رباب علي: التاريخ يقول إن كل ثورة تتفجر لا بد أن تنتصر حتماً، وأن الوصول إلى ثورة ناجحة لا يتم إلا عبر قواعد وفنون مدروسة، لا تشمل الهواية أو التردد أو عدم الاستعداد، وهذا هو المعنى الذي اشتملت عليه ثورة السادس من أبريل في العام 1985م. فقبل «27» عاماً سبق الشعب السوداني كل الشعوب العربية التي ثارت ضد حكوماتها قبل عامين والتي عرفت بالربيع العربي، وذلك بوضع الشعب السوداني حداً لحقبة الرئيس الراحل جعفر نميري بعد «16» عاماً قضاها على سدة الحكم بانتفاضة لمدة عشرة أيام فقط، بدأت في 26 من مارس واستمرت حتى السادس من أبريل عام 1985م، انتهت بانتصار الإرادة الشعبية في ذلك اليوم بالتحام الجيش مع الشعب، وبذلك أثبت الشعب السوداني أنه قادر على انتزاع حريته وتقرير مصيره. واختزلت الثورة في الذاكرة السودانية عند المشير عبد الرحمن سوار الذهب باعتباره من أذاع البيان الذي أسقط 16 عاما من حكم ثورة مايو 1969م. ويأتي الاختزال لاعتماد سوار الذهب على إرسائه لسابقة التخلي عن الحكم والوفاء بالتعهد الذي قطعه بإعطاء نفسه مهلة عام واحد يسلم بعده الحكم لحكومة منتخبة، واستجابته للانتفاضة الشعبية السودانية وإطاحته بالرئيس نميري في 1985م، وتولى مقاليد الحكم وترأسه مجلسا انتقاليا، ووعده بتسليمها للحكومة المنتخبة فقدمها طواعية لرئيس الوزراء المنتخب الصادق المهدي آنذاك. كما نجد أن ثورة 6 أبريل ترسخت في الذاكرة السودانية في عدة اتجاهات، فبعد اكتواء العديد بالنظام المايوي كالشيوعيين، اعتبروها انطلاقة جديدة لإحياء عصر الجماهير والشوارع الغاضبة والاقتصاص من سدنة نظام نميري، وحزب الأمة الذي رأى في أبريل فرصة ثار أخرى، أما الجنوبيون فقد رأت الحركة الشعبية لتحرير السودان التي تفجرت آنذاك، فقد رأت أن في أبريل مايو أخرى، فأبقت على مشروعها لحمل ورفع السلاح في وجه ثورة وليدة ثم تجربة ديموقراطية هشة، فكان أن اندحرت كل التجربة قبل أن تكمل عامها الرابع في يونيو 1989 بانقلاب خططت له الجبهة الإسلامية القومية التي كان الترابي قد أنشأها في 1985 وحصد بها في التجربة الديموقراطية نحو «52» مقعداً أمام دهشة الشارع السوداني. ملحمة الشعب السوداني التي انطلقت شرارتها في السادس والعشرين من شهر مارس في نفس العام، والتي وصفها شاهد العيان آنذاك الأستاذ تاج السر محمد صالح القيادي بالحزب الاتحادي الأصل ل «الإنتباهة» بأنها كانت عبارة عن انفجار لحدث بعد اضطرابات كثيرة بدأها المواطن بالتمرد على النظام المايوي الذي ظلم كثيراً من خلال سياساته وتضرر منه الكثيرون، وقال إن التجمعات والتظاهرات ظلت إلى أن صدر قرار «6» مايو بانحياز القوات المسلحة للموقف الشعبي الظاهر، والذي وجد ترحيباً واسعاً من الشعب السوداني. مشاهدات الحدث كانت انتفاضة أبريل سبباً في خروج السجناء، حيث كسر الشعب سجن كوبر وأطلق سراح المسجونين عامة وكان ذلك في «8» أبريل، واستلم الشعب مشنقة السجن وهم يهتفون «الشعب ارتاح