بالفيزياء والرياضيات والقياسات العقلية، الجيش السوداني أسطورة عسكرية    دبابيس ودالشريف    مناوي ل "المحقق": الفاشر ستكون مقبرة للدعم السريع وشرعنا في الجهود العسكرية لإزالة الحصار عنها    أسامة عبد الماجد: مُفضِّل في روسيا.. (10) ملاحظات    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    بمشاركة طبنحة و التوزة...المريخ يستأنف تحضيراته    مجلس الأمن يعبر عن قلقله إزاء هجوم وشيك في شمال دارفور    أهلي القرون مالوش حل    السودان..البرهان يصدر قراراً    محمد صلاح تشاجر مع كلوب .. ليفربول يتعادل مع وست هام    أزمة لبنان.. و«فائض» ميزان المدفوعات    السودان يطلب عقد اجتماع عاجل لمجلس الأمن الدولي لمناقشة العدوان الإماراتي    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا "أدروب" يوجه رسالة للسودانيين "الجنقو" الذين دخلوا مصر عن طريق التهريب (يا جماعة ما تعملوا العمائل البطالة دي وان شاء الله ترجعوا السودان)    شاهد بالفيديو.. قائد الدعم السريع بولاية الجزيرة أبو عاقلة كيكل يكشف تفاصيل مقتل شقيقه على يد صديقه المقرب ويؤكد: (نعلن عفونا عن القاتل لوجه الله تعالى)    محمد الطيب كبور يكتب: السيد المريخ سلام !!    حملات شعبية لمقاطعة السلع الغذائية في مصر.. هل تنجح في خفض الأسعار؟    استهداف مطار مروي والفرقة19 توضح    لماذا لم تعلق بكين على حظر تيك توك؟    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    ب 4 نقاط.. ريال مدريد يلامس اللقب 36    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أحمد السقا ينفي انفصاله عن زوجته مها الصغير: حياتنا مستقرة ولا يمكن ننفصل    بايدن يؤكد استعداده لمناظرة ترامب    الأهلي يعود من الموت ليسحق مازيمبي ويصعد لنهائي الأبطال    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    "منطقة حرة ورخصة ذهبية" في رأس الحكمة.. في صالح الإمارات أم مصر؟    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البروفيسور جين شارب : إسقاط ديكتاتوريًات القرن..و نظريًة حرب اللاعنف
نشر في حريات يوم 24 - 06 - 2015

نحمد الله الذي لا يحمد على مكروه سواه.. أن قدًر بأن يحكمنا أحطً و أشرً من يمشون على الأرض، يعيثون في أرضنا فساداً..و يحيلون وطننا خراباً بفعل سريرتهم النتنة و أياديهم القذرة ، قضت إرادة الله سبحانه و تعالى أن يتبدل حال وطننا و أهلنا إلى ما آل إليه….، علمنا ديننا بأنً الٍرضى بالقضاء و القدر من أعلى منازل الايمان ، و الأخذ بالأسباب إن أردنا ما هو أفضل.. و إن أردنا أن يغير الله حالنا علينا أن نغير ما بأنفسنا، أي طريقة تعاطينا مع الواقع المقدر حتًى يتنزًل لطفه علينا و يجيب دعوات المضطرين منًا..اللهم أهلك الظالمين و دمرهم و أجعل كيدهم في نحورهم وولٍ أمرنا خيارنا .. اللهم الطف بنا في ما جرت به المقادير..
قضىت إرادة الله أن نفشل في اقتلاع هذا النظام – لحكمةٍ يعلمها من بيده ملكوت كل شئ..و من أقسم بعزًته و جلالته أن لا يظلمنً عبداً لعبدٍ.. لحكمة يعلمها اللًه حكمت الأقدار بأن يمسًنا الضر 26 عاماً هلك فيها الزرع و جفً الضرع و انتهكت حرمات الله و أضطربت المقاييس ..و أن يفلت المجرم عمر البشير و من دونه من قبضة العدالة الدوليًة، …فعسى أن نكره شيئاً و هو خيرُ لنا..، فما اقترفه أعداء الله و الانسانيًة من جرائم بحقنا لن يستوفي أقلاًه و إن قطًعوا إرباً … فالذين خدموا الشًر من الربًاطه و اللصوص و المرتشين الأوغاد و الفاسدين المفسدين.. إلى الله إيابهم و عليه حسابهم في الآخرة ..و لنا القصاص منهم بقدر ما تسببوا فيه من جرمٍ بحقنا فرادى…، نحن شعبٌ مطالب برد كرامته حتًى يرتقي لمستوى حياة البشر ثانيةً… هذا لن يتم ما لم نقاوم جميعنا حتى استعادة وطننا المغتصب بواسطة أقليًة الأشرار و حثالة مجتمعاتنا.
