انتشرت قوات كثيفة من الامن والشرطة أمس الاثنين 21 مارس في العاصمة والمدن الكبرى في الولايات ، منعاً للتظاهرات التي دعت لها حركة شباب من أجل التغيير ( شرارة) وحركة (قرفنا) وحركات شبابية اخرى . ورغم ذلك خرجت تظاهرة في مدينة مدني ، قادها طلاب جامعة الجزيرة وكلية مدني الاهلية ومفصولون من مصانع النسيج والحفريات . وخرجت تظاهرات طلابية في سنار وكوستي ودنقلا . وباستقلال عن تظاهرة الشباب ، ولكن بنفس الاسباب الداعية لها ، تظاهر عمال الشحن والتفريغ في مدينة بورتسودان ، واعتصموا امام مبنى اتحاد عمال ولاية البحر الاحمر احتجاجاً على تزوير ارادة العمال في تشكيل الاتحاد الجديد . وفي ولاية الخرطوم ، فضت الاجهزة الامنية تظاهرات في موقف جاكسون وجامعة النيلين ، فيما هاجم طلاب المؤتمر الوطني بالسيخ والهراوات طلاب جامعة ام درمان الاهلية ، استباقاً لاعلان الخروج الى الشارع من مخاطبة لطلاب حزب الامة . وهتف المتظاهرون ( حرية ، حرية .. الشعب يريد اسقاط النظام) وذكر شهود عيان بان الاجهزة الامنية ضربت بالهراوات والغاز المسيل للدموع المتظاهرين في ميدان جاكسون، ومدني ، وسنار ، واعتقلت عدداً منهم . وقال متحدث باسم ( شرارة) لصحيفة (الحياة) ( السلطات تصدت للشباب وقمعتهم وأوقفت عدداً منهم ) مؤكدا انهم سيدعون الى تظاهرة مماثلة .. للمطالبة باصلاحات سياسية ومحاربة الفساد واسقاط حكومة البشير ) . وأفاد بيان لمؤتمر الطلاب المستقلين بان الاجهزة الامنية اعتقلت عدداً من عضوية المؤتمر . وفي المقابل خرج طلاب المؤتمر الوطني بجامعة الخرطوم في تظاهرة مضادة مؤيدة للبشير ، وواصفة المحتجين بالكفرة والعملاء ! واتهم مندور المهدي – القيادي في المؤتمر الوطني – في مؤتمر صحفي المجموعات الشبابية بانها جزء من افرازات اليسار ، ويحركها الحزب الشيوعي والمؤتمر الشعبي والحركة الشعبية لتحرير السودان والمؤتمر السوداني ..الخ . وعلق محلل سياسي ل (حريات) على التظاهرات قائلاً بانها خطوة جديدة في تأسيس مشروعية الشارع ، فلا تغيير ولا اصلاحات يمكن ان تتم بوعظ المؤتمر الوطني او استجدائه ، حيث يتم التغيير بتصعيد العمل الجماهيري . وأضاف بانها مثل كل تجربة لابد من فرز الايجابي والسلبي فيها حتى يتم تطوير التجارب اللاحقة ، ومن الايجابي في هذه التجربة انها لم تنحصر في الخرطوم ، وانما امتدت الى مدني وسنار وكوستي ودنقلا والى بورتسودان بسبب تلاقي الدعوة الشبابية مع الاحتجاجات العمالية هناك . وفي المدن الاقليمية ، يقل التركيز الامني مقارنة بالخرطوم ، مما يتيح فرصاً أكبر لتصعيد العمل الجماهيري ، تماما كتجربة ليبيا ، حيث أدت سيطرة النظام الشمولي الشبيه بنظام الخرطوم الى اندلاع الانتفاضة في الاقاليم ، ومن ثم امتدادها لمحاصرة المركز ، وتوقع المحلل السياسي سيناريو شبيه بذلك في السودان . وأضاف انه من خلاصة تجربة 21 مارس ان الاجهزة الامنية تشتغل كمنظومة واحدة ، تشمل الامن والشرطة ومليشيات المؤتمر الوطني ( حيث تم ضرب طلاب الاهلية بواسطة هذه المليشيات ) ، اضافة الى مصادر الامن المدسوسة في صفوف المعارضة . وقال بان أزمة تحرك 21 مارس انه لم يطرح أهداف محددة كمنفستو للثورة او الانتفاضة ( اسقاط نظام البشير ، بديل ديمقراطي تعددي فيدرالي ، كفالة حقوق الانسان ، حل قضية دارفور ، محاسبة مجرمي الحرب …الخ) ومقارنة بالانتفاضات في تونس ومصر وليبيا واليمن ، فقد توحد الشباب هناك خلف مطلب رئيسي هو رحيل رأس النظام . وكذلك لابد من ملاحظة انه رغم الانتقادات والتحفظات المشروعة على الاحزاب ، فان عماد التظاهرات الرئيسي كان من شباب هذه الاحزاب : الامة ، الشعبي ، الشيوعي ، الجبهة الديمقراطية ، الحركة الشعبية ، ال UPF الجبهة الشعبية المتحدة ..الخ ، مما يطرح ضرورة التنسيق بين الحركات الشبابية الجديدة والقوى السياسية الرئيسية ، وان تخطر الحركات الشبابية القيادات السياسية بتحركاتها وتستمع لوجهات نظرها وتتداول معها وتمهلها الوقت الكافي لتعبئة جماهيرها الاعرض ، ومن بعد ذلك ، اذا رأت ان هناك تلكؤاً او تردداً في الخروج فلتحزم امرها وتبادر بالخروج وحدها . وهذا خلاف اهميته في اعطاء التظاهرات الحشد الجماهيري المطلوب ، فانه مهم كذلك في اكساب التظاهرات مصداقيتها ، فالدعوات مجهولة المصدر ، وغير محددة الاهداف بدقة ، لا يمكن ان تأخذ بشغاف غالبية العقول والقلوب . اضافة الى ان التناقض بين الشباب والقوى السياسية يضر بالتعبئة ويخدم المؤتمر الوطني . واضاف بانه مما يستدعي تلافي تلك السلبيات حقيقة ان المؤتمر الوطني واجهزته الامنية يرغبون في دعوات للتظاهر تكون فطيرة وغير محضر لها جيداً كجزء من مخططهم لافساد او (تبييخ) فكرة الخروج للشارع ، ولتخريب العمل السياسي والمدني ، واشاعة الاحباط واليأس ، اضافة الى تلمييع قيادات (زائفة) لتخريب التحركات الجماهيرية الكبرى والقادمة حتماً . وختم المحلل السياسي قوله بان هناك فرصة لتلافي السلبيات في التظاهرة المعلنة للحركة الشعبية في 10 مايو ، فيمكن ان يلتف حولها الشباب مع القوى السياسية المختلفة ، وتطوير اجندتها لتشمل استعادة الديمقراطية ، وكفالة حقوق الانسان ، ومواجهة الغلاء ، وضمان الفيدرالية الحقيقية للاقاليم المهمشة ، وغيرها من الاهداف المحددة التي يمكن الاتفاق والتواثق عليها .