السفير السعودي لدى السودان يعلن خطة المملكة لإعادة إعمار ستة مستشفيات في السودان    مليشيا الدعم السريع تكرر هجومها صباح اليوم على مدينة النهود    منتخب الشباب يختتم تحضيراته وبعثته تغادر فجرا الى عسلاية    اشراقة بطلاً لكاس السوبر بالقضارف    المريخ يواصل تحضيراته للقاء انتر نواكشوط    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    شاهد بالصور والفيديو.. على أنغام الفنانة توتة عذاب.. عروس الوسط الفني المطربة آسيا بنة تخطف الأضواء في "جرتق" زواجها    المجد لثورة ديسمبر الخالدة وللساتك    بالصورة.. ممثلة سودانية حسناء تدعم "البرهان" وثير غضب "القحاتة": (المجد للبندقية تاني لا لساتك لا تتريس لا كلام فاضي)    المجد للثورة لا للبندقية: حين يفضح البرهان نفسه ويتعرّى المشروع الدموي    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    الناطق الرسمي للقوات المسلحة : الإمارات تحاول الآن ذر الرماد في العيون وتختلق التُّهم الباطلة    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    قرار بتعيين وزراء في السودان    د.ابراهيم الصديق على يكتب: *القبض على قوش بالامارات: حيلة قصيرة…    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    باريس سان جيرمان يُسقط آرسنال بهدف في لندن    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    صلاح.. أعظم هداف أجنبي في تاريخ الدوري الإنجليزي    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    المريخ يخلد ذكري الراحل الاسطورة حامد بربمة    ألا تبا، لوجهي الغريب؟!    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    بلاش معجون ولا ثلج.. تعملي إيه لو جلدك اتعرض لحروق الزيت فى المطبخ    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يا شعباً مسالم…في إيديك الخلاص
نشر في حريات يوم 02 - 06 - 2015

المحزن حقًاً أن تكون فبركات نظام الكاذبين المنافقين هى ما تعج به معظم مساحات الحرية المتاحة ، وقع هؤلاء المتعجٍلين في الفخ، و المؤسف أنًهم لا يتعظون و لا يندمون على فعلتهم بعد أن يصيبوا أكثر من طرف بجهالة نتيجة لأنباء لا مصدر لها سوى الفاسقين الكاذبين! فيا من تتناقلون الأكاذيب عالجوا هذا الخلل..من يخدعكم مرًة مخطئ..و إن تمكًن من خداعكم ثانيةً فأنتم المخطئون..و الخلل فيكم أنتم فعالجوه ، و إن لم تستطيعوا … فالتزموا رذيلة الصًمت..فالشيطان الأخرس أقلً ضرراً من الوسواس!
و هل علم هؤلاء المتعجٍلون أنًهم بأفعالهم هذه يعمَقون جراحات الوطن و يساهمون في ويلات شعبنا الصابر .. "من يتداولون أخبار النظام … يطرحون المشكلات ..لكنًهم أبداً لا يطرحون الحلول لها.. لن يساهموا في تغيير واقعا.. أو حلاً لمشكلة أو انقاذ وطن من الضًياع…و ليسوا حريصين على ذلك و ليس من أولويًاتهم..حتًى و إن ادعوا غير ذلك… وإلاً فما قيمة طرح المشاكل و الحديث عنها إن لم يصاحبه تصور للحلول؟ لا شئ، هذا في حد ذاته مشكلة!
بعضنا يسميه كارثة و الآخر يقول عنه مصيبة ، و يجد البعض في مأساه أو جريمة تعبيراً أشمل…، أيًاً كان توصيف الواقع الذي يعيشه وطننا و انسانه بسبب وجود هذا النظام ..يغنينا القول بأنًه الواقع الماثل أمام أعيننا و ننظر إليه ، كل حسب زاويته التي ينظر من خلالها ، المحصلة النهائيًة هى أنًنا جميعاً نلتقي في نقطة واحدة و هى مسؤوليًة النظام عن الذي يحدث. من لم يتوصل لهذه الجزئيًة غير معني بهذا المقال و يمكنه أن يتوقًف هنا و لا يقرأ الباقي ..
