شاهد بالصور.. الفنانة مروة الدولية تكتسح "الترند" بلقطات رومانسية مع زوجها الضابط الشاب وساخرون: (دي اسمها لمن القطر يفوتك وتشتري القطر بقروشك)    شاهد بالفيديو.. بشريات عودة الحياة لطبيعتها في أم درمان.. افتتاح مسجد جديد بأحد أحياء أم در العريقة والمئات من المواطنين يصلون فيه صلاة الجمعة    شاهد بالصورة.. زواج الفنانة الشهيرة مروة الدولية من ضابط شاب يقيم بالقاهرة يشعل مواقع التواصل السودانية    شاهد بالصورة.. زواج الفنانة الشهيرة مروة الدولية من ضابط شاب يقيم بالقاهرة يشعل مواقع التواصل السودانية    القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح: بدأت قواتكم المشتركة الباسلة لحركات الكفاح المسلح بجانب القوات المسلحة معركة حاسمة لتحرير مصفاة الجيلي    مصطفى بكري يكشف مفاجآت التعديل الوزاري الجديد 2024.. هؤلاء مرشحون للرحيل!    شاهد مجندات بالحركات المسلحة الداعمة للجيش في الخطوط الأمامية للدفاع عن مدينة الفاشر    إجتماع مهم للإتحاد السوداني مع الكاف بخصوص إيقاف الرخص الإفريقية للمدربين السودانيين    وزير الصحة: فرق التحصين استطاعت ايصال ادوية لدارفور تكفى لشهرين    وكيل الحكم الاتحادى يشيد بتجربةمحلية بحرى في خدمة المواطنين    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    ضربة موجعة لمليشيا التمرد داخل معسكر كشلنقو جنوب مدينة نيالا    مدير مستشفي الشرطة دنقلا يلتقي وزير الصحة المكلف بالولاية الشمالية        ضياء الدين بلال يكتب: نحن نزرع الشوك    غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    امين حكومة غرب كردفان يتفقد سير العمل بديوان الزكاة    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    محافظ بنك إنجلترا : المملكة المتحدة تواجه خطر تضخم أقل من الولايات المتحدة    منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    العين يهزم الهلال في قمة ركلات الجزاء بدوري أبطال آسيا    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    بعد سحق برشلونة..مبابي يغرق في السعادة    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحركة السياسية.. بين الهيمنة والتغيير
نشر في حريات يوم 08 - 12 - 2014

اعتلت القيادات السياسية الحالية كراسي القيادة في أحزابها منذ ستينات القرن الماضي، عن طريق الوراثة، أو قيادات أنتجتها قواعدها ومازال يتم إعادة إنتاجها لعشرات السنين عبر ذات القواعد، بينما قيادات أخرى أنتجتها الصدفة المجردة، أو فراغات في الصف الأول في الحزب، وأخري اختارت الصعود عبر طرح الأفكار الجديدة والمتوائمة مع الواقع السياسي الحالي أو آنذاك- حين تكوين الجسم الذي يتربع علي قياداته- نتيجة للفراغ الذي أعتري شخصيته طيلة سنوات مضت وأصبح يركل ليلحق بالمركز السلطوي الممسك علي كل مفاصل المؤسسات في الدولة سواء المدنية منها أو العسكرية، أو في المنظومات السياسية علي مر التاريخ السياسي السوداني.. بالرغم من اختلاف الطرق إلا أنها تقود مجتمعة إلى مركز القيادة السياسية في الحزب والسيطرة علي كل مفاصله سواء بالطرق الشمولية أو انتهاج طريقة شد الانتباه بان هذا القائد هو مصدر إلهام العمل الثوري، مصدراً عبارات ملهمه تصور شخصيته بقدرة تشي جيفارا او المهاتاما غاندي..
