تساءل الدكتور رفعت السعيد رئيس المجلس الاستشاري بحزب التجمع الوطني التقدمي في الندوة التي عقدت في القاعة الرئيسية بمعرض القاهرة للكتاب في دورته ال 46 حول "الأصولية والتجديد" عن عدم وصول المفكرين والمناضلين المصريين إلى طموحاتهم التي خرجوا من أجلها في الثورتين 25 يناير و30 يونيو مقارنة بما أحدثته الثورة الفرنسية من تقدم لافت وتطور في كافة المجالات للفرنسيين. ورأى السعيد أن بعض المفكرين حاولوا المزج بين الفكر الديني والوعي المجتمعي لكنهم اعتمدوا على الكتب والصحف في مخاطبة الجماهير رغم أن عددا كبيرا من المواطنين لا يقرءون، وبالتالي لا تصل إليهم آراء من المفترض أنها تخاطب البسطاء وتعبر عن مطالبهم وتتحدث باسمهم. ولفت السعيد إلى أن برنامج المجلس الاستشاري بحزب التجمع الوطني الانتخابي عام 2012، كان يحمل شعار الثورة في 2013 ألا وهو "عيش وحرية وعدالة اجتماعية" مؤكدًا أن مطالب ثورتي يناير ويوليو لم تتحقق بعد. وقال "علينا أن نعى جيدا أن المطالب التي خرج من أجلها الشعب المصري فى ثورتي 25 يناير و30 يونيو في العيش والحرية والعدالة الاجتماعية لم تتحقق حتى الآن، لذلك على القوى السياسية التخلى عن صراعاتها على السلطة والالتفات إليهم". وحذر د. السعيد، أنه لو لم تتحقق مطالب الشعب الذي لم يعد مهتما كثيرا بالسياسة وأمورها وانصرف عنها "سنكون جميعا في مأزق لن نتمكن من الخروج منه بسلام إن لم تتحقق المطالب الأساسية للناس". واتهم المفكر الإسلامي د. محمد الشحات الجندي، الأمين العام السابق للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، عددا من علماء وفقهاء الإسلام في العصر الحالي، برفض فكرة الاجتهاد والرأي والالتزام بالنص الصريح، وأوضح "كل الشرائع فيها اتجاهان، الأول أصولي يتمسك بأصل النص، والآخر يدعو إلى التفكير وإعمال العقل لأن مصادر الإسلام نقل وعقل، النقل يعتمد على النص، والعقل يعتمد على القياس". وقال إن حجة المتشددين أن فتح باب الرأي والاجتهاد يساهم في التلاعب بالنص القرآني، ليصدروا بذلك دينا بعيدًا عن النص لأجيال متعاقبة، بالرغم من تغير الظروف في الوقت الحالي عما كان في الماضي وهو ما يحتاج إلى اجتهاد يلبي حاجة المجتمعات الحديثة، وما يعني انغلاقا على فكر قديم كانت له أسبابه ومبرراته في الزمن الماضي". وأوضح أنه إذا تعارض النص مع العقل فإن هناك أمرين الأول هو التوفيق بقدر الإمكان بين النص والعقل من خلال تفسير النص بطريقة عقلانية بعد الخروج عن النص، والأمر الثاني إمكانية تقديم العقل على النص إذا كانت هناك مصلحة عامة. وأضاف أن هناك من يتشدد بالنص الديني، رغم عدم مواكبته للعصر، مطالبًا بالتوصل لحل حتى لا يكون هناك تعارض بين العقل والنص، فالتشدد والوقوف على رأي واحد لا يمكن تقبله في الإسلام، ولا يمكن أن يحقق تقدما في الوقت الحالي. ورأى د. الجندي إن تقديس آراء الأئمة السابقين لا وجود له في الإسلام وحتى أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال "أنتم أعلم بشئون دنياكم" وإن ذلك خير دليل على إعمال العقل. وأضاف أن "الأصولية في الإسلام تعني التمسك بثوابت الدين، ولكن في مقابل ذلك يجب علينا الانفتاح على الآراء ومحاولة الاجتهاد، فالأصوليون يبررون تمسكهم بحرفية النص حتى لا يتم إخراج النصوص عن مضمونها بعد اجتهادات الناس جيل بعد جيل، فهم يخشون على ضياع روح الإسلام أو إخراجه من مضمونه، ولكن هناك مدارس أخرى في الإسلام تفضل إعمال العقل فبدون العقل لا يمكن أن يطالب الإنسان بتكاليف الشريعة الإسلامية". وأكد أن لا أحد يملك حق احتكار فهم النص الديني، أما إذا تصادم النص مع العقل فستكون هناك إشكالية حلها الأول محاولة التوفيق بين العقل والنص لتفسير النص بصورة عقلانية دون الخروج عن النص بنسبة كبيرة، أما إذا كانت هناك مصلحة عامة للمجتمع إذا أعملنا العقل على حساب النص فسيكون من الواجب أن نلجأ للعقل. وأشار د. الجندي أن التجديد في الخطاب الديني لا يقوم به الهواة، ولكن يتولى مسئوليته المتخصصون في العلم، لافتا إلى أن الإسلام يقبل التجديد ولا يخاصم العقل ولكن العقل المنضبط الواعي. ومن جانبه شدد د. إمام يحيى أستاذ الجراحة بجامعة الإسكندرية، على حاجة العصر لثورة دينية، وقال "لا يمكن أن نعمل فهما للدين مضادا للحضارة الإنسانية، فما كان مقبولا في الماضى لا يمكن أن نسمح به الآن. وأن الثورة الدينية يجب أن تبدأ من المدراس وتهيئة النشء الجديد وتثقيفهم بالعلوم الدينية جيدا من خلال الكتب المفيدة التي تعطيهم الخبرات الكافية". وطالب د. يحيي بإعادة تعديل المناهج التعليمية الدينية وقال "علينا كذلك تنقية مناهج الأزهر من الكتب الصفراء التي لا علاقة لها بالعصر. كما أن هناك أهمية لوجود كتاب في المناهج التعليمية عن العام الذي حكمه الإخوان، حتى لا يكون هناك مجال لنسيان ما فعلوه بالوطن ويصبح شاهدا على ما اقترفوه من جرائم في حق الوطن ليتسني للأجيال القادمة الاطلاع على ما فعلوه من أمور كادت أن تفتت الوطن وتفقده هويته. وأوضح أن الإسلام هو آخر الديانات، وهو ذروة التطور في مسيرة الأديان السماوية، وذلك يتنافى تماما مع روح التعصب التي يتمسك بها البعض ظنا منهم أن ذلك اتساق مع روح الدين. وذكر أن الاجتهاد في الدين له شروط من أهمها المعرفة الشاملة للقرآن والسنة والمعرفة بظروف العصر والمعرفة بالعلوم التطبيقية الحديثة. وقال فيما يخص الدعوات لمصادرة بعض الكتب التي تدعو إلى التعصب أمثال كتب حسن البنا، إنه يرفض هذه الدعوات، "المصادرة ليست حلا لكن علينا السماح بطرح جميع الأفكار، وعلينا كذلك قراءة تاريخ فترة حكم الإخوان وتدريسها لكي نكشف الحقائق للأجيال القادمة. وأشار يحيي أن رد فعل المسلمين تجاه الرسوم المسيئة للرسول (صلى الله عليه وسلم) والتي نشرت في فرنسا، لم يكن ردا إسلاميا حقيقيا، لأننا لم نلتزم بسماحة الإسلام وقول الله عز وجل "وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما".