"من الجنسيتين البنجلاديشية والسودانية" .. القبض على (5) مقيمين في خميس مشيط لارتكابهم عمليات نصب واحتيال – صورة    دبابيس ودالشريف    التراخي والتماهي مع الخونة والعملاء شجّع عدداً منهم للعبور الآمن حتي عمق غرب ولاية كردفان وشاركوا في استباحة مدينة النهود    "نسبة التدمير والخراب 80%".. لجنة معاينة مباني وزارة الخارجية تكمل أعمالها وترفع تقريرها    وزير التربية ب(النيل الأبيض) يقدم التهنئة لأسرة مدرسة الجديدة بنات وإحراز الطالبة فاطمة نور الدائم 96% ضمن أوائل الشهادة السودانية    النهود…شنب نمر    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (ألف ليلة و....)    "المركز الثالث".. دي بروين ينجو بمانشستر سيتي من كمين وولفرهامبتون    منتخب الضعين شمال يودع بطولة الصداقة للمحليات    ندوة الشيوعي    الإعيسر: قادة المليشيا المتمردة ومنتسبوها والدول التي دعمتها سينالون أشد العقاب    الرئاسة السورية: القصف الإسرائيلي قرب القصر الرئاسي تصعيد خطير    د. عبد اللطيف البوني يكتب: لا هذا ولا ذاك    عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة مسافة ينتعش فيها الانتهازيون
نشر في حريات يوم 11 - 04 - 2015


[email protected]
بات الكل يجمع على أن تردي وتدهور العمل السياسي في جنوب السودان قد وصل إلى مداه الشيء الذي بات ينذر بموت السياسة و بنهاية الأحزاب السياسية في الجنوب سودانية بعدما تحولت معظمها إلى أحزاب تتسابق على التقرب من المخزن، الذي لم يحظ يوما بمثل القوة التي يتمتع بها اليوم، بعد أن هيمن على أغلبية النخب السياسية ونجح في تدجين القوى السياسية الصاعدة وكيف أغلبية الأحزاب وروضها وذلك بقتل كل نقط القوة المستقلة فيها.
ولقد أدى هذا الوضع المتأزم الذي يعيشه المشهد الحزبي في البلاد إلى تنامي ظاهرة الانتهازية في جنوب السودان اليوم بشكل فظيع حيث أصبحت من أخطر الآفات التي تنخر في أوصال المجتمع و أسسه ، و معولا هداما يعمل على القضاء على ما تبقى من القيم و المبادئ ،لاسيما وأننا نلمس المبدأ الانتهازي في زمننا هذا أكثر من أي زمن مضى ، و لا نعني بكلامنا هذا أن جنوب السودان لم يعرف هذه الفئة من الناس إلا في زمننا هذا فالانتهازية ليست مفهوما جديدا يستخدمه المثقفون و السياسيون في مصطلحات القاموس السياسي الحديث ، بل كان أسلوبا متبعا منذ القدم ، فهي ظاهرة إنسانية خطيرة تطفح بشكل عنيف في النفوس الشريرة و تظهر على السطح في الظروف العصيبة ، و لها عواقبها و انعكاساتها السيئة على المجتمع كسائر الظواهر و الآفات الاجتماعية الأخرى ، لأن الانتهازي يحطم صمود المجتمع و يجعله في بلبلة شديدة و يفقده قدرة التمييز بين الحقيقة و الزيف بحيث تضيع المقاييس و المعايير فيتمزق من الداخل و يصبح كالأشلاء بل إن ممارساته الضيقة الأفق شكلت مدخلا يدفع البلاد بكل شرائحها و بكل ما تمتلكه من قيم و مثل و إنجازات ضخمة و عظيمة و تاريخ حافل على صعيدي النظرية و التطبيق إلى هوة سحيقة . .
هناك الكثير ممن يدعون (النضال) من أجل خدمة مصلحة الجماهير الشعبية الكادحة، وينشئون لهذه الغاية، إطراء معينة (تنظيمات مجتمع المدني، واحزاب، ومجموعات قبلية) لكنهم في الواقع، لا يخدمون سوى مصالحهم الانانية الضيقة عبر هذه الأطر التي أنشأوها.
