احتلت إفريقيا خانة أفقر الفقراء منذ أن نافست أمريكا اللاتينية على الانقلابات العسكرية ففازت بالرهان ولكنها خسرت روحها وانطوت على فقرها ومرضها وأوبئتها جالسة في مؤخرة العالم وبين يديها "قرعة" الشحاذة لتقبل العطايا من الجميع. كل من يريد أن يجدد نظامه الهاتفي يتساءل أين يلقي بالجهاز القديم وألف من يدله على السودان أو أفريقيا الوسطي. ومن كان عنده كومبيوتر سعة 248 عفى عليه الزمن يتخلص منه بإهدائه لبلد أفريقي يرى في ذلك كرماً ولطفاً من "البوانا" العظيم. والبوانا هو السيد الأبيض العظيم في لغات البانتو تقابلها كلمة "توباب" في لغة الولوف وهي كلمة استحقار. وكان البوانا يعود إلى أفريقيا كلما انفرط عقد الأمن في دولها حديثة الاستقلال فكان ظهور الجنود البلجيك والفرنسيين يلقي الرعب في قلوب العسكر الافريقي المتمرد فيلقون إلى الأرض ما وضعوا على رءوسهم من تلفزيونات الناس المنهوبة ويولون الأدبار مطلقين صيحات التحذير لبعضهم البعض من أن البوانا قد وصل. وأخيراً سئم البوانا من الهرجلة الأفريقية فقامت فرنسا الحنون بفك الارتباط بين عملتها والفرنك الأفريقي الذي ظلت تدعمه بما يعادل خمسين بالمائة من قيمته الاسمية وأوعزوا لمنظمة الوحدة الأفريقية (الاتحاد الأفريقي فيما بعد) أن تتولى التدخل نيابة عنهم. وفي ذلك الوقت كان السودان وموريتانيا من أعتى المعارضين لما كان يسمى قوة التدخل الإفريقي باعتبارها أداة استعمارية للتشويش على دول القارة. أما الآن فقد تغير الموقف السوداني من النقيض إلى النقيض وأصبح السودان يعض على تلك الأداة الاستعمارية بالنواجذ مردداً بطريقة الأطفال: أريد هذه ولا أريد تلك. وتلك هنا تعني قوات الأممالمتحدة وهي نفس الاممالمتحدة التي اسهمت أعظم الإسهام في تحرير أفريقيا (بما فيها السودان من ربقة الاستعمار وهي نفس الأممالمتحدة التي ساهمنا بجنودنا في قواتها لحفظ السلام في الكونغو حيث استشهد بعضهم في مدينة متادي –ميناء الكونجو الرئيسي- وصاروا في عداد شهداء الحرية في أفريقيا.) لكي تقوم المنظمة بذلك الدور الجديد كان عليهم تسليحها وتزويدها باللوجستيات كمعدات النقل ومعدات الاتصال ولكن شيئاً من ذلك لم يحدث فقد انتهز الاوربيون الفرصة للتخلص من نفاياتهم وإلقائها في المستودع الأفريقي الكبير فتبرعت لنا ألمانيا بمائتي سيارة جيب عسكرية. أليس ذلك كرماً منقطع النظير؟ ولكن أصبر لتعرف بقية القصة فإن تلك السيارات كانت من مخلفات الحرب العالمية الأخيرة وزيادة على ذلك فإنها لا تعمل بالليل أو بصريح العبارة ليست مزودة بمصابيح ومع ذلك كان على منظمتنا أن تتقبلها شاكرة وتبحث لها عن جراج يأويها. يمثل هذا النمط الجديد تطوراً لا يسر الخاطر في علاقات أفريقيا بالعالم فقد صاروا ينظرون إلينا كمستودع لنفاياتهم والواقع أن كثيراً من دول القارة يقبل لنفسه ذلك الدور باعتبار أننا دول صحراوية ولا يضيرنا أن ندفن للناس نفاياتهم في هذه الصحاري الشاسعة التي حبانا بها الله دون أن يؤثر ذلك على سلامة البيئة ونظافتها في قارتنا. ومهما يكن فإنه ليس مشرفاً لنا أن نكون عامل نظافة العالم. متى تنهض أفريقيا وننهض معها من بؤرة الفقر والتخلف؟ يوم تبدأ القارة في صنع الأشياء بدلا من استهلاكها. يوم توجد تقسيماً اقتصادياً للعمل يقيم صناعاتها حسب الموارد ويضمن لتلك الصناعات سوقاً قاريةً تمتد عبر القارة كلها إلا حيث تتوفر ميزة نسبية تغني عن الاستيراد. وبالتأكيد يوم تقتنع القارة وطلائعها المثقفة إن كل شيء ممكن وأن الله لم يختص الجنس الأبيض بالعلم والمعرفة دون كل الأجناس. [email protected]