من الملاحظ وحسب متابعتنا للساحة السياسية السودانية أو استقرائنا للفترات التي لم نحظى بحضورها، نجد أن في العشرون عاماً الماضية، رفدت الجامعات السودانية الأحزاب السياسية بعدد من الكوادر النشطة والمؤثرة، مارست العمل السياسي في ظروف تعتبر الأكثر قمعاً وتسلطاً ، في وقت غابت فيه القيادات السياسية التقليدية والجديدة في منافي الغربة إبان العمل المسلح تحت أتون منظومة (التجمع الوطني السوداني). حيث نجد هؤلاء الشباب مارسوا العمل السياسي القيادي في الجامعات، والتي إلى وقت قريب كانت تضج بالحراك السياسي والحزبي. ومع ذلك ضاعت آثارهم بعد التخرج من الجامعات وظلوا بعيدين عن دائرة التأثير السياسي والمشاركة القيادية، مما طرح تساؤلات كثيرة أفرزها هذا الواقع، حيث أصبح الحديث حولها جهراً بعد أن كانت همساً يدور داخل أروقة الأحزاب السياسية بمختلف اتجاهاتها يميناً ويساراً.. هذا الواقع بالضرورة أنتج مسميات سياسية جديدة تعامل كمواعين استيعابية بديلة لمواعين الأحزاب السياسية المُسيطر عليها من قبل فئة معينة، وبأنماط تفكير تكاد تكون متشابهه من منظومة لآخري يميناً ويساراً..
معظم الشباب الذين أبعدوا عن فعاليات الاحزاب التي ينتمون إليها بحجة الاستقالة التي يقدِم عليها او يُدفع لها بسبب سلوك القيادات السياسية او سلوك حراسهم الوظيفيين الذين يتم توظيفهم لتكريس وتمكين قبضة القواد الافتراضيين، وكذلك يتم توظيفهم أيدلوجيا للقيام بالرد علي المعترضيين علي وضعية التمركز السلطوي الداخلية او القيام بخلق صراعات تنكيلية بالوكالة عنهم، وإفشاء الإشاعات الذميمة، التي من الممكن ان تخلق بؤرة صراع اخري وتحول مجراه من صراع تنظيمي الي صراع إخلاقي يقدح في الاهداف السامية في الغرض من تكوين التنظيم السياسي؛ وهو إدارة حراك سياسي فكري يخرج المجتمع السوداني ذو طبيعته العشائرية الذي يتسيده الارستقراطيين، شيئاً فشيئاً الي الحراك المؤسسي ذو الطابع المستقل، او الداعم للحرية الفردية – الفردانية بصورة أعم- نجد أنهم حقيقة ينتمون إلى جيل دخل الجامعات مع بداية وصول نظام الجبهة القومية الاسلامية للسلطة، وكانت واحدة من الأشياء الظاهرة في ذلك الوقت العلاقة المباشرة بينهم وطلاب كانت لهم نشاطات في المرحلة الثانوية ، وكذلك هناك احتكاكات مع شباب كانت لهم إسهامات كبيرة في السياسة السودانية حتى نهاية التسعينات، من خلال مظاهرات الطلبة في جامعة الجزيرة والخرطوم. حيث كان الدور الظاهر في ذلك الوقت هو الدور القوي للقيادات الطلابية، وغياب القيادات والأحزاب المعارضة بنسبة كبيرة، مع وجود بعض القيادات الوسيطة في الداخل، لكنها عجزت عن الوصول للجماهير وقيادة حركة معارضة حقيقية، بالتالي أصبح الصراع الدائر بينهم وكل مؤسسات الدولة الحالية صراعاً مباشراً، صراعاً ضد دولة تمتلك كل المقومات: الوزارات، صندوق دعم الطلاب، العمادة، الاتحادات الطلابية، الشرطة وكل الأجهزة القمعية، وفي المقابل هناك إرادة للتغيير عبر المطالبات الحقوقية بالمخاطبات السياسية واركان النقاش التي كانت توزع محاورها مابين راهن الجامعة والراهن السياسي ككل، ومحور فكري يتباري في موضوعيته الشاب المثقف الواعي المجتهد لخلق أرضية فكرية ناضجه تستقطب العقل البشري، ومظاهرات مطلبية تفاعلية مع الحركة السياسية تصل حد الخروج الي الشوارع والمطالبة باسقاط النظام. بالتاكيد هذه المرحلة فرخت قيادات طلابية قوية، وكانت في ذلك الوقت أفضل من يقود صراعاً ضد النظام القائم من منظور الحراك التفاعلي مع الاحداث السياسية، واكتسبوا خبرة طويلة من مواجهتم للسلطة القائمة، أكثر من قيادات الأحزاب السياسية الحالية من واقع الاحتكاك المباشر داخل أحراش المركز السلطوي.
