السودان..رصد 3″ طائرات درون" في مروي    البيت الأبيض: يجب على الصين السماح ببيع تطبيق تيك توك    دبابيس ودالشريف    كواسي إبياه سيعيد لكرتنا السودانيةهيبتها المفقودة،،    في أول تقسيمة رئيسية للمريخ..الأصفر يكسب الأحمر برعاية وتألق لافت لنجوم الشباب    الديوان الملكي السعودي: خادم الحرمين الشريفين يغادر المستشفى بعد استكمال الفحوصات الروتينية    وزير الخارجية المكلف يتسلم اوراق اعتماد سفير اوكرانيا لدى السودان    فيديو.. مشاهد ملتقطة "بطائرة درون" توضح آثار الدمار والخراب بمنطقة أم درمان القديمة    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    شاهد بالصورة والفيديو.. إعلامية مصرية حسناء تشارك في حفل سوداني بالقاهرة وتردد مع الفنانة إيلاف عبد العزيز أغنيتها الترند "مقادير" بصوت عذب وجميل    د. مزمل أبو القاسم يكتب: جنجويد جبناء.. خالي كلاش وكدمول!    محمد وداعة يكتب: الامارات .. الشينة منكورة    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    الخارجية الروسية: تدريبات الناتو في فنلندا عمل استفزازي    السوداني في واشنطن.. خطوة للتنمية ومواجهة المخاطر!    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    مدير شرطة شمال دارفور يتفقد مصابي وجرحى العمليات    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    عن ظاهرة الترامبية    سفير السودان بليبيا يقدم شرح حول تطورات الأوضاع بعد الحرب    تواصل تدريب صقور الجديان باشراف ابياه    مدير شرطة محلية مروي يتفقد العمل بادارات المحلية    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على ناشفيل    لجنة المنتخبات الوطنية تختار البرتغالي جواو موتا لتولي الإدارة الفنية للقطاعات السنية – صورة    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



(حريات) تنشر نص المرافعة الرفيعة لهيئة الدفاع عن القسيسين يات مايكل و بيتر ين
نشر في حريات يوم 05 - 08 - 2015


لدى محكمة جنايات بحري وسط
فيما بين:
جهاز الامن والمخابرات الوطني
//ضد//
يات مايكل و بيتر ين
دعوى جنائية رقم: 41/2015م
الموضوع: مرافعة الدفاع الختامية
السيد/ قاضي محكمة جنايات بحري وسط
الموقر،،،،،،،،،،
بوافر التقدير والإحترام، ونيابة عن المتهمَيْن أعلاه، وإستكمالاً لدفاعنا، نتقدم لسيادتكم بمرافعة الدفاع الختامية ملتمسين قبولها وآملين أن تعين المحكمة الموقرة في تحقيق العدالة.
ملخص الوقائع
وجيز الوقائع أن الشاكي، جهاز الأمن والمخابرات الوطني، إعتقل المتهم الأول بتاريخ 14/12/2014م من داخل كنيسة بحري الإنجيلية عقب أدائه للوعظ الديني للمصلين. وبتاريخ 11/1/2015م تم إعتقال المتهم الثاني لإتهامه بالمشاركة فيما أُتهم به المتهم الأول من جرائم. وبتاريخ 22/2/2015م قام الشاكي، جهاز الأمن والمخابرات الوطني، بإحالة المعتقلَيْن إلى نيابة أمن الدولة، حيث تم فتح دعوى جنائية في مواجهة المعتقَلَين تحت طائلة المواد 21 (الإشتراك تنفيذاً لإتفاق جنائي)، 50 (تقويض النظام الدستوري)، 53 (التجسس)، 55 ( إفشاء أو إستلام معلومات أو مستندات رسمية)، 64 (إثارة الكراهية ضد الطوائف أو بينها) و69 (الإخلال بالسلام العام)، 125 (إهانة العقائد الدينية) من القانون الجنائي لسنة 1991م. بعد إكتمال التحرى لدى نيابة أمن الدولة أُحيل المتهمان للمحكمة حيث استمعت المحكمة لأقوال المتحري والمبلغ وثلاثة من شهود الإتهام، أحدهم خبير أمني. وبعد استجواب المتهمين وجهت لهما المحكمة جميع التهم المذكورة باستثناء المادة 55، كما أضافت اليها تهمة أخرى تحت المادة 25 ( التحريض)، وأنكرها الدفاع إنكاراً مطلقاً ثم قدم شاهدي خبرة أحدهما خبير كمبيوتر وشبكات والآخر خبير عسكري. وأخيراً أقفل ملف القضية وتم حجزه للقرار.
وقبل الخوض في مرافعتنا الختامية، نود أن نشكر المحكمة الموقرة على أناتها وسعة صدرها، من خلال إتاحة الفرصة للطرفين لتقديم قضيتهما على قدم المساواة. كما أنه لا بد لنا من كتابة تقديم نأمل، أيضاَ، أن يتسع له صدر المحكمة الموقرة.
يعمل جهاز الأمن والمخابرات الوطنى وفقاً لصلاحيات وسلطات واسعة منحها إياه قانون جهاز الأمن والمخابرات الوطني لسنة 2010م لدوافع سياسية في المقام الأول. وقد ظل جهاز الأمن والمخابرات الوطني يستخدم هذه الصلاحيات والسلطات على نطاق واسع، كما هو الحال في هذه القضية التي بين يدي عدالتكم. أمّا وقد تنازل الشاكي عن هذه الصلاحيات الواسعة وقدم إلى ديوان محكمتكم الموقرة، واضعاً نفسه على إحدى كفتي ميزان العدالة ومتجرداً من كل الصلاحيات والسلطات التي أوتيها، فلا بد لنا، ونحن نوازيه على كفة الميزان الأخرى، من أن نرمي بسهامنا صوب تلك الصلاحيات والسلطات التي سبق أن استخدمها الشاكي في مواجهة موكلَيْنا قبل أن ترى القضية النور أمام النيابة والمحكمة. وقد جرت المحاكمة،برأينا، وفق الإجراءات التي رسمهاالقانون، غير أن ما سبقها من إجراءات اتخذها الشاكي في مواجهة المتهمين تمثلت في الإعتقال لفترة طويلة من الزمن وما تلا ذلك من إجراءات ضبط وتفتيش وتحريز بالمخالفة لقواعد الإجراءات التي حددها المشرع، إنما هي إجراءات مخالفة للدستور والقانون وثؤثر بالضرورة على حق المتهمين في الحصول على محاكمة عادلة، إذ أن جميع البينات التي يتوكأ عليها الشاكي تم جمعها خلال الفترة التي كان فيها المتهