شاهد بالفيديو.. السيدة المصرية التي عانقت جارتها السودانية لحظة وداعها تنهار بالبكاء بعد فراقها وتصرح: (السودانيين ناس بتوع دين وعوضتني فقد أمي وسوف أسافر الخرطوم وألحق بها قريباً)    شاهد بالفيديو.. التيكتوكر السودانية خديجة أمريكا تظهر بإطلالة ملفتة وتزعم أنها "هندية" الجنسية    شاهد بالصورة.. بعد أن أعلنت في وقت سابق رفضها فكرة الزواج والإرتباط بأي رجل.. الناشطة السودانية وئام شوقي تفاجئ الجميع وتحتفل بخطبتها    البرهان : لن نضع السلاح إلا باستئصال التمرد والعدوان الغاشم    وفد عسكري أوغندي قرب جوبا    تقارير تكشف خسائر مشغلّي خدمات الاتصالات في السودان    مجاعة تهدد آلاف السودانيين في الفاشر    تجدّد إصابة إندريك "أحبط" إعارته لريال سوسيداد    توجيه الاتهام إلى 16 من قادة المليشيا المتمردة في قضية مقتل والي غرب دارفور السابق خميس ابكر    لدى مخاطبته حفل تكريم رجل الاعمال شكينيبة بادي يشيد بجامعة النيل الازرق في دعم الاستقرار    شغل مؤسس    عثمان ميرغني يكتب: لا وقت للدموع..    السودان..وزير يرحب بمبادرة لحزب شهير    الهلال السوداني يلاحق مقلدي شعاره قانونيًا في مصر: تحذير رسمي للمصانع ونقاط البيع    "ناسا" تخطط لبناء مفاعل نووي على سطح القمر    ريال مدريد الجديد.. من الغالاكتيكوس إلى أصغر قائمة في القرن ال 21    تيك توك يحذف 16.5 مليون فيديو في 5 دول عربية خلال 3 أشهر    الشان لا ترحم الأخطاء    صقور الجديان في الشان مشوار صعب وأمل كبير    الإسبان يستعينون ب"الأقزام السبعة" للانتقام من يامال    السودان.."الشبكة المتخصّصة" في قبضة السلطات    مقتل 68 مهاجرا أفريقيا وفقدان العشرات إثر غرق قارب    ريال مدريد لفينيسيوس: سنتخلى عنك مثل راموس.. والبرازيلي يرضخ    مسؤول سوداني يردّ على"شائعة" بشأن اتّفاقية سعودية    غنوا للصحافة… وانصتوا لندائها    توضيح من نادي المريخ    حرام شرعًا.. حملة ضد جبّادات الكهرباء في كسلا    شاهد بالفيديو.. بأزياء مثيرة وعلى أنغام "ولا يا ولا".. الفنانة عشة الجبل تظهر حافية القدمين في "كليب" جديد من شاطئ البحر وساخرون: (جواهر برو ماكس)    امرأة على رأس قيادة بنك الخرطوم..!!    وحدة الانقاذ البري بالدفاع المدني تنجح في إنتشال طفل حديث الولادة من داخل مرحاض في بالإسكان الثورة 75 بولاية الخرطوم    الخرطوم تحت رحمة السلاح.. فوضى أمنية تهدد حياة المدنيين    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    المصرف المركزي في الإمارات يلغي ترخيص "النهدي للصرافة"    أنقذ المئات.. تفاصيل "الوفاة البطولية" لضحية حفل محمد رمضان    لجنة أمن ولاية الخرطوم تقرر حصر وتصنيف المضبوطات تمهيداً لإعادتها لأصحابها    انتظام النوم أهم من عدد ساعاته.. دراسة تكشف المخاطر    خبر صادم في أمدرمان    اقتسام السلطة واحتساب الشعب    شاهد بالصورة والفيديو.. ماذا قالت السلطانة هدى عربي عن "الدولة"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان والممثل أحمد الجقر "يعوس" القراصة ويجهز "الملوحة" ببورتسودان وساخرون: (موهبة جديدة تضاف لقائمة مواهبك الغير موجودة)    شاهد بالفيديو.. منها صور زواجه وأخرى مع رئيس أركان الجيش.. العثور على إلبوم صور تذكارية لقائد الدعم السريع "حميدتي" داخل منزله بالخرطوم    