من المؤكد ان القيادات السياسية الحالية هي قيادات تاريخية كان لها دور كبير في الانتفاضات والتحولات السياسية، وأسهموا كثيرا في خلق وقائع سياسية سواء كانت ايجابيه ام سلبية، لكن من الواضح وحسب معايشة بعض المتابعين لهذه القيادات أنهم مازالوا رهن لعقلية الماضي الذي انتج المآسي الحالية، مستخدمين في نضالهم ذات الأدوات القديمة في الصراع، وبالرغم من ان الواقع يتطلب تجديداً على مستوى الأدوات، لأن النظام الحالي هو ليس النظام الذي كان قبل عشر سنوات مثلاً، وتحول النظام من ديني إلى عسكري وسياسي أفرز الكثير من الاتفاقيات. وبالتالي لابد من تغيير أدوات الصراع معهم ومع ذلك نجد ان الأحزاب السياسية مازالت تناضل وفق رؤى الخمسينات والستينات وأصبح التخبط السياسي في القرارات هو اللازم لمسيرة الاحزاب السياسية في تعاطيها مع القضايا وهذا نتيجة عدم إعمال العقل الثاقب والفطن لتواتر الاحداث، والتي تتطلب إدراك عميق لطبيعة المشكل والتعامل وفقه وبذكاء يربك السطة الحاكمة، وكذلك في تعاملاتها داخل التحالفات المرحلية مع الاحزاب الاخري، وإذا بحثنا في الذاكرة قليلاً، وفي طرفها القريب نجد ان هنالك تحالفات طلابية مرحلية في داخل الجامعات استطاعت أن تنتصر على النظام في أكثر من موقع في داخل النقابات الطلابية، حتي بعد إتفاقية نيفاشا التي بموجبها اعلنت الفترة الانتقالية وتوقف العمل المسلح للتجمع الوطني الديمقراطي حسب اتفاقية القاهرة التي وقعت مع الحكومة والتي بموجبها تم توزيع مناصب تنفيذية وبعضها تشريعية لتلك الاحزاب؛ وبالمقابل نجد ان الاحزاب السياسية إئتلفت في كثير من التحالفات المرحلية إبتداءاً من التجمع الوطني الديمقراطي في التسعينات وحتي قوي الاجماع الوطني الحالي، وطيلة هذه التحالفات تم التوقيع علي عدد مقدر من الاتفاقيات والمواثيق آخرها (نداء السودان) دون النظر أو الالتفات حتي الي سير العملية السياسية في السودان، حيث لم نجد حتي الان ما يدعوا الي الاطراء او المدح علي مستوي المنهج السياسي المتبع لهذه القوي، لا دراسة ولا تخطيط، ولا بوادر إحداث نقلة للعمل السياسي بتقييم التجارب السياسية علي مستوي التحالفات والمواثيق، وهرولة قيادات الاحزاب مابين أحضان السلطة تارة ومجاراة المعارضة تارة اخري.
من نوافل الاحلام المؤجلة عند أي شاب منتمي لحزب سياسي وهو داخل أروقة الصروح التعليمية أن تكون هناك احزاب موجودة علي مستوي الشارع السوداني بقدر الحراك داخل جامعاتهم، علي اثر هذا الاعتقاد نجد أن هذه الجامعات خرجت قيادات من كل الأحزاب، كان لها بقدر تضحياتها الكبيرة إيمان بمبادئ احزابها، وكانت تعتقد بضرورة أن يكون هناك مقابل لنضالاتها ولو على مستوى تغيير الأوضاع السياسية، لكن أصابهم الأحباط أوان خروجهم من الجامعات التي تمتعت في ذلك الوقت بحس ديمقراطي وتصعيد وتجديد للعضوية والقيادة، ممنيين انفسهم بنفس هذه الممارسه عند الخروج للحياة العملية علي مستوى الأحزاب السياسية. هذه الوضعية خلقت حالة من الأحباط وسط الشباب، وقاد بعد ذلك للكثير من الانشقاقات، وإستقالات جماعية، او حالات فصل بسبب التمردات التنظيمية او أنها تصاغ لأسباب يصور أنها أمنيه علي غرار إغتيال الشخصية وإحباط أدوارها أو إهدار طاقاتها، حسب اساليب وأدوات المستبد في حجر الأراء المضاده له، التي تهدد مركزه السلطوي.