اسقاط النظام يظل شرطاً واجب النفاذ لاحتواء الكارثة و معالجة آثارها و عقاب المجرمين الذين تسببوا في تلك المآسي و المصائب..، لا سبيل غير ذلك، هل من سبيل آخر؟ ..إن لم نسقط النظام ستستمر الكوارث و تتعاظم المصائب حتًى ضياع الوطن بكامله ،.. أنظروا متأمٍلين إلى ما وصلنا إليه، و قارنوا بين حالنا اليوم و ما كان قبل 26 عاماً خلت..كم من روح أزهقت؟ و كم من عرضٍ انتهك؟ و كم من جريمة ارتكبت بحق الوطن ؟ …هل يوجد سبب آخر غير هذا النظام البغيض؟ لا يوجد، هو النظام و ليس سواه، نفسه الذي يبغضه الشعب السوداني و يتمنًى ذهابه منذ أن أعدم الشهيد مجدي محجوب و حتًى يومنا هذا..، الكل يتمنًى أن يسقط النظام و أن تتوقًف الحروبات و يعم السلام وطننا و أن يتبدًل الحال، لينعم وطننا بالأمن و الاسقترار و الرخي و الازدهار..و أن يحكمنا خيارنا..و تكثر الأماني، و لكن ، لن تتحقًق أمانينا دون عمل.. تحقيق الأماني يحتاج الهمًة العالية ، و الإرادة القويًة و العزيمة التي تقهر الصعاب ،.. نحن من نصنع الواقع، و نحن من نقبل بالواقع البئيس و نحن من نغيره للأحسن و نحن من نزيده سوءاً..و نحن كذلك من بيدنا كل شئ و ليس سوانا..
أعدم الشهيد مجدي محجوب دون ذنب، مع العلم أنًه لم يكن يشكل أي خطر على النظام…فقط لأنً النظام متعطش للدماء.. ، لم يحدث يومها شئ ضد النظام، ..لكن ، عندما أعدم الشهيد محمود محمد طه الذي كانت افكاره تشكل خطراً على وجود النظام..كانت شرارة انتفاضة مارس ابريل المجيدة..، انتفض الشارع و كانت النتيجة اسقاط نظام مايو بكل جبروته و هيبته ، لم يحدث الشئ نفسه في حالة مجدي مع أنً اعدام مجدي كان يستحق الخروج للشوارع أكثر من اعدام الشهيد محمود محمد طه…، إغتال النظام الشهيد د.علي فضل في بيوت الأشباح و لم تنتفض الجماهير..، لكن عندما اغتال نظام عبود الشهيد القرشي كانت شرارة أكتوبر الأخضر و سقط نظام نوفمبر..، و نفس الشئ..حادثة اغتيال الشهيد علي فضل كان من المفترض أن تكون أكثر اثارةً لغضب الشارع من حادثة الرصاصة الطائشة التي أصابت الشهيد القرشي..تم قتل الشهيد علي فضل تعذيباً مع سبق الاصرار و الترصد ، قتلاً بالبطئ حتى فاضت روحه الطاهرة …إذا ما الذي تغيًر؟ هى الإرادة و العزيمة وحدها و لا شئ غيرها تغيًر..و من هنا تبدأ الاجابة الصحيحة على سؤال لماذا النظام موجود رغم ضعفه و الكم الهائل من الجرائم التي ارتكبها بحق الانسان و الدين و الأرض.
