الجيش يوضح بشأن حادثة بورتسودان    "ميتا" تهدد بوقف خدمات فيسبوك وإنستغرام في أكبر دولة إفريقية    بورتسودان وأهلها والمطار بخير    المريخ في لقاء الثأر أمام إنتر نواكشوط    قباني يقود المقدمة الحمراء    المريخ يفتقد خدمات الثنائي أمام الانتر    مليشيا الدعم السريع هي مليشيا إرهابية من أعلى قيادتها حتى آخر جندي    ضربات جوية ليلية مباغتة على مطار نيالا وأهداف أخرى داخل المدينة    الأقمار الصناعية تكشف مواقع جديدة بمطار نيالا للتحكم بالمسيرات ومخابئ لمشغلي المُسيّرات    عزمي عبد الرازق يكتب: هل نحنُ بحاجة إلى سيادة بحرية؟    فاز بهدفين .. أهلي جدة يصنع التاريخ ويتوج بطلًا لنخبة آسيا    بتعادل جنوني.. لايبزيج يؤجل إعلان تتويج بايرن ميونخ    منظمة حقوقية: الدعم السريع تقتل 300 مدني في النهود بينهم نساء وأطفال وتمنع المواطنين من النزوح وتنهب الأسواق ومخازن الأدوية والمستشفى    السودان يقدم مرافعته الشفوية امام محكمة العدل الدولية    وزير الثقافة والإعلام يُبشر بفرح الشعب وانتصار إرادة الأمة    عقب ظهور نتيجة الشهادة السودانية: والي ولاية الجزيرة يؤكد التزام الحكومة بدعم التعليم    هل هدّد أنشيلوتي البرازيل رفضاً لتسريبات "محرجة" لريال مدريد؟    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (ألف ليلة و....)    الرئاسة السورية: القصف الإسرائيلي قرب القصر الرئاسي تصعيد خطير    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أجمل من الحب
نشر في حريات يوم 24 - 03 - 2011


زليخة أبو ريشة…..
لم أعد أعرف كيف أصرف الدموع التي تتجمع في مؤقي، كلما قرأت مقالة في محمود أو في شعره.. ولا تلك التي اجتاحتني اجتياحاً وأنا أقرأ خبر قيام محترف رمال بإطلاق طائرات ورقية تحمل صور محمود درويش وبعضاً من أشعاره في ذكرى رحيله الأربعين “كأنما هو رَحَلَ أربعين مرة.. وعاد!” ومع أنني لم أحضر هذا الحدث المتميز لأسباب صحية، فإنني عشت تلك الدقائق الشفافة التي لونت الهواء الطلق بحريته، وسمعت من بيتي صوت الريح ومحمود وهو ينشد “لاعب النرد” و”كأنني قد مِتُّ قبل الان” و”من أنا لأخيّب ظنّ العدم”.
ثم رأيت محمود وهو يقف في منبلج الفجر مثل أعلى النخلات .. واقفاً بقميصه الأزرق وسترته الكحلية – كما رأيته لآخر مرة في كوريا الجنوبية – ينظر بعينيه الجميلتين إلى ما ووراء .. مبتسماً كأنما هو وقت الشغف.. مرتبكاً قليلاً كما لو باغته الحب…
في عينيّ دائما أبصره مثل قامة الرمح مشدوداً على قلق خفيّ، وتوتره الخجل الذي يحاول ان يستره بقماشة رقيقة من تعالٍ مفضوح. وكلما مضى هابطاً من عرزال عزلته، راحت أجنحته النورانية تطير به بعيداً في المعنى الذي لطالما بحث عنه، وبه كان حضوره الطاغي؛ كأنه يسير على الماء.. “ما أخف مشيك على الأرض” قلت له يوماً، فضحك وتذكر المعري أما أنا فتذكرت “خفة الكائن التي لا تحتمل”.. وشبهته في نفسي بالضوء الذي يبحث عن جرم له, ولا يجد..
كان جميلاً أجمل من ضحكة في فم كامل الغواية. وأجمل من شمس إثر زمهرير. أجمل من نبع في هاجرة. أجمل من حديث في الحب.. بل هو أجمل من الحب. لأنه وهو يسير في لغته يستحم كل يوم سبع مرات بماء السحاب حتى يليق بما تهديه من مفاتيحها الذهب. لأنه وهو يفتح ما استغلق من أسرارها ويفك شفراتها, يترك لنا الأبواب- أبواب اللغة- مشرعة حتى نرى من خلال وقته ما راح يستطيل من اخيلتها الفارهة تحت سقف سماء بكر.
