زيارة البشير الحالية في معية وفد عالي المستوي ضم رئيس جهاز الأمن وعدد محترم من الوزراء يأتي في إطار سياسة صرف الأنظار وتشتيت الإنتباه وتخفيف الضغط والتي برعت فيها حكومة البشير حيث ما أن يقع هذا النظام في مأزق أو ورطة أو فضيحة إلا ويتبعها بحدث آخر يصرف الإنتباه ويفك الضغط مستعينا على ذلك بطيبة الشعب وانشغاله في الكفاح من أجل رغيف الخبز وربما ضعف ذاكرته حيث على سبيل المثال لا الحصر تمت الإقالات الجماعية لكبار رجالات حكومة البشير ومنهم علي عثمان ونافع وعوض أبو الجاز لتغطي على زخم إنتفاضة سبتمبر المجيدة في العام المنصرم وتطفئ شعلتها ثم جاءت قضية الأقطان لتغطي على قضية الشهيدة عوضية عجبنا وجاءت قضية حاويات المخدرات لتغطي على قضية سرقة المال العام بمكتب والي الخرطوم وجاءت قضية حاويات النفايات المشعة لتغطي على مخطط مصادرة الصحف وإرهاب المنتقدين وهلم جرا وبين هذا وذاك يعتقل الصادق المهدي ويفرج عنه ويعتقل آخرين ولا يفرج عنهم وتتنوع تحالفات وتتجدد إعلانات ووثائق المعارضة وتتكرر وثبات الحكومة ونكوصها عن تعهداتها بينما لم يفتر نقيق ضفادع مامون حميدة ولم تهدأ شهية الجقور في أنحاء البلاد الإسمنتية . وفي خضم هذا الزخم واصلت حكومة الإنقاذ مزاولة حرفتها الإستراتيجية الناجحة جدا وهي التمكن من إصطياد ونهب أموال الداعمين الدوليين أو أولئك الباحثين عن تحالفات لخدمة أهدافهم ومصالحهم في المنطقة مقابل بيعم الوهم بمليارات معدودة تضاف لأرصدة رجال الحكومة (الزاهدين الأتقياء) والذين عاصروا أثناء فترة جلوسهم على كراسي السلطة ما أقله ثلاثة رؤساء وأطقم لحكومات أمريكية وأوروبية ربما أعتزل معظمهم حاليا العمل السياسي أو توفاهم الله كما تغيرت خلالها كل أنظمة الحكم العربية والإفريقية والآسيوية وحكامها في الغالب الأعم . كانت الولاياتالمتحدةالأمريكية من أول ضحايا خداع حكومة الإنقاذ حيث اعتقد الأمريكان (المحترفين ) أنهم وجدوا ضالتهم في شريك إستراتيجي ماكر طموح نشط ومغامر تستطيع معه حكومتهم السيطرة على المنطقة والقبض على زمام الأمور فيها لولا الفشل الذي أصاب عملية إغتيال الرئيس المصري حستي مبارك عام 1995 والذي كشف عن مدى القبح والخداع في نظام الخرطوم . . بينما لم تكتشف مصر نوايا أمريكا حينذاك . تكرر مسلسل الخداع الإنقاذي بعد ذلك مع السعودية وأوروبا ومنظمات المجتمع الدولي وحتى بن لادن وكارلوس وصولا إلى إيرانوقطر والتي يبدو أنها حاولت أن تروض النظام عن طريق التنظيم العالمي للأخوان المسلمين ثم بعد ذلك عن طريق إدارة ملف دارفور حيث ضخت قطر المليارات في السودان دون أن تدري أن طرف الأنبوب الآخر لا يؤدي إلى السودان أو بالضرورة إلى خدمة أهداف الإخوان المسلمين بل يؤدي مباشرة إلى جيوب أعضاء حكومة البشير وزمرتهم واهليهم . حاولت قطر ممارسة الذكاء في متابعة أموالها المدفوعة للحكومة السودانية حيث سمحت هذه الأخيرة بمكر و دهاء عاليين للقطريين بتطبيق أساليبهم لمراقبة صرف المنح فسحقت إطارات الطائرات الأميرية القطرية الحاملة لممثلي الحكومة القطرية مدرجات مطارات الخرطوم والابيض والفاشر هبوطا وصعودا فرحين بفرضية فرض سيطرتهم على حكومة البشير بينما كان أعضاء هذه الأخيرة يستمتعون بمشاهدة ( توم القط ) وهو يحاول هزيمة (جيري الجقر) وكان آخرهم أمير قطر الذي وصل إلى السودان بنفسه في إبريل من العام الماضي في زيارة تفتيشية ليسأل عن فلوسه وعن الكميات الضخمة من الأسلحة والعتاد والأموال