وإذا كان هناك من صفة يمكن أن تطلق على هؤلاء، فإنها صفة الانتهازية الدنيئة، التى لا يتصف بها إلا المتساقطون، الذين يكتسبون مكانتهم من خلال تضليل الجماهير الكادحة، حيث يخدعونها بهرطقاتهم وشعاراتهم الزائفة لتأمين وخدمة مصالحهم الخاصة تحت مظلة ما يسمى بمشروع "السلام من الداخل" التى يرأسها رئيس تحالف منظمات المجتمع المدني ورئيس مجموعة شلو للمصالح كما تعلمون أن القائمين عليها كانت لديهم مواقف تختلف عن ما كانوا يجهرون به في أيام الحرب ، لكن في حقيقة الامر يمكن بقليل من التمعن والتفحص اكتشاف أن هذه المجموعة ما هي الا جزء من الجوقة المعروفة بمجموعة الحركة الشعبية في معارضة التي يراسها نائب الرئيس السابق "دكتور رياك مشار، أو بوصف أخر" أنهم الانتهازين الجدد " واخواتها حيث ان ارتباطهم بهذه المجموعة استمر حتى اللحظات الأخيرة من تواجدها ولكنهم فضلوا النأى بأنفسهم والتواري عن الانظار .
وفى هذا الإطار لم يعد خافيا على أحد طبيعة العلاقة المتجذرة بين رموز مشروع (السلام من الداخل) وهي مشروع التي يطرح في ذهن المرء عديد من التساؤلات حول تلك سلام الذي ينشد إليه تحالفات المجتمع المنقسم على نفسها، ألا تحتاج تحالفات المنظمات المجتمع المدني الي سلام من الداخل حتى يستقر من تلك نفسها … ( يقول المثل فاقد شيء لا يعطيه) يريد مجتمع المدني ان يشرف علي عملية السلام من الداخل مع من؟ حكومة ومعارضة أم مجموعة شلو وحكومة؟ أم معارضة مع مجموعة شلو؟ اعتقد الإجابة مثل أجابة "جورج أموم اوكيج".. على سؤالي في مؤتمر الصحافي المشترك بين مجموعة شلو ومجتمع المدني. " من الذي أحتل لأراضي شلو حكومة أم معارضة المسلح التي أنضميتم اليه ؟ فرد كانت صفر. والانتهازيون يعادون ويناقضون الصراحة، وهذا ما يميز ممارستهم عن ممارسة الطبقات الرجعية الواضحة، المعادية للتغيير والتقدم. إذ أن لهذه الطبقات التي تدافع عن القديم أو عن الواقع الراهن عادة، مذهب سياسي، وعقيدة مستمدة من شكل المجتمع الذي تقوده وتريد له البقاء. أما الانتهازية فليس لها أي منهج أو عقيدة أو نظرية محددة، فهي تقول اليوم ما تنقضه غدا. وتقول غدا ما تتخلى عنه بعد غد…إنها تكتفي بالمواقف السياسية اليومية النفعية، وإن تبنت شكليا عقيدة ما، فإنما لخدمة هذا الموقف السياسي أو ذاك، و هي قادرة على التخلي عن كل المذاهب دفعة واحدة إذا ما اقتضت مصلحتها الظرفية ذلك.
ويغير الانتهازي، مواقفه وقناعاته بنفس اليسر والبساطة التي يغير بها قمصانه، وهو لا يفعل ذلك إلا مقابل منافعه وأهوائه الشخصية، لذلك فهو أناني، غارق في النرجسية، يعمل على أن يظل في الواجهة دائما حتى لو كان ذلك على حساب كرامته. وهو بذلك يستطيع أن يقول هذا الشيء اسود، لما كان يعتبره بالأمس بياضا ناصعا، وان يقول للجبان: يا عنترة، وللخائن: يا غاندي! ويهتف اليوم باسم الحزب الفلاني لأن مصلحته تتطلب ذلك، وغدا يدبج المقالات والقصائد الحماسية لقادة الحزب العلاني، إذا وجد عنده مركزا أفضل وإكراميات أكثر. والانتهازي لا يثبت على حال، فهو شمام جيد لرائحة مصالحه، وهو صوت سيده في كل مكان وزمان. ويعتبر المشهد السياسي الجنوبسوداني ، أكثر من أي وقت مضى، حافلا بمثل هذا النمط من البشر. ، والانتهازيون بطبيعة الحال ممثلون كبار، يتقمصون أدوارهم بجدارة، بغض النظر عن الزمان والمكان والحدث، ودون أي شعور بالغضاضة لكون ماضيهم معروفا عند القاصي والداني، ويستمرون في التمثيل ما داموا سلعة رائجة عند الحزب الفلاني أو الجهة العلانية.
ويجد الانتهازي دائما مبرراته سواء إذا كان صحفيا أو كاتبا أو سياسيا، في تبرير انتهازيه بأن المرحلة تتطلب ذلك، وهو يقصد بذلك مصلحته بطبيعة الحال، وإلا كيف لنا أن نفسر استمرار نفس الوجوه وأتباعهم الجدد ، في السياسة والثقافة والصحافة في البقاء على الواجهة خلال المرحلة السابقة والحالية في جنوب السودان ؟
وإذا كان من العبث أن يحاول الإنسان تغيير جلده ليصير أكثر بياضاً أو سواداً أو ما شاء من الألوان، فإن الأكثر عبثية أن يحاول المرء وضع الديمقراطية خارج إطارها الحضاري والإنساني ليلبسها لباساً يفقدها معناها ومدلولها، حيث أن من يلجأ إلى هذه الوسائل إنما هو كالغراب الذي أراد أن يمشي مختالاً كالطاووس فلم يزده ذلك إلا تشوهاً في مشيته وانحرافا في مسلكه، لتقوده حماقته إلى واقع يصبح فيه نذير شؤم لا يأتي منه أي خير!!.،وهؤلاء والانتهازي الجدد الذي يتلون كالحرباء حسب المكان والزمان، ويسوق نفسه كسلعة لهذا الطرف السياسي أو ذاك، يتمتع بطبيعة الحال بموهبة كبيرة، ومهارة يفتقدها الملتزم والمؤمن بقناعاته السياسية، والتي قد يظل متشبثا بها حتى لو قادته إلى التهميش والإهمال، أو العيش في ظل معاناة قاسية، هذا إذا لم تقده إلى التصفية أو الاعتقال من قبل النظام الذي لا يهادنه.
وقد يأتي الانتهازيون بصفة عامة من أي طبقة في المجتمع ومن عموم الفئات، و يمكن لنا أن نحدد أكثر الفئات الاجتماعية و هي بمثابة المنابع الرئيسية للانتهازيين، وأهم الأوساط التي تنبث خصائص الانتهازية أكثر من غيرها.
أن الفئة المثقفة في جنوب السودان هي فئة التي تشكل مصدرا مهما لظهور الانتهازية لأن المثقف غالبا ما يستغل ثقافته لتحقيق مآربه الشخصية، و هذا لا يعني بأن الثقافة بصفة عامة في جنوب السودان هي التي تخلق الانتهازية بل هي عامل مساعد ومهم لمن تتوافر فيه الروح الانتهازية ، وذلك لأن البعض من هذه الفئة يحاول أن يحقق مصالحه بواسطة دخوله النشاط السياسي أو النشاطات الأخرى ، و هناك أيضا بعض الفئات من الكتّاب الذين يستعملون أقلامهم للمديح و الثناء أو للذم والقدح حسبما تقتضيه المناسبة ، وخاصة فئة أشباه المثقفين والتي تشكل مصدرا هاما لبروز مادة الانتهازية، ذلك لأن سلاح الثقافة في مجتمع يغلب عليه الجهل والأمية يساعد أشباه المثقفين ذوي الاستعدادات الانتهازية على استغلال النفوذ الذي يجلبه لهم موقعهم داخل المجتمع، لتحقيق مصالح آنية شخصية على حساب الشعب الذي تربوا وترعرعوا بين أحضانه. وتتواجد هذه الفئة في قطاعات عدة، سواء داخل جهاز الدولة، كموظفين متملقين ساعين وراء الترقيات والرواتب والمنافع المادية، أو خارجه، كمهن حرة، أو كمستخدمين وأطور في قطاع الرأسمال الخاص. وإذا كان السياسي " الانتهازي "، حزبا أو رمزا فردا أو جماعة، يبيح لنفسه ممارسة الانتهازية في إدارة وتنظيم التناقضات ويستفيد منها لأغراض تسلم السلطة وتوسيع القاعدة المؤيدة لبرنامجه، فان المثقف " الانتهازي "، هو شخصية متلونة أنانية مستعدة لتغيير مبادئها ساعة تقتضي المصلحة الشخصية ذلك، ويعتبر في مقدمة الوسائل التي يستخدمها " السياسي " في ترويج وتبرير أيديولوجيته وخطابه ومنهجه.
