قرارات لجنة الانضباط برئاسة مهدي البحر في أحداث مباراة الناصر الخرطوم والصفاء الابيض    غوتيريش يدعم مبادرة حكومة السودان للسلام ويدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار    صقور الجديان" تختتم تحضيراتها استعدادًا لمواجهة غينيا الاستوائية الحاسمة    مشروبات تخفف الإمساك وتسهل حركة الأمعاء    استقبال رسمي وشعبي لبعثة القوز بدنقلا    منى أبو زيد يكتب: جرائم الظل في السودان والسلاح الحاسم في المعركة    نيجيريا تعلّق على الغارات الجوية    شرطة محلية بحري تنجح في فك طلاسم إختطاف طالب جامعي وتوقف (4) متهمين متورطين في البلاغ خلال 72ساعة    بالصورة.. "الإستكانة مهمة" ماذا قالت الفنانة إيمان الشريف عن خلافها مع مدير أعمالها وإنفصالها عنه    شاهد بالفيديو.. فنانة سودانية مغمورة تهدي مدير أعمالها هاتف "آيفون 16 برو ماكس" وساخرون: (لو اتشاكلت معاهو بتقلعه منو)    «صقر» يقود رجلين إلى المحكمة    بالفيديو.. بعد هروب ومطاردة ليلاً.. شاهد لحظة قبض الشرطة السودانية على أكبر مروج لمخدر "الآيس" بأم درمان بعد كمين ناجح    ناشط سوداني يحكي تفاصيل الحوار الذي دار بينه وبين شيخ الأمين بعد أن وصلت الخلافات بينهما إلى "بلاغات جنائية": (والله لم اجد ما اقوله له بعد كلامه سوى العفو والعافية)    منتخب مصر أول المتأهلين إلى ثمن النهائي بعد الفوز على جنوب أفريقيا    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان شريف الفحيل يفاجئ الجميع ويصل القاهرة ويحيي فيها حفل زواج بعد ساعات من وصوله    شاهد بالفيديو.. وسط سخرية غير مسبوقة على مواقع التواصل.. رئيس الوزراء كامل إدريس يخطئ في اسم الرئيس "البرهان" خلال كلمة ألقاها في مؤتمر هام    لاعب منتخب السودان يتخوّف من فشل منظومة ويتمسّك بالخيار الوحيد    كيف واجه القطاع المصرفي في السودان تحديات الحرب خلال 2025    صلوحة: إذا استشهد معاوية فإن السودان سينجب كل يوم ألف معاوية    إبراهيم شقلاوي يكتب: وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    كامل إدريس في نيويورك ... عندما يتفوق الشكل ع المحتوى    مباحث قسم الصناعات تنهي نشاط شبكة النصب والاحتيال عبر إستخدام تطبيق بنكك المزيف    عقار: لا تفاوض ولا هدنة مع مغتصب والسلام العادل سيتحقق عبر رؤية شعب السودان وحكومته    بولس : توافق سعودي أمريكي للعمل علي إنهاء الحرب في السودان    البرهان وأردوغان يجريان مباحثات مشتركة    وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    تراجع أسعار الذهب عقب موجة ارتفاع قياسية    ياسر محجوب الحسين يكتب: الإعلام الأميركي وحماية الدعم السريع    شاهد بالصور.. أسطورة ريال مدريد يتابع مباراة المنتخبين السوداني والجزائري.. تعرف على الأسباب!!    وزير الداخلية التركي يكشف تفاصيل اختفاء طائرة رئيس أركان الجيش الليبي    "سر صحي" في حبات التمر لا يظهر سريعا.. تعرف عليه    والي الخرطوم: عودة المؤسسات الاتحادية خطوة مهمة تعكس تحسن الأوضاع الأمنية والخدمية بالعاصمة    فيديو يثير الجدل في السودان    ولاية الجزيرة تبحث تمليك الجمعيات التعاونية الزراعية طلمبات ري تعمل بنظام الطاقة الشمسية    شرطة ولاية نهر النيل تضبط كمية من المخدرات في عمليتين نوعيتين    الكابلي ووردي.. نفس الزول!!    حسين خوجلي يكتب: الكاميرا الجارحة    احذر من الاستحمام بالماء البارد.. فقد يرفع ضغط الدم لديك فجأة    استقالة مدير بنك شهير في السودان بعد أيام من تعيينه    كيف تكيف مستهلكو القهوة بالعالم مع موجة الغلاء؟    اكتشاف هجوم احتيالي يخترق حسابك على "واتسآب" دون أن تشعر    رحيل الفنانة المصرية سمية الألفي عن 72 عاما    قبور مرعبة وخطيرة!    حملة مشتركة ببحري الكبرى تسفر عن توقيف (216) أجنبي وتسليمهم لإدارة مراقبة الأجانب    عزمي عبد الرازق يكتب: عودة لنظام (ACD).. محاولة اختراق السودان مستمرة!    البرهان يصل الرياض    ترامب يعلن: الجيش الأمريكي سيبدأ بشن غارات على الأراضي الفنزويلية    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سياسة توريث الفقر وإعادة إنتاج العسكر والعمالة في السودان
نشر في حريات يوم 25 - 12 - 2014


[email protected]
(إن التسامح علي مستوي الدولة يقتضي ضمان العدل وعدم التحيز في التشريعات وفي إنفاذ القوانين والإجراءات القضائية والإدارية. وهو يقتضي أيضا إتاحة الفرص الاقتصادية والاجتماعية لكل شخص دون أي تمييز. فكل استبعاد أو تهميش إنما يؤدي إلي الإحباط والعدوانية والتعصب.)
إعلان مبادئ بشأن التسامح
اعتمده المؤتمر العام لليونسكو في دورته الثامنة والعشرين، باريس، 16 تشرين الثاني/نوفمبر 1995
فشلت، بل سعت معظم الحكومات السودانية خاصة المؤتمر الوطني إلى إشاعة عدم التسامح بين الشعب السوداني وبالأخص بين مكونات الهامش الإجتماعي حتى تسهل عملية نهب مواردهم وهم لايعلمون، فشرعت قوانين عنصرية ومقيدة للحريات وأقرت التمييز العنصري في الفرص الإقتصادية بعد ان طبقت سياسة التمكين وهمشت معظم الشعب السوداني وأحدثت حروب مجتمعية بدلاً من السلام الإجتماعي، فسعت إلى تغيب إنسان الهامش عن أسباب الصراع في السودان، فزرعت نيران الفتنة بين الزنوج والزنوج، فما عن وعوا بطبيعة المشكلة السودانية وأسبابها، إلا وطورت فبركاتها للصراع وجعلته صراعاً بين الزنوج والعرب، ووقفت بنتانتها إلى جانب العناصر العربية طمعاً في تجيشهم ضد المتمردين، فأسرت إليهم زوراً ان حركات التمرد هي حركات عنصرية تسعى إلى إبادة العرب والمسلمين في السودان!!، فسلحتهم جميعاً وإنتظموا في قوات الدفاع الشعبي الذي تطور إلى جنجويد ومن ثم الدعم السريع. الآن عندما أخذ يستوعب بعض عرب الهامش بطبيعة المشكلة السودانية وأسبابها ووجدوا أنهم قد خسروا أموالهم ورجالهم دون مقابل بعد ان غيبتهم حكومة الإبادة، فأخذوا يتململون ويتزمرون لعدم وجود تنمية حقيقية ومن ثم يعتدون على القوات الحكومية في أحياناً كثيرة. ولكن لم ولن تستطيع الدولة الإسلامية إعلان الجهاد ضدهم او إرسال طائرات الأنتنوف والميج والساخوي لضرب مناطقهم وطردهم إلى معسكرات اللجؤ والنزوح، وذلك لأن كرت العروبة الذي تستخدمه في تجيش مليشياتها والذي يعتبر الكرت الأخير سيحترق كما إحترق كرت الإسلام من قبل، لذا طورت الصراع ليكون بين عرب وعرب وتبعد بنفسها بعد ان تقوم بالدعم سراً لطرف حتى يردع الطرف المتزمر، ومن ثم تأتي فيما بعد وتلعب دور الوسيط بين المجموعات العربية المتقاتلة شاهرة في وجه الطرفين نفس الكروت السابقة!!. ويتواصل مسلسل نهب موارد الهامش وهم يتقاتلون فيما بينهم او نيابة عن عصابة المركز.
ولضمان سيطرة المركز على الهامش إقتصادياً، سعت حكومات المركز ولاسيما المؤتمر الوطني إلى تقسيم شعب الهامش إلى عدة طبقات:
1- الطبقة المهيمنة إقتصادياً، اي التي تعتقد أنها مهيمنة إقتصادياً وذلك بحكم عنصر العروبة اوالإسلام او الإثنين معاً او الولاء السياسي والذي تعتمد عليه حكومة المؤتمر الوطني كثيراً، فهؤلاء ينتفعون من فتات موارد الهامش التي تذهب إلى الخرطوم من البترول والذهب ومن ثم الأراضي التي سيطروا عليها بإسم الدين في مختلف مدن الهامش كأوقاف إسلامية، بالإضافة إلى الحوافز والمكافآت التي تمنح لهم نتيجة التسهيلات التي يقدمونها لحكومات المركز، كالحصول على فرص الإستثمار كصغار المزارعين بتمويل من البنك الزراعي او برامج دعم الأسر الفقيرة من بنك أمدرمان الوطني وغيره والتي هي في الأصل برامج وهمية تخص بها بعض المجموعات لضمان ولائها وعملت هذه الحكومة على توظيف أبنائها في إدارة الهامش وبعض المواقع الغير مؤثرة بالمركز حتى ولو في شكل مليشيات، وتأتي من ضمن هذه الطبقة رجالات الإدارة الأهلية من الأمراء والمكوك والسلاطين والشيوخ الذين أثنى عليهم الفريق أول/ محمد عطا مدير جهاز الأمن هذه الأيام بقوله في تنوير أمني لضباط هيئة الإسناد والجهوي والدائرة السياسية في مساء 19/11/2014م بعد فشل الجولة السابعة من التفاوض بين الحركة الشعبية – شمال والحكومة والذي نشرته صحيفة الراكوبة اللألكترونية بقوله ( بعد نجاح الإدارة الأهلية في إستقطاب عدد من أبناء القبائل لبرنامج الدعم السريع، سوف يعول عليهم في الفترة المقبلة للمزيد من الإستقطاب والتجنيد) فهؤلاء باعوا او سهلوا عملية السيطرة على موارد الهامش من قبل أقلية المركز.
2- طبقة موظفي الحكومة من الدرجات الدنيا وصغار التجار والمدرسين وأصحاب المهن الحرة والحرفيين وهي طبقة تجتهد طول حياتها لتثبت للطبقة السابقة ولاؤها للمركز عدا القليل منهم!!.
3- طبقة العسكريين وهي جزء لايتجزأ من طبقة الموظفين الحكوميين لاتختلف كثيراً عن طبقة عمال المزارع او المصانع في القطاع الخاص من حيث الإستهلاك الفردي لكل منهما، فهؤلاء يمثلون صورة دقيقة جداً لعمليات الإستغلال التي تتم للمرأة والرجل في جبال النوبة والنيل الأزرق ودارفور وتعبير واقعي بليغ ونموذج حقيقي لسياسة التجويع وتوريث الفقر وتخريب العقول لضمان إستمرارية الجهل وإنتاج جنود وعمال تقليدين أميين او أنصاف متعلمين لحراستهم وخوض الحروب نيابة عنهم سواء كانوا تحت مظلة القوات المسلحة او المليشيات التابعة لها او العمل في مزارعهم او مصانعهم بأقل تكلفة او مجاناً وذلك من شعوب محددة. فقد كرست الحكومات الوطنية والراسماليون الوطنيون كل جهود خبرائهم الإقتصادييين من أجل رسم خارطة مالية دقيقة تتمثل في الإستهلاك الفردي للجندي او عامل المصنع او عامل المزرعة السوداني الذين يعتبرون غالبية أفرادهم من النيل الأزرق ودارفور وجبال النوبة، حتى يضمنوا ان من وراء هؤلاء العسكر او المليشيات او العمال هناك عساكر ومليشيات وعمال آخرون قادمون يرثون مواقعهم بعد مماتهم او عند تقاعدهم.
وسنوضح هنا كيف يتم ذلك؟، إذا كان راتب الجندي في الجيش او الشرطة او أي من القوات النظامية الأخرى 450 جنيه و600 جنيه للضابط بعد أن عدلت المرتبات عبر البرلمان السوداني بناءاً على طلب من وزير الدفاع في شهر إبريل/2014م بعد ان ترك أفراد القوات المسلحة العمل وذهبوا إلى التعدين الشعبي للذهب!، فإن هذا الجندي سيكون فرحاً بإستلامه أول راتب مالي، بل تفرح معه الأسرة عند إحضاره بعض الإحتياجات المنزلية أو فرحة الخالات والعمات عند الزيارة وتقديم الواجب لزوم الشاي والبن او بعض ألواح الصابون، فهي أشياء بسيطة ولكنها ذات قيمة خيالية عندما تأتي من حفيد او ابن أخ لم يقدم شيء لعمه اوعمته او خاله اوخالته فيشكر الجندي المسكين وينال من الدعوات الصالحات و(التفاف) مايكفيه طول حياته، بمرور الوقت إذا لم يمت هذا الجندي في الحروبات العبثية او المظاهرات التي يواجه فيها أهله المهمشين، فسيفكر في الزواج بما إدخره من راتبه الشهري، السودانين عموماً وأهل الهامش بصفة خاصة معروفين بتعاونهم إجتماعياً، ستفرح الأسرة بالخبر ويتم الزواج .. مازال الوضع المالي مستقر! وسيقوم العروسان بزيارة الأهل والأقارب من الجانبين..، عند ميلاد الطفل الأول ودخوله السلم التعليمي ستبدأ بعض المشكلات المالية ولكن سيتمكن هذا الجندي المسكين من تجاوزها من ذات المرتب الشهري..، وعند وصول الطفل الأول إلى المستوى الثاني أو الثالث فإن الطفل الثاني يفترض أن يكون قد أدخل المدرسة على أقل تقدير..، فيصبح هذا العسكري ملخوماً ومشغولاً ومجتهداً في كيفية التوازن بين راتبه الشهري (450) جنيه وأمور منزله من الصرف اليومي والصرف الطارئ من العلاج وغيره.. ومواصلة الأسرة الكبيرة من جانب أهله او من جانب أهل زوجته وتقديم الواجب للخالات اوالعمات..، وفي هذه الحالة يضطر الرجل الجندي المسكين إلي ان ينغلق على نفسه مع أسرته الصغيرة ويلبي إحتياجاتها ويضحي بإحتياجات الغير من الأسرة الكبيرة او الزملاء..، ومن هنا يبدأ التململ الأسري ( فتهمس العمة في أذن أخيها.. والله يا أخوي، الولد دا كان كويس بس مجرد ما إتزوج بقى كعب..! وتسرع الخالة إلى أختها وتقودها من يدها بعيداً عن الحضور، وبحسره تسألها، إنتي يا أختي الولد دا حصل ليهو شنو؟ والله إنتي عارفة، المرة دي ذاتها جابت الفقر للجنى دا..!؟ ) ومن هنا يبدأ التفكك الأسري والإجتماعي. عند جلوس الطفل الأول لإمتحان الأساس يكون والده العسكري قد ترقى إلى وكيل عريف او عريف فالفرق بين هذه الرتب قد تكون 25 او 30 جنيهاً مما يزيد الراتب الشهري إلى (475) او (480) جنيهاً، فسيجتهد هذا الجندي ويسدد رسوم الإمتحان، فالخيار الوحيد أمام الطفل هو النجاح فقط ! لأن والده لايستطيع دفع رسوم الإعادة وبالتالي سيصبح الطفل فاقد تربوي ويصبح مشروع عسكري جديد!!، أما إذا نجح فسيواصل تعليمه الثانوي وهي مرحلة تعليمية أقوى رجل عسكري ضابط صف يمكن ان يوصل إليه إبنه.. وأمامه خيار واحد أيضاً وهو النجاح في ظل هذا الوضع الإقتصادي السيء حيث الدراسة بالجوع والسير مسافات طوال على الأقدام والإهانة في المركبات العامة لعدم القدرة على سداد رسوم التذكرة..، فالنتيجة معروفة مسبقاً وهي الرسوب!