القيادات السياسية تعتقد أن السياسة مهنة، يصعب علي المرء الوصول فيها الي سن المعاش، لذلك من الصعب جدا ان تجد تجديدا على مستوى قيادات الأحزاب السياسية، السياسة في رأي العارفين بها مهنة استراتيجية لأنتاج القيادات، عدم إيمان البعض بهذه الرؤية ساهم في الانقسامات التي حدثت، حتي الذين تنحوا خاصة في الاحزاب الجديدة تجده تمت محاصرته بالمادة الدستورية التي لا تسمح بانتخاب الرئيس اكثر من دورتين، ولم يحدث ان تم تغيير الرئيس من دورة واحدة علي مر تاريخنا السياسي، لكن حسب تجربتي الشخصية داخل رواق العمل الحزبي ومتابعتي اللصيقة لحراك الاحزاب، ان هنالك حالتان ماثلة أمامنا وهي (عبدالعزيز خالد 2009، وهالة عبدالحليم 2014م)، وأخري في حلم الوعد والانتظار (إبراهيم الشيخ 2014م): في الحقيقة لم أتحري علي وجه الدقة ان التنحي حسب المادة الدستورية كان علي قناعة تامة من القائد المتنحي في الحالة الاولي، حيث أنه كانت له الايدي الطولي علي قرارات المؤسسة التنظيمية بالرغم من بعده التنظيمي عن مواطن القرار المؤسسي كما أنه خارج اللجنة التنفيذية التي تسمح له بابداء راي في الاجتماعات الدورية، ومن المؤسف حقاً ان تكتشف انه كان يدير العملية التنظيمية من خارجها، علي طريقة فلاديمير بوتين الذي لم يكن لديه شرعية الانتخاب رئيساً لدورة ثالثه، بعد أن إختار أقرب خلصائه وهو ديميتري ميدفيف رئيساً للدولة ونصب نفسه رئيساً للوزراء معلناً أنه قائداً أبدياً لروسيا، ومن المنهك جداً ان تجربة عبدالعزيز خالد كانت ستثري الساحه السياسية والعمل الحزبي، لولا أنه عاد مرة أخري رئيساً تنفيذيا لحزب التحالف الوطني السوداني!!، وفي الحالة الثانية أن الاستاذه هالة عبدالحليم عمدت علي تقديم إستقالتها من رئاسة المكتب التنفيذي لحركة القوي الجديدة (حق) قبل إنقضاء الدورة الرئاسية ببضع أشهر، وتفيد التصريحات الحزبيه أن ما حدث هو نهج ديمقراطي سليم من الرئيس، وحسب معرفتي الدقيقة أنه كان يتعين تسمية لجنة للمؤتمر العام، وأن يظل الرئيس موجوداً حتي في إدارة مداولات المؤتمر العام لا أن يستقيل ويرحل؛ هذا في الظروف الديمقراطية الطبيعية، ومن الحسن جداً أن أكون مخطئاً كون أن الذي حدث وهنا أعني الاستقالة نتج بسبب التناحرات السياسية والتنظيمية داء العمل الحزبي السوداني. تكمن الحالة الثالثة لرئيس المؤتمر السوداني محفزاً كبيراً لسير الخطو نحو بناء دولة المؤسسات وذلك بالجهد المنتظر لتثبيت نهج تداول السلطة وإنتقالها السلس، ما لم يكرر تجربة ( عبدالعزيز خالد) أو تشويهها بإستقالة تفتح نافذة التحليلات المضره في حالة (هالة عبدالحليم).. من الافضل ان يتم تقييم تجربة الأحزاب السياسية منذ الخمسينات وحتى الآن، لان السودان سيواجه بأزمة قيادات على كافة المستويات، نسبة لعدم توريث تجارب النقابات والقيادات، هذا من واقع التردي الواضح في تفريخ القيادات السياسية البديلة التي من المنتظر ان تصنع الاحداث، اللهم الا من عدد يقارن بالقليل تساهم فيه عدد من منظومات المجتمع المدني التي تعمل علي تفريخ القيادات الشبابية. ومن الملاحظ الصاعدون الان في العملية السياسية – أي الوجوه الجديده- تجدها ضعيفة فكرياً وتنظيمياً وأكثرهم من ترغب القيادات في وجودهم، لتكريس المركزية السلطوية حيث تجده يتطلع للتقرب للقيادات العليا في ظل إنعدام المؤسسية داخل الاحزاب التقليدية والتقدمية، وكذلك هناك أسر وطوائف ومجموعات و (شلليات) تسيطر علي إدارة الحراك السياسي داخل أروقة أحزابها، لاتوجد ورش لتصنيف الكوادر وتوظيفها، الا في اتجاه الغدر بالمؤسسية الحزبية وإعمال الفوضي التنظيمية. وبالمقابل هناك حسرة من الشباب الذين تم إقصاؤهم تجاه المشروع الحلم التي يؤمنون بها..