وايضاً الطبقة الوسطى: مما لا شك فيه أن الطبقة الوسطى تشكل المنبع الرئيسي للانتهازية، وإذا كان ما يميز هذه الطبقة في جنوب السودان كون حدودها غير واضحة ومتحركة بحكم عدم استقرار أوضاع البورجوازية المحلية، فإن ما يميزها أيضا هو أنها تشمل فئة هامة من الأفراد الذين يعيشون بطرق غير مشروعة تقوم على الاحتيال واقتناص الفرص التجارية من العطاءات والصفقات المشبوهة، والسمسرة والوساطة وغيرها من الوسائل. وهذه الفئة تعمل في ميادين التجارة والمقاولات والتهريب والمضاربة العقارية، وتحاول دائما الالتصاق بالطبقة السائدة، وتعمل على أن تكون لها علاقات نفعية بشتى الوسائل كالترغيب والرشوة. إلا أن هذه الفئة ليست ببورجوازية بالمعنى الصرف للكلمة، بل أنها تعيش على حافة هذه الأخيرة، وتخلط نشاطها الاقتصادي بأساليب غير مشروعة.
وقد تدخل عناصر هذه الفئة الحياة السياسية، وتشارك في التأييد أو المعارضة، لتحقيق مصالحها الخاصة أو لحمايتها، وتؤيد هذا الحزب أو هذا السياسي المحترف، أو ذاك الزعيم… وتغير مواقفها إذا ما تغير ميزان القوى السياسي في البلاد. وقد لا تكتفي بذلك، بل تذهب إلى منح تأييدها للأفكار ونظريات، رغم أن ذلك يكون غالبا بدون فهم. إن هذه الطبقة تشكل مصدرا مهما لظهور الانتهازيين بشكلهم البدائي، ذلك أنها عادة ما تتسم بقلة الثقافة و بدائية الأساليب لأن همها الأساسي هو تحقيق المصالح المادية و النفوذ العائلي، و الوصول إلى ذلك بطرق غير مشروعة، الشيء الذي يحتاج إلى حماية "السياسيين"… و بالتالي، فإن أهدافها السياسية غالبا ما تكون محدودة أو منعدمة ما دام الانتماء أو النشاط السياسي ليس بالنسبة إليها هدفا في حد ذاته أو وسيلة أساسية، بل إنه مجرد حماية… ، لذلك فإن همها الوحيد أن تلتصق بالطبقة السياسية الحاكمة و أن تنسج معها علاقات ودية بشتى الوسائل للوصول للعطاءات وتصديق الدولارات ، الأمر الذي يجعلهم التجار يتحزبون ويدخلون الحياة السياسية لحماية مصالحهم الخاصة.
يوجد هذه المرض في المنظمات المجتمع المدني التي تدعى الي " سلام من الداخل " ، و يعود السبب في ظهور هذا المرض في هذه المنظمات إلى الضعف الأخلاقي لدى بعض الأفراد الذين يشكلون كوادر تلك المنظمات والأحزاب السياسية ومجموعات القبلية و تعود أيضاً إلى عدم تلقي التربية العلمية و الثورية بشكل صحيح نتيجة عدم اقترانها برقابة صارمة على السلوك و الممارسات والأخذ بالاعتبار المحسوبيات و الولاءات الشخصية الضيقة ، مما يؤدي إلي نتيجة حتمية هي فقدان سيطرة القيادة على كوادرها إن لم تكن مشاركة لها في تحقيق مثل هذه المصالح فالأحزاب و الحركات عندما تنتقل من حالة المعارضة و الاضطهاد إلى حالة النصر واستلام السلطة تكون معرضة لانبثاق الميول الانتهازية الكامنة لدى بعض الأفراد الذين ناضلوا في صفوفها ، ولكن ليس الانتصار هو الذي يخلق ذلك بل الضعف الخلقي وعدم توازن الشخصية ، و الأمثلة كثيرة على الأفراد المنحدرين من طبقات فقيرة و عملوا في صفوف بعض الأحزاب وكونوا بعض المنظمات و أصبحوا في غاية الانتهازية بمجرد أن أصبحوا مسؤولين ، كما أن بعض المنظمات الجماهيرية تعتبر أيضا و سطا ملائما لظهور الكثير من الشخصيات الانتهازية في صفوفها.
