حادثت محمد محمد خير!!    هل محمد خير جدل التعين واحقاد الطامعين!!    دقلو أبو بريص    أكثر من 80 "مرتزقا" كولومبيا قاتلوا مع مليشيا الدعم السريع خلال هجومها على الفاشر    كامل إدريس يلتقي الناظر ترك ويدعو القيادات الأهلية بشرق السودان للمساهمة في الاستشفاء الوطني    شاهد بالفيديو.. بلة جابر: (ضحيتي بنفسي في ود مدني وتعرضت للإنذار من أجل المحترف الضجة وارغو والرئيس جمال الوالي)    حملة في السودان على تجار العملة    اتحاد جدة يحسم قضية التعاقد مع فينيسيوس    إيه الدنيا غير لمّة ناس في خير .. أو ساعة حُزُن ..!    من اختار صقور الجديان في الشان... رؤية فنية أم موازنات إدارية؟    المنتخب المدرسي السوداني يخسر من نظيره العاجي وينافس علي المركز الثالث    الاتحاد السوداني يصدر خريطة الموسم الرياضي 2025م – 2026م    إعلان خارطة الموسم الرياضي في السودان    غنوا للصحافة… وانصتوا لندائها    ترتيبات في السودان بشأن خطوة تّجاه جوبا    توضيح من نادي المريخ    حرام شرعًا.. حملة ضد جبّادات الكهرباء في كسلا    تحديث جديد من أبل لهواتف iPhone يتضمن 29 إصلاحاً أمنياً    شاهد بالفيديو.. بأزياء مثيرة وعلى أنغام "ولا يا ولا".. الفنانة عشة الجبل تظهر حافية القدمين في "كليب" جديد من شاطئ البحر وساخرون: (جواهر برو ماكس)    امرأة على رأس قيادة بنك الخرطوم..!!    ميسي يستعد لحسم مستقبله مع إنتر ميامي    تقرير يكشف كواليس انهيار الرباعية وفشل اجتماع "إنقاذ" السودان؟    محمد عبدالقادر يكتب: بالتفصيل.. أسرار طريقة اختيار وزراء "حكومة الأمل"..    وحدة الانقاذ البري بالدفاع المدني تنجح في إنتشال طفل حديث الولادة من داخل مرحاض في بالإسكان الثورة 75 بولاية الخرطوم    "تشات جي بي تي" يتلاعب بالبشر .. اجتاز اختبار "أنا لست روبوتا" بنجاح !    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    الخرطوم تحت رحمة السلاح.. فوضى أمنية تهدد حياة المدنيين    المصرف المركزي في الإمارات يلغي ترخيص "النهدي للصرافة"    أول أزمة بين ريال مدريد ورابطة الدوري الإسباني    أنقذ المئات.. تفاصيل "الوفاة البطولية" لضحية حفل محمد رمضان    بزشكيان يحذِّر من أزمة مياه وشيكة في إيران    لجنة أمن ولاية الخرطوم تقرر حصر وتصنيف المضبوطات تمهيداً لإعادتها لأصحابها    انتظام النوم أهم من عدد ساعاته.. دراسة تكشف المخاطر    مصانع أدوية تبدأ العمل في الخرطوم    خبر صادم في أمدرمان    اقتسام السلطة واحتساب الشعب    شاهد بالصورة والفيديو.. ماذا قالت السلطانة هدى عربي عن "الدولة"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان والممثل أحمد الجقر "يعوس" القراصة ويجهز "الملوحة" ببورتسودان وساخرون: (موهبة جديدة تضاف لقائمة مواهبك الغير موجودة)    شاهد بالفيديو.. منها صور زواجه وأخرى مع رئيس أركان الجيش.. العثور على إلبوم صور تذكارية لقائد الدعم السريع "حميدتي" داخل منزله بالخرطوم    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    رحيل "رجل الظلّ" في الدراما المصرية... لطفي لبيب يودّع مسرح الحياة    زيادة راس المال الاسمي لبنك امدرمان الوطني الي 50 مليار جنيه سوداني    وفاة 18 مهاجرًا وفقدان 50 بعد غرق قارب شرق ليبيا    احتجاجات لمرضى الكٌلى ببورتسودان    السيسي لترامب: ضع كل جهدك لإنهاء حرب غزة    تقرير يسلّط الضوء على تفاصيل جديدة بشأن حظر واتساب في السودان    استعانت