استمر النظام منذ ذلك الوقت و في كل يوم يرتكب من الجرائم ضد الوطن و الانسانيًة ما هو كفيل بتفجير ثورات بقدر الجرائم التي ارتكبها منفردةً..، لم تحدث مقاومة شعبيًة تذكر إلاً في سبتمبر 2013م…و عندما حدثت أخرج النظام أسوأ ما فيه و كاد أن يسقط ، و استخدم آخر ما يمتلك (الرصاص الحي و المرتزقة) ..هذا دليل على أنًه لا يمتك شئ .. سقط أكثر من مائتي شهيد..بسبب ضعف إرادة التغيير و العزيمة، توقًف كل شئ، سقطنا في امتحان الارادة لدى أول تجربة ، انهارت ارادتنا من جديد لأنًها لم تكن قويًة بما فيه الكفاية حتًى تصمد في وجه استهداف النظام لها.. بدلاً من أن تكون دماء الشهداء الطاهرة دافعاً أكثر لاسقاط النظام فاقد الشرعية توقًف كل شئ …..لم تكن تتوفًر لدينا الارادة و العزيمة بما يكفي لنكمل الطريق حتًى النهاية بعد أن اصبحنا غاب قوسين أو أدنى من اسقاط النظام…
سأضرب مثلاً هنا للمقارنة فقط ، سبق أن اشرت اليه في مقال سابق، حتى لا يأتي من يقول بأنً القمع سبباً كافياً لانهيار الإرادة، و هنا ما حدث من توقف في سبتمبر علينا معرفة أسبابه الحقيقيًة و ضمان عدم تكرارها في المرة القادمة.. في يوم الجمعة الثامن من سبتمبر عام 1978 في بدايات الثورة الايرانيًة في يوم واحد فقط قتل أمن الشاه خلال الفترة ما بين صلاة الجمعة و مغيب الشمس أربعة آلاف من الثوار في طهران وحدها و اعلن الاحكام العرفية و فرض حظر التجول ، لكن ذلك لم يزيدها إلاً قوًة.. خرج الناس في الجمعة التي تلتها من مدينة قم و سقط في جمعة واحدة 2000 قتيل، و رغم العدد الهائل من الشهداء الذين سقطوا لم تنكسر عزيمة الثوار، بل على العكس تماماً زاد الاصرار و كثرت الأعداد و تعاطف الكل مع الثورة.. إذاً القمع ليس سبباً لانكسار العزيمة ، بل على النقيض تماماً سقوط الشهداء من المفترض أن يزيد من الاصرار على بلوغ الهدف، و هذا ما يحدث في كل الدول التي شهدت ثورات ضد انظمة الحكم الديكتاتوري…
ما الذي أثًر على إرادة التغيير فينا و أضعف عزيمتنا؟ إنًها سياسات النظام التي صممت خصيصاً لهذا الغرض..
إنً الواقع المأساوي الذي نعيشه الآن لو نظرنا إليه من زاوية واحدة لكانت الدهشة صاعقة و الصدمة أقوى ليس لفداحته فقط، و إنًما لما وصلنا إليه من تقهقر في الإرادة و تراجع في العزيمة..، هذا يجيب على بقيًة الأسئلة على شاكلة كيف سمحنا بحدوثه؟
ثم أنًنا و بعد أن تيقًنًا من معرفة الأسباب المتمثلة في النظام و منسوبيه و عرفنا المسؤولين عن الكارثة التي طالت وطننا و مقدراتنا و أخلاقيًاتنا…إن نظرنا من زاوية أحاديًة لألجمتنا الدهشة و الاستغراب..كيف ظل هذا النظام الكالح موجوداً بيننا و نحن نمارس حياتنا العاديًة؟ أمًا إن وقفنا مع أنفسنا و أقرً كلُ منًا بمسؤوليًته الفرديًة عن الذي يحدث ، و عرف دوره، و قام به – دعونا لا نقول كاملاً ، فقط قام ببعض المطلوب منه، و لا نقول جميعاً، فقط بعضنا ( تقول التًجارب بأنً 10% من أصحاب المصلحة إن عملوا على قضيًتهم يمكنهم تغيير الأنظمة ) ..إن فعلنا فلن يظل النظام على قيد الحياة بعدها، و يمكننا تغيير كل ما هو قبيح .
الإرادة القوية و العزيمة الصلبة شئ يأتي من قناعاتنا الداخليًة الفرديًة بضرورة تحقيق الهدف و أهميته لنا.. فقناعتنا الداخليًة بضرورة التخلص من هذا النظام هى المغذي الرئيسي لارادتنا و بالعزيمة نستطيع أن نبلغ أهدافنا ..و أفضل ما يعزز المقاومة لدينا هو الايمان بضرورة العمل الجماعي و خلق روابط بين كل مجموعة تعرف بعضها و يربطها الحي الذي يسكنون فيه أو المهنة أو مكان العمل.
