تحولات الحرب في السودان وفضيحة أمريكا    ماذا قالت قيادة "الفرقة ال3 مشاة" – شندي بعد حادثة المسيرات؟    هيثم مصطفى: من الذي أعاد فتح مكاتب قناتي العربية والحدث مجدداً؟؟    ترامب: بايدن ليس صديقاً لإسرائيل أو للعالم العربي    تواصل تدريب صقور الجديان باشراف ابياه    رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة يتفقد مستشفى الجكيكة بالمتمة    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    مدير شرطة محلية مروي يتفقد العمل بادارات المحلية    المريخ يتدرب بجدية وعبد اللطيف يركز على الجوانب البدنية    شاهد بالصور.. بأزياء مثيرة للجدل الحسناء السودانية تسابيح دياب تستعرض جمالها خلال جلسة تصوير بدبي    شاهد بالصور والفيديو.. حسناء سودانية تشعل مواقع التواصل برقصات مثيرة ولقطات رومانسية مع زوجها البريطاني    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب مصري يقتحم حفل غناء شعبي سوداني بالقاهرة ويتفاعل في الرقص ومطرب الحفل يغني له أشهر الأغنيات المصرية: (المال الحلال أهو والنهار دا فرحي يا جدعان)    مخاطر جديدة لإدمان تيك توك    محمد وداعة يكتب: شيخ موسى .. و شيخ الامين    خالد التيجاني النور يكتب: فعاليات باريس: وصفة لإنهاء الحرب، أم لإدارة الأزمة؟    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    إيران : ليس هناك أي خطط للرد على هجوم أصفهان    قمة أبوجا لمكافحة الإرهاب.. البحث عن حلول أفريقية خارج الصندوق    للحكومي والخاص وراتب 6 آلاف.. شروط استقدام عائلات المقيمين للإقامة في قطر    زيلينسكي: أوكرانيا والولايات المتحدة "بدأتا العمل على اتفاق أمني"    مصر ترفض اتهامات إسرائيلية "باطلة" بشأن الحدود وتؤكد موقفها    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على ناشفيل    لجنة المنتخبات الوطنية تختار البرتغالي جواو موتا لتولي الإدارة الفنية للقطاعات السنية – صورة    بعد سرقته وتهريبه قبل أكثر من 3 عقود.. مصر تستعيد تمثال عمره 3400 عام للملك رمسيس الثاني    خلد للراحة الجمعة..منتخبنا يعود للتحضيرات بملعب مقر الشباب..استدعاء نجوم الهلال وبوغبا يعود بعد غياب    المدهش هبة السماء لرياضة الوطن    نتنياهو: سنحارب من يفكر بمعاقبة جيشنا    كولر: أهدرنا الفوز في ملعب مازيمبي.. والحسم في القاهرة    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رحلة الدساتير السودانية
نشر في حريات يوم 07 - 01 - 2015


الديمقراطية المؤقتة والعسكرية الدائمة الرائحة
عمرو محمد عباس محجوب
كل انقلاب تكون أول قراراته تعليق الدستور، إصدار المراسيم الدستورية المؤقتة لحين يشاء لها الهوى ومن ثم منح الشعب، الديمقراطية موديل المجلس المركزي، أو الحزب الأوحد أو الحزب الجامع لوضع الدستور الدائم – والدايم الله . ثم تصل روح الشعب الحلقوم فيخرج إلى الشارع ويسقط النظام العسكري ويروح الدستور في "ألف داهية". ثم يتجمع أهل الحل والعقد ويتفقون على تأجيل النظر في الدستور حتى انتخاب جمعية تأسيسية: ويتبنون دستور 1956 الإنتقالي تعديل الثورة المعنية). تنتخب الجمعية التأسيسية وتمضي السنون والدستور المقترح يتلوي بين اللجان والعقدة الأساسية هل الدستور اسلامي أم لا ويحدث انقلاب آخر. حدث هذا في لجنة الدستور بعد الاستقلال ثم بعد أكتوبر 1964 ثم بعد الانتفاضة في 1985م وأخيرا بعد نيفاشا في 2005.
التعديلات الدستورية 2015
عاشت اوساط الحكم مداولات ومجادلات التعديلات وسط لامبالاة كاملة من المواطنين، فهي ببساطة لاتعني لديهم شيئاً ويعلمون أن الدستور نفسه سوف ينتهي بانتهاء الانقاذ. حدث تعديلان مهمان وامر واقع. الامر الواقع هو تجاوز الانقاذ للمادة 57 من الدستور الانتقالي والتي تنص على "يكون أجل ولاية رئيس الجمهورية خمس سنوات تبدأ من يوم توليه لمنصبه ويجوز إعادة انتخابه لولاية ثانية فحسب". تم ايضاً تعديل 179 (1) "يرأس الجهاز التنفيذي للولاية والٍ ينتخبه مواطنو الولاية وفقاً لنصوص هذا الدستور والدستور الانتقالي لجنوب السودان متي ما كان منطبقاً، ودستور الولاية والقانون، على أن يكون ذلك وفقاً للإجراءات التي تقررها المفوضية القومية للانتخابات"، ليقرأ "يعين الرئيس ولاة الولايات وشاغلي المناصب الدستورية والقضائية والقانونية الأخرى وقيادات القوات المسلحة والشرطة والأمن، ويعفيهم وفق أحكام القانون".
التعديل الثاني المهم جاء حول صلاحيات جهاز الأمن والوطني والمخابرات والتي كانت "تكون خدمة الأمن الوطني خدمة مهنية تركز في مهامها على جمع المعلومات وتحليلها وتقديم المشورة للسلطات المعنية". وبموجب هذه التعديلات، تؤكد الفقرة المتعلقة بصلاحيات جهاز الأمن والوطني والمخابرات أن "جهاز الأمن الوطني قوة نظامية مهمتها رعاية الأمن الوطني الداخلي والخارجي، ويعمل هذا الجهاز على مكافحة المهددات السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية كافة والإرهاب والجرائم العابرة للوطنية".
دساتير السودان
قائمة بالدساتير وشبهها (كل الدساتير ترد في موقع وزارة مجلس الوزراء http://sudan.gov.sd) تتضمن "الدستور المؤقت للسودان لسنة 1956م، الأوامر الدستورية – فترة الحكم العسكري 1958 – 1964م ، دستور السودان المؤقت (المعدل سنة 1964م) وتعديل سنة 1966م وتعديل سنة 1968م، (وثيقة رقم 1) أمر جمهوري رقم 1 الصادر في 5 مايو 1969م، الدستور الدائم لجمهورية السودان الديمقراطية لسنة 1973 ، دستور السودان الإنتقالي لسنة 1405ه ويشمل التعديل الصادر في عام 1985م ، المرسوم الدستوري الخامس (المجلس الوطني الإنتقالي ) لسنة 1991م، دستور جمهورية السودان 1998 ودستور جمهورية السودان يوليو 2005م وتعديلاته.
صياغة الدستور
صياغة الدستور هي المرحلة الثالثة من عدة مراحل. المرحلة الأولى: تبدأ بالإحساس بالحاجة الملحة لدستور جديد أو لتعديل الدستور القائم. المرحلة الثانية: تحديد الإجراءات القانونية التي سيتم بها تحديد الأشخاص الذين سيقومون بصياغة الدستور. المرحلة الثالثة: هي عملية الصياغة نفسها. المرحلة الرابعة: الموافقة عليه إما عبر استفتاء أو من خلال موافقة الجمعية التأسيسية له. ثم أخيرا: تصميم المؤسسات التي تضمن عمل هذا الدستور بفاعلية وكفاءة.
كل ما سبق لا معني له إلا إذا كانت العملية برمتها تحظي بثلاثة أنواع من الشرعية: الشرعية الأخلاقية: والتي تجعل الدستور يعبر عن الضمير الوطني ويشارك المجتمع قيمه الأساسية ويعبر عنها بصراحة ووضوح. الشرعية السياسية: التي تعكس إحساس قطاعات واسعة ومتنوعة من المجتمع بملكيتها للدستور. واخيراً الشرعية القانونية: بأن يتم كتابة الدستور وفقاً للقواعد والقوانين والإجراءات التي سيتفق عليها العدد الأكبر من الشعب صاحب السيادة سواء مباشرة عبر الاستفتاء أو على نحو غير مباشر عبر ممثليهم.
تطور الدساتير
عند التعرض لأي دستور هناك الجيل الأول وتتضمن الحقوق والحريات ذات المضمون السياسي والمدني، وتمثل الحقوق والحريات ذات المضمون الإقتصادي والإجتماعي، والجيل الثاني من قائمة الحقوق والحريات التي نصت عليها المواثيق والإعلانات والعهود الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان. مثال ذلك الدستور الألماني 1919، الدستور الأسباني 1931، الدستور الإيطالي 1947، الدستور البولندي 1952، الدستور الصيني 1954 والتي أمنت جميعها حقوقاً إقتصادية وإجتماعية مثل حق العمل، حق الملكية، حق التعليم، الحق في الرعاية الصحية، وغيرها من الحقوق بما يحقق للإنسان حياة كريمة ولائقة.
أن الالتزامات الواقعة على الدول فيما يتعلق بالحقوق الإقتصادية والإجتماعية هي التزامات إيجابية، بما يعنيه ذلك من ضرورة بذل الدول لجهود معينة حتى تكفل للمواطنين فرص عمل مناسبة، فضلا عن توفير المسكن، الغذاء، الكساء، التعليم والرعاية الصحية المناسبة إلي غير ذلك من المتطلبات اللازمة للحياة الكريمة واللائقة لمواطنيها. وهو ما يفيد بأن للأفراد الحق في مطالبة السلطات الحاكمة بأن تقدم لهم يد العون والمساعدة، وأن توفر لهم كل ما هم بحاجة إليه لكي يعيشوا حياة لائقة وكريمة.
أما الإلتزامات الواقعة على الدول فيما يتعلق بالحقوق، الحريات السياسية والمدنية فهي لا تعدو أن تكون إلتزامات سلبية تفرض عليها ألا تضع العراقيل أمام المواطنين وتحول بينهم وبين تحقيقها. وهو ما يفيد بأنه ليس للأفراد الحق في مطالبة السلطات الحاكمة سوي بأن تخلي بينهم وبين ممارسة حقوقهم وحرياتهم السياسية والمدنية.
تجارب العالم في وضع الدساتير
حفل العالم بتجارب عديدة من وضع الدستورخلال العقود الثلاثة الاخيرة بعد النهوض الديمقراطي وحقوق الانسان في دول شرق اوربا، امريكا اللاتينية، جنوب افريقيا واندونيسيا وغيرها. الآليات التي تمت كانت متنوعة ومتعددة وتمت تحت ظروف مختلفة. كلها كانت تهدف إلي وضع دستوريحقق التحول الديمقراطي الحقيقي، التوافق المجتمعي والعض بالنواجذ على حقوق الانسان كما توصلت لها كافة دول العالم واصبح دستورا للانسانية. سوف نتناول تجربتي جنوب افريقيا واندونيسيا في صياغة الدستور.
