إذا كان كثرة التكرار تعلم الحمار، فإن كثرة الجدال تعلم الإستحمار. اللغط الذي يثار حول الدستور يؤكد الأخيرة ويجعلني أردد الكلمتين اللتين قلتهما قبل سنوات: الحرية قبل الدستور. غير ذلك لا يجب أن نطلق على ما يكتب ويملى دستورا، وبذلك يستحق التهكم به ونعته بدستور بدرية أو بشة، واللولية –كما ورد-، أو حتى دستوركم يا أولاد ماما. سأكرر من جديد، من غير لغة معقدة وببساطة الهدف من الدستور. الدستور لديه مهمتان: - حماية الدولة من عبث العابثين الصائعين، سواء ان كان هذا العابث الصائع (وهو الفاسد المتشرد) رئيس منتخب –ناهيك عن ديكتاتور مغتصب للسلطة- أو حزبه، أو مسؤول دولة، أو أحزاب فكة متسكعة تعيش على الفكة، أو حتى زعيم إجتماعي يريد سن القوانين الدستورية لصالح طائفته او حزبه أو قبيلته او جماعته. - حماية حقوق الناس؛ يعني أي إنسان يعيش في الدولة. و هذه الحقوق هي الحقوق الإنسانية التي توصل إليها العالم بعد ألاف السنين من نضال وكفاح وحروب. كالحقوق الدينية العقدية، الحقوق التي يجب أن تمنحها لك الدولة كمواطن فيها: نصيبك من ثروتها في شكل تعليم، صحة، وتهيأة فرصة العمل التنافسية المناسبة للمشاركة في بنائها. حقك في التصويت النزيه للمشاركة في الحياة السياسية….إلخ. بإختصار: الدستور يرسم خط أحمر لحماية حقوق أي شخص مواطن في الدولة. الدستور يكتب ليضمن لك حريتك وحرية الآخرين، وأن تعيشوا سويا في إحترام متبادل في رقعة أرض واحدة. الدستور يأمنك من الخوف واول ما يحرر عقلك بحيث يضمن لك حقك في ما تعتقد وتؤمن وتقول ذلك بحرية شريطة ان لا تؤذي به أحدا. الدستور يصاغ لحماية حقوق الأقليات أكثر من لضمان حقوق الغالبية. فيجب أن يكون دستورا للدولة وليس دستورا ينتمي إلى أي حزب أو جماعة او طائفة أو دين. فأسوأ أنواع الدساتير التي تكتب بواسطة عصبة صعاليك و يطلق عليها أسامي: كدستور الشريعة والدستور الإسلامي، لإرهاب المنافسين وللخداع والكسب السياسي الكاذب. الله عز وجل بين و فصل في كتابه العزيز بقل يا أيها الكافرون ب: ((لكم دينكم ولي دين)) كخطاب للجاهليين ليعيش الناس بهذا المبدأ. ثم خطاب آخر لجميع الناس بأن يتعارفوا ويعيشوا مع بعضهم بعضا بفاصل دستوري شخصي إسمه التقوى: ((يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير))، ولكن الجاهليين لا يزال يصرون على سلب حرية الناس والتسلط عليهم وأكل حقوقهم بالباطل. إن عامة الشعب الآن لا تدري ماذا يحدث في الدستور، وليس في إهتمامها أصلا أن تعرف ما به لأنها لا تعيش في حرية و شغلها الشاغل الآن هو لقمة العيش. وهناك عدم وعي رهيب، فأغلبهم لا يعرفون كيف بنت الدول الناجحة نفسها بدساتير مثالية عادلة حققت الشرطين أعلاه بإحداث توازن الفصل بين السلطات القضائية والتشريعية والتنفيذية. إنني لا ألوم الناس وهذا ليس ذنبهم أنهم عاشوا في دولة مشوهة طوال عمرهم، ناهيك عن مجتمع يتلذذ بالعصبية والقبلية الجاهلية ويتبلد بإغتصاب حقوق بعضه، ويتفاخر بذلك، إلا ما رحم ربي. وذلك كله نتيجة لما في خواء الدساتير التي تجعل الدولة ظالمة حيث يلجأ كل فرد إلى القبيلة والعصبية لينال حقوقه. ولأن الشعب يشهد حقوقه تغتصب مرارا وتكرار أمام عينيه أصبح يخجل ويستعر منها ولا يطالب بها ولا يريدها أساسا عن طريق الدولة لأنه لا يثق بأنها ستنصفه. لذلك أرجع للنقطة الأولى: لابد للناس أن يحرروا وطنهم أولا، ثم يمكنهم بعدها من صياغة دستورهم الذي يحمي دولتهم و يحفظ حقوقهم. فمن لا يملك حريته لا يملك حقوقه بالتالي لا دستور له، وأي دستور يكتب بواسطة الصائعين في ظل عبودية الناس لا يمكن إلا أن يضمن لهم ضياع حقوقهم الإنسانية بالتأكيد.