، ويصبح الإبن عاطلاً عن العمل وبالتالي على الوالد الجندي اوضابط الصف المسكين ان يوفر له بعض المصاريف في الوقت الذي يدفع فيه رسوم مالايقل عن خمسة من إخوانه في مراحل تعليمية مختلفة، ولأن الرجل السوداني ورجل الهامش بصفة خاصة لاتهان كرامته فهو لايستطيع الإعتراف بعدم قدرته على تلبية إحتياجات أبنائه بناءاً على هذا المرتب الضئيل الذي خططت له الدولة اوالأثرياء ملاك المصانع والشركات الضخمة وهو لايعلم، لذا تجده يضحي بأبنائه الذين يعتقد وهو لايدري أنهم فاشلون في التعليم بالإساءة إليهم حفاظاً على كرامته على طريقة (إنت ذاتك ولد مانافع، قاعد في البيت ساكت، ياخي ماتشوف ليك أي شغلة بدل القعاد في البيت ساي كدا..!!)، ياترى أين وماذا سيعمل هذا الشاب؟ عامل في المصانع والشركات ام سيسافر للإنتظار في ذاك الميدان الكبير في شرق السودان حتى يبيعه أحد السماسرة لإحد رجال الأعمال ليعمل (جونقو) بمزرعته في قطع السمسم اوغيره من المحاصيل أم بإحد مصانع السكر الحكومية لقطع القصب!؟، وعندما لايجد أي خيار فسيسلك نفس طريق والده!!، وربما هذه المرة ستكون بصورة أبشع بالإنضمام إلى قوات الدعم السريع..!، ليتواصل مسلسل إنتاج العمال والجنود من إنسان الهامش وتوريثه الفقر بإبقاء وضعه الإقتصادي على ما هوعليه عند والده!!، لذا علي شابات وشباب الهامش ألايلوموا آباءهم ويحملوهم مسؤلية عدم تعليمهم اومسؤلية أوضاعهم الإقتصادية والمعيشية السيئة، فالأمر أكبر بكثير مما يتصورون ولاسبيل للخروج من هذه الحلقة والتحرر إلا بالإتجاه نحو الجبهة الثورية والإنضمام إلى ميادينها القتالية ودعم برامجها ضد هذا النظام العنصري الظالم .
أما أبناء الهامش الذين إجتهدوا وأكملوا تعليمهم الجامعي فهم يعانون أكثر من غيرهم من التمييز العنصري وسياسة التجويع وتوريث الفقر التي تتبناها الدولة السودانية تجاه الهامش. فمن الإمتحانات العظيمة والعسيرة في الدولة السودانية، أن تكون متعلماً وواعياً بالمشكلة السودانية في مجتمع قابع في الجهل والتخلف نتيجة لسياسات الدولة المقصودة والمرسومة مسبقاً..، فمن معاناة خريجي الهامش في الدولة السودانية، تجد خريج العلوم السياسية بدلاً من ان توفر له الدولة فرص للعمل سفيراً للدولة بوزارة الخارجية او اي من مؤسسات الدولة العامة إلا انها توصد أبوابها أمامه ويضطر للعمل كعامل تعبئة لعصائر الأورنجا بمصانع البرير!!، وتجد خريجي هندسة البترول والإحصاء والقانون وتخصصات أخري يعملون كمدرسين اوضباط مشاة وليس فنيين بالقوات المسلحة وجهاز أمن البشير، أتدرون لماذا؟ حتى لاتتحسن حياتهم المعيشية إلى الأفضل ويكونوا معرضين للموت في أي وقت ومع ذلك تقنعهم السلطة الحاكمة بأنها حريصة على تحسين حياتهم المعيشية..؟، ومن المؤسف ان البعض من هؤلاء المهمشين قد يصدق ذلك!!، ولم يسألوا أنفسهم، لماذا لاتعيَنا الدولة بوزارة النفط حتى تكون رواتبنا ومخصصاتنا بالدولار؟، او وزارة الخارجية اوالمالية؟ لماذا لا تعينا الدولة بالسلطة القضائية حيث المرتبات الأساسية لزملاؤنا القضاة تتراوح بين 1,200 جنيه لقاضي درجة ثالثة، 1,400 جنيه لقاضي درجة ثانية و1,500 جنيه لقاضي درجة أولى و1,800 جنيه لقاضي المحكمة العامة، بالإضافة إلى بدل وجبة (390) جنية يضاف إلى المرتب شهرياً، ومرتب شهرين في عيد الأضحى ومرتب شهر في عيد الفطر، وبدل لبس (12,000) جنيه في السنة لأدني قاضي درجة، وبديل نقدي يصل إلى (دبل) مرتب في تسع أشهر خلال السنة، أي ان هناك ثلاثة أشهر فقط في السنة لايصرف فيه القاضي مرتب شهريين في شهر!! أليس من حق أبناء الهامش ان يستمتعوا بهذه الإمتيازات كغيرهم من أبناء الشعب السوداني؟