لقد بكّر في الرحيل. وبكل المقاييس خذلنا, خذل الشعر. خذل اللغة. وذاك الافق الأبعد الذي كان سيمضي إليه.
وعلى قدميه ذهب مختاراً الى قدره، بعد ان وضع بين أيدينا وصيته وآخر كلامه.. لتدور فلسطين باحثة عن أبيها الارضي.. ساحبِ ذيل المجرات في معناها، والمخترق الظلمات بأصابعه الناحلة المضيئة.
انه محمود الولد ذو الغمازة الفاتنة، ومحمود الفتى بغرته الطائشة، والتي كانت تمسدها له الأمهات كل يوم حتى لا تُقْلِقَ وجهه الصبوح. وبينما هو يخوض في أنهار مفاجئة ومحيطات، ويصعد مراقي شاقة بصحبة وجده المتقد وستر من أحب منذ فجر العرب وفجر البشرية… يكون تاريخ الشعر الانساني يستعد لتدوين سيرة عظيم من عظمائه.. هذا الذي كلما كبر في الحياة وفي الشعر ازداد تواضعاً تجاه نفسه وخجلاً من ان لا يكون قد ظلّ مخلصاً لوحي المغايرة.. ووحي الاختلاف.. ووحي التنزه إلا عن الجمال.
كم كنتَ جميلاً..!! مثل الطائرات الورق التي كتب عليها أطفال محترف الرمال أشعارك.. مثل “لاعب النرد” التي حولها منتدى سراب في رام الله الى رقعة مجنحة.. مثل صبايا الشام وشبابها مقابل قلعة دمشق يعلقن صورك على سور حديقة البيئة, ويسمعن المارة صوتك على أضواء شموع كثيرة.. في كل مساء بعد رحيلك.. مثل شعرك يقرأه سواك لانه أحبك. مثل شعرك تقرأه علينا.. لأنك تحبنا. مثل بكاء نساء فلسطين والاردن والكويت وسورية ولبنان ومصر والجزائر وهن يمسحن دموعهن بقطع السحاب التي هبطت فجأة على أيديهن, وهن يقرأن الجدارية. مثل زهر اللوز الخفيف الهش تطيّره ريح فظة.. هكذا أنت جميل مثل كل ما طيّرت الأساطير من مخلوقات مجنحة، ورسمته على المعابد لكي لا تُمحى.
إني أبكيك -اعذرني- وبكل ضعف سخيف وركاكة في التعبير. ففكرة موتك ثقيلة وعدوانية. إني أبكي كما تبكي الأمهات صغارها. أبكيك كما تبكي أمة من المجوس ناراً مقدسة همدت. كما تبكي المانويات نور مصباح انكسر. كما لو أن كنيسة الحب قد انهارت فوق راهباتها المدنفات.
ليس هو الموت وحدَه.. ليس هو الغياب وحدَه.. ليس هو انطواء صفحة من شغب القلب والروح.. فصفحتك لا تطوى.. كما لم تطوَ صفحة جلجامش ولا امرئ القيس ولا شقيقك التوأم: أحمد بن الحسين بن الحسن عبدالصمد الجعفي والملقب بالمتنبي.. وليس هو أن الخيل والليل والبيداء تعرفكما.. وكذلك السيف والرمح والقرطاس والقلم.. ولا أنك الذي ملأ الدنيا وشغل الناس فحسب.. ولا أننا سنموت بعد ان تذوقنا الفقد العظيم… ولعله كل ذلك. وإلى ذلك أننا “ومن وجد الإحسان قيداً تقيدا”.
ومع ذلك.. فإني لأحسد نفسي أني عشت على الكوكب نفسه الذي عشت عليه أنت.. وفي الزمان ذاته الذي شهد بزوغك واشتعالك.. واني لأغبط نفسي اني عرفتك- ولو قليلاً.. قليلاً جداً.. في سهرة هنا، ومهرجان هناك وفي كل أمسية استطعت اليها بلوغاً، وأشهد العالمين اني أحبك كما الشعر الذي من دونه لا أقدر ان أتنفس الحياة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.