تشبث القيادات في الأحزاب السياسية بمراكزها السلطوية، طائفية كانت أو غيرها، يعكس تراجع علي مستوى فهم الممارسة السياسية وهذا يضعها في حانة العقليات السياسية المتخلفة التي لا تقبل النقد والمراجعه والتمحيص وأن الرأي عندها يقيم مقام الوثنية اللفظية التي من الممكن أن تشكل وعي التابعيين الذين يضعون أنفسهم في حانة العقليات الجبانه التي تدعي الموضوعية في حال عزمه التبرير عن سلوكيات القائد وبالتالي خلق مبررات دائمة عن رضوخه وتواطوءه، والواضح أن هذه القيادات لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تتنازل لأحد قيادات الصف الأول، بالرغم من وجودها على سدة الأحزاب ما يقارب نصف قرن – أقلهم ثماني سنوات، وبما ان النفس البشرية يغلب عليها التطور والحراك والاستفادة من التقدم التكنولوجي عبر ما توفره الوسائط التكنولوجية، وتلاقح الأفكار مع الشعوب الأخرى، هذا يصعّب على القيادات المواكبة واستيعاب أن للأجيال القادمة أفكار تختلف عن الأفكار التي كانت سائدة في ذلك الوقت، ومختلفة عن المفاهيم التي كونت العقل السياسي الآن. ودونكم بإمعان النظر حولنا في دول العالم الثالث، نجد أن هناك أفراد محددين يمسكون مفاصل الدولة ومتحكمين في مصائر شعوبهم دون أدني مشاركة لفئات شبابية تجدد روح مؤسساتهم.
حسب تقديراتي الخاصة، وقد يتفق معي اخرون أن هنالك أسباب بنيوية متعلقة بطبيعة تكوين المنظومات السياسية في السودان. مثلاً الأحزاب الطائفية ذات القيادة الأبوية والروحية، حرمت القوى الشبابية الصاعدة من المشاركة الفعلية في صناعة القرار لأن هذا الأتجاه أصبح سمة بارزة في طبيعة الطائفية الحزبية وتمدد النزعة الأبوية مواصلة للنظام البطرياريكي (سلطة الاسر الممتده)، هذا بالاضافة الي أن؛ ليس هناك حزب سياسي واحد تتكون قيادته بطابع قومي يحمل كل التعدد الاثني / العرقي / الديني /والاجتماعي رغماً عن أن هذا التعدد ظل من ضمن الطرح الفكري والسياسي لتلك المنظومات!! وهناك أحزاب عقائدية (يمينيه ويساريه) مسألة التدرج التنظيمي فيها عقيمة، ولاتخضع لمعيار التصنيف النوعي للكوادر. حتي الحركات المسلحه التي انتجها الواقع المرير للدولة السودانية منذ تشكلها الحديث – ما بعد الكوليناليه- (الذي ساهم فيه عقلنا السياسي الذي أدار الدولة تنفيذياً دون مراعاة لهذا التعدد) لم تسلم من هذا الاشكال، وقد يكون مبرراً إذا أمعنا النظر في طبيعة الصراع..