بصورة حسناء مغربية وأدعت أنها قبطية أمدرمانية.. "منيرة مجدي" قصة فتاة سودانية خدعت نشطاء بارزين وعدد كبير من الشباب ووجدت دعم غير مسبوق ونالت شهرة واسعة    مقتل شاب ب 4 رصاصات على يد فرد من الجيش بالدويم    دقة ضوابط استخراج أو تجديد رخصة القيادة مفخرة لكل سوداني    أفريقيا ومحلها في خارطة الأمن السيبراني العالمي    الشمالية ونهر النيل أوضاع إنسانية مقلقة.. جرائم وقطوعات كهرباء وطرد نازحين    شرطة البحر الأحمر توضح ملابسات حادثة إطلاق نار أمام مستشفى عثمان دقنة ببورتسودان    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    ترامب: "كوكاكولا" وافقت .. منذ اليوم سيصنعون مشروبهم حسب "وصفتي" !    بتوجيه من وزير الدفاع.. فريق طبي سعودي يجري عملية دقيقة لطفلة سودانية    نمط حياة يقلل من خطر الوفاة المبكرة بنسبة 40%    عَودة شريف    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



داعش والبترول والسودان
نشر في حريات يوم 24 - 12 - 2014

دعوت في مقال نداء السودان: ما المطلوب من الشعب، قيادة المعارضة أن تطرح اتفاقها كمسودة للنقاش العام في المنتديات العامة والقروبات ..الخ، وأن تطور مسودة نداء السودان لتشمل ديباجة تقدم رصداً دقيقاً للسياق الذي يتم فيه الاتفاق من وضع النظام، المعارضة والدور الدولي وغيرها. ولعله ما يثلج النفس أن تبدأ الاطراف المشاركة في هندسة الاتفاق بتقديم افادات مهمة "كونفدرالية منظمات المجتمع المدني السودانية: إعلان موقف من وثيقة نداء السودان" وغيرها. واود المساهمة كغيري من مثقفي هذا الوطن في محاولة اعطاء فهم افضل للسياقات الحالية.
سوف احاول هنا أن احلل معطيات متداخلة ومتفاعلة من الاحداث المختلفة، تبدو في ظاهرها متباعدة. في تناولي استعين بالانباء العادية التي تنشرها وكالات الانباء، الصحف، التقارير العالمية، التحليلات السياسية المحلية والعالمية، اللقاءات التلفزيونية وغيرها. لا اكتب من معلومات متفردة او مصادر خبرية مسئولة او غيرها مما يفعل الصحفيين. العناصر التي ابني عليها هذه المقالة تحاول قراءة كيف تؤثر الهجمة الكبرى لتنظيم الدولة "داعش"، احداث جنوب السودان، ليبيا، سوريا، اليمن وارتفاع اسعار البترول على الاوضاع السياسية بالسودان ومسارات التغيير فيها.
يبدو الوضع السياسي في المنطقة العربية والشرق الاوسط غاية في التعقيد، بحيث تبدو لنا كاحجية منفصلة. الثوابت التقليدية في المنطقة يمثلها امن اسرائيل، والالتزام الامريكي والغربي الصارم بها لحماية مصالحها في المنطقة. حول هذا الثابت تتغير الاستراتيجيات من فرضها كجنة للديمقراطية في المنطقة وسط دول ملكية وديكتاتوريات عسكرية، طوال نصف قرن وبالتالي المحافظة على الدول القومية في المنطقة. ارتكنت هذه الاستراتيجية على الحفاظ على الانظمة الملكية واستمالة الجمهوريات العلمانية الاقصائية، الركن الثاني بناء الفزاعة الاسلامية وطرحها كبديل لكل الانظمة.
تم الوصول لترتيب المنطقة منذ منتصف التسعينات عبر تعرجات، استوعبت داخلها كافة المتغيرات الاقليمية ومن ضمنها نظام الانقاذ الاسلامي. مع امعان الدولة الصهيونية في التشدد وتطوير خطابها الطائفي باعتماد "الدولة اليهودية"، بدأ هناك ميل لتغيير الاستراتيجية إلى تشجيع الفرز الطائفي والعرقي. كانت دول الصومال الثلاث اول تجلي لهذا التوجه، تبعها دولة "جنوب السودان المسيحية" في مقابل دولة "شمال السودان الاسلامية" كمواصلة لنجاح الاستراتيجية.
