الدول النامية التي لازالت تحتاج إلى بنيات اساسية وتنمية كبرى، له تآثير خطير على الاقتصاد الدولي. بناءاً على هذا جاءت مبادرة الهيبك، وهي مبادرة خاصة بإعفاء ديون الدول المثقلة بالديون. أنشات المبادرة عام 1996مبواسطة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، لمعالجة هذه الازمة. ولن يستطيع السودان الالتحاق بهذه المبادرة إلا بإنهاء الحرب ووقف الإنفاق عليها والالتزام بالديمقراطية والشفافية في حركة الموارد وإدارة المال العام.
وهناك ايضاً اتفاقية لومي اتفاقية لومي عام 1975 التي وقعتها الدول الست المؤسسة للاتحاد الاوروبي وقتها مع 64 دولة من افريقيا والبحر الكاريبي والمحيط الهادي قبل ان تزداد إلي 57 دولة في عام 1979. وتهدف اتفاقية لومي الي خلق علاقات متوزانة بين الدول المشاركة من الطرفين علي اساس المساواة والمنفعة المتبادلة بينهما والسيادة الكاملة لكل دولة. والارتقاء بالدول الافريقية والكاريبية والباسيفيكية ومساعدتها علي تحقيق الرفاهية والتنمية في كافة المجالات، وتضم الاتفاقية علاقات اقتصادية وسياسية, كما تمنح الاتفاقية صادرات الدول الإفريقية إلي الاتحاد الأوروبي إعفاء من الرسوم الجمركية, في فبراير2000 وهو موعد انتهاء اتفاقية لومي توصلت الدول الافريقية والاوروبية إلي اتفاق جديد عرف باتفاق كوتونو، وأدخلت شروطا جديدة لتحقيق التعاون أهمها: الالتزام بحقوق الإنسان، وبالحكم الراشد، وبالإصلاح السياسي والقانوني، وبمحاربة الفساد، وباللامركزية السياسية والمالية، وبتمكين المنظمات غير الحكومية على أداء مهامها، وجاء في هذه الأحكام أن عدم الوفاء بهذه الشروط يؤدي إلى تعليق التعاون التنموي.
الضغوط العسكرية والامنية
لم تكن سياسات التمكين التي اتبعتها الانقاذ، خاصة في كل المؤسسات الامنية، نموذجاً من ابداعها، فقد بدأها نظام الخوميني في ايران، وكونت جيشها الخاص ما اسمى الحرس الثوري. تكرر الامر في افغانستان وكونت طالبان جيشها الخاص. اخليت المؤسسات الامنية من كافة من لاينتمون إلى التنظيم او يشكلون خطراً عليها، ومورست اكبر عملية تطهير حزبي في تأريخ السودان المعروف، واستمرت هذه العملية فقد تم ابعاد من يناصرون الترابي بعد المفاصلة عام 1999، المنتمين لدارفور بعد إندلاع الحرب 2003، ابناء الجنوب بعد الانفصال عام 2011، واخيراً ابناء النوبة والنيل الازرق في 2012. اتبع الامريكان نفس الاسلوب وتم حل الجيش العراقي، وكون الجيش الجديد في اغلبه من الشيعة، وظلت المليشيات المسلحة والتي كونت على ارضية رفض الاحتلال الامريكي، لتظهر بشكلها السافر مع ظهور داعش في الساحة.
خاضت القوات الساحة السودانية حرباً اهلية منذ منتصف الخمسينات، ومهما كان رأينا في ممارساته فقد كانت عقيدته جيش احترافي وطني منضبط وله تقاليد وضم كافة مكونات السودان، تحول منذ بداية التسعينات لجيش جهادي يخوض حروباً للدفاع عن المشروع الحضاري، انتهت هذه الدعاوى مع حروب الهامش المسلمة من دارفور، النوبة والنيل الازرق. كجزء من مؤسسات دولة مفلسة يعاني من فقدان العقيدة القتالية، التدريب، التجهيز والتسليح وانحصار مكوناتة العرقية على شمال السودان الشمالي.