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    رحيل "رجل الظلّ" في الدراما المصرية... لطفي لبيب يودّع مسرح الحياة    زيادة راس المال الاسمي لبنك امدرمان الوطني الي 50 مليار جنيه سوداني    وفاة 18 مهاجرًا وفقدان 50 بعد غرق قارب شرق ليبيا    احتجاجات لمرضى الكٌلى ببورتسودان    السيسي لترامب: ضع كل جهدك لإنهاء حرب غزة    تقرير يسلّط الضوء على تفاصيل جديدة بشأن حظر واتساب في السودان    استعانت بصورة حسناء مغربية وأدعت أنها قبطية أمدرمانية.. "منيرة مجدي" قصة فتاة سودانية خدعت نشطاء بارزين وعدد كبير من الشباب ووجدت دعم غير مسبوق ونالت شهرة واسعة    مقتل شاب ب 4 رصاصات على يد فرد من الجيش بالدويم    دقة ضوابط استخراج أو تجديد رخصة القيادة مفخرة لكل سوداني    أفريقيا ومحلها في خارطة الأمن السيبراني العالمي    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    ترامب: "كوكاكولا" وافقت .. منذ اليوم سيصنعون مشروبهم حسب "وصفتي" !    بتوجيه من وزير الدفاع.. فريق طبي سعودي يجري عملية دقيقة لطفلة سودانية    نمط حياة يقلل من خطر الوفاة المبكرة بنسبة 40%    عَودة شريف    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة مسافة ينتعش فيها الانتهازيون
نشر في حريات يوم 11 - 04 - 2015


[email protected]
بات الكل يجمع على أن تردي وتدهور العمل السياسي في جنوب السودان قد وصل إلى مداه الشيء الذي بات ينذر بموت السياسة و بنهاية الأحزاب السياسية في الجنوب سودانية بعدما تحولت معظمها إلى أحزاب تتسابق على التقرب من المخزن، الذي لم يحظ يوما بمثل القوة التي يتمتع بها اليوم، بعد أن هيمن على أغلبية النخب السياسية ونجح في تدجين القوى السياسية الصاعدة وكيف أغلبية الأحزاب وروضها وذلك بقتل كل نقط القوة المستقلة فيها.
ولقد أدى هذا الوضع المتأزم الذي يعيشه المشهد الحزبي في البلاد إلى تنامي ظاهرة الانتهازية في جنوب السودان اليوم بشكل فظيع حيث أصبحت من أخطر الآفات التي تنخر في أوصال المجتمع و أسسه ، و معولا هداما يعمل على القضاء على ما تبقى من القيم و المبادئ ،لاسيما وأننا نلمس المبدأ الانتهازي في زمننا هذا أكثر من أي زمن مضى ، و لا نعني بكلامنا هذا أن جنوب السودان لم يعرف هذه الفئة من الناس إلا في زمننا هذا فالانتهازية ليست مفهوما جديدا يستخدمه المثقفون و السياسيون في مصطلحات القاموس السياسي الحديث ، بل كان أسلوبا متبعا منذ القدم ، فهي ظاهرة إنسانية خطيرة تطفح بشكل عنيف في النفوس الشريرة و تظهر على السطح في الظروف العصيبة ، و لها عواقبها و انعكاساتها السيئة على المجتمع كسائر الظواهر و الآفات الاجتماعية الأخرى ، لأن الانتهازي يحطم صمود المجتمع و يجعله في بلبلة شديدة و يفقده قدرة التمييز بين الحقيقة و الزيف بحيث تضيع المقاييس و المعايير فيتمزق من الداخل و يصبح كالأشلاء بل إن ممارساته الضيقة الأفق شكلت مدخلا يدفع البلاد بكل شرائحها و بكل ما تمتلكه من قيم و مثل و إنجازات ضخمة و عظيمة و تاريخ حافل على صعيدي النظرية و التطبيق إلى هوة سحيقة . .
هناك الكثير ممن يدعون (النضال) من أجل خدمة مصلحة الجماهير الشعبية الكادحة، وينشئون لهذه الغاية، إطراء معينة (تنظيمات مجتمع المدني، واحزاب، ومجموعات قبلية) لكنهم في الواقع، لا يخدمون سوى مصالحهم الانانية الضيقة عبر هذه الأطر التي أنشأوها.