تجربة جنوب افريقيا في صياغة الدستور
مثلت العملية الدستورية في جنوب إفريقيا المثال الكامل لعمليات وضع الدساتير القائمة على مشاركة المواطنين فيها. حتى ذلك التأريخ، لم يكن لعامة الناس دور مباشر في وضع الدساتير، أما في هذه الحاله فقد بادر ممثلو الشعب المنتخبون للجمعية التأسيسية الاتصال بالناس، تثقيفهم ودعوتهم لإبداء وجهات نظرهم. تَضمّنت الجهود التثقيفية حملة في وسائل الإعلام، الصحف، محطات الإذاعة والتلفزيون لوحات الإعلان على الحافلات، صحيفة الجمعية التأسيسية، رسوم كرتونية، موقع على الانترنت وإجتماعات عامة؛ وطالت تلك الجهود مجتمعة حوالي 73% من السكان. تلقت الجمعية التأسيسية، بين سنة 1994 وسنة 1996، مليوني اقتراح أو طلب من جانب الأفراد، مجموعات المناصرة والدفاع، الجمعيات المهنية وأصحاب المصالح الآخرى.
تم تشييد قاعة زجاجية في جوهانسبرغ وزودت بخمسين باباً للخمسين عضواً لكى يدخلوا في نفس الوقت نشداناً للشفافية والمساواة. وقد استغرق التوافق حول هذا الدستور سبع سنوات. نشرت أول مُسودّة عمل في نوفمبر 1995، تاركة جانباً 68 موضوعاً يتم بحثها لاحقاً لأن الاتفاق كان أن تؤجل أي قضايا خلافية ويعاد طرحها للنقاش العام والمجتمعي، وتم وضع النص النهائي في مايو 1996. راجعت المحكمة الدستورية النص النهائي بين يوليو وسبتمبر 1996، ثم أعادته إلي الجمعية التأسيسية لإدخال بعض التعديلات عليه، التي تمت في أكتوبر من نفس العام. في نوفمبر، أعطت المحكمة مصادقتها النهائية، وفي ديسمبر 1996، وقّع الرئيس مانديلا على الدستور ليصبح قانوناً.
التجربة الإندونيسية في صياغة الدستور
يبلغ عدد سكان إندونيسيا حوالي 238 مليون شخص، وهي رابع دولة من حيث عدد السكان، وأكبر دولة بها عدد سكان مسلمين. عدد السكان المسلمين، 86.1٪، وفقاً لتعداد عام 2000، 9٪ من السكان مسيحيون و3٪ هندوس، و2٪ بوذيون وأقليات أخرى. يوجد نحو 300 إثنية و742 لغة ولهجة مختلفة.
ركزت اندونيسيا منذ اليوم الأول لثورة الاصلاح علي السعي لتعديل الدستور، وبدأت عملية التحضير لهذا التعديل من خلال مناقشات واسعة ضمت كافه اطياف المجتمع، من اجل فهم وتحليل المشكلات التي كانت سائدة تحت ظل النظام السابق، والاطلاع علي اراء المعارضين للحكومة في قضايا مثل حقوق الانسان، الفساد والديمقراطية. فالخلاف الذي كان دائراً في بداية عملية الاصلاح باندونيسيا، كان يتمحور حول طبيعه الدولة هل تكون اسلامية ام مدنية. وتوصلت الاطراف الاندونيسية الي صيغة تضع مباديء واخلاقيات الدين في مكانة عالية بينما تبني المؤسسات السياسية، الإقتصادية والإجتماعية علي اساس مدني، وتخضع للقواعد والاحتياجات المادية اليومية التي يواجها المجتمع.
حتى هنا فهذا امر عادي يحدث في كل الثورات، لكن الذي حدث بعد ذلك كان غير العادي. عندما اراد الاندونيسيون وضع الدستور، اختاروا بالتوافق السيد يعقوب توبنج أستاذ القانون المنتمي إلي أقلية دينية (المسيحية) والقادم من أقلية سكانية (جزيرة سومطرة)، ليرأس اللجنة المشكلة لوضع دستور جديد للبلاد بعد الثورة الشعبية التي أسقطت الجنرال سوهارتو عام 1998، ذلك أن الجميع كانوا يضعون نصب أعينهم هدفاً واحداً يتمثل في إقامة دولة عصريةً بهويةً واضحةً ومحددة.
إستطاعت هذه اللجنة التوصل إلي دستور يحترم الحريات وقيم التقدم والتطور، على أربع مراحل دون أن تتعرض هوية البلاد الراسخة والمستقرة للخدش أو الاهتزاز. وليس هذا فقط ما جرى، بل أنه من بين مائتين وخمسين لغة محلية يتحدثها الشعب الإندونيسي، وقع الاختيار على لغة أقلية عرقية لتكون اللغة القومية للبلاد.
التجربة المصرية في صياغة الدستور
اهم معالم الدستور المصري الذي اجيز فى 14 يناير 2014 وضعه الشعب مصدراً للسلطات: "السيادة للشعب يمارسها ويحميها، ويصون وحدته الوطنية، وهو مصدر السلطات؛ وذلك على النحو المبين فى الدستور". وأشار الدستور المصري حول الشريعة الإسلامية: "الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع". وإن المرجع في تفسيرها هو ما تضمنته مجموع أحكام المحكمة الدستورية العليا في ذلك الشأن.
وحول ممارسة الحقوق الدينية جاء فى المادة (43): "حرية الاعتقاد مصونة. وتكفل الدولة حرية ممارسة الشعائر الدينية وإقامة دور العبادة للأديان السماوية؛ وذلك على النحو الذى ينظمه القانون".
التجربة التونسية في صياغة الدستور
جاء التصديق على الدستور التونسى بعد اكثر من ثلاث سنوات من الثورة يوم 24 يناير، 2014 وباغلبية ساحقة من أعضاء المجلس الوطني التأسيسي المنتخبين. واشارت ديباجة الدستور التونسى أن الدستور جاء: "تأسيسا على ثوابت الإسلام ومقاصده المتسمة بالتفتح والاعتدال… ومن اجل بناء نظام جمهوري ديمقراطي تشاركي تكون فيه الدولة مدنية تقوم على المؤسسات وتتحقق فيها السلطة للشعب على اساس التداول السلمي على الحكم ومبدا الفصل بين السلط والتوازن بينها ويكون فيه حق التنظم القائم على التعددية والحياد الاداري والحوكمة الرشيدة والانتخابات الحرة هي أساس التدافع السياسي ويقوم فيه الحكم على احترام حقوق الانسان وعلوية القانون واستقلالية القضاء والعدل والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين والمواطنات وبين كل الفئات والجهات".
وجعل الدستور التونسى: "الشعب هو مصدر السلطات، يمارسها عبر ممثليه المنتخبين انتخابا حرا، وعبر الاستفتاء "، وحول علاقة الدين بالدولة اشار الدستور التونسى: " تونس دولة حرة، مستقلة، ذات سيادة، الاسلام دينها، والعربية لغتها، والجمهورية نظامها"، وأن "الدولة راعية للدين، كافلة لحرية المعتقد وممارسة الشعائر الدينية، حامية للمقدسات، ضامنة لحياد دور العبادة عن الدعاية الحزبية".
افكار حول الوصول لدستور السودان الدائم
تعد عملية وضع الدساتير من أهم العمليات التي تمهد الطريق نحو الانتقال إلي نظام ديمقراطي. فالدستور هو الذي يضع الأسس التي يقوم عليها كيان الدولة، يحدد حقوق المواطنين وواجباتهم، ويضع ضمانات حماية هذه الحقوق وكفالتها. كما أنه يحدد طريقة توزيع السلطات في المجتمع ومستويات الحكم عبر نظام اللامركزية، أو بين نظام الحكم من ناحية، والمجتمع المدني بمنظماته المتنوعة من ناحية أخرى. اوضحت التجارب العالمية في وضع الدستور على عدد من المباديء يجب توفرها في عملية صناعة الدستور. ان الدستور عقد إجتماعي يمتلكه المواطنون ويحترمونه، يمثل مجمل اراء كافة المواطنين، وهو عنوان توافقهم ويعكس تنوع السودان، وتتم عبر المشاركة العامة والشفافية.
