دواعش السودان فتحي البحيري لا مشاحة من اجتراح جمع تكسير كهذا للاسم المنحوت الخاص بما يسمى تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا. ولا بأس بقليل من البحث والتأمل في أشباهه ونظائره بالمنطقة. وإذا كان أسوأ ما في داعش هو "احتجاز الإسلام كرهينة" على حد تعبير الأمين العام للأمم المتحدة واستخدامه لتهديد سلام وأمن الأفراد والدول والكوكب بأكمله فإنه لم يكن الأول في ذلك ولا "الأسوأ" فيه بأي معيار. احتكار الإسلام واستخدامه كأداة للابتزاز في أجندة ذات طابع سلطوي هو سلوك بدأ في الظهور منذ عشرينات القرن المنصرم على الأقل. وتطور خلال التسعين سنة الماضية في عديد التمظهرات التي بلغت ذروتها في الثمانينات وبدعم عميق – للأسف الشديد- من ذات القوى الإقليمية والدولية التي تتحالف اليوم لمحاربة خلاصته الأخيرة المتمثلة في تنظيم داعش في العراق وسوريا. فمثلما دعم الغرب والدول العربية والإسلامية تنظيمات الجهاد الأفغاني لاستخدامها في مواجهة التمدد السوفياتي العسكري في كابول. تم غض الطرف عن عمليات ممنهجة واستراتيجية لابتزاز عامة الناس في دينهم عبر واجهات وتنظيمات تعد الناس براحة نفسية أبدية إن هم سمحوا لطلاب سلطة مجوفين يتسولونها بشعارات وأطروحات مسطحة لا تتجاوز إطلاق اللحية ولبس الحجاب على أحسن الفروض وقد ظن الذين غضوا ذلك الطرف حينها أن ذلك هو البديل الامثل لملء الفراغ الذي توجب عليهم خلقه من كبت وتدمير التيارات اليسارية والليبرالية "المشاكسة" في المنطقة العربية والإسلامية . ولعمر الذي يكتب هذا فربما لو لم يتم ذلك الكبت لما وجد الإرهاب تربة ولا مناخا ليصل إلى ما وصل إليه الآن. لقد كان السماح لتنظيمات وأنظمة سياسية تبتذل قداسة الإسلام وسعته في سوق طلب السلطة الدنيوية والتنافس السياسي الضيق في إيران وافغانستان ومصر والسودان والصومال وغيرها خطيئة كوكبية وإقليمية عظمى لا يمحوها سوى بذل أقصى الجهد في تجفيف منابع التطرف والإرهاب الذي وحد ضده الشعوب والمجتمعات والدول شاءت أم أبت. ولا يمكن بحال من الأحوال قبول فرضية أن داعش العراق وسوريا هي كل التطرف والإرهاب وأنها هي ألفه ويائه. فشبيهات داعش من التنظيمات المسلحة المتطرفة التي تقتل الناس بشكل يومي – تحت شعارات دينية – لبسط سيطرتها على أراض وموارد حيوية موجودة في أماكن عديدة من ضمنها السودان. فعلى سبيل المثال لا الحصر. توجد في السودان مليشيات خاصة تسمي نفسها "الدفاع الشعبي" و "الشرطة الشعبية" و "الدعم السريع" ومليشيات "الأمن الشعبي " ومليشيات "الأمن الوطني" وغيرها من المسميات التي تمارس كلها القتل والخطف والاغتصاب والتعذيب والاعتقال تجاه المواطنين السودانيين الأبرياء وليس غيرهم، وخارج مظلة القانون ولم يسلم من أذاها القرويون في كردفان ودارفور والنيل الأزرق ولا طلاب الجامعات ولا تجمعات وتنظيمات الناشطين السلميين والنساء والمعلمين والأطباء وغيرهم . ولا تخضع لمحاسبة أو مساءلة ولا يمكن مقاضاتها. وتتكون هذه المليشيات الدواعش من إسلاميين متشددين أو من مرتزقة يمارسون القتل بغاية وحيدة هي "المغنم" وكل هذه الدواعش تتمتع – للأسف الشديد- بحماية نظام البشير الذي لا يزال يغدف عليها في التمويل والحصانات ويستخدمها في ارتكاب جرائم مستمرة بشكل يومي ضد شعبه، قادت في وقت سابق إلى صدور مذكرة توقيف بحق كبار قادته ومن ضمنهم رئيس النظام نفسه. السؤال الذي تتكرم هذه المقالة بطرحه على المتحالفين ضد داعش هو : لماذا لا يتم إدراج القضاء على دواعش السودان هذه ضمن أولويات استراتيجية هذا التحالف؟ هل لا زال إنسان أفريقيا، ولا سيما السودان، صفر القيمة في بورصة المصالح والشعارات الدولية والإقليمية؟ يبدو – للأسف الشديد – للمراقب أن الأمر هو كذلك. فالضحايا المباشرين لدواعش السودان والذين بلغ تعدادهم عدة ملايين ما بين شهيد وطريد ونازح ولاجئ ومصاب ومغتصب هم أضعاف ضحايا الدواعش الأخرى مجتمعة من ناحية العدد، ومع ذلك تصر دوائر دولية على اختلاق إمكانيات استمرار دواعش السودان في عملها في الوقت الذي تسعى فيه للقضاء على دواعش العراق وسوريا. إن محاولة إجبار الشعب السوداني على الدخول في حوار مع نظام حكم لم يقدم له سوى هذه الدواعش السامة خطيئة كوكبية كبرى أخرى ينبغي أن تتوقف. وعلى الله قصد السبيل.