جاء في اصدارة رسمية بعنوان "السودان أرض الفرص … حقائق وارقام" إصدار وزارة الاعلام وتحت عنوان فرعي "القوات المسلحة السودانية": أسس الجيش السوداني في عهد الاستعمار في عام 1925م ، تحت اسم قوة دفاع السودان. بحسب ترتيب الاتحاد الافريقي: فإن الجيش السوداني هو الثالث في أفريقيا بعد الجيشين المصري والجزائري، ومن حيث الصناعات العسكرية يأتي رابعاً بعد جنوب أفريقيا ومصر والجزائر، وهو في المرتبة رقم (44) بالنسبة لجيوش العالم. ويبلغ تعداد الجيش188.000من الضباط والجنود. وتتكون فروع القوات المسلحة السودانية منالقوات البرية، الجوية، البحرية، الدفاع الجوي. برغم التطهير الشامل وتحويلة لجيش الانقاذ، بدأت في انشاء قوات موازية (قوات الاحتياط) عن طريق الدفاع الشعبي، الخدمة الوطنية. هذه المليشيات المتعددة لعبت ادواراً مختلفة في ازمان واماكن متعددة، والتي تطورت إلى قوات الدعم السريع ورغم أن السلطات قالت أنه تم الحاقها بالقوات المسلحة، فلم يتم الكشف عن علاقتها التنظيمية وبالتسلسل القيادي للجيش.. وقد عزز من هذا المواجهات المتعددة التي تدور بين القوات المسلحة والمليشيات كان آخرها في مدينتي الابيض والفاشر.
مع عدم الاشارة رسمياً لأي منظمات اخرى تابعة للقوات المسلحة في الاصدارة، فقد عملت مليشيات متعددة في الحروب المختلفة، اشهرها مليشيا الجنجويد (مجموعات قبلية متنوعة، اغلبها من عرب دافور وكردفان وضمت بين جنباتها عرب من النيجر، تشاد وغيرها) وكانت برئاسة موسى هلال. يرجح بداية المليشيات المسلحة من التحالف الموسع الذي شمل كل القبائل ذات الأصول العربية بالإقليم أطلق عليه اسم "التجمع العربي" في الصراع الذي اندلع في دارفور في نهاية الثمانينات وقد توسع التنظيم ليشمل بعض قبائل كردفان ذات الأصول العربية وليأخذ التنظيم الجديد اسم "قريش". وقد تبنت حكومة الصادق المهدي هذا التجمع في نهاية الثمانينات تحت اسم "المراحيل" لتقوم بالوقوف ضد الحركة الشعبية لتحرير السودان. سارت الانقاذ على نفس الطريق وجعلته رسمياً. كما يربط بعض المراقبين نشأة الجنجويد بالحرب التشادية-التشادية في الثمانينات حين واجه الرئيس التشادي الحالي إدريس دبي خصمه حسين حبري، فجند كل طرف بعض المليشيات من أبناء القبائل العربية القاطنة بشرق تشاد فبرزت مليشيا الجنجويد.
طالب مجلس الأمن الدولي الحكومة السودانية بداية أغسطس 2004 في قرار بشأن دارفور نزع أسلحة مليشيا الجنجويد وضرورة تعقب الضالعين في القتل والنهب والاغتصاب. وقد برز اسم الشيخ موسى هلال ناظر قبيلة المحاميد العربية بدارفور بوصفه زعيم الجنجويد وقد رفع متمردو دارفور اسمه في صدر قائمة قالوا إنهم من قاموا بالتطهير العرقي من الجنجويد. وقد تبنت أميركا اتهام الشيخ موسى هلال بتزعم الجنجويد.
