شباب شارع الحوادث.. (الله يكضب الشينة) حيدر المكاشفى اذا أحس السوداني بقرب وقوع نازلة أو مصيبة نتيجة لملابسات وحيثيات محددة، فإنه يقول بتلقائية العبارة الشعبية المشهورة (الله يكضب الشينة)، وقد وجدت نفسي أردد هذه العبارة بعد الصيت الذي وجدته مبادرة شباب شارع الحوادث في أعقاب لفتتها الإنسانية المزدوجة، بنجاحها أولاً عبر جهد شعبي وشبابي مشكور في افتتاح وحدة للعناية المكثفة بأحد مستشفيات الأطفال، وثانياً لتكريم (ست شاي) بقص شريط الافتتاح اعترافاً بفضلها وسبقها في مؤازرة المبادرة منذ نشأتها ورعايتها لهؤلاء الشباب ودعمها لهم على ما بها من خصاصة وفقر، لم تتضجر من احتلالهم ل(بنابرها) الساعات الطوال، بل وكانت تمنح بعضهم (حق المواصلات)، فعمر هذه المبادرة العظيمة فيما أذكر نحو ثلاثة أعوام قضاها هؤلاء الشباب في خدمة فقراء المرضى العاجزين عن سداد قيمة الروشتات الطبية في صمت وتفان ونكران ذات، وظلوا يعملون بشارع الحوادث على مدار اليوم بنظام المناوبة، غير مبالين بالرهق والسهر وغير عابئين بشيء مثل تركيزهم على خدمة ضعفاء المرضى، لم يسعوا ل(الشو) ونشر هذا الجهد المقدر ولم يتصيدوا الأضواء بل كانوا في شغل شاغل عن كل هذا الرياء، حتى لحظة افتتاح وحدة العناية المكثفة التي طار بذكرها الركبان وملأت الأسافير ليجدوا أنفسهم تحت أضواء باهرة لم يطلبوها بل يقيني أنهم تأذوا منها، ومن هذه النقطة تحديداً يجيء خوفنا عليهم الذي جعلنا نردد (الله يكضب الشينة)، ولنا على هذه الشينة التي تستهدف مثل هذه المبادرات الطوعية الشبابية شواهد وأدلة. من هذه الشواهد أذكر المصير الذي وجدته مبادرة شباب "نفير" التي أبلت بلاءً عظيماً وكبيراً إبان محنة السيول والأمطار التي ضربت العاصمة الخريف قبل الماضي، وقدمت أروع الأمثلة وأروع ما في الشعب السوداني المعروف بنجدة الملهوف والمكروب، حتى سحبت البساط تماماً من تحت أقدام الحكومة ومنظمات الحزب الحاكم الهلامية (هم فاضين من اقتناء الفارهات)، فبيتوا النية للقضاء على المبادرة وإحباط هذا الشباب المتوثب وقتل روحه الوطنية، وكان لهم ما أرادوا بوضع جملة من المتاريس والإجراءات المتعسفة في طريقهم حتى عصفوا بها، فلم تقم بعدها للمبادرة قائمة، ومنها (شينة) حكومة ولاية البحر الأحمر التي كانت في ذات التوقيت تقريباً أوقفت الهلال الأحمر السوداني عن ممارسة نشاطه الأصيل في إغاثة وعون المتضررين بحجة أقل ما توصف به أنها العذر الأقبح من الذنب، قال إيه لأن عمل الهلال الأحمر يناقض عمل وزارة الشؤون الاجتماعية مع أن الهلال الأحمر ذو باعٍ طويل وتاريخ مديد في هذا العمل قبل أن تنشأ ولاية اسمها البحر الأحمر بعشرات السنين... هذا الاستهداف للعمل الطوعي الشعبي الأهلي التلقائي والطبيعي الذي عُرف به السودانيون في مثل هذه الحالات الحرجة التي أكثر ما تحتاج اليه هذه الروح الوثابة والأداء الانسيابي السهل والسريع المبرأ من أي غرض غير سرعة إنقاذ ما ومن يمكن إنقاذه بأعجل ما تيسر، خلافاً للأداء الرسمي البيروقراطي السلحفائي الذي يعتبر في حد ذاته كارثة أخرى، هو ما جعلنا نشفق على شباب الحوادث.