، ولكنه التمييز العنصري بعينه وسياسة التجويع وتوريث الفقر التي تمارسها الدولة على شعوب الهامش، ضاربة بكل التجارب والأعراف الإنسانية عرض الحائط ، متجاوزة كل المواثيق الدولية التي صادقت عليها فيما يتعلق بالتمييز العنصري بين المجتمعات وحقوق الأشخاص في تحسين حياتهم المعيشية دون تمييز بسبب العرق اوالدين او الإنتماء الإثني، الذي أكدته المادة الأولى من الإعلان العالمي للقضاء على كل أشكال التمييز العنصري التي تنص (يمثل التمييز بين البشر بسبب العرق أو اللون أو الأصل الاثني إهانة للكرامة الإنسانية، ويجب أن يدان باعتباره إنكارا لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة، وانتهاكا لحقوق الإنسان وللحريات الأساسية المعلنة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وعقبة دون قيام علاقات ودية وسلمية بين الأمم، وواقعا من شأنه تعكير السلم والأمن بين الشعوب.) وكذا المادة (11) من العهد الدولي الخاص بالحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية التي تنص على الآتي:
1 .( تقر الدول الأطراف في هذا العهد بحق كل شخص في مستوى معيشي كاف له ولأسرته، يوفر ما يفي بحاجتهم من الغذاء والكساء والمأوى، وبحقه في تحسين متواصل لظروفه المعيشية. وتتعهد الدول الأطراف باتخاذ التدابير اللازمة لإنفاذ هذا الحق، معترفة في هذا الصدد بالأهمية الأساسية للتعاون الدولي القائم على الارتضاء الحر.
2. واعترافا بما لكل إنسان من حق أساسي في التحرر من الجوع….)
والذي يعقد حياة إنسان الهامش ويزيد من معاناته الإقتصادية هو درجة الجرعات الخاطئة من التثقيف الديني المسيس الذي يسيطر على قلبه ويشوش على عقله مما يجعله غير قادر على قول الحق او المطالبة بحقوقه المهضومة لأن في المطالبة مخالفة لأمر الله ومشيئته وخروج عن طاعة أولى الأمر!! وبالتالي يصبح أسير لسياسات الدولة الدينية الخاطئة والتي تقوده دائماً إلى رفع معاناته الإقتصادية إلى السماء (دي قسمتنا) و(دا المكتوب لينا كدا) و(الله جالا)، بحيث لاتوجد مساحة حرة في عقله تجعله يميز بين الذي يأتي من السماء وذاك الذي يصنعه البشر في الأرض اي تجعله يدرك ان سبب معاناته الإقتصادية وغيرها ليست من خالق السماء وإنما ناتجة عن صنع بشر مثلهم، ليسوا بأفضل منهم في شئ حتى يتحكموا في حياتهم لدرجة تعجل بمماتهم، هذه الممارسات التي تمارسها حكومة السودان تجاه أبناء الهامش جعلت الهامش يعي بما يحاك حوله من مؤامرات طيلة الربع قرن الماضية، لذا يجب ألاترتسم الدهشة في وجوه البعض عندما تطالب الحركة الشعبية لتحرير السودان/شمال في مفاوضاتها مع حكومة التمييز العنصري بضرورة الحل النهائي والعادل لقضايا المواطنة بلاتمييز والأرض والحكم وقسمة الموارد والثروة والمشاركة في السلطة المركزية أو تأكيداتها المتكرر بضرورة منح حكم ذاتي موسع لإقليمي النيل الأزرق وجبال النوبة.
25/12/2014م.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.