لا تنقصنا الآليًات لاسقاط هذا النظام و إنًما تنقصنا الإرادة القويًة و العزيمة حتًى ننظم أنفسنا لتنفيذ تلك الآليًات ، هذا كله يحتاج للإرادة القويًة و العزيمة…، يوجد اليوم من موجبات اسقاط النظام ما يفوق غضب الشارع السوداني ، نفس الشارع الذي أغضبته قوانين سبتمبر و حادثة اعدام الشهيد / محمود محمد طه.. بدأت يومها المسيرات في أطراف العاصمة في الأسبوع الأخير من مارس 1985، وسرعان ما انتشرت في العاصمة والمدن الأخرى مما ساهم بصورة كبيرة في إنهاك قوات الأمن القومي و قوات مكافحة الشغب ( الشرطة) …كانت أحياء امدرمان هى الأقوى و أثبتت خبرة كبيرة في العمل الثوري السلمي ، .. لجأ الشعب إلى الانتقال من شارع أب روف الرئيسي إلى الأزقة و هذه كانت استراتيجية غاية في العبقريًة لمعالجة ملاحقات الأمن و الشرطة بالعربات …تفرقت نتيجة لذلك قوات نظام مايو في مجموعات صغيرة كان التعامل معها و حسمها سهلاً.. كان المواطنون في الأحياء ، وخاصة النساء يوفرون الماء والطعام وأحياناً المأوى لحماية الثوار، وشارك طلاب الجامعات في المظاهرات بفعالية ، أمًا السلطة أنفضح موقفها بالموكب الهزيل الذي سيرته قيادات الاتحاد الاشتراكي ، وفي اليوم التالي خرج موكب النقابات الحاشد الذي شاركت فيه جماهير غفيرة من المواطنين والمواطنات ، تواصل الزخم و تزايدت الأعداد..تنادت قيادات التحرك الجماهيري ( التجمع النقابي والتجمع الوطني إلى تنظيم عصيان مدني وإضراب سياسي يبدأ يوم السبت 6 أبريل ، استبق كبار الضباط ذلك التاريخ وأعلنوا تكوين المجلس العسكري الانتقالي والانحياز للانتفاضة فجر السادس من أبريل نفسه، بعدها توقف مشروع التغيير عند هذا الحد و حدث ما حدث ..
انقلب الاخوان المسلمون (الجبهة الاسلامية القوميًة) و أدركوا أخطاء كل الديكتاتوريًات السابقة و أخضعوها للدراسة حتى لا يقعوا فيها فبدؤوا بتدجين النقابات و التنظيمات و تبنوا سياسات التجهيل و نشر الرعب و اشعال الحروبات و اشغال المواطنين في قوت يومهم ، نشروا الاوبئة و الأمراض و اشاعوا الرذيلة و الفاحشة و عملوا بكل ما أوتوا من قوة بغرض الغاء الدين من حياة الناس حتى يكون الشعب مجرد رعاع دون قيم و أناس مأزومون بدون إرادة حتى يتمكنوا من السيطرة عليه و اذلاله و ضربه ببعضه ..الخ، المحصلة النهائية التي أرادوها خنوع الشعب و تدمير قيمه حتى لا يستطيع التغيير ، و من يجتهدون في اسقاط نظامهم يجدون أنفسهم أمام مهمة أشبه بالمستحيلة، و بذلك يخلو لهم الجو لانفاذ كل سياساتهم التدميرية ، ثم على الوطن السلام..أدلجوا كل شئ..أحاطوا نظامهم بالعبيد من كل حدبِ و صوب من الفاقد التربوي و أبناء الهامش الجوعى بعد أن نزعوا منهم الضمير و حولوهم لمسوخ على هيئة بشر حتًى أصبح هؤلاء أكثر حرصاً على بقاء النظام من سدنة النظام أنفسهم.. و لكن هل هذا كاف لتسبيط عزيمة التغيير؟ التجربة تقول لا، بدليل أنً الثورة المهديًة قامت و نجحت في ظل واقع مماثل، و الثورة الفرنسيًة نجحت نتيجةً للدور الذي قامت به شرائح المجتمع المنبوذه التي هدف النظام في ذلك الوقت لتأزيمها إلاً أنًه فشل و ارتدت سياساته عليه..بطبيعة الحال مشاكل الديكتاتوريات و الأنظمة الشمولية ذات الطابع الداخلي لا حصر لها و لذلك من المستحيل عليها البقاء لأنً معظم أسباب زوالها تأتي من داخلها و هذا ما يقوله التاريخ و الواقع الحالي و أكثر تحديداً واقع نظام العار الحالي في وطننا.. علينا أن لا نقلق من زوال النظام فهو حتماً إلى زوال ، و لن يمضي عليه وقتاً طويلاً، و لكن علينا أن نقلق لانقاذ ما تبقى من قيم فينا و أرض تأوينا.