وإذا كان هناك من صفة يمكن أن تطلق على هؤلاء، فإنها صفة الانتهازية الدنيئة، التى لا يتصف بها إلا المتساقطون، الذين يكتسبون مكانتهم من خلال تضليل الجماهير الكادحة، حيث يخدعونها بهرطقاتهم وشعاراتهم الزائفة لتأمين وخدمة مصالحهم الخاصة تحت مظلة ما يسمى بمشروع "السلام من الداخل" التى يرأسها رئيس تحالف منظمات المجتمع المدني ورئيس مجموعة شلو للمصالح كما تعلمون أن القائمين عليها كانت لديهم مواقف تختلف عن ما كانوا يجهرون به في أيام الحرب ، لكن في حقيقة الامر يمكن بقليل من التمعن والتفحص اكتشاف أن هذه المجموعة ما هي الا جزء من الجوقة المعروفة بمجموعة الحركة الشعبية في معارضة التي يراسها نائب الرئيس السابق "دكتور رياك مشار، أو بوصف أخر" أنهم الانتهازين الجدد " واخواتها حيث ان ارتباطهم بهذه المجموعة استمر حتى اللحظات الأخيرة من تواجدها ولكنهم فضلوا النأى بأنفسهم والتواري عن الانظار .
وفى هذا الإطار لم يعد خافيا على أحد طبيعة العلاقة المتجذرة بين رموز مشروع (السلام من الداخل) وهي مشروع التي يطرح في ذهن المرء عديد من التساؤلات حول تلك سلام الذي ينشد إليه تحالفات المجتمع المنقسم على نفسها، ألا تحتاج تحالفات المنظمات المجتمع المدني الي سلام من الداخل حتى يستقر من تلك نفسها … ( يقول المثل فاقد شيء لا يعطيه) يريد مجتمع المدني ان يشرف علي عملية السلام من الداخل مع من؟ حكومة ومعارضة أم مجموعة شلو وحكومة؟ أم معارضة مع مجموعة شلو؟ اعتقد الإجابة مثل أجابة "جورج أموم اوكيج".. على سؤالي في مؤتمر الصحافي المشترك بين مجموعة شلو ومجتمع المدني. " من الذي أحتل لأراضي شلو حكومة أم معارضة المسلح التي أنضميتم اليه ؟ فرد كانت صفر. والانتهازيون يعادون ويناقضون الصراحة، وهذا ما يميز ممارستهم عن ممارسة الطبقات الرجعية الواضحة، المعادية للتغيير والتقدم. إذ أن لهذه الطبقات التي تدافع عن القديم أو عن الواقع الراهن عادة، مذهب سياسي، وعقيدة مستمدة من شكل المجتمع الذي تقوده وتريد له البقاء. أما الانتهازية فليس لها أي منهج أو عقيدة أو نظرية محددة، فهي تقول اليوم ما تنقضه غدا. وتقول غدا ما تتخلى عنه بعد غد…إنها تكتفي بالمواقف السياسية اليومية النفعية، وإن تبنت شكليا عقيدة ما، فإنما لخدمة هذا الموقف السياسي أو ذاك، و هي قادرة على التخلي عن كل المذاهب دفعة واحدة إذا ما اقتضت مصلحتها الظرفية ذلك.
ويغير الانتهازي، مواقفه وقناعاته بنفس اليسر والبساطة التي يغير بها قمصانه، وهو لا يفعل ذلك إلا مقابل منافعه وأهوائه الشخصية، لذلك فهو أناني، غارق في النرجسية، يعمل على أن يظل في الواجهة دائما حتى لو كان ذلك على حساب كرامته. وهو بذلك يستطيع أن يقول هذا الشيء اسود، لما كان يعتبره بالأمس بياضا ناصعا، وان يقول للجبان: يا عنترة، وللخائن: يا غاندي! ويهتف اليوم باسم الحزب الفلاني لأن مصلحته تتطلب ذلك، وغدا يدبج المقالات والقصائد الحماسية لقادة الحزب العلاني، إذا وجد عنده مركزا أفضل وإكراميات أكثر. والانتهازي لا يثبت على حال، فهو شمام جيد لرائحة مصالحه، وهو صوت سيده في كل مكان وزمان. ويعتبر المشهد السياسي الجنوبسوداني ، أكثر من أي وقت مضى، حافلا بمثل هذا النمط من البشر. ، والانتهازيون بطبيعة الحال ممثلون كبار، يتقمصون أدوارهم بجدارة، بغض النظر عن الزمان والمكان والحدث، ودون أي شعور بالغضاضة لكون ماضيهم معروفا عند القاصي والداني، ويستمرون في التمثيل ما داموا سلعة رائجة عند الحزب الفلاني أو الجهة العلانية.