هدفنا واضح و معروف ، لن نبلغه ما لم نعنيه تماماً ونعمل عليه و نوفيه استحقاقاته و نعرف الطريق إليه ، و نحدد الوسائل التي تمكننا منه..، استوعبنا و علمنا بأنً الأشرار أوًل ما استهدفوا فينا إرادتنا من خلال التجهيل و مسخ المناهج الدراسيًة و تشريد الكفاءات فكان جيلاً كاملاً من أنصاف المتعلمين والمأزومين و أشباههم و مدمني المخدرات يمثل أكبر شرائح مجتمعنا … لم تعد الظروف الموضوعيًة كما كانت في أبريل المجيدة .. إن أردنا الانتصار على الشًر و التغيير علينا واجبات لابد و أن نقوم بها أوًلاً.. رفع قدرات و كفاءة الشباب الذين يمكنهم أن يشكلوا قوة على الأرض مؤثرة في محيطها تستطيع أن تستقوي على التحديات الاجتماعيًة في مجتمعنا من أولى واجباتنا…شباب واعٍ لدوره و رسالته في مجتمعه.. يشكلون عماد الثورة..اقتلاع الأنظمة الديكتاتوريًة لم يكن كما كان في السابق ..إذاً ماذا نفعل حتًى يسقط النظام، و كيف يكون ذلك؟..و متى ..و من يقوم به؟ الاجابة على هذه الأسئلة تحدث عنها كثيراً البروفيسور جين شارب و ألًف فيها أكثر من خمسين كتاباً و دراسة علميًة..سنتناولها هنا ، رغم كثرتها إلاً أنًها ما نحتاجه ..
(1) الفرق بين المقاومة و الاحتجاج…محاولات شرارة و قرفنا..و فشل هبًة سبتمبر..
أحدث محاولاتنا في سبتمبر 2013 فشلت ، لكنها أثبتت بالدليل العملي استحالة الانتصار على الشًر دون امتلاك الآليًات و الارادة و العزيمة.." التعريف الصحيح لأحداث سبتمبر أنًها كانت احتجاجات و ليست مقاومة لذلك لم تكن تمتلك مقومات البقاء."، أما الاحتجاج فهو مخاطبة السلطة على أساس أنًها معترف بها و بقوانينها بإعادة النظر في الجائر منها و ان لم تمتثل يتراجع المحتجون و يعود كل منهم لممارسة حياته العاديًة ، و أمًا المقاومة فهى عدم الاعتراف بشرعيًة السلطة الفاسدة..و التعامل مع قوانينها و أفعالها على أنًها باطلة… المقاومة تعني أخذ زمام المبادرة و الفعل .. و الرفض و عدم الاعتراف لا بالسلطة الظالمة و لا بقوانينها…الاحتجاجات لن تنجح في هزيمة الانظمة الديكتاتوريًة التي تعيش على الدماء كما هو الحال عندنا..أمًا المقاومة فلديها متطلبات يجب أن تتوفر..أهمها القيادة المنظمة المدربة التي تعرف ما تقوم به..و شئ آخر، المقاومة لا تعرف السريًة أبداً و هى عمل معلن.. يمكن أن يكون الاحتجاج من ضمن تكتيكاتها شريطة وجود تكتيكات أخرى و استراتيجيًة متكاملة مبنيًة على فهم قواعد اللعبة.. أحد قواعد المقاومة هو العلنيًة أي أنًها لا يمكن أن تحدث في الخفاء.. فالاعتصام المدني مثلاً لا يمكن أن يكون سريًاً..و الاضراب كذلك و كل وسائل المقاومة السلميًة.
(2) التنظيمات و المجموعات الاحتجاجيًة الشبابيًة ..اسباب الفشل و الحلقات المفقودة….
جميع الثورات التي حدثت في القرن الحالي..و في أي مكان في العالم ، لم يكن ليكتب لها النجاح لو لم تكن هنالك قيادات مدربة تعرف ما تقوم به.. هذه المسألة جوهريًة و يجب أن نركز عليها إن فعلاً أردنا هزيمة الشر و جعل الوطن يسع الجميع فهى شرط رئيسي..فبرغم النجاح في أكتوبر و ابريل فشلت سبتمبر و أوضحنا أسباب الفشل جميعها و استعراضنا أعلاه السبب الثاني و سنستعرض السبب الثالث أيضاً..، بالضرورة الانتقال من الاحتجاج للمقاومة لا يمكن أن ينجح دون معرفة متطلباته و استيفاؤها… نجحت ثورات صربيا و جورجيا و تونس و مصر و فشلت سبتمبر لأنًها ليست كما في الدول الأخرى التي كانت مخططاً لها و لديها قيادات على الأرض..مدربة و تعرف ماذا تفعل…أمًا عندنا فكانت العديد من المجموعات الشبابيًة مثل "شرارة" و "قرفنا" و "التغيير الآن" و "أبينا" و غيرها غير فاعلة..و كل محاولاتها باءت بالفشل لأنها مجرد مجموعات احتجاجيًة منفرط عقدها و انتهى بها الأمرإلى بيئة خصبة للغواصات مما جعلها عديمة الفعاليًة تماماً.. ، و مع علمي التام بأنً من أسسوها يريدون التغيير، إلاً أنًهم لم يقرؤوا الواقع جيداً و لم يضعوا استراتيجية محددة للتغيير لديها خططها و تكتيكاتها و معايير التقييم للأداء..، الآن لم يتبقى من هذه المجموعات سوى صفحاتها على الفيسبوك موجودة (مسمار جحا) مثلما النظام موجوداً…
(3) التنظيمات الشًبابيًة الاحتجاجيًة….عدم المعرفة بالابجديًات و النتائج العكسيًة..
ثاني أسباب هذا الفشل يرجع لأن هذه المجموعات كلها احتجاجيًة و ليست مجموعات مقاومة بالتالي لم تكن لديها المقدرة على التحليل و قراءة الواقع بطريقة صحيحة.. و عدم وجود خطًة محدًدة بل كانت العديد من محاولاتها تقليداً أعمى لا ينسجم مع الواقع الذي يقول بأنً القيادات الشبابية غير مؤهًلة لقيادة الشارع بسبب عدم المعرفة للابجديًات … على سبيل المثال أذكر جيداً دعوة "شرارة" للخروج في مارس العام 2011، و محاولة القائمين على أمرها التقليدالأعمى لما جرى في احتجاجات المصريين ضد نظام مبارك و استخدام خرائط قوقل لتحديد أماكن تجمعات و الاعتماد كلياً على ذلك ، لا شك في صدق نوايا هؤلاء الشباب و رغبتهم في التغيير، و لكنهم ببساطة لا يعرفون ما هو المطلوب و كيف السبيل إليه..كل ما يحركهم الحماس التلقائي دون معرفة …المحصلة النهائية المزيد من الاحباط وسط الشباب و انفراد النظام بالناشطين و التنكيل بهم حتى هاجر بعضهم و ظل البعض الآخر يتعثًر من كبوة لأخرى.. و من تطاله يد النظام إن كان من الناشطات يرغمن على ما فعلته ساندرا و نسرين.. و إن كان من الذكور ينزوي في ركنه غارقاً في الاحباط، أعرف البعض من الناشطين ممن اصيبوا بأمراض نفسيه و من أدمنوا المخدرات و من انضم لأمن النظام ليصبحوا غواصات…, و أعرف من بلغ بهم السوء أبعد من ذلك بكثير.. ، النتيجة واحدة، العجز عن أي فعل حقيقي يمكن أن يساهم في اسقاط النظام أو التغيير…إذاً هنالك مشاكل جوهريًة تعاني منها هذه التنظيمات الشبابية و غيرها..ما الحل؟
(4) نظرية جين شارب في حرب الاعنف..نجاح منقطع النظير في صربيا و جورجيا و تونس و مصر..
ما لا يعرفه الكثيرون منا، خاصًة الشباب من جيل الظلام أنً التونسيين و المصريين "كفاية" درسوا واقع مجتمعهم و قلدوا بعض ما قامت به حركة أوتبور بصربيا التي أطاحت بنظام مليسوفيتش عام 2000، ، حدث نفس الشئ في جورجيا عن طريق حركة كمارا "يكفي" فكانت ثورة الورد في 2003 التي أطاحت بنظام إدوارد شيفر نادزة.. المنظمة الجورجية غير الحكومية لحقوق الإنسان، و هي منظمة بارزة، ساعدت حركة كمارا على تطوير و تقوية قدراتها التنظيمية. فزاد ذلك من معارفها النظرية حول استعمال الكفاح غير العنيف من أجل التغيير. من خلال التعاون مع حركة أوتوبور الصربية و التي تعني"المقاومة " وتأسست حركة كفاية المصرية عام 2005 وضمت نشطاء انضموا فيما بعد لحركة 6 أبريل الذين تلقى بعضهم تدريبات في مركز كانفاس بصربيا . أمًا تيار الاسلام السياسي تلقى هذه التدريبات بقطر على نفس مناهج جين شارب التي تمت ترجمتها في الأصل عن الدراسات التي تقدمها كانفاس في تكتيكات حروب اللاعنف و المقاومة السلمية.
الفرق بين ما فعله شبابنا في سبتمبر وما فعله الثوار في باقي العالم كان شاسعاً و أثبت أنً المسألة لن تصمد دون معرفة..ما يتطلًب تدريب على أساليب حرب اللاعنف و رفع قدرات الشباب ، فمثلاً عندما استخدم المصريين التكنولوجيا و خرائط قوقل لتحديد أماكن الخروج نجحوا لأنهم كانوا يعرفون ما يفعلون.. كان لديهم قوة منظمة على الأرض مدربة لأهداف محددة.. بدايةً اختيارهم أن تكون المظاهرات من الشوارع الداخليًة للحارات لم يكن عشوائيا، كان من منطق تكتيكي واستراتيجي استفادوا من التكنولوجيا لتنسيقه. . جمع المظاهرات بأعداد صغيرة ومتباعدة عن مكان الاحتجاجات الرئيسي يعد وسيلة آمنة للحشد.. حدث نفس الشئ عندنا في انتفاضة ابريل في ابوروف و أزقة أمدرمان لتشتيت أمن مايو..حدث وقتها دون تدريب لأنً مستوى الوعي كان عالياً و هذه تجيب على جزء من سؤال لماذا نجحنا في ابريل و فشلنا في سبتمبر، السبب هو مستوى المعرفة و الوعي..، فكلما يتم حشد المزيد من الناس في الشوارع الصغيرة يعطي هذا إحساس بالزخم والثقة.. ففي داخل الحارات يكون الناس جيران ويشاركون في الخروج و الانضمام لأنهم يرون معارفهم في الشارع.. وهذا التكتيك المتبع ربما يكون في الأصل مأخوذاً عن تجربة أبريل عندنا..لأنًه مذكور في الدليل "كيف تثور بحداثة" الذي استخدمه التونسيون و المصريون من بعدهم في ثوراتهم.. و هو في الأصل نسخة مترجمة عن مؤسسة البرت انستاين التي أسسها عراب حرب اللاعنف الدكتور جين شارب و هو نفسه الدليل الذي استخدم في جميع ثورات القرن الحالي. و تم التعديل عليه بما يتناسب مع غرض استخدامه في الزمان و المكان المحددين ، أما ما حدث عندنا في سبتمبر و قبلها شئ مختلف، شباب متحمسون جاهلون بأبجديات التغيير و لا قيادة لهم…حاولوا التقليد الأعمى دون معرفة، و دون وجود لمجموعاتهم على الأرض… و دون وجود خطوط دعم أو اعلام تعبوي و جماهيري يحمل رسائل للمستهدفين بالداخل و الخارج.
(5) أصل الحكاية…دليل "كيف تثور بحداثة" عن مؤسسة البرت انشتاين..
أسس جين شارب مؤسسة البرت انشتاين و هى مؤسسة غير ربحيًة و معهد البرت انشتاين في العام 1983م ..تهدف إلى نشر ثقافة التغيير دون عنف و مناهضة الحروبات و التغلب على الديكتاتوريات…أول نجاح لجين شارب كان في دوره الكبير في انشائ منظمة كانفاس الصربيًة …، أمًا عن الدليل الذي استخدمه الثوار منذ العام 2000م تم اعداده باحترافية عالية و اشتمل على الكثير من النقاط الحيويًة المركزية للمقاومة المدنية، بما في ذلك مطالب محددة للغاية من النظام ، و تحديد وأهداف معيًنة والخطوات التكتيكية لبلوغ تلك الأهداف. كما قدم الدليل نصائح كثيرة للثوار أكثر تفصيلاً …، ما لا يعرفه شبابنا و الكثيرين منًا أنً التوانسة و المصريين نجحوا لأنًهم استنسخوا ما قامت به حركة أوتبور بصربيا التي أطاحت بنظام مليسوفيتش عام 2000، و لكنهم لم يقوموا بذلك حرفياً ، تم تصدير ثورة صربيا إلى جورجيا عن طريق حركة كمارا و التي تعني "يكفي" و نجحت في 2003 ،. أمًا الاسلام السياسي تلقى هذه التدريبات بقطر على نفس مناهج جين شارب التي تمت ترجمتها في الأصل عن الدراسات التي تقدمها كانفاس في تكتيكات حروب اللاعنف و المقاومة السلمية …
نظريات جين شارب في حرب الاعنف نجحت بنسبة 100% في تغيير الأنظمة الديكتاتوية الشرسة جداً مثل صربيا و نجحت في الأنظمة الأقل بطشاً مثل نظامي مصر و تونس..فهى فعلاً ما نحتاجه نحن، بل أنً دليلها المستخدم في كيف تثور بحداثة فيه جوانب كبيرة تم أخذها في الأصل من انتفاضة ابريل كما اشرنا اعلاه…. لكن لا يمكن بأي من الأحوال أن نستخدمها كما هى ، فكما قلنا في المقال السابق أنًه لا توجد قاعدة جاهزة للاستخدام و إنما هذه تتحكم فيها ثقافة المجتمعات المحلية ..
(6) جين شارب..198 أداة للكفاح اللاعنيف..و أسس نظريًة القوة الغير عنيفة ..
وضع جين شارب عدد 198 أداة للاحتجاج الرمزي وعدم التعاون الاجتماعي والمقاطعة الاقتصادية والإضرابات العمالية وعدم التعاون السياسي مرورا بالاعتصامات وإقامة حكومة الظل.. يمكن أن تستخدم لاقتلاع الأنظمة الديكتاتوريًة من خلال وسائل الضغط وأدوات ذات بعد نفسي واجتماعي واقتصادي وسياسي وعقابي وضغط سلمي ، فالشعوب التي تواجه خصماً عنيدا يتجسد في سلطة الدولة المزودة بقدرات اقتصادية وسياسية وأمنية وعسكرية و اعلاميًة و غيرها يمكن ان تستخدمها أو ما يتناسب معها.
وتنطلق نظرية القوة غير العنيفة من أن القوة التي تمتلكها المجموعة الحاكمة ليست نابعة من ذاتها، وإنما آتية من خارجها؛ فقوة الحكومة تستمدها من المجتمع الذي تحكمه والقائمة على تفاعل السلطة من حيث الشرعية والموارد البشرية الطائعة للسلطة لتوفير احتياجات النظام. أما العوامل الأقلً تأثيراً فتتمثل في العوامل الأيديولوجية والنفسية؛ كعادات الطاعة والخضوع، ووجود عقيدة أيديولوجية عامة موالية للنظام..أمًا الموارد المالية فتتجسد في العوامل الطبيعية والاقتصادية ووسائل الاتصالات والنقل التي تحتكرها السلطة… كذلك، نمط العقوبات كأداة للضغط الذي تمارسه السلطة على الشعب وقد لا تتوفر هذه الأدوات مجتمعة لدى المجموعة الحاكمة لذا فهي تختلف وجودا ونقصانا و انعداماً..فمثلاً نظام الاخوان المسلمين عندنا لم يعد يمتلك الجانب الايديولوجي..
إنطلق جين شارب في أطروحته الفكرية عن حرب اللاعنف و المقاومة المدنية من أن الحكومة تعتمد في الأساس على طاعة المحكومين وتعاونهم و أيٍ خلل في هذه الطاعة يترتب عليه تفكُك و تحلُل في قوة النظام إلى درجة فقدان السلطة والسيطرة على زمام الأمور..وعليه يعتبر رفض التعاون مع النظام أمرا خطيرا وأداة سلمية ناجعة لقيادة الثورة والعصيان…. في هذه الحالة لن تقدم السلطة تنازلات..و إنًما ستلجأ لأساليب الإكراه والعنف لمحاصرة عدم تعاون الشعب إذ يتم استخدام أساليب الردع والعقاب و الابتزاز عبر الرباطة و المليشيات والشرطة والجيش.. و لكن رغم ذلك…تظل المجموعة الحاكمة ( النظام) قابلة للتفكك وتلقي ضربات موجعة تؤدي إلى السقوط … فحتى استعمال أساليب العنف من طرف النظام يكون فعالا بقدر تعاون الجماهير وخضوعهم لهذه الأساليب الإكراهية، و تبقى سلطة المجموعة الحاكمة مقيدة ومحدودة إذ رفضت مجموعات مظلومة كثيرة التراجع أمام كل المخاطر بدافع من سلاح سلمي فعال هو "الإرادة" التي تغذي أسلوب عدم التعاون مع المجموعة الحاكمة. ..وعندما يكون عدم التعاون على نطاق واسع تتقلص قوة المجموعة الحاكمة بقدر عدد السكان المشاركين في اللاتعاون و الرفض و العصيان… لذلك تستطيع القوة السلمية الهادئة المبادرة التي تحركها قضيًتها العادلة من الانتصار و حل مشكلة قوة الحاكم التي تبدو مطلقة وذلك من خلال عدم التعاون والاستمرار فيه..أي هنالك شروط محددة للنصر (عدم التعاون على نطاق واسع و منظم و الاستمرار).. و هذا كله يحتاج للمعرفة و التدريب عليه.
(7) جين شارب..نظريًة القوًة و مصادرها….. كيف تحدث الشعوب التغيير؟
إذاً مصدر القوة ليس هو العنف، كما أن الذي يحسم الصراع ليس الذي يملك أكثر أدوات أو أسلحة فتًاكة أو ربًاطة مطيعين أو مرتزقة أو أي مما يملكه النظام..من يحسم الصراع هو من يمتلك القضيًة و الإرادة والوعي و هذه دون سواها ما يحسم الصراع…، على هذا الأساس سعى شارب إلى التنظير للكيفية التي يمكن أن تحدث بها الشعوب التغيير ونزع السلطة من المجموعة الحاكمة ( النظام) ، ورفع الظلم والطغيان اعتماداً على قوتها الذاتية.. وحدًد مستوى العمل في آليتين:
(1)رفض التعاون مع النظام ، (2) وأن يكون العمل جماعيًا وجماهيريًا منظًماً وسلميًا…، فعندما تكون كتلة المجموعة الحاكمة متراصًة وموحًدة ومتضامنة و الجمهورالمظلوم مشتًتاً ومفتقداً للتنظيم تعجز قوى التغيير عن العمل الجماعي المؤثر ويسهل على المجموعة الحاكمة (النظام) النيل منها والتعامل معها فرادى… فنظرية القوة الذاتية كما نظًر لها جين شارب تتطلب مقاومة موحدة ومتضامنة…. إن تأمًلتم معي هذه الجزئيًة ستجدون أنًها ما يحدث عندنا تماماً و سبب الفشل المباشر…نحن الآن عرفنا مواطن الخلل…يجب علينا معالجتها و العمل الجماعي و المنظًم..هذه سيضمنها التدريب و لا شئ غيره…علينا أن نركز على تدريب الشباب أمًا إن سألتم من نحن..و كيف نفعل، فالأمر ليس صعباً و يمكننا فعله..و أن نعمل على هذا الموضوع فهنالك العديد من المنظمات عرضت المساعدة في هذا الأمر..و هنالك أخرى تعرض مساعدتها ..أيضاً هنالك الكثير من الشباب ممن لديهم الرغبة في التدريب لرفع قدراتهم..و هنالك المزيد منهم سيمتلكون الرغبة..كل ما نحتاجه هو العمل كقوًة منظمة و يد واحدة..و التدريب الذي نتحدًث عنه هو تعليم كل هذه الأساليب و تطبيقها و التأكد من أنًها تعمل بكفاءة..و من شروطه أن يكون في مكان محدًد مجهًز بالمعدات و المعينات و أن يتم ايصال المادًة من خلال مدرٍبين محترفين..و هؤلاء عندنا كثر و لديهم الرغبة في تدريب كل من يهمه الأمر.. توجد بعض المحاذير الأمنيًة و لكن يوجد من الآليًات ما هو كفيل بمعالجاتها..فلا أحد يفوت عليه مدى سوء هذه النظام و خساسة أتباعه و مرتزقته..فالعزيمة كفيلة بحلحلة كل شئ..و عدالة القضيًة تمثل عندنا أساساً متيناً و أرضيًة مشتركة تسعنا جميعاً..( Platform)..
(8) الأوضاع البنيويًة للمجتمع و مراكز القوًة:
بالعودة لنظرية حرب الاعنف..عمل شارب على دراسة ورصد عناصر القوة المجتمعية ضمن ما يسميه: "الأوضاع البنيوية للمجتمع"…أي مراكز القوة التي تتركز في الأسرة.. الطبقات الاجتماعية..، والجماعات الدينية، والأجهزة الحكومية الصغيرة، والمنظمات الطوعية، والأحزاب السياسية، والتنظيمات الشبابية. وقد تكون تنظيمات تقليدية قديمة أو حديثة تشكلت في خضم عمليات معارضة المجموعة الحاكمة…أي نفس الحال عندنا في السودان و في كل العالم..، وتتحدد قوة كل وحدة بناء على قدرتها على التحرك المستقل و امتلاك القوة الذاتية وكيفية استخدامها، وعلى درجة تماسكها الداخلي… وتتحدد مراكز القوة من خلال انتشارها في المجتمع… عندما تكون هذه المراكز ضعيفة ومحدودة الحركة تتمدد سلطة المجموعة الحاكمة ويصعب تقييدها أو السيطرة عليها و تضعف قوة الجماعة المظلومة وتتفكك ويسود الطغيان والاستبداد… مثال لذلك من واقعنا..عندما تدعو مجموعة شبابيًة للتظاهر أو لوقفة احتجاجيًة نجد أنً عدد الحضور لا يتجاوز العشرات..لكن عندما تدعو مجموعة محمود عبد العزيز لحفل تأبين نجد الحضور يقدًر بعشرات الآلاف..السًبب واضح و هو أنً عدم معرفة تلك المجموعة الشبابيًة التي تتبنًى مطالب بطريقة عملها جعلته ينطوي على مخاطرة عالية فمن يطالب بحقوقه يقتل أمًا من يأتي لحفل فهذا ما أراده النظام في الأصل و شجعه و شجًع كل ما يضمن قيامه..
فالسيطرة السلمية على قوة النظام لا تتم إلا بوجود جماعات ومؤسسات تمتلك القوة الاجتماعية وقادرة على تعبئة الناس على عدم التعاون مع المجموعة الحاكمة.. أي قطع مصادر القوة الخارجية للنظام… وهذه الحركة الاجتماعية المستقلة تكون فعالة من خلال التطبيق الأمثل لأساليب الكفاح بعدم التعاون مع توفرها على مؤشرات واضحة للعمل كالرغبة النسبية للمواطنين في تنظيم قوًتهم، وعدد المنظمات والمؤسسات المستقلة، والقوة النسبية لهذه المنظمات والمؤسسات، ودرجة استقلاليتها في الحركة، ومصادر القوًة التي تمتلكها وتسيطر عليها، وحجم القوة الاجتماعية التي تمتلكها والتي يمكن أن تستخدمها والقدرة النسبية للمواطنين على طاعة الحاكم ودعمه والتعاون معه وتنفيذ رغباته…الخ، لذلك فإنً التًدريب لكل قيادة مجموعة من المنظمات و المؤسسات سيضمن أنًها ستمتلك الدرجة المطلوبة من الاستقلاليًة في الحركة و القوة النسبيًة..و الحكمة في ذلك أنًه إذا فشلت أي مجموعة في التحرك الفاعل يمكن لأخرى أن تسد الثفرة التي قد تنشأ في الجسم الثوري..، لذلك لا مشكلة في أن تكثر المجموعات الثُوريًة طالما أنًها لديها هدف مشترك..و لكن المشكلة تكمن في عدم فعاليًتها..و من هنا نشأت أهمٍيًة المعرفة و التدريب..، ثمً أنً القوى الأكثر تأثيراً أو تحالف القوى الأكثر فعاليًةً ستكون القوة المسيطرة بعد اسقاط النظام و تجيب عن سؤال البديل الذي صنعه النظام في الأساس حتًى يردده الجاهلون و من نشؤوا في الظلام على عواهنه متناسين واجبهم و مسؤوليتهم الفرديًة..و كذلك غير مدركين لبساطة الاجابة على البديل الذي يشكلون هم أنفسهم جزء لا يتجزًأ منه بشرط أن يكونوا فاعلين في محيطهم يعرفون ماذا يفعلون و كيفية الفعل.
أسلوب عدم التعاون وعدم الطاعة للنظام تسلبه قوته و الولاء له…فعندما تفتقد الطاعة تُعصى القوانين ويتوقف العمال عن العمل وترفض الإدارة تنفيذ التعليمات فيتوقف انتاج السلع و الخدمات..و تصاب مرافق الدولة بالشلل.. عندها يتراخى عبيد النظام و مليشياته وكل عناصر الأمن في تنفيذ الإجراءات العقابية على المواطنين و تحدث انشقاقات و تمرد وسط القوات النظاميًة فرادى ثم جماعات…..و مع استمرار الكفاح و الزمن يفقد النظام قوته الداعمة والمغذية و تصبح المجموعة الحاكمة (النظام) مجرد أفراد عاديين فقدوا الدعم الشعبي و غاب دعم المؤسسات عنهم.. لذلك يتفكك النظام و تتلاشى قوته ، فيبدأ مسلسل الهروب و الارتباك وسط أفراده و تحصل التحولات الجوهريًة التي تدعم خط التغيير…
التغيير السلمي عبر العصيان وعدم التعاون مع الأنظمة الديكتاتوريًة ، الذي شكل الأسلوب الواسع والأكثر تأثيرا في ثورات القرن الحالي، ليس فقط تدافعاً عشوائياً غير منظم وغير مخطط له، ما كان لينجح لولا توفر عناصر فعالة في التخطيط والتنظيم من داخل الحراك الشعبي السلمي، …و بحسب شارب يعتبر الحراك خطرا إذا لم يتسلح بمهارات الكفاح السلمي طويل الأجل والاستمرار و الصمود و الاصرار رغم آلة القمع التي تزداد شراسة وفتكا بأصحاب القضيًة و العزًل السلميين.. و هذا ما افتقدناه في سبتمبر كثيراً و تحدثنا عنه في المقالات السابقة عندما قلنا بأنًنا لم نوفر خطوط الدعم التي تضمن استمرارية سبتمبر لأنًها كانت تلقائية لا قيادة لها…كما أنًها كانت احتجاجات و ردوداً لأفعال..توقفت نتيجة للقمع و عدم مقدرتنا على التعبئة و تسويق المكاسب اعلاميًاً.
الكفاح اللاعنيف معركة حقيقية تتطلب حشد القوات و توفير الاستراتيجيات و التكتيكات بصورة واضحة، كما تتطلب شجاعة المناضلين والتنظيم المتماسك والاستعداد للتضحية في أية لحظة وتقديم الثمن الباهظ للتغيير… والكفاح اللاعنيف رغم أنه قد يطول و صمًم أصلاً للفترات الطويلة..لكنه حسم معارك التغيير في عشرة أيام في صربيا و جورجيا و أقل من شهر في تونس و مصر..، أمًا في حالتنا و النظام بهذا المستوى من الوهن و العزلة الداخليًة و الخارجيًة ..يمكن أن يحسم الأمر في أقل من شهر..و التهديدات من مصير الصومال لم تعد صالحة لأنً وضعنا الآن أسوأ من الصومال، اشرت لهذا في المقال السابق..و التهديدات بالمصير المظلم من جوع و حرب و تشريد و بطش فهذه لم تعد صالحة لأنً الواقع لا يمكن التهديد به فهو ما نراه ماثلاً و متجرداً..
(9)المستويات الثلاثة لأسلحة اللاعنف..تغيير موازيين القوى..