إن بعض التنظيمات السياسية ببلادنا وبعد أن انتقلت من مرحلة النضال في سبيل تحقيق أهدافها إلى مرحلة تسلم السلطة ، لا بد و أنها قد غيرت من مواقفها فواجهت في طريقها الكثير من العثرات لأن النهوض بالمهام المنوطة بها يختلف بين المرحلتين و لعل أخطر هذه الصعوبات التي واجهت و تواجه بعض الأحزاب السياسية التي كانت ترفع شعار التقدمية في العهد القديم وبعد نجاحها في الوصول واستلام مقاليد الحكم هي الانتهازية المقترنة بالتوسع التنظيمي لقاعدة الحزب ، حيث، سعت جاهدة إلى استقطاب فئات أكثر عن طريق التوسع التنظيمي مما أدى إلى ظهور الانتهازية بكل صورها و أشكالها و إلى بروز الثورة المضادة بكل أسلحتها و صنوفها .
و يتأكد يوماً بعد آخر أن بعض هذه القوى الحزبية صارت تحكمها الانتهازية السياسية إلى درجة أنها لا تجد حرجاً في رهن مواقفها وتحركاتها وفق ذلك المنظور الانتهازي الذي أصبح السمة الطاغية على خطاب هذه القوى التي برهنت – مع الأسف الشديد – على أن الديمقراطية بالنسبة لها ليست سوى مصطلح لفظي تقوم بتشكيله كما تشاء ووفق ما يناسبها ويشبع رغباتها وأهواءها ومصالحها، دونما أدنى اعتبار للمرتكزات الحقيقية التي يستند إليها النهج الديمقراطي ومبدأ التداول السلمي للسلطة، ومن ذلك ما تسفر عنه نتائج الانتخابات وما تعبر عنه إرادة الجماهير في صناديق الاقتراع.
وهكذا تحول المشهد السياسي اليوم بفعل هؤلاء الأشخاص إلى مدرسة كبيرة في تخريج الانتهازيين من كل صنف ولون، انتهازيون في ادوار البطولة، وانتهازيون من الدرجة الأولى والممتازة ، لكن حتى هذا المحترف يعمل ما بوسعه لإظهار مواهبه وقدراته على أمل أن يسدى إليه سيده، مستقبلا دور البطولة المطلقة في السيناريوهات الجديدة التي يعج بها جمهورية جنوب السودان اليوم .
وعليه فإذا كانت الديمقراطية نتاجاً متدرجاً لسنين من التعلم واكتساب الخبرات من مدارسها فإن الأشد إيلاماً أن نجد بعض الأحزاب التي رفعت شعار التقدمية قد أضاعت سنوات ليست بالقليلة في التنظير والمزايدات السياسية وافتعال الأزمات واختلاق التعقيدات في عناد متصلب ترك أثره السلبي عليها وعلى الوطن وعلى المشهد السياسي وستخسر هذه الأحزاب كثيراً إذا ما استمرت قياداتها متشبثة بتلك الأيديولوجية الشمولية التي تبني رهاناتها وحساباتها على ما يمكن أن تجنيه من مكاسب سياسية وحزبية من وراء ما تشعله من حرائق وما تنصبه من فخاخ الأزمات وما تسوقه من دعاوى التضليل والزيف بغية خلط الأوراق وتصوير الديمقراطية لدى الناس على أنها أداة منفلتة من كل الضوابط والمعايير والمحددات الناظمة، مع أن تلك الرهانات سبق لها وأن سقطت أكثر من مرة ولم تجن من ورائها تلك الأحزاب مكسباً باستثناء أنها أبعدتها عن الناس وضاعفت من إخفاقاتها، وكان الأجدى والأنفع لتلك الأحزاب لو أنها سخرت جهودها في تعزيز قنوات التواصل مع الجماهير وعملت على خدمتها وتلمس تطلعاتها، ولكن شيئاً من ذلك لم يحدث وإذا ما استمر تجاهل هذا البعد من بعض الأحزاب فإن ذلك سينتهي بها حتما إلى تصدعات عميقة تقودها إلى الانهيار الذي يصعب تدارك نتائجه الكارثية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.