من السفاح»، «لا راية إلا رايتنا، ولا ولاء إلا لوطننا ولا انتماء إلا لسوداننا الواحد»، وهي العبارات التي رددها الجيش السوداني وانحيازه إلى الانتفاضة وحسمها لصالحه. ورغم محاولات النظام المايوي لإخماد نيران الانتفاضة إلا أن الشعب السوداني ظل صامداً حتى جاء البيان الذي أكد انحياز الجيش للشعب، وإجماع القوات المسلحة رسمياً تضامنها مع الشعب لإنهاء عهد الظلم والبطش وفتح عهد جديد. اجتهادات خارجية.. وخلال حديثه ل «الإنتباهة» أكد العميد عبد الرحمن فرح، أن السادس من مايو يوم مميز في حياة الشعب السوداني، والذي كان فيه اجتهادات من الخارج لتقويض النظام، إضافة الى التدخل المصري الواضح آنذاك، ووصف الوضع بأنه كان في منتهى السوء، وأشار الى أنه بعد سفر الرئيس الراحل جعفر النميري إلى أمريكا بدأت الترتيبات التي كانت تتم في سرية لعامين سابقين عبر العديد من الاجتماعات المكثفة بمنزلي بالمنشية ما بين الأحزاب السياسية على رأسها حزب الأمة القومي وبعض قيادات القوات المسلحة والجيش، وحركة الضباط الأحرار التي تزعمها الراحل الفريق توفيق خليل، وبعد اجتماعات مكثفة مع الصادق المهدي تم الاتفاق على تحريك الشارع السوداني لمدة «72» ساعة على ألا يتم إطلاق الرصاص عليه وهو وعد التزم به الجيش السوداني والقوات المسلحة، فاستمرت المظاهرات الى أن سقط النظام. وقال فرح إن العظة التي خرجنا بها أنه بتكاتف الأيدي عبر السعي الدؤوب لإسقاط النظام كانت مؤشراته الاجتماعات التي تمت بعد الثورة لأجل وضع الترتيبات للوصول إلى ميثاق ولكنه لم يتم الاتفاق عليه بعد كتابته، وتم رفضه، بسبب التناطح الذي كان يتم من أجل الحصول على مقعد في السلطة. لم تشكل ثورة السادس من أبريل مفاجأة للعالم والشعوب العربية، لأن السودان توافرت فيه كل دلائل الثورة الشعبية منذ زمن طويل، خاصة وأن قوات الجيش السوداني والشرطة انضمت إلى جماهير الشعب السوداني الزاحفة على نظام نميري بعد أن كسب عداوة كل من حوله في كل الاتجاهات شمالاً وجنوباً، فتعددت الأسباب التي فجرت غضب الجماهير التي كان أبرزها التطبيق الخاطئ للشريعة الإسلامية التي حاول الراحل نميري إشاعتها فيما عرف بقوانين سبتمبر 1983م، ومشكلة جنوب السودان التي تفاقمت جراء إعادة تقسيم الإقليم الجنوبي لثلاثة أقاليم بعد توحيدها وفقاً لاتفاق أديس أبابا عام 1972م. على الرغم من ان أهداف المرحلة الانتقالية التي أعلنت وقتها كانت لا تشير إلى استبدال نظام عسكري بآخر، بل تسعى لاحتواء آثار فترة حكم النميري في كل المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية إضافة الى إعداد ميثاق عمل سياسي وطني يقوم على مرتكزات أساسية ذكرت وقتها، إلا ان ما حدث من ممارسات وصراعات أعاد الانقلاب العسكري مرة أخرى في يونيو 1989م أي بعد سنوات قلائل من تلك الانتفاضة الخالدة، إلا أن ذلك لا يعني أن الشعب السوداني في كل زمان هو رائد الثورات الشعبية والانتفاضات في الوطن العربي.