والتي كان من المفترض أن تصرفها حكومة السودان في دعم المصالحة الوطنية أو الإصلاح الإقتصادي أو لإيصالها إلى إخوان ليبيا لكنها وكعادتها مع معظم بقية مليارات الدعم القطرية . . لم ولن تصل إلى وجهتها ! أما الشقيقة مصر فقد مارس معها نظام الإنقاذ أسوأ ممارسات التضليل حتى أصابتها حالة من التوهان أصبحت معها لا تدري ماذا تفعل . . فما أن تصل لنتائج ترجح بأن نظام الإنقاذ معادي لها ولمصالحها إلا وتجد البشير أو مبعوثيه في زيارتها يقدمون فروض الولاء والدعم . . مساندين لها ومؤازرين في ملف سد التهضة . . وما أن تطمئن وتبدأ في التعامل مع الأمر إلا وتجد البشير على الطرف النقيض يلقي خطابا يقدم فيه الدعم لأثيوبيا ولسد نهضتها تماشيا مع برنامج الوثبة الإنقاذي مما جعل المصريين ( عاوزين يشقوا هدومهم ) . بقية دول الخليج قررت إلى حد ما النأي عن حكومة السودان وعدم الثقة فيها مجددا بعد عدة تجارب ولدغات كان نصيب الإمارات منها خسائر فادحة وغير مبررة منها وليس آخرها ما حدث معها في عملية شراء الفلل الرئاسية وما تبعها من مشاكل وتداعيات كان في إمكان البشير أو أي من معاونيه حلها بمكالمة هاتفية إلا إنهم لم يفعلوا فخسرت الإمارات أموالا مقدرة وثقة ومصداقية تجاه السودان لا تقدر بثمن مما حدا بها بالإكتفاء بالعلاقات الفاترة ودبلوماسية المغتربين حيث يعيش ويعمل فيها وبقية دول الخليج الملايين من أبناء السودان بكل إحترام وانضباط ولكن نظام البشير يحاول هذه الأيام طرق أبواب دول الخليج مجددا ضمن عملية تشتيت إنتباه جديدة وربما عمليات ( جني أرباح ) حسب مصطلحات أسواق المال . كانت الأمارات ومازالت إحدى الجهات المفضلة للثروات المسروقة من المال العام والعمولات والإعانات المقدمة للشعب السوداني ، فالنظام المصرفي الإماراتي يتمتع برحابة وحرية ومرونة عالية بالإضافة إلى أمان مدعوم بوجود فرص إستثمارية جيدة و ما كان للأموال المنهوبة من الشعب السوداني أن تجد طريقها إلى حسابات آمنة في الإمارات مفتوحة بأسماء شركات ( مموهة ) لولا وجود أشخاص مثل طراد محمود رئيس مصرف أبوظبي الإسلامي والذي تحايل على النظام المصرفي و كان الشفرة التي فتحت الأبواب المغلقة والمحظورة على حكومة الخرطوم من قبل المجتمع الدولي فأنقذها من الإختناق وضخ الدماء في شرايينها بعد أن كانت تحتضر من الحصار الدولي وعن طريقه نفذت الحكومة إلى الأسواق تسد نهمها من كل شيئ بدءا من القرطاسية وانتهاءً بالذخيرة والعتاد ومرورا بالسيارات والأثاثات الفاخرة بينما كان هو في الجانب الآخر يزيل بهذه الحسابات الضخمة الصعوبات التي بدأت تواجهه في الحفاظ على وظيفته ، ففي عملية Exchange واحدة مثالا حصل المصرف على ربح بلغ 4 مليون درهم وبالطبع حصل طراد على نسبة من هذا المبلغ كحافز وكذلك بقية الموظفين المعنيين وعلى رأسهم مهدي كيلاني المسئول المباشر عن هذه الحسابات والذي آثر الإحتفاظ بمعظم المبلغ لنفسه لولا تذمر الموظفين عليه . . أما الخاسر الأوحد والدائم فهو شعب السودان . قام طراد محمود مهندس فك الحظر لحكومة الإنقاذ بالسماح بفتح حسابات لشركات بأسماء أشخاص مقيمين في الإمارات مع علمه التام بأنها مموهة وأنها حقيقة مملوكة لحكومة السودان حيث تم فتح حسابات لهذه الشركات وفتح ودائع لها بمبالغ وصلت لمليارات الدراهم كانت قد تم تهريبها بنجاح من السودان للإمارات نقدا محمولة جوا برغم فشل بعض عمليات التهريب وكشفها من قبل سلطات الإمارات ونشرها للرأي العام ، ببساطة