الشعوب الحرة يستحيل أن تستكين للظلم، و كلما طورت الديكتاتوريات من أدوات قمعها من الطبيعي أن تطور المقاومة الشعبيًة هى الأخرى من أدوات نضالها..و الدليل على ذلك هو المحاولات الكثيرة التي قام بها الشارع السوداني لاسقاط النظام و باءت كلها بالفشل لأسباب متكرره حتى أصبحت مشكلة معلومة للجميع أدت في نهاية المطاف إلى المزيد من تدهور الإرادة و مدلولاته من الأقوال و الأفعال على شاكلة "كلنا نكره النظام و لكن لماذا نغير؟ و ان خرجنا سيكون مصيرنا القتل و أننا لا يمكن أن نلقي بأنفسنا في التهلكة..و هذه كلها يقابلها النظام فرحاً مبتسماً لا يشغله سوى مشاكله ذات الطبيعة الداخلية و مع العالم الخارجي، أمًا الشعب فحتى اشعار آخر نجحت سياسته معهم نجاحاً منقطع النظير..، من يغير مفاهيم النًاس؟ نحن..من يقود الجماهير؟ نحن..من نقرأ هذا الكلام..كل منا لديه دور ليقوم به في تقوية العزيمة والارادة لدى الآخرين لأنًه لم يتبقى لدينا الكثير من الخيارات.
و لما كان حديثنا عن العزيمة و الارادة لننظر كيف استهدف هذا النظام الفاشل عزيمة و إرادة من حوًلهم عبيداً له من العسكريين و الموظفين المدنيين على حد السواء.. و لا أعمم ، فقط أتحدث عن من تنطبق عليهم الصفة "عبيد" و هم يعرفون أنفسهم جيداً..المقارنة هنا أشبه ما تكون بفلسفة الشهيد "مالكوم إكس عن "مفهوم العبوديًة " و الفرق بين عبيد المنزل و عبيد الحقل، فهنا العسكريين الذين يخدمون النظام بمثابة عبيد المنزل الذين يسكنون مع سيدهم في منزله و يأكلون بقايا طعامه و يتحدثون بلسانه و يقلقون على مصالحه أكثر مما يفعل هو لنفسه و يشكلون أقلية من شريحة العبيد الأفضل حالاً و لكنهم في النهاية مجرد عبيد منازل مهما امتلكوا من ماديًات…أمًا الموظفين الخانعين من المدنيين فهم بمثابة عبيد الحقل الذين يخدمون سيدهم لكنهم يكرهونه و إن رأوا ناراً في منزله يزيدونها اشتعالاً و يتمنون زوال سلطانه عليهم اليوم قبل الغد و لا يمانعون من التمرد عليه لأنًهم يأكلون الفضلات من الأحشاء و ملابسهم رثًة …الخ ، فهؤلاء الذين يندرجون تحت "عبيد الحقل" هم أغلبيًة العبيد و يتمتعون بقدر معقول من الشجاعة و يمكن استعادة ارادتهم و عزيمتهم للتغيير ، أمًا " عبيد المنزل" فهؤلاء لا يرجى منهم الكثير – على الأقل في المرحلة الراهنة – من مراحل الثورة للاطاحة بسيدهم "النظام"، وجودهم غير مهم لأنًهم أقليًة و غالبيتهم فقدوا ضمائرهم و عقولهم بفعل الخنوع و لا أمل كثير يرتجى منهم …، لذلك من يتحدثون عن اعادة هيكلة القوات النظامية بعد اسقاط هذا النظام لا يتحدثون من فراغ ، يأتي اصرارهم نتيجةً لعلمهم بمدى التردي الذي طال الجيش و الشرطة، أمًا المرتزقة من الأمن و المليشيات فهم بمثابة "عبد المنزل" المدلًل و الأقلً عقلاً غائب الضمير و الانسانيًة بفعل سيده و تلاعبه بجيناته و هندسته وراثيًاً..