جاءت ثورات الربيع العربي لقلب الطاولة على كافة الاستراتيجيات. فقد خرجت الشعوب ذات النزوع المدني الديمقراطي – تونس، مصر، ليبيا، اليمن وسوريا- لتطالب بتغيير شامل في حياتها ومساراتها. في كل هذه الثورات جاءت تنظيمات الدولة الدينية متأخرة عن الركب وبعد ان تحددت الشعارات الاساسية للثورات. عكس منطق المباديء الحاكمة للغرب وخاصة الولايات المتحدة، فقد وضعت ثقل تأييدها على تنظيمات الدولة الدينية، خاصة في مصر، ليبيا وسوريا. بدا المشهد غريباً في ترك القوى الليبرالية والديمقراطية وتسليم السلطة لهذه التنظيمات، ولازال يثير الكثير من الجدل والتساؤلات.
بدون الدخول في من وراء داعش، فقد أدت ظروف الغزو الامريكي واقصاء المكون السني ومن بعدها تقوية المكون الشيعي، تكوين المليشيات، التدخل الايراني وانتهاءاً بتسليم المكون الشيعي كافة مقاليد الامور في ظل حكومة المالكي، ادى هذا إلى ابراز مكونات معادلة موضوعياً من التشدد السني تراوحت من الاحزاب والمكونات السنية، العشائر، منسوبي حزب البعث، تنظيمات القاعدة وداعش وغيرها. حدث شيء مماثل في سوريا فقد تمحور الصراع السياسي فيها إلى اصطفاف العلويين، ايران وحزب الله، إلى اضعاف المعارضة المدنية الديمقراطية وتصاعد قوة داعش والنصرة وهي تنظيمات ذات اساس سني.
ايران في الميدان
جاء استيلاء سلطة ولاية الفقيه على السلطة في ايران بعد تصفية كافة التيارات الليبرالية، اليسارية وحتى الشيعة المعتدلين. كان لهذه السلطة مشروع عالمي في بناء امبراطوريتها وعملت عليه في مختلف الاتجاهات. اسلامياً تبنت اشد المواقف تطرفاً ضد الشيطان الامريكي وعربياً ضد العدو الصهيوني، لكن تكشف زيف هذا الموقف فيما عرف بإيران-جيت التي حدثت اثناء حرب الخليج الأولى في ثمانينيات القرن الماضي، وبموجبه تم بيع أسلحة أمركية لايران، واستعمال أموال الصفقة لتمويل حركات "الكونترا" المناوئة للنظام الشيوعي في نيكاراغوا. كانت الأسلحة وقطع الغيار تشحن من أمريكا عبر إسرائيل إلى طهران.
بنت ايران استراتيجيتها على التواجد في الدول التي توجد بها مجموعات شيعية عبر تمويل هذه الجماعات ودعمها سياسياً واستخباراتياً. حدث هذا في بناء تنظيم حزب الله وهو موال لايران في لبنان بعد اضعاف حركة امل والتيارات الاخري. اصبح حزب الله هو اليد الطولي لتدخل ايران في شئون المنطقة خاصة سوريا. تم بناء ودعم وتقوية حركة الحوثيين في اليمن على نفس النسق وتم صنع نفس صورة حزب الله اللبناني من خلق دولة داخل دولة مع عدم وجود مبرر مقاومة الاحتلال الاسرائيلي. تتحكم ايران بشكل كبير على العراق، حيث تمثل المرجعية الاساسية لغالبية القوى السياسية الشيعية.
ورثت روسيا، ضمن ما ورثت، من الاتحاد السوفيتي علاقات مميزة مع بعض الدول في الاقليم، كانت كلها من دول حكم عسكري ممعن في الديكتاتورية وابرزها سوريا، العراق حتى سقوط صدام وليبيا القذافي. فشلت الاستراتيجية الروسية في ليبيا فشلاً ذريعاً، لأنها حاولت المراهنة على اشراكها في ترتيبات ما بعد اسقاط النظام. استفادت روسيا من درسها فركزت جهدها في سوريا على عدم سقوط النظام اصلاً، إلا بشروطها او ضمن ترتيبات تضمن دورها المستقبلي. الموقف في سوريا وبناء القوة النووية الايرانية جعلها في تحالف لا فكاك منه مع ايران.
