الرئيس المصري السابق حسني مبارك حين اشتد الضغط عليه، وطالبه المصريون بالرحيل، برر تمسكه بالكرسي ” خوفاً على حصول فوضى بعد رحيله”، فذهب ولم تحصل الفوضى، وهو ما تطرق إليه الإنقاذ اليوم، وهي تلعب في المساحة الممتدة ما بين “البديل” وسؤاله الموضوعي، والتغيير ومتطلباته لإحباط أية محاولة في التغيير، باعتبارهم هم أفضل خلق الله، وليس في الإمكان أفضل مما كان!. وكي يحبطوا التغيير كذلك يعيدون للناس ذاكرة “صفوف البنزين والرغيف”، وهم يتناسون أنّ هذه الصفوف امتدت لسنوات طويلة في عمر الإنقاذ ذاتها، واستمرت حتى عام 1999 بظهور النفط، ولكن ذات النفط سيذهب للجنوب، أو أنّ الجنوب سيذهب بنفطه، وينسف أهم “انجازات الانقاذيين”. ولا نريد هنا التحدث عن المستفيدين من النفط، أو تلك القطط السمان، وما أفرزته سياسات السوق و”الخصخصة” وذلك الفساد الذي أصبح حديث المدينة التي لا تعرف الأسرار، وأولئك المتنفذون، والنافذون الذي حولوا البلاد إلى ضيعة بعد أن أعلنوا وباعترافهم أنّهم جاءوا السلطة فوق ظهر الحمير، وما أدراك بعد ذلك!؛ أو ليس مثل هذه التصريحات هي شهادة إدانة في حد ذاتها لو سألنا من “أين لك هذا؟” لكن في اللإنقاذ لقي مئات الألاف حتفهم في الجنوب ودارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق والشرق، ولم يتوقف مسلسل شلالات الدم؛ التي سالت فوق السهل والبحر والجبل، ما بين العيلفون وكجبار وبورتسودان، وداخل “تلك البيوت سيئة السمعة”، فهل من معاناة أكثر من هذه؟ أم هي روح بعض الانتهازيين الذين لا يتذكرون سوى “صفوف الخبز”، وينسون صفوف الموت الطويلة!. وفي عهد الإنقاذ؛ صارت الدولة تحارب الشعب، بالأتاوات تارةً، وبالضرائب، وبالجبايات، وتارات أخرى بالبندقية والغرف الدمار، وماكينات تفريخ العذاب والمعاناة، وهي مسألة وحدها كافية بالماطلبة بالتغيير. أما الجنوب!؛ ” وأنا ما بجيب سيرة الجنوب” على حد تعبير الشاعر المرهف محمد طه القدال، والحكاية معروفة، وفصولها واضحة، ونهايتها مأساوية، وهو وحده كفيل بإقالة كل حكومة المؤتمر الوطني. والغريب أنّ هناك من ينتقد المعارضة، ويرى أنها ظلت تحتفظ بالقيادات القديمة، وبالبرامج المعزولة، والبعيدة عن نبض الجماهير، وهي حقائق، وليس في ذلك شك، إلا أنّ الإنقاذ ذاتها، لم تختلف، فهي ذات الحكومة التي ظل رئيسها، هو رئيس الحزب لعشرين عاماً!، ونوابه هم ذات النواب، وذات المستشارين، وذات “الهتيفة”، فما الجديد؟؟. ولماذا يقولون إنّ الصادق مكث خمسين عاماً، ونقد أربعين عاماً، والميرغني، وغيرهم؟؟. فكم مكث المشير عمر البشير؟. وما الفرق بين مكوثه هو في قيادة الحزب كل تلك السنوات الطويلة، وبين الآخرين؟. هي ذات “بيوت الزجاج”، ويجب ألا يرمي من يسكنها الآخرين بالحجارة، لأنّ ذلك سوف يرتد عليه. ولذلك يجب أن يركز الناس عند سؤال البديل على “البرامج”، وقيام المؤسسات، لا على الأشخاص، وهو أهم متطلبات التغيير، ولا يوجد معنى “لاستعجال”، أو “تقليد”، أو التعامل بالعاطفة مع ضرورات المرحلة، مع أهمية العواطف، والمشاعر الإنسانية، والتغيير هنا يتطلب تشكيل كتلة تاريخية، تقوم بمهمة الهدم والبناء، أي تغيير الحكومة الحالية، ومناهجها، وسياساتها، بحكومة انتقالية، ببرامج مغايرة، وبناء سودان المستقبل على أسس جديدة. وننوّه إلى أنّ أخطر ما يواجه حركات التغيير، هو “الإحباط”، ويتم الإحباط عن طريق سياسة منهجية من قبل النظم الشمولية، وأذرعها الاستخباراتية، وأشير هنا لدراسات في سيكولوجية الجماهير والحشود، والثورات، وتتلخص في الآتي :- التفتيت: وذلك بتجريم التجمعات وسلب حق التظاهر أو اشتراط تصريحات يصعب الحصول عليها, وهو ما يبدو في “أذونات التظاهر، أمّا الوسيلة الثانية فهي ” التفجير من الداخل بواسطة العملاء المندسين في أحزاب المعارضة أو في التجمعات الجماهيرية خاصة الطلاب والعمال لتفجيرها وقت اللزوم من خلال إثارة الخلافات والصراعات”، وهنا ننوه إلى حالات التشظي التي تشهدها الساحة السودانية السياسية والثقافية، فكم من جماعة انشقت! وكم من حزب حول إلى لافتات!، وكم من مركز ثقافي يعاني من الاختراقات، والشكوك! حتى ظلّ البعض لا يؤمن ظله،! فهي سياسة منهجية يقصد بها إضعاف الحركة الجماهيرية، وجماعات المقاومة، وفي ذات السياق فلننظر إلى “دارفور” كأكبر نماذج الاختراقات الأمنية التي تعطل أي عمل معارض، وهنا الاجهاض باحتواء أي باردة يستشف منها ميلاد لحظة تغيير، وهناك الترغيب والترهيب.