ويجد الانتهازي دائما مبرراته سواء إذا كان صحفيا أو كاتبا أو سياسيا، في تبرير انتهازيه بأن المرحلة تتطلب ذلك، وهو يقصد بذلك مصلحته بطبيعة الحال، وإلا كيف لنا أن نفسر استمرار نفس الوجوه وأتباعهم الجدد ، في السياسة والثقافة والصحافة في البقاء على الواجهة خلال المرحلة السابقة والحالية في جنوب السودان ؟
وإذا كان من العبث أن يحاول الإنسان تغيير جلده ليصير أكثر بياضاً أو سواداً أو ما شاء من الألوان، فإن الأكثر عبثية أن يحاول المرء وضع الديمقراطية خارج إطارها الحضاري والإنساني ليلبسها لباساً يفقدها معناها ومدلولها، حيث أن من يلجأ إلى هذه الوسائل إنما هو كالغراب الذي أراد أن يمشي مختالاً كالطاووس فلم يزده ذلك إلا تشوهاً في مشيته وانحرافا في مسلكه، لتقوده حماقته إلى واقع يصبح فيه نذير شؤم لا يأتي منه أي خير!!.،وهؤلاء والانتهازي الجدد الذي يتلون كالحرباء حسب المكان والزمان، ويسوق نفسه كسلعة لهذا الطرف السياسي أو ذاك، يتمتع بطبيعة الحال بموهبة كبيرة، ومهارة يفتقدها الملتزم والمؤمن بقناعاته السياسية، والتي قد يظل متشبثا بها حتى لو قادته إلى التهميش والإهمال، أو العيش في ظل معاناة قاسية، هذا إذا لم تقده إلى التصفية أو الاعتقال من قبل النظام الذي لا يهادنه.
وقد يأتي الانتهازيون بصفة عامة من أي طبقة في المجتمع ومن عموم الفئات، و يمكن لنا أن نحدد أكثر الفئات الاجتماعية و هي بمثابة المنابع الرئيسية للانتهازيين، وأهم الأوساط التي تنبث خصائص الانتهازية أكثر من غيرها.
أن الفئة المثقفة في جنوب السودان هي فئة التي تشكل مصدرا مهما لظهور الانتهازية لأن المثقف غالبا ما يستغل ثقافته لتحقيق مآربه الشخصية، و هذا لا يعني بأن الثقافة بصفة عامة في جنوب السودان هي التي تخلق الانتهازية بل هي عامل مساعد ومهم لمن تتوافر فيه الروح الانتهازية ، وذلك لأن البعض من هذه الفئة يحاول أن يحقق مصالحه بواسطة دخوله النشاط السياسي أو النشاطات الأخرى ، و هناك أيضا بعض الفئات من الكتّاب الذين يستعملون أقلامهم للمديح و الثناء أو للذم والقدح حسبما تقتضيه المناسبة ، وخاصة فئة أشباه المثقفين والتي تشكل مصدرا هاما لبروز مادة الانتهازية، ذلك لأن سلاح الثقافة في مجتمع يغلب عليه الجهل والأمية يساعد أشباه المثقفين ذوي الاستعدادات الانتهازية على استغلال النفوذ الذي يجلبه لهم موقعهم داخل المجتمع، لتحقيق مصالح آنية شخصية على حساب الشعب الذي تربوا وترعرعوا بين أحضانه. وتتواجد هذه الفئة في قطاعات عدة، سواء داخل جهاز الدولة، كموظفين متملقين ساعين وراء الترقيات والرواتب والمنافع المادية، أو خارجه، كمهن حرة، أو كمستخدمين وأطور في قطاع الرأسمال الخاص. وإذا كان السياسي " الانتهازي "، حزبا أو رمزا فردا أو جماعة، يبيح لنفسه ممارسة الانتهازية في إدارة وتنظيم التناقضات ويستفيد منها لأغراض تسلم السلطة وتوسيع القاعدة المؤيدة لبرنامجه، فان المثقف " الانتهازي "، هو شخصية متلونة أنانية مستعدة لتغيير مبادئها ساعة تقتضي المصلحة الشخصية ذلك، ويعتبر في مقدمة الوسائل التي يستخدمها " السياسي " في ترويج وتبرير أيديولوجيته وخطابه ومنهجه.