تحاول روسيا في استراتيجية مشابهه لما كان الاتحاد السوفيتي يمارسه "عدو عدوي صديقي"، ومن خلال بعض التحركات الدبلوماسية والسياسية ان تضع اقدامها في بعض الدول الاخرى في المنطقة مثل مصر والعراق لكن نجاح تحركها متصل بمدى امكانها التضحية بمصالحها في ايران. في يومي الثالث والرابع من ديسمبر استضافت العاصمة السودانية اجتماعات الدورة الثانية للمنتدى العربي الروسي، بمشاركة وزراء خارجية روسيا والدول العربية والأمين العام لجامعة الدول العربية. غير الحاجة المتبادلة في مجلس الامن وحاجة السودان للسلاح ليس هناك علاقات او مصالح حقيقية لروسيا في السودان حالياً، تعادل مصالحها مع دول اقليمية لها خلافات عميقة مع الانقاذ.
البترول
بعد استقرار طويل فوق المائة دولار بدأت اسعار البترول في التدهور حتى وصلت حول الخمسين دولاراً وتستمر في الانخفاض. تتوالى التحليلات في محاولة فهم اسبابها، وتتبارى المقالات والمقابلات، اغلبها ينحو لايجاد روابط منطقية بين الاسباب والنتائج، وقليلها يتبنى المؤامرة. ايران اعتبرت على لسان وزير النفط الإيراني أزمة أسعار النفط مؤامرة سياسية، واشار بوتين يوم الخميس 18 ديسمبرخلال المؤتمر الصحفي السنوي الموسع الذي يعقده عادة قبل نهاية العام، "أضاف أن هناك الكثير من التحليلات حول أسباب تراجع أسعار النفط في الفترة الأخيرة من هذه التحليلات أن هناك تواطؤاً بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة بهدف معاقبة إيران والتأثير على الاقتصاد الروسي وعلى فنزويلا، معلقاً :"ربما الأمر كذلك وربما لا، وربما هو صراع بين المنتجين التقليديين للمواد الخام مع منتجي النفط الصخري".
على كل حال فمن الاثار الجانبية لانخفاض سعر البترول والعقوبات المفروضة عليها الضغط على ايران للمرونة في الاتفاق النووي وتحجيم طموحاتها الاقليمية. أيضاً الضغط على روسيا لحلول حول اوكرانيا، التفاوض حول الوضع السوري والضغط على ايران. من آثارها أيضاً رفع قدرات الصين ومعاودة نموها، لكن للولايات المتحدة اوراق كثيرة للضغط.
في هذا الجو الملغم من تصاعد الاصطفاف الطائفي في العراق، سوريا، اليمن والسودان الانقسام السياسي في لبنان، سوريا وفلسطين، والبروز الواضح لانقسام العراق لثلاثة مكونات متمترسة، وتبلور الكيان الكردي الموجود في العراق، سوريا وتركيا عن طريق العمل العلني المشترك ضد داعش. في سوريا حدث انقسام واضح المعالم بين مكون علوي، سني وكردي. في اليمن يتم بناء دولة سلطة ولاية الفقيه تدريجياً، ومع ارهاصات انفصال الجنوب يمكن أن تنزلق اليمن لحرب اهلية قبلية طاحنة.
كل هذه التحركات لم تخلقها امريكا كلها وأن ساهمت في بدء بعضها، لم ترتبها اسرائيل لكن كانت حاضرة باجهزة مخابراتها واشعال الفتن، لكن هذا هو حصاد عجز النخب العربية في قيادة الشعوب نحو مستقبل مختلف عما نراه. وكما تتسيد الاجهزة الامنية في حكم السودان، فقد اصبحت السياسات الاقليمية تديرها اجهزة المخابرات المتنوعة. فشل المشروع الوطني الديمقراطي في المنطقة كلها وسيادة اطروحات "المشروع الحضاري"، "الصحوة الاسلامية" واخيراً "الخلافة الاسلامية"، كان الوقود المحفز، والمبرر الجاهز للقوى المتشددة لتحويل مجتمعات مدنية نحو الطائفية.
مسارات السودان
مثلت التجربة الايرانية خريطة طريق للانقاذ، ولم يكن من الصدف أن اعداداً من نافذي الانقاذ زاروا ايران ومنهم من تلقوا تدريبات في اجهزتها الامنية والسباسية. وقد نمت علاقات واسعة بين النظامين واللذين مثلا الشكل السني والشيعي من "الدولة الاسلامية" في تجليها كملك عضوض. ولأن الانقاذ جاءت بدون خطة واضحة في كيفية ادارة الدولة، فقد طبقت كل خطوات ولاية الفقيه في التمكين، تغيير هيكل الدولة، المليشيات وحتى العباءة الايرانية.