غير الدستور الإنتقالي 1956، 1965 و 1985، تدل تجاربنا السابقة في محاولات الوصول لدستور، أنها كانت تفشل لهيمنة مكون واحد عليها. الاحزاب الطائفية الليبرالية في محاولات دستور 1965-1969 و1986-1989، الديكتاتورية العسكرية في دستور 1973، الديكتاتورية العسكرية الإسلامية في دستور 1998، وشريكي الحكم في دستور الإنتقالي 2005، والتي انتهت بفشل كامل ووضع البلاد في أزمات فشل الرؤى. وأضافت تجارب دول الربيع العربي تجربة حية حول خطورة إستئثار فصيل واحد على عملية وضع الدستور. من تراكم هذه التجارب وغيرها فقد وضحت معايير يمكن الاسترشاد بها في تكوين الهيئة التأسيسية المناط بها وضع الدستور:
أولاً: إن ضمان توافق الاراء يبدأ من التمثيل الذي رأت مخرجات ورشة عمل المبادرة السودانية لصناعة دستور للسودان أن يشمل المجموعات الآتية: الأحزاب السياسية، منظمات المجتمع المدني، المجموعات المهنية والمتخصصة، النقابات، مع مراعاة التنوع العمري، الإثني، اللغوي، الثقافي، الديني، مجموعات النساء، ومجموعات السودانيين في المهجر.
ثانياً: إن الدستور كغيره من العقود يحتاج إلي وجود المختصين من فقهاء القانون الدستوري الذين لديهم الخبرة والمعرفة بالتجارب السابقة والمحلية.
ثالثاً: الهيئة التأسيسية المناط بها وضع الدستورهي المطبخ، لكن تنظم مناقشات مجتمعية واسعة: نوعية مثل النساء والمجموعات المهنية؛ المتخصصة، النقابات، الاتحادات، الصحافة، الاعلام، الهيئة القضائية. توفر أيضاً شبكة اتصالات وتواصل مع المواطنين عن طريق الندوات المتخصصة، الاعلام، الوسائط الإجتماعية وغيرها.
رابعاً: تراوح زمن الوصول إلي دستور توافقي من شهور إلي سنوات حسب ظروف كل دولة. الهيئة التأسيسية المناط بها وضع الدستور عليها أن تطرح خريطة طريق واضحة ومحددة بالانشطة والمواقيت يتم الاتفاق عليها.
خامساً: نوعية الاستفتاء: هناك قرارت وقوانين يكفي فيها أغلبية النصف زائد واحد، وهناك ما يلزمها أغلبية الثلثين، وهناك أشياء لا تستقيم إلا بالإجماع. وهناك مستوى أعلي وهو المستوى الإنساني لا تطرح أصلاً للاستفتاء مثل الحرية، ولا على قهر أو سلب حقوق الأقلية أو فرض معتقدات الأغلبية عليها وغيرها.
قضايا دستورية جديدة
هناك قضايا دستورية جديدة طرحت لتعزيز الديمقراطية، طرحتها تجارب الشعوب المختلفة والحاجة اليها. الاعلام: يجري على نحو متزايد، إبدال مفهوم سيادة الدولة من اشكالها التقليدية من السلطات الثلاث التشريعية، التنفيذية والقضاء إلي ادراج الاعلام بانواعه كسلطة محمية بالدستور. هذا قديم في الديمقراطيات المستقرة مثل التعديل الأول الشهير للدستور الأميركي "إن الكونغرس لا يصدر أي قانون يحد من حرية التعبير أو حرية الصحافة"، وبعبارة أخرى أن القانون الأعلي هو فوق السلطة التشريعية. البيئة: إن الاهتمام بمادة دستورية تهتم بالبيئة وحمايتها قد تشكل نقطة فاصلة في تحقيق الرؤية المبتغاة من خلق جزء كبير من التطور المنشود، كما نصت دساتير المغرب، ناميبيا والإكوادور.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.