مع اعلان وجود قوات الدعم السريع حول العاصمة لحمايتها ، تحول السودان، كما كتب عبد الوهاب الافندي "من حكم التنظيم السري إلى حكم الرجل الواحد والآن إلى حكم ميليشيا الجنجويد"، يتعرض الانقاذ لحملة محلية ابتدرها السيد الصادق المهدي بهجوم عنيف على هذه القوات، تعرض خلالها للسجن وتهديدات بالاعدام، تلاه اعتقال إبراهيم الشيخ رئيس حزب المؤتمر السوداني على خلفية إنتقادات وجهها في ندوة جماهرية لقوات "الدعم السريع" المعروفة شعبياً بالجنجويد. لكن في السادس عشر من يونيو 2014 طلبت "لجنة وساطة لإطلاق السجناء في السودان " من حزب المؤتمر السوداني بتقديم اعتذار مكتوب عن انتقاداته للجنجويد لوزير العدل السوداني حتى يقوم الأخير بإطلاق سراح رئيسهم ، لكن الحزب رفض هذا الطلب.
دخلت فاتو بنسودة مدعية المحكمة الجنائية الدولية على نفس الخط، وأبدت قلقها من تحول عمليات قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان "حميدتي" ابتداءا من فبراير الماضي، من شمال كردفان إلى دارفور. وأشارت، إلى وجود نمط مماثل من هجمات الجنجويد العشوائية ضد المدنيين من قبل قوات الدعم السريع، في جميع الهجمات المبلغ عنها، والجرائم ضد المدنيين والتي يزعم أنها ارتكبت منذ نهاية فبراير فصاعداً، بالتزامن مع نشر قوات الدعم السريع. وطالبت مدعية المحكمة الجنائية الدولية، مجلس الأمن الدولي ب"إجراءات حاسمة وطرق مبتكرة" لتوقيف المسؤولين السودانيين المتهمين بارتكاب جرائم بدارفور، وقالت إن المقاضاة لا يمكن إتمامها دون اعتقالات، ونصحت بإجراء تحقيق في مزاعم تستر بعثة "يوناميد" على جرائم.
تم التركيز على دور أجهزة الأمن والمخابرات في حماية النظام، وتم تحويلها من دورها في جمع المعلومات عن المهددات الخارجية (المهددات الداخلية من المفترض أن تباشرها المباحث الجنائية التابعة للشرطة)، إلي تسيير دولاب الدولة نفسها فهو يراقب الصحف ويوقفها ويعطلها، يعتقل المواطنين بلا قواعد أو مسائلة قضائية وبدون إبداء الأسباب، يمنع من السفر، يمارس الاعتقال بدون مسوغات قانونية، يمارس انواع الانتهاكات…الخ. الاخطر أنها حلت محل الجيش وأصبحت هي المسئولة فعلياً عن امور الحروب الداخلية. ربما يكون مصطلح "الأمنوقراطية" الذي صكه د. حيدر ابراهيم الاقرب لوصف تداخل الامن في السلطة في السودان، والذي جاء في كتابه "الأمنوقراطية وتجدد الفساد في السودان، منشورات مركز الدراسات السودانية، 2011"، "في النظم الديكتاتورية العادية يعمل الجهاز كأداة فنية مساعدة…. لكن في الأمنوقراطية يعمل الجهاز لحسابه الخاص أيضاً باعتباره نداً وشريكاً في السلطة وليس تابعاً. ولايرى نفسه تنفيذياً فقط بل جزءاً من عملية صناعة واتخاذ القرار".
ضغوط الادارة السياسية
التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين
نشأ التنظيم في عصر نشأة المنظمات الايديولوجية من مثل "الكومنترن" الشيوعي و"الدولية الاشتراكية" وكان غرضه الاساسي العمل لقيام الخلافة الاسلامية وتولي تنظيم مصر انشائها وقيادتها منذ البداية. برغم قيامها كتنظيم ايديولوجي لكنها حذت حذو المؤسسات اليهودية العالمية في التركيز على الدخول بقوة في الانشطة المالية والاعلامية، فتضخمت موجوداتها المالية ومؤسساتها وامتد وجودها في 84 بلداً تنوعت فيها المراكز والتواجد "الاسلامي". بسقوط نظام مرسي، محاصرة النهضة في تونس، الهجمة على التنظيم في ليبيا، الحرب الاهلية في سوريا والعراق، الموقف الخليجي من الاخوان المسلمين، محاصرة قطر والعمل على تحجيم دورها الاقليمي، اصبح السودان منفذاً محتملاً وحيداً لانشطة التنظيم اقليمياً.