شديدة يقبل مصرف أبو ظبي الإسلامي بموجب تعليمات رئيسه التنفيذي طراد محمود تلك الودائع الضخمة كضمان يصدر بموجبه خطابات الإعتماد للشركات المذكورة التي تقوم بدورها باستعمال هذه الضمانات لشراء متطلبات حكومة الخرطوم المحظورة وتوريدها إلى الأمارات ومن ثم بيعها شكليا لوسطاء من نفس المجموعة يقومون بتصديرها للسودان حيث تباع هناك بأضعاف مضاعفة نسبة لإحتكار رجال الإنقاذ للسوق المحلية وتحكمهم في النقد الأجنبي ولقد قام طراد محمود بفتح فرع لمصرف أبوظبي الإسلامي في الخرطوم لتسهيل الأمور على مليونيرات الإنفاذ النافذين ويعلم كل العاملين في القطاع المصرفي في السودان أن المصرف يتعامل مدعوما ومحميا من نظام الخرطوم أما طراد محمود فهو قطري الجنسية ( من أصل فلسطينى ) يحمل أيضا الجنسية الكندية رغم أن القانون القطري لايسمح بازدواج الجنسية لكن هذه المسألة تبقى ضمن تساؤلات أخرى تصاحب الرجل منذ فترة عمله في السعودية وما صاحبها من إدعاءات فساد يبدو أنها بدأت تتكرر الآن في الإمارات وتساؤلات أخرى عن لماذا لم يعمل أبدا في بلده قطر وهل هو رجل قطر المزروع في الإمارات ولهذا يتصرف دون مراعاة وربما عن علم لتوريط المصرف في تهم تتعلق بخرق الحظر المفروض على السودان مما سيضطر المصرف معه إلى دفع غرامات باهظة حتى ولو بعد سنوات طويلة وحتى لو لم يكن هو على رأس عمله كما حدث مع عدة بنوك عالمية في وقت لازالت فيه ذاكرة المودعين في الإمارات تجتر بمرار شديد الخسائر الفادحة لبنك الإعتماد والتجارة في أوائل تسعينيات القرن الماضي وقد يكون الرجل مجرد فرد يعمل لمصلحته الشخصية ولكن في كل الأحوال فهو شخص شديد الضرر على الشعب السوداني كما هو شديد الأهمية لحكومة الإنقاذ التي تستعين بالكثيرين من هذه الفئة التي لا وطن لها ولاإنتماء ولا مبدأ ولا ولاء الا للمال وكانت قد تسربت قبل أيام أسماء وأرصدة بعض المودعين في فضيحة بنك HSBC أكبر بنوك العالم والتي هزت الاوساط المالية العالمية وكشفت أن البنك يقوم بمساعدة مودعين كبار على التهرب من الضرائب حيث انخفض على إثرها سعر سهم البنك إنخفاضا ملحوظا . وكان من بين الأسماء التي رشحت أسماء لقادة عرب ولكن ما لفت نظر المراقبين في السودان هو وجود حسابات بمبالغ وصلت إلى 131 مليون دولار زعم أنها لمودعين سودانيين مع وجود ملحوظة بأن بعضهم غير سودانيين لكنهم يحملون جوازات سفر سودانية . بدا البشير خلال زيارته الأخيرة للإمارات وكأنه يغيظ القطريين بينما كان أمير قطر في الولاياتالمتحدة يستمتع بإبتلاع نفس نوع الكذب و التضليل الإنقاذية ولكن من أوباما هذه المرة بينما تداعيات كأس العالم وعصيها تضرب بإلحاح على البقرة القطرية لتحلب أكثر فتارة ترفع ملف قطر السيء في حقوق الإنسان وتارة أخرى ترفع ملف تعويض أندية العالم على الخسائر التي ستصيبها من جراء تغيير مواعيد كأس العالم لتكون في شتاء 2022 بدلا عن الموعد الصيفي المعتاد . على الصعيد نفسه وفي نفس السياق بدأت دولة قطر تشعر بالحيرة تجاه حكومة الخرطوم وتكظم غضبها لأنها كما يبدو لازالت مثلا في حوجة إلى عشرات الآلاف من رجال الأمن والشرطة لتأمين فعاليات نهائيات كأس العالم ويبدو حتى الآن أن حكومة البشير هي مصدرها المفضل لهذه القوات لكن البشير الذي يلعب على كل الحبال يبدو أنه قد أتعبها بعد أن إستنفذت معه كل الإغراءات ولم يتبقى لها الا أن تزوج البشير إلى حسناء قطرية تحتل القصر الجديد وتحتل قلبه وقراره . اللهم ارحمنا أجمعين