الحراك الشعبي السلمي يقوم على ثلاثة مستويات من الأسلحة هي: الاحتجاج اللاعنيف والإقناع…(2)عدم التعاون..و (3) التدخل اللاعنيف.. بهذه الأساليب يمكن إحداث تغيير جذري في ميزان القوى لصالح القوة الداخلية للجماعة المظلومة ضد القوى الخارجية للمجموعة الحاكمة .. اعتماداً على المسيرات والمواكب الاجتماعية، وإقامة الفعاليًات المختلفة… تعليق الملصقات ذات الدلالات التأثيرية الكبيرة على العقل والخيال مثل صور الشهداء و ضحايا النظام .. والاجتماعات حفلات التأبين والاعتصام وإقامة أنماط اجتماعية جديدة والإضراب في مواقع العمل وإنشاء المؤسسات الاقتصادية البديلة والبحث عن المعتقلين و تحريرهم..، وإحداث الحكومات البديلة (حكومة الظل)…يقدم (جين شارب) نظرية اللاعنف كقوة قادرة على التأثير أكثر من أساليب العنف السياسي؛ ذلك أن الكفاح اللاعنيف يسلب المجموعة الحاكمة قوتها السياسية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية عبر عملية استنزاف طويلة الأمد،كما يواجه الآلة الأمنية الشرسة للمجموعة الحاكمة بشكل غير مباشر عبر تعبئة القوة الجماهيرية للصمود والتحمل دفاعا عن قضية عادلة ومصيرية مما يغلق قلوب المكافحين السلميين دون إلقاء الرعب عبر الآلة الإعلامية و الدعائية للنظام ، وبالتالي حرمان الخصم من مصادر قوته الأساسية وهي تعاون المواطنين وخوفهم برغم شراسة الخصم وعنفه بفرض الرقابة ومصادرة الأموال والممتلكات وقطع وسائل الاتصال والضغوط الاقتصادية والاعتقالات والتهديد بالعقوبات في المستقبل والضرب وإطلاق الرصاص والتعذيب وقانون الطوارئ والإعدام سرا وعلانية… ولكن يبقى هذا العنف أقل أثرا على الحركة الجماهيرية السلمية منه على حركة مقاومة عنيفة كحرب عصابات أو حرب نظامية أو حرب أهلية أو مجموعات مسلحة.. لذلك نقول كثيراً بأنً الحرب التي تخوضها الجبهة الثورية مع النظام غير مجدية و المتضرر منها هو المواطن البسيط، و إن فعلاً أرادت الجبهة الثوريًة خيراً للوطن فعليها أن تستهدف عناصر النظام أفراداً و تغتالهم قوات خاصة مدربة داخل المدن و الخرطوم تحديداً..
ويؤكد جين شارب على أن القمع لا يؤدي بالضرورة إلى إخضاع المقاومين السلميين لأنه لا يطال عقولهم ولا يؤدي إلى الخوف والاستعداد للطاعة.. ولكن جماعات المقاومة مطالبة بالحفاظ على تماسكها التنظيمي وتعزيز مواقعها والتقليل من عنف النظام المستخدم ضدها، وفتح آفاق سلمية جديدة لحراكها الشعبي وفرصها في النجاح، مع العمل على تفجير مشاكل الخصم الداخلية وتشكيكه في قوته وعنفه وإفقاده التوازن السياسي، وتقليص حجم التأييد الذي قد يحظى به في الداخل أوفي الخارج فالانجرار إلى استعمال السلاح والعنف يعطي المبادرة للخصم ويتيح له تحديد الموقف، كما تعطى له فرص إضافية لتحقيق التفوق ، أما وحشيته ضد الحراك الشعبي السلمي فتقلص تأييده في الخارج وزيادة تأييد المنتفضين السلميين.
فالحفاظ على الطابع السلمي للحراك الشعبي هو الكفيل بإحداث تغييرات فارقة في توزيع القوة، وابتعاد المواطنين العاديين (عبيد الحقل) عن النظام وعن أدوات عنفه، بل تنخرط أعداد جديدة منهم في الحراك كما سيتعرض عندها النظام لضغوط الخارج ومساوماته، مع أن الرأي العام الدولي يتفاوت نظره وحساباته من حالة إلى أخرى، وهو يشكل في الأخير دولا قوية ومهيمنة على القرار الدولي ومؤسساته، وذات مصالح استراتيجية تسعى إلى الحفاظ عليها وقراءة أي حراك في سياقها. وبقدر إمعان النظام في عنفه ووحشيته يفقد ثقة حتى المقربين منه الذين يشككون في جدوى ما يفعله ويتحول الشك إلى معارضة وعصيان وانشقاق وتمرد كما حدث في تجربة ليبيا وكان له الأثر الكبير في انتصار
قمع النظام للمطالبين بحقوقهم يمكن أن يرتد عليه في إطار عملية الجودو السياسي political Jiu-Jitus بتعبير جين شارب ما يساهم في نمو قوة الثوار السلميين مع أن قوة كل طرف تتغير باستمرار وبسرعة وبحدة وبحسب مراحل التدافع والصراع في الميدان.
أخيراً..كل منا لديه دور ليقوم به من أجل التغيير، لسنا مطالبون أن نكون جسم واحد، لكننا مطالبون أن نكون تنظيمات فاعلة تمتلك المقدرة على التحرك بحريًة و تمتلك التأثير وسط مجتمعاتها، و أهم من هذا كله تتمتع بقيادات مدرًبة واعية لدورها و تعلم ماذا تفعل حتى يمكننا جميعاً أن نكون قوى تستطيع أن تنزع القوة من النظام و تفكيكه حتى يصار إلى أفراد فقدوا الرابط بينهم إمًا أن يهربوا أو يموتوا مدبرين..
مصطفى عمر
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.