كان هذا واضحاً في ظهور الايرانيين في اجهزة الدولة وخاصة في الامن ومعسكرات التدريب في اوائل العهد. تستمر العلاقات، خاصة العسكرية في الانتاج الحربي، ووصلت حداً جعل الانقاذ تحاول التنصل منه بالقيام بطرد بعض العاملين. ورغم ظهور بعض المتشيعين في الاعلام احياناً، من الصعب التوصل لمدى التاثير الايراني المذهبي على المجتمع السوداني. رغم هذه العلاقات القوية تحرص السلطات الايرانية على عدم بروز دورها في التقاطعات السودانية المختلفة.
منذ بداية الانقاذ وجدتها القوي الغربية عاملاً مفيداً ضمن ثابتها التقليدي في المنطقة "امن اسرائيل، والالتزام الامريكي والغربي الصارم بها لحماية مصالحها في المنطقة". وقد ساعد موقف الانقاذ في بداية التسعينات في الموقف من غزو الكويت، انشاء المؤتمر الشعبي العربي والإسلامي وتأسيس مجلس الصداقة الشعبية العالمية وغيرها، على الترويج له كفزاعة في العالم الاسلامي. ضمن هذا الاتجاة بدأ الغرب في استمالة الحركة الشعبية من اتجاهاتها اليسارية، وفي نفس الوقت بدأ في تشديد العقوبات على الانقاذ بعد محاولة اغتيال حسني مبارك.
هناك كتابات عديدة حول تطور وتكوين الاستراتيجية الدولية حول قضية الحرب الاهلية في السودان، لكن يمكن أن نرى وجود خطين احدهما مع الوحدة والاخر مع الانفصال. تجاور المفهومان وكان للتغيرات الدولية والمحلية الامريكية الدور الاكبر في تغليب رأي على الاخر. واستمر التردد في الاتجاه حتى الاتفاق على "الدولة بنظامين". لقد تميز اتفاق نيفاشا كاول اتفاق مفصل (النسخة العربية 190 صفحة) بعكس اتفاق اديس ابابا التي كانت مكونة من 12 صفحة. كان الاتفاق مثالاً لهذا التردد واعطى الفرصة للتوحد او الانفصال. تضمن الاتفاق أيضاً قضايا ملغومة "حسم النزاع في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق و حسم نزاع منطقة أبيي".
مثل الصراع الجنوبي الجنوبي السوداني، حدته واعداد الضحايا المخيف، صدمة قاسية للولايات المتحدة والتي كانت قد سوقت للدولة الجديدة باعتبارها مولد "دبي الجديدة" في افريقيا والبروفة الاولي في سلسلة من الدول الموضوعة في الاجندة. ليس هذا فحسب فقد ترافق من نتائج "اتفاق نيفاشا" تكوين الحركة الشعبية قطاع الشمال حول منطقتين جنوب كردفان والنيل الازرق، مع استمرار حرب دارفور. إذن فقد زادت فوضى الاولويات، السياسات والرؤية الشاملة للغرب عموماً والولايات المتحدة خصوصاً.
دولة جنوب السودان هامة للاستراتيجيية الامريكية، فقد كانت حصاد تحركات مكثفة ودبلوماسية واسعة على مدى سنوات طويلة، فهي دولة ذات مكانة مهمة فى الاستراتيجية الأمريكية تجاه أفريقيا"تم انشاء مركز للقيادة الأفريقية الأمريكية المشتركة المسمي (AFRICOM) فى مدينة بانتيو الاستراتيجية بجنوب السودان"(نقلاً عن http://digital.ahram.org.eg/articles.aspx?Serial=1639176&eid=5239 ) وكذلك مواردها الاقتصادية من النفط، الاراضي الخصبة والمعادن، والتصارع الشديد عليها مع الصين، روسيا ودول اخرى.
بعد الانفصال استمر التوجه الدولي في نفس خط الاحتفاظ بدولة الانقاذ مع الضغط عليها عن طريق سلسلة من العقوبات الاقنصادية والعسكرية، ومنعها من الخروج خارج دولتها، كما تقوم اسرائيل بمراقبتها وتدمير تحركاتها كوسيط لنقل السلاح لغزة او سيناء، مع غض النظر في التدخل في بعض دول المنطقة. يؤثر الوضع الاقليمي على الموقف الدولي في التعامل مع الازمة السودانية وتضاؤل الاهمية الاستراتيجية في الاحتفاظ بالانقاذ كفزاعة، في التحولات المرتقبة على المواقف خاصة الامريكي.