وايضاً الطبقة الوسطى: مما لا شك فيه أن الطبقة الوسطى تشكل المنبع الرئيسي للانتهازية، وإذا كان ما يميز هذه الطبقة في جنوب السودان كون حدودها غير واضحة ومتحركة بحكم عدم استقرار أوضاع البورجوازية المحلية، فإن ما يميزها أيضا هو أنها تشمل فئة هامة من الأفراد الذين يعيشون بطرق غير مشروعة تقوم على الاحتيال واقتناص الفرص التجارية من العطاءات والصفقات المشبوهة، والسمسرة والوساطة وغيرها من الوسائل. وهذه الفئة تعمل في ميادين التجارة والمقاولات والتهريب والمضاربة العقارية، وتحاول دائما الالتصاق بالطبقة السائدة، وتعمل على أن تكون لها علاقات نفعية بشتى الوسائل كالترغيب والرشوة. إلا أن هذه الفئة ليست ببورجوازية بالمعنى الصرف للكلمة، بل أنها تعيش على حافة هذه الأخيرة، وتخلط نشاطها الاقتصادي بأساليب غير مشروعة.
وقد تدخل عناصر هذه الفئة الحياة السياسية، وتشارك في التأييد أو المعارضة، لتحقيق مصالحها الخاصة أو لحمايتها، وتؤيد هذا الحزب أو هذا السياسي المحترف، أو ذاك الزعيم… وتغير مواقفها إذا ما تغير ميزان القوى السياسي في البلاد. وقد لا تكتفي بذلك، بل تذهب إلى منح تأييدها للأفكار ونظريات، رغم أن ذلك يكون غالبا بدون فهم. إن هذه الطبقة تشكل مصدرا مهما لظهور الانتهازيين بشكلهم البدائي، ذلك أنها عادة ما تتسم بقلة الثقافة و بدائية الأساليب لأن همها الأساسي هو تحقيق المصالح المادية و النفوذ العائلي، و الوصول إلى ذلك بطرق غير مشروعة، الشيء الذي يحتاج إلى حماية "السياسيين"… و بالتالي، فإن أهدافها السياسية غالبا ما تكون محدودة أو منعدمة ما دام الانتماء أو النشاط السياسي ليس بالنسبة إليها هدفا في حد ذاته أو وسيلة أساسية، بل إنه مجرد حماية… ، لذلك فإن همها الوحيد أن تلتصق بالطبقة السياسية الحاكمة و أن تنسج معها علاقات ودية بشتى الوسائل للوصول للعطاءات وتصديق الدولارات ، الأمر الذي يجعلهم التجار يتحزبون ويدخلون الحياة السياسية لحماية مصالحهم الخاصة.
يوجد هذه المرض في المنظمات المجتمع المدني التي تدعى الي " سلام من الداخل " ، و يعود السبب في ظهور هذا المرض في هذه المنظمات إلى الضعف الأخلاقي لدى بعض الأفراد الذين يشكلون كوادر تلك المنظمات والأحزاب السياسية ومجموعات القبلية و تعود أيضاً إلى عدم تلقي التربية العلمية و الثورية بشكل صحيح نتيجة عدم اقترانها برقابة صارمة على السلوك و الممارسات والأخذ بالاعتبار المحسوبيات و الولاءات الشخصية الضيقة ، مما يؤدي إلي نتيجة حتمية هي فقدان سيطرة القيادة على كوادرها إن لم تكن مشاركة لها في تحقيق مثل هذه المصالح فالأحزاب و الحركات عندما تنتقل من حالة المعارضة و الاضطهاد إلى حالة النصر واستلام السلطة تكون معرضة لانبثاق الميول الانتهازية الكامنة لدى بعض الأفراد الذين ناضلوا في صفوفها ، ولكن ليس الانتصار هو الذي يخلق ذلك بل الضعف الخلقي وعدم توازن الشخصية ، و الأمثلة كثيرة على الأفراد المنحدرين من طبقات فقيرة و عملوا في صفوف بعض الأحزاب وكونوا بعض المنظمات و أصبحوا في غاية الانتهازية بمجرد أن أصبحوا مسؤولين ، كما أن بعض المنظمات الجماهيرية تعتبر أيضا و سطا ملائما لظهور الكثير من الشخصيات الانتهازية في صفوفها.