اختلف تنظيم الإخوان المسلمين في السودان مع التنظيم الدولي منذ الستينات، وفي بداية التسعينات قاد الترابى محاولات الهيمنة على تنظيم الإخوان الدولى بعدما سيطر على مقاليد الحكم فى السودان، وحاول الإخوان فى مصر التعامل بمرونة مع الموقف لكن لم ينسوا للترابى موقفه وقاموا فى وقت لاحق باستبعاده من التنظيم الدولى واختيار "صادق عبد الله عبد الماجد" مراقباً عاماً للإخوان المسلمين فى السودان.
عودة التنظيم الدولي للسودان سوف تتوقف على نجاح تحقيق اصطفاف اسلامي من الاخوان وجرجرة الطوائف الدينية، ويمكن بهذا قراءة الاشارات المترتبة عن مشاركة السيد عبد الرحمن الصادق المهدي و السيد جعفر الميرغني على رأس السلطة. تتفق كثير من القرءات على أن اتجاه الحوار صار نحو توحيد الحركة الاسلامية تحت عباءة الترابي، وتقديم نفسها كفردوس للتنظيم الدولي ومن ثم حل مشاكلها المالية، والضغوط السياسية والاحتفاظ ببعض اوراق المساومات.
سيناريو انقاذ الانقاذ
يتردد في اوساط المجتمع السوداني منذ فترة طويلة تكهنات حول صحة الرئيس ودوره في الفترة المقبلة، بل اعلن الرئيس عن عدم رغبته في الترشح للرئاسة. لم يكن هذا ليعد جدياً إذا لم تترافق مع هذه التكهنات، فليس هناك حاكم عسكرى او حتى في الانظمة الديمقراطية في المنطقة (المالكي، بوتفليقة، زيناوي وغيرهم)، وحتى زعماء الاحزاب ينسحب من المنصب سوى بالاختفاء الطبيعي. هناك الان مجموعة دكتور غازي العتباني، المؤتمر الشعبي، مجموعة الحرس القديم من الجيش بقيادة الفريق بكري، مجموعة دكتور نافع، على عثمان والجاز، مجموعة سائحون واصلاحيوا الجيش، مجموعة مرافيد جهاز الامن والمخابرات ومجموعة حميدتي. كل هذه المجموعات تتصدى للوراثة من موقفها من توحيد الحركة الاسلامية، وبعضها من طرح محاربة الفساد وتقديمها لنفسها كممثل لتيار منفتح، بعيداً عن القميص الايديولوجي. في مقابل هؤلاء وربما معظمهم والغ في الفساد ومرتعب من أي تغييرات جدية في السلطة.
كل الازمات والضغوط السياسية، الاقتصادية، الامنية والادارية والتي رصدناها سابقاً، تؤثر بشكل جدي على توجهات السياسة السودانية، فقد اتفق جميع الفرقاء المحليين، الاقليميين والدوليين على ضرورة اصلاح سياسي، وحل العقد والازمات الاساسية. غير الشعب السوداني الذي يطمح في تغيير شامل، محاسبات لكل الجرائم، استعادة امواله وثرواته المنهوبة واقامة وطن الحرية والعدالة والسلام، فلكل مشارك في هذه العملية اجندة، أغلبها تتفق على تغييرات محدودة محسوبة تغلق قمقم الربيع العربي التي تمت السيطرة عليها، وإقامة دولة سودانية متجانسة مع الوضع الاقليمي.