هذا الوضع المتازم في الجنوب والذي يهدد بتفكك الدولة الوليدة، وبدء تدخلات نظام الانقاذ سواء بدعاوي قطع الامداد عن قطاع الشمال، التعديات او تغيير معادلات وضع ابيي والمناطق الحدودية الاخرى في غيبة الدولة الجنوبية، يقوي من حجج الاراء التي ترى ضرورة الضغط لتغيير قواعد اللعبة السياسية في شمال السودان. هذه التحولات كانت واضحة في الموقف من الاتفاقات "البديل الديمقراطي"، "الفجر الجديد" وتغير هذا مع "اعلان باريس" والذي وجد ترحيباً دولياً ظهر في اسمه.
رغم هذا الترحيب الدولي تحفظت كثير من القوى على "اعلان باريس"، لكن تبلور اتفاق "نداء السودان" ونال اتفاق كل القوي عدا الانقاذ والمؤتمر الشعبي. جاء نداء السودان متسقاً ووصلت لتوازن هام في توحيد كافة المعارضين، فتح الطريق للتغييرسواء باسقاط النظام او الحل السياسي عبر الحوار، الامساك بالمفاصل الاساسية للدولة السودانية الديمقراطية والاستجابة للافكار الدولية حول التغيير الناعم.
في ظل هذا الجو العام الذي يشير للتغييرات في الموقف الدولي، يمكن فهم التسريبات الامنية، العلاقات مع روسيا، التلويح بالانتخابات، التعامل بعنف شديد مع المعارضين والاستعداد للحملة السنوية لسحق التمرد كمحاولة لتضخيم دور الانقاذ واهميتها في الصراع الاقليمي. هذا التحولات مهمة جداً وتمتد من الضغوط السياسية والدبلوماسية، نزع الشرعية من الانتخابات عن طريق الغياب عن المراقبة او التمويل، مزيد من فرض العقوبات الاقتصادية والسياسية، الضغط على حلفاء السودان القليلين (ايران، الصين، قطر وروسيا)، زيادة دعم الحركات المسلحة وربما تصعيد اجراءات المحكمة الجنائية الدولية وغيرها.
من المهم والضروري محاولة فهم السياق العام الذي تدور فيه الصراعات السياسية، ولكن رغم اهمية الموقف الدولي فهو مجرد انعكاس لتوازن القوى الداخلية، ومهما استطاعت الاتفاقات التماهي مع الاتجاهات الدولية، فإن اثرها الحقيقي يعتمد على قدرتها في تحويل أي اتفاق إلى برامج عمل يومية تستوعب المجابهات اليومية المتعددة والمتنوعة.
اواصل دعوتي بتمتين اتفاق "نداء السودان" وتطويره، لدينا عشرات القروبات على النت، تكوينات سياسية في الداخل والخارج ومنابر مختلفة، عن كيفية المساهمة لتنفيذه. لا ابالغ في اهمية الحراك الذي سيخلقة الاتفاق في ظروف الضغط السياسي، فرض الانتخابات والظروف الاقتصادية الخانقة، فقد تعودنا طوال الربع قرن على بضع منها، لكنها بانزالها في المحكات العملية، ربما يساهم في خلق حالة وضع ثوري ملائمة للحوار السلمي او التصعيد للانتفاضة بكافة اشكالها.
كما اقترح للمراكز البحثية في الداخل او الخارج لبدء العمل على منتدى فكري – من مثل مؤتمر الديمقراطية، التعليم وغيرها مما ابتدرها مركز الدراسات السودانية وكتاب 50 عام على اكتوبر وغيرهاً- للنظر بعمق ونقد حول تجاربنا في المعارضة السودانية، مساراتها المختلفة، نجاحاتها واخفاقاتها ومن ثم استخلاص الدروس المستفادة منها. لا اود المبالغة في دور هذه المنتديات في وضع المسارات الاساسية، لكن لابد أن نتذكر دائماً أن نيفاشا وتداعياتها بدأت من اطروحة من مجموعة عمل من معهد السلام الأمريكي ومركز الدراسات الإستراتيجية والدبلوماسية بواشنطن عام 2003.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.