إن بعض التنظيمات السياسية ببلادنا وبعد أن انتقلت من مرحلة النضال في سبيل تحقيق أهدافها إلى مرحلة تسلم السلطة ، لا بد و أنها قد غيرت من مواقفها فواجهت في طريقها الكثير من العثرات لأن النهوض بالمهام المنوطة بها يختلف بين المرحلتين و لعل أخطر هذه الصعوبات التي واجهت و تواجه بعض الأحزاب السياسية التي كانت ترفع شعار التقدمية في العهد القديم وبعد نجاحها في الوصول واستلام مقاليد الحكم هي الانتهازية المقترنة بالتوسع التنظيمي لقاعدة الحزب ، حيث، سعت جاهدة إلى استقطاب فئات أكثر عن طريق التوسع التنظيمي مما أدى إلى ظهور الانتهازية بكل صورها و أشكالها و إلى بروز الثورة المضادة بكل أسلحتها و صنوفها .
و يتأكد يوماً بعد آخر أن بعض هذه القوى الحزبية صارت تحكمها الانتهازية السياسية إلى درجة أنها لا تجد حرجاً في رهن مواقفها وتحركاتها وفق ذلك المنظور الانتهازي الذي أصبح السمة الطاغية على خطاب هذه القوى التي برهنت – مع الأسف الشديد – على أن الديمقراطية بالنسبة لها ليست سوى مصطلح لفظي تقوم بتشكيله كما تشاء ووفق ما يناسبها ويشبع رغباتها وأهواءها ومصالحها، دونما أدنى اعتبار للمرتكزات الحقيقية التي يستند إليها النهج الديمقراطي ومبدأ التداول السلمي للسلطة، ومن ذلك ما تسفر عنه نتائج الانتخابات وما تعبر عنه إرادة الجماهير في صناديق الاقتراع.
وهكذا تحول المشهد السياسي اليوم بفعل هؤلاء الأشخاص إلى مدرسة كبيرة في تخريج الانتهازيين من كل صنف ولون، انتهازيون في ادوار البطولة، وانتهازيون من الدرجة الأولى والممتازة ، لكن حتى هذا المحترف يعمل ما بوسعه لإظهار مواهبه وقدراته على أمل أن يسدى إليه سيده، مستقبلا دور البطولة المطلقة في السيناريوهات الجديدة التي يعج بها جمهورية جنوب السودان اليوم .
وعليه فإذا كانت الديمقراطية نتاجاً متدرجاً لسنين من التعلم واكتساب الخبرات من مدارسها فإن الأشد إيلاماً أن نجد بعض الأحزاب التي رفعت شعار التقدمية قد أضاعت سنوات ليست بالقليلة في التنظير والمزايدات السياسية وافتعال الأزمات واختلاق التعقيدات في عناد متصلب ترك أثره السلبي عليها وعلى الوطن وعلى المشهد السياسي وستخسر هذه الأحزاب كثيراً إذا ما استمرت قياداتها متشبثة بتلك الأيديولوجية الشمولية التي تبني رهاناتها وحساباتها على ما يمكن أن تجنيه من مكاسب سياسية وحزبية من وراء ما تشعله من حرائق وما تنصبه من فخاخ الأزمات وما تسوقه من دعاوى التضليل والزيف بغية خلط الأوراق وتصوير الديمقراطية لدى الناس على أنها أداة منفلتة من كل الضوابط والمعايير والمحددات الناظمة، مع أن تلك الرهانات سبق لها وأن سقطت أكثر من مرة ولم تجن من ورائها تلك الأحزاب مكسباً باستثناء أنها أبعدتها عن الناس وضاعفت من إخفاقاتها، وكان الأجدى والأنفع لتلك الأحزاب لو أنها سخرت جهودها في تعزيز قنوات التواصل مع الجماهير وعملت على خدمتها وتلمس تطلعاتها، ولكن شيئاً من ذلك لم يحدث وإذا ما استمر تجاهل هذا البعد من بعض الأحزاب فإن ذلك سينتهي بها حتما إلى تصدعات عميقة تقودها إلى الانهيار الذي يصعب تدارك نتائجه الكارثية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.