تتصاعد الهواجس والمخاوف من تحول السودان إلى سيناريوهات الصومال، ليبيا، سوريا والعراق، وهي مخاوف حقيقية مع سيطرة الاسلاميين على السلطة في السودان. الوضع الاقليمي الممتد من ليبيا والحدود المفتوحة مع "انصار الشريعة"، الوجود الاسلامي المسلح في مصر، مالي، افريقيا الوسطى، تشاد، الخلايا النائمة في اريتريا من التنظيم الاسلامي، امكانية تحريك منظمات اسلامية في اثيوبيا، كل هذا مقروءاً مع الوجود العسكري والدبلوماسي المكثف لايران. كل هذا يفتح المنطقة لانهيار امني واسع ممكن أن يتسع ليتمدد ويهدد استقرار المنظقة بكاملها.
إذن كل المواقف المحلية، الاقليمية والدولية تضغط باتجاه شمولية الحوار والحلول، هذه الضغوط لم تعد مجرد اقوال او بيانات صحفية، لكن ترافقت كلها مع مواقف على الارض مؤثره وقاسية، وبعضها لديها مطالب وشروط محددة وواضحة. الرفض القاطع والمتصاعد داخلياً، وانحسار خطابها السياسي والفكري لادنى مستوى، وتحولها لحكم عسكرى تفتقر لأي غطاء سياسي، يصاحبها تغيير كبير وحاسم في دول الطوق العربي، وجود سيولة في العلاقات مع جنوب السودان، افريقيا الوسطي، وبداية المؤثر المصري على تشاد ودول حوض النيل.
هناك ثلاثة خطوط تعتمدها المجموعات المتصارعة جميعها داخل بيت الانقاذ، في السيناريو الذي تعمل عليه للاستمرار في الحكم: الأول: رغم أن انقلاب الانقاذ ماركة مسجلة باسم الاسلام السياسي في السودان، فقد درج الجناح المدني للتنصل منها وتصويرها في عهدها الاخير البائس كانقلاب عسكري كلاسيكي وسيطرة الاجهزة الامنية عليها. بلغ هذا التنصل لحد أن ذكري الانقلاب مرت وحولها صمت هائل؛ ثانياً: عدم المساس بها سياسياً او قانونياً في قضايا الفساد الضخمة والمتراكمة، وتطال اغلب المسئوليين الحكوميين والحزبيين وخاصة عائلة رئيس الجمهورية، او مطاردة قادته المطلوبين لدي المحكمة الجنائية الدولية؛ ثالثاً: لتحقيق هذا تحتاج لاتمام حوار تضع اجندته، تقوده وتفرز منه زعيماً جديداً مقبولاً لحد ما من الداخل ولكن اكثر من القوى الاقليمية والدولية.
اطراف الداخل "المعارضة"والتي يقود اهمها ثلاثة زعماء في الثمانينات من العمر يسيطرون لحد كاف على منظماتهم السياسية، قابلة بضغوط اقليمية للدخول في صفقات مرتبة، حتى ولو لفترة انتقالية، مثل ما جاء في إعلان باريس. والذي تشي صياغته أنه جاء كاستجابة لتوافق دولي حول "التسوية السلمية"عبر حوار وطني. ويبدو أن القوى الدولية مصممة على ايجاد حل ولو "نيفاشا ثانية". تراجع إعلان باريس عن اسقاط النظام، الدولة المدنية، بل وللغرابة، عاد لاتفاق الميرغني قرنق في اواخر الثمانينات " ناقش الطرفان بعمق علاقة الدين بالدولة كواحدة من القضايا الجوهرية واتفقا على مواصلة الحوار للوصول لصيغة مرضية لكافة الأطراف". برغم ذلك فليست الاتفاقات عجلاً مقدساً وليس لدي موقف معارض مبدئياً، لكنني مختلف معها، وسوف يكون مدى صلاحيته من غيرها بنتائجها.
القوى السياسية المعارضة الاخرى، الشباب، الطلاب، النساء يتم التعامل معهم أمنياً باستعمال العنف المفرط البدني والقانوني. الحركات المسلحة تعتمد القصف الصاروخي، المدفعي، الارض المحروقه، ترويع المناطق بالهجمات المنفلتة من المليشيات، اطلاق تسميات كبرى على حملات عسكرية سنوية وآخرها ترك عامل الزمن والانقسامات لتلعب دورها.