من المنصف ان نطرح هذه القضية بأن هنالك أعداداً هائلة من الشباب المثقف، الواعي، الذي تلقى تعليماً جيداً، لا ينتمي لأيّ من الأحزاب السياسية مورس عليه أشكال من الهدر الممنهج من قبل المستبد والذي يتمثل هنا في خانة (حاكمي الدولة / القيادات السياسية) تهدد مسيرته في الحياة السودانية (السياسية / الاجتماعية الخ) وهذا هو البعد الأخطر في قضية إقصاء الشباب من الممارسة السياسية، وهي حالة غير طبيعية في المجتمع أن تجد كل هذا العدد غير مهتم بواقعه السياسي بالرغم من وعيه بما يحدث، لكنه يرى أنه لا جدوى من المشاركة في ظل وجود قيادات خالدة، الا القليل الذي يصنع أحداثاً مقدره الا أنها تفتقد اللمسات التنظيمية التي توصله الي النهايات الحلم..
ساهمت الحلقة الشريرة لشكل السلطة في السودان (الانتقال من دكتاتورية إلى ديمقراطية والعكس) في تحول قائد الحزب إلى مناضل ملهم تنتظره القواعد بأفواه مشدوهة وآذان صاغيه تصوره في خانة القائد العظيم (نيلسون مانديلا) محرر الشعب الجنوب افريقي وقاهر العنصرية، وإعلان حالة الطوارئ داخل الحزب التي تبقى محاولة الأعتراض أو الخروج عن الشكل الأداري (المركزية الاجتماعية) فيه يُعتبر شكل من أشكال العمالة والخيانة و(التغويص)، فيتم قمع كل الأصوات المتعالية داخل التنظيم، ولا أستثناء أي حزب من هذه الرؤية. كما يجب علينا ملاحظة أن الصدفة أحياناُ تلعب دورا كبيراً في الوصول للقيادة، حيث لا يكون دائماً بالعطاء والمعايير الأخرى، إضافة إلى أن رؤية قيادات الحزب حول صعود بعض الأفراد قد تخضع لموازنات.
ومن الاشياء المهمة أيضاً أن هؤلاء الشباب لم يتم يجريبهم علي مستوي قيادات الدولة، سواء علي المستوي السياسي او علي مستوي الفعاليات الانسانية وتبقي (حملة نفير) هي الحدث الاهم في تاريخ الحراك الشبابي السوداني في العمل الانساني حيث أنه أثبت ان هناك طاقات شبابية لها قدرة هائلة علي العطاء تفتقد السانحه او الماعون الذي يستوعبها، بدلاً من انها ترضخ لسياسات الهدر التي تحاك ضده من قبل الاستبداد السياسي في السودان من قبل السلطه، لكن كذلك اظهر عدم إلمامه الكامل بمؤسسية العمل العام، وهذا ظهر جلياً في فشله في السنه التي تلت إعلان تدشين الحملة لتواصل بنفس العطاء الذي بذل. صحيح قد يكون هناك تعقيدات حدت من قيام الحملة مجدداً من قبل الدولة، لكن المهم عندي هو تقييم التجربة السابقه لفتح منافذ جديدة للحراك بصورة اوسع تزيد من اقبال المتعاونيين معها سواء مادياً او فكراً وتخطيطاً، الشي الذي لم يتم، ليثبت لنا ان العقليات القديمة إستطاعت أن تورث عقلها للاجيال التي سوف تليها، الشي الذي يضع الشباب النير والواعي لهذه المسأله قبل السقوط في الهاوية الشريرة التي أنتجت ديكتاتوريات كثيرة وديمقراطيات مشوهة في خانة المسؤولية التاريخية. الخطير في الأمر ان فئة الشباب تعتبر مستقبل العمل السياسي والحزبي في البلاد، إذا لم يتم تفعيلهم، وإتاحة فرص حقيقية لهم، يعني أن البلاد في خطر، كما يجب على الأحزاب السياسية أن تعيد قراءة أوضاعها السياسية والتنظيمية، لأن طبيعة الحياة تفترض أن يكون فيها انتقال إلى الأمام لا تمترس عند النقطة التي يقفون عندها.