بالعودة لهبة سبتمبر ..استمرت ثمانية ، تعاطف معها بعض المنتمين ل"عبيد الحقل" و ضربها بالرصاص المنتمون إلى "عبيد المنزل" ..و قارنوا بتجربة أبريل استطاعت في خلال اسبوع واحد أن تسقط نظام مايو أو بالاحرى انتهى حكم الديكتاتور جعفر نميري و تم اجهاض مشروع التغيير في ذلك الوقت نتيجة لتغلغل الاخوان المسلمين و امساكهم بمفاصل صنع القرار (هذه مسألة أخرى) ، تقييمنا لهبة سبتمبر هو البداية الصحيحة لتقييم الوضع الحالي حتى نحدد كيف نستعيد الارادة للذين لا يمتلكونها من "المستغلَين العبيد" و نعززها لدى من يمتلكونها من الأحرار و القابضون على الجمر..و كيف نصنف من نستهدف إرادتهم.
ماذا أفشل هبة سبتمبر؟ و لماذا لم تتسقط النظام رغم أنها استمرت ثمانية أيام حسوماً متتابعات على الرغم من أنً القتل بدأ منذ اليوم الثاني و أنًه حتى بعد اليوم الثالث (أي اليوم الذي سقط فيه أكبر عدد من الشهداء ) استمرت الهبة لخمسة أيام أخرى..إذا القتل و بطش النظام ليس هو سبب خمود الهبة، و كذلك مثلما انتفاضة ابريل المجيدة كانت تلقائية لا توجد لها قيادة محددة و اسقطت نظام مايو ، اذاً الحديث عن أنً سبتمبر لم تكن منظمة أو لديها قيادة أو مخطط لها أو أي سبب من هذا القبيل غير صحيح في مجمله بدليل أنً أبريل أيضاً كانت تلقائية خرجت الجموع للشوارع بعد اعدام الشهيد محمود، و لم تدخل الأحزاب على الخط إلا بعد أن بدأت الانتفاضة، و توقف مشروع الاعتصامات التي كانت مقررة أن تبدأ في السادس من أبريل لأن الأحزاب في ذلك الوقت حالت دون قيامه و باركت المجلس العسكري بقيادة سوار الذهب….الحديث هنا كثير و عموماً هو ليس موضوعنا الحالي..، بالعودة لأسباب توقف هبة سبتمبر الحقيقية نقول الآتي:
أولاً: سبتمبر كانت تلقائية لم يكن مخططاً لها و لذلك لم تكن هنالك قيادة مدربة تستطيع أن تقود الجماهير نحو أهداف بعينها لبلوغ غايات محددة تضغط على النظام و توجه له ضربات موجعة تؤدي لانهياره ، حقيقة أنً هنالك بعض الأحياء توجد بها قيادات شبابية خططت للخروج بسبب زيادة الأسعار لا خلاف حولها، و لكن المقصود بأنها لم تكن منظمة و لا تمتلك قيادة هو أنً التنظيمات الكبيرة و منظمات المجتمع المدني لم تكن تخطط لسبتمبر ، بل أنً أكبر الأحزاب الوطنية كان موقفه ضبابياً على الرغم من أنً كوادره شاركوا بفعالية في المظاهرات.
ثانياً: من أهم عيوب المظاهرات التلقائية أنًها أقرب للاحتجاج منه للمقاومة، و الفرق بين المقاومة و الاحتجاج تحدثنا عنه في مقال سابق .. المقاومة تعني الرفض و اعلان الحرب على القوانين و القرارات الجائرة أمًا الاحتجاج فلا يعدو أن يكون مطالبة للنظام بإعادة النظر في قراراته و قوانينه و إن لم يستجب يتم القبول بها دون تصعيد أو فعل آخر، و هذا التعريف هو الصحيح لأحداث سبتمبر كانت احتجاجات و ليست مقاومة لذلك لم تكن تمتلك مقومات البقاء.
ثالثاً: الحديث عن المقاومة و الاحتجاج و تعريف المقاومة يعيدنا للنقطة أولاً أعلاه، هنالك استحقاقات لنجاح حركة المقاومة الشعبيًة التي تهدف للتغيير من أهم تلك الاستحقاقات تعريف الهدف من المقاومة ثم تعريف الآليات التي تم تحديدها لبلوغ الهدف ، ثم توفير الأدوات التي تتطلب انجاز ذلك الهدف، في سبتمبر لغياب القيادة لم يكن هنالك هدفاً واضحاً يقول أننا خرجنا لاسقاط النظام . .ماحدث أنً الجماهير الغاضبة خرجت بصورة تلقائية للتعبير عن غضبها لزيادة الأسعار ، نتيجة لذلك كان الاعلام الخارجي ينقل الاحداث على أنها احتجاجات على رفع الأسعار و ليس ثورة لاسقاط النظام و الفرق واضح بين الاثنين، كذلك لم تكن هنالك آليًات محددة لتعريف هبة سبتمبر فقد كانت مجرد مظاهرات في الشوارع بدون قيادة، لم تكن هنالك قيادة لتحدد بأنً ما يحدث هو مقاومة للنظام آلياتها المسيرات الجماهيرية و الاعتصامات و الاضراب السياسي و آليات عدم التعاون مع النظام المعروفة التي تؤدي في النهاية لانفراط عقده و سقوطه، لم تكن هنالك أدوات محددة لتحقيق ذلك غير المتظاهرين السلميين العزل الذين لا قيادة لهم مما جعلهم هدفاً سهلاً لرصاص النظام الذي لا وازع له، لم يكن هنالك اعلام منظم يرصد قنص النظام حيًا للمتظاهرين السلميين و ينقل الصورة للفضائيًات العالميًة ، لذلك استمرأ النظام فعلته لأنً من يخشاهم لا يمتلكون الدليل الحي الذي لا يستطيع أن ينكره.
رابعاً: غياب القيادة يعني غياب جميع عوامل النجاح و من ذلك لم تستمر الهبًة على الرغم من أنً مقومات استمرارها كانت عظيمة و من ذلك الكم الهائل من الشهداء الذين سقطوا، لم يكن هنالك اعلام تعبوي داخلي متنظم يشعل غضب الجماهير حتى يستمر المد الثوري في القوة، و لم يكن هنالك اعلام فاعل يستهدف تقوية العزائم ، و لم تكن وكالات الأنباء العالميًة قادرة على نقل ما يحدث بالصورة المطلوبة لذلك فقدت الهبًة الكثير من مقومات النجاح و ضاعت فرصة التصعيد و التعاطف الدولي و الضغط على النظام من العالم الخارجي و دعم الثوار داخلياً….، غياب القيادة حال دون توفير خطوط الدعم لضمان الاستمرار ..و العديد من الأسباب الأخرى.
خامساً: وتيرة الهبًة التًنازليًة بعد اليوم الثالث فوًتت فرصة انشقاقات كبيرة كان من الممكن أن تحدث وسط القوات النظاميًة (البوليس) و (الجيش) ، و من المعروف أنًه يوجد الكثيرين من الشرفاء في هذه القوات و لكن مشكلة القوات النظامية أنً أفرادها يتبعون التعليمات التي تصدر عن قادتهم "عبيد المنازل المدلًلين" و من يخالف التعليمات يكون عرضةً للجزاءات التي قد تصل حد الموت، لذلك لا يمكنهم – منطقياً – أن يخاطروا بمخالفة التعليمات التي يعلمون عواقب مخالفتها ما لم تكن هنالك مؤشرات معقولة أنً انضمامهم للهبًة سيساهم في نجاحها و تحولها لثورة شاملة.. بالتالي يتغير النظام و تتغير القيادات التي يخافون عواقب مخالفتهم لتعليماتها. و الدليل على ذلك أنً انضمام منسوبي القوات النظامية في كل مناطق العالم للحركات الثوريًة لم يحدث بصورة ذات أثر إلاً بعد أن اتخذت تلك الثورات وتيرة تصاعديًة و أصبحت تشكل خطراً حقيقياً ماثلاً على وجود الأنظمة ، تجربة صربيا مثال جيد و تجربة ابريل مثال آخر من الواقع السوداني.
الإرادة القوية و العزيمة هي الصفة التي تميزنا وتعطينا الأفضلية و تعيننا على بلوغ أهدافنا.. ليست كلمة ننطقها فقط، إنما الرغبة والقدرة على إكمال الطريق و تخطي الحواجز ومواجهة الصعاب وكسر كافة القيود النفسية لتحقيق المعجزات والوصول إلى أهدافنا.
الإرادة التي نتحدث عنها يجب أن تنبع من عقلنا الباطن وتحركه في اتجاه الهدف و تعطينا الدافع والحافز و تمكننا من تذليل الصعاب و تحدي المعوقات لإكمال طريقنا و الاصرار على الوصول مهما صعُب المشوار. ..يقول الامام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه في الإرادة :" ما رام امرئ شيئاً إلا وصل إليه أو دونه".
للحديث بقيًة….
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.