أسباب وتداعيات عدم المساواة في الدخل – تقرير صندوق النقد الدولي – يونيو 2015م و أخيرا جدا عاد الوعي لمنظري بريتون وودز (المؤسسات المالية والاقتصادية الدولية لما بعد الحرب العالمية الثانية) وبخاصة صندوق النقد الدولي (IMF) الذي خرج علينا اليوم بتقرير يكاد يلقي بنظرية "الاندياح" الاقتصادي في مزبلة التاريخ! أو على الأقل يجري عليها مراجعات جريئة .. أخيرا يجد الدكتور مايكل ليبتون إجابة من داخل بريتون وودز (Bretton Woods) لسؤاله القديم: لماذا يظل الفقراء فقراء؟ وكان بحثا في التحيز الحضري بين جنبات الواقع الهندي .. Why Poor People Stay Poor ظل النمو الاقتصادي أرقاما فوقية يحتفل بها وظلت قضية عدالة توزيع الثروة ترفا للاشتراكيين يعافه الرأسماليون الممسكون بدفة القيادة في مؤسسات بريتون وودز .. برغم الارتجاج الكبير في أيام الأزمات المالية وأخرها في 2007 – 2009 لهذا فتقرير صندوق النقد الدولي الذي بين أيدينا اليوم يمثل منعطفا تفكيريا مهما في تاريخ هذه المؤسسات المالية والاقتصادية الدولية .. بعد سنوات من (عصر) الفقراء عصرا لادارة ماكينات الانتاج الرأسمالي المتطرف لتغذية أسواق "الاستهلاك العام الكثيف" (Mass Public Consumptiomn) الذي ظلوا يعتبرونه عنوانا للتقدم الاقتصادي ..!! وعندما تلتهب حناجر القوى العاملية في تظاهراتها من أجل رفع الأجور ..كانوا يلوحون لها بحلم "الاندياح" الاقتصادي (Trickle Down Theory) التي يدرسونها حتى لطلاب القانون عندنا في السنة الأولى بجامعة الخرطوم (كتاب هانسون: مدخل إلى الاقتصاد) أي في فترة مبكرة لتتأصل الفكرة وتهدأ التظاهرات والاعتصامات .. !! معذرة للحماسة .. فقد كنت منذ عهد بعيد من المتمردين على إقتصاديات الاندياح والتفضل على الفقراء بما يفيض عن موائد الأغنياء المتخمة .. وكنا نستغرب لما ندرسه في ذلك الكتاب الأول بالنسبة لنا عن الاقتصاد .. وكان اقتصادنا (ولا يزال) مركزيا .. دون أن نرى لمخرجاته أي اندياح خارج المراكز الحضرية نحو الأرياف .. بل كانت الأرياف تفرغ من عمالتها الرخيصة في اتجاه المركز لتخفيض تكلفة الانتاج .. حتى تفاقم الأمر فانهار الاقتصاد المركزي نفسه على رؤوس أهلنا في الوسط .. وكاد أن ينهار كل شئ .. لقد ظل هؤلاء على مستوى العالم بعد تحكم العولمة في مسار الالكترون و رأس المال و البضائع والمعلومات يذلون الحكومات النامية ويدفعونها دفعا لتقوم هي بدورها بالضغط على جماهيرها العاملة .. لتهيئة الجو للشركات عابرة القارات حتى تمتص أكبر قدر من مخرجات العمالة الرخيصة لصالح الربحية العالية لهذه الشركات، ومن ورائها الملاك الرأسماليون الكبار .. وقدم لهم "تقسيم العمل الدولي الجديد" (New International Division of Labour) ميدانا فسيحا – وبخاصة في ساحات آسيا وافريقيا – لتنتج مخرجات التقنية العالية من البضائع بأبخس الأثمان، مخلفة وراءها أبخرة التصنيع ونفث الأكاسيد لأطفال هذه البلاد وضعفائهم .. إن تقرير يونيو 2015م لا يمثل شيئا كبيرا في حجمه .. لكنه يمثل (إشارة) صغيرة نحو اتجاه مختلف تماما عما كانوا يسيرون عليه .. أو لعلهم اكتشفوا أن سفينة الاقتصاد العالمي ستغرق إن لم يأخذوا بأيدي الرأسمالية حتى لا تحدث خرقا في جسمها بحثا عن الماء . لعل في هذا التفكير الجديد التقاءا لصالح الإنسانية ما بين تخندق الرأسمالية وراء (النمو الاقتصادي) مع تجاهل (التوزيع العادل للثروة)، وتخندق الاشتراكيين وراء (التوزيع) بعيدا عن آليات الانتاج الفاعل لتنمية الثروات .. إلتقاء في مكان فكري ما .. يمثل "الفطرة السليمة" للإنسان السوي .. وصولا إلى فكر إنسانوي لا يقصي أحدا ولا يهدر فكرا ولا يسد أفقا دون الابداع والتطوير والاتقان .. أحمد كمال الدين MA Development, Leeds University,UK http://www.imf.org/external/pubs/ft/sdn/2015/sdn1513.pdf