كما أن سلوك الشباب التعبيري عن حالة الاحباط التي لازمته من واقع أحزابهم السياسية نجدهم إنتهجوا أدوات أخري للتعبير عن أفكارهم، لذلك نجد هناك من أصيب بشلل كامل عن الفعل السياسي، وإختار الانكفاء عن الذات والمراقبة من علي البعد، بسبب عدم الثقة التي إجتاحته من فعل السلوك الجائر الذي إنتهجته السلطات القيادية. وأخرون إختاروا تكوين مواعين جديدة تستوعب قدراتهم وتنظم فعلهم السياسي وفق رؤي مرحلية وأهداف إسترتيجية في مجملها إعادة بناء مؤسسات الدولة علي أسس جديدة، يختلف منادوها في الطرق التي يمكن بها بناء هذه الدولة، وهذا الاختلاف ناتج عن التباين الايدلوجي لمكونات هذه الحركة، وهذه في حد ذاتها ازمه بنيوية أخري؛ لأن بعض الشباب في هذه الحركات لم يتخلوا عن رؤاهم الفكريه في أحزابهم بل تخلوا عن الشكل الاداري له، بالتالي الحركة الشبابية الجديدة هي الملاذ الآمن للاستقرار الاداري في هذه المرحلة من تتبعاته العملية في طريق الثورة والتغيير، وبالتالي هذه الوضعية تخلق واقعاً هشاً في هذه الحركات مما يدخل البعض في إختناقات أيدلوجية تسفر عنها تكوين حركة جديدة، الي ان يتم إعادة إنتاج المشكل السوداني من جديد وبذات العقلية القديمة التي نفرت هؤلاء الشباب. العقلية التي لم تقيم تجاربها السياسية الا في حدود طموحاتها الشخصية التي تتيح لها التجول من حزب الي اخر، وحركة الي حركة، جبهة الي جبهة، ومن توقيع اتفاق الي اخر..
وحسب سردنا لهذه السطور، إمعاناً منا لخطورة الموقف السياسي الحالي والمستقبلي، وخطواته التي تساق الي الشمولية، بالاضافة الي إحتمال عقم رحم القواد السياسيين بسبب سلوكيات السلطة السياسية في السودان وإختيار الشباب منافي الغربة موطن لهم، نخلص الي أن من خصائص العقل الجمعي تجعل القيادة السياسية ترى أن ما تقوم به هو المطلق هذا من واقع الاحداث التاريخية في السابق، إضافة إلى أن التفكير الفردي يصعّب من حل المشاكل السياسية ولا يصل الي أي أرضية مشتركة يتم الانطلاق منها، ومن المسئ حقاً أن نستنتج أن هناك قاسم مشترك بين هؤلاء القيادات، فمثلاً معظم القيادات السياسية الموجودة الآن كانت (دفعة) في مدرسة واحدة أو إلتقيا في أي مرحلة دراسية لطبيعة عدد المدارس في أزمان سابقة، وهذا ما يصعب من إختراق التماسك الاجتماعي بين القيادات السياسية في السودان، التي لم تفصل بينه والعمل السياسي، والخطير في الامر ايضاً حلقات المصاهره والتزاوج فيما بينهم، حيث يمكننا أن نجد قيادي معارض له مصاهره مع قيادي في السلطة، كما هناك تبادل ادوار للبيوت الارستقراطية بين المعارضة والسلطة وعلي مستوياتها القيادية، وأن هذه الحالة ليست جديدة على الواقع السوداني، بل ظلت ملازمة للحركة السياسية في السودان، وأصبحت واحدة من الأزمات الرئيسية التي أنتجت الكثير من الأنشقاقات على مستوى الأحزاب بما فيها المؤتمر الوطني، والحركات الأحتجاجية، التي جاءت نتيجة لضيق مواعين المشاركة السياسية. لذلك يظل كما هو لو لم يتم إعادة صياغة العقل السياسي السوداني وتوجيهه في المصلحة العامه لتأسيس دولة سودانية ظللنا نحلم بها منذ عقود، عجزت عن تكوينها ثورتان شعبيتان في 1964، 1985م وإن كان هذا كافياً لإعادة النظر في كيف لنا ان نحتاج ثورة أخري وثالثه؟! إن لم تكن رابعة في حال ضمنا للثورة المهدية من ضمن إنجازات هذا الشعب العظيم، وإن كنت استهدف في طرحي هذا سودان ما بعد العام 1956م، والخوض في سودان ما قبله يتطلب جهوداً قد لا ندركها.
سامي العطا
ديسمبر، 2014م
المراجع:


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.