على مدى الربع قرن تم تدوير مجموعة مختارة من الكوادر، ظلت على راس السلطة تدور بين الوظائف، بين حين واخر تصعد مجموعات من الصفوف الخلفية وتأخذ وقتها وتختفي. ظل هذا المنوال حتى تم ايداع الحرس القديم على الرف، وفي هذه الانظمة يعني الاعفاء من الوظيفة، الخروج من دائرة التأثير، النفوذ والتقليص الشديد للسلطة. يطفو على سطح السلطة حالياً ثلاث شخصيات، الفريق أول بكري حسن صالح نائب رئيس الجمهورية، ونائب الأمين العام للحركة الاسلامية بروفيسور ابراهيم غندور الذي دفع به نافع على نافع كرئيس لحزب المؤتمر الوطني والسيد حسبو محمد عبد الرحمن (من الرزيقات) والذي جاء كنائب لرئيس الجمهورية وهي وظيفة كان من المفترض ان تؤؤل لدكتور التيجاني السيسي حسب اتفاق الدوحة.
الفريق أول بكري بكري حسن صالح هو الوحيد المتبقي من مجلس قيادة الانقاذ، وكان دورة طوال الربع قرن الولاء للرئيس وليس للنظام. السيد حسبو محمد عبد الرحمن هو نائب رئيس جمهورية السودان، الأمين السياسي للمؤتمر الوطني ونائب لرئيس القطاع السياسي، عينه الرئيس البشير في ديسمبر 2013 بعد التصريحات المرتبكة للدكتور للحاج ادم يوسف اثناء تحركات سبتمبر. بروفيسور إبراهيم غندور، من مواليد مدينة الدويم 1952م، مساعد رئيس الجمهورية، نائب رئيس المؤتمر الوطني لشؤون الحزب ورئيس اتحاد نقابات عمال السودان، وهو طبيب اسنان. وكما اوضح فقد جاء من شباب الاتحاديين، الاشتراكيين العرب ومنها للحركة الإسلامية. ولأنه جاء من الجهاز السياسي الذي ليس له أي دور حقيقي في القرارات ولكن فقط في التأييد والحشد، رغم "أن عضويتة بلغت أكثر من (10) ملايين شخص!!!"، فأن حظه في الرئاسة قليل جداً. عبر عنها هو شخصياً " ارفعي رأسك وقولي أنا مؤتمر وطني ولم نصل مرحلة أن نخجل من انتمائنا للوطني".
تنقلت الانقاذ من كونها انقلاب الجبهة الاسلامية القومية وسيطرتهم الكاملة عليها، مما أدى لاستقالة وإبتعاد كل اعضاء "مجلس قيادة ثورة الإنقاذ الوطني" من غير اعضاء التنظيم، وتسرب اخرون لاسباب مختلفة لخلافات مع تسلط الترابي، تكشف زيف المشروع الحضاري وخوائه او الهرب من الفساد والاستبداد. استمر هذا الحال في التراوح حتى حسم في التغييرات الاخيرة والتي تم فيها التخلص من باقي القيادات التأريخية وسيطرة العسكر والقوى الامنية على السلطة تماماً. لن تخرج ترتيبات وراثة الرئيس البشير عن ممثل لهذه القوى الامنية، حسب وزن قواها الميدانية، امكانيته في حشد القوى المتصارعة في داخل النظام، الرضا او حتى الحياد من المعارضة، واهم من هذا كله الرضا من القوى الاقليمية خاصة مصر والسعودية. ولمزيد من التفاصيل حول سيناريوهات انقاذ الانقاذ اشير لمقالة الاستاذ ابوبكر القاضي الضافيةً بعنوان "الانقلابيون القادمون فى السودان يبيعون بيانهم رقم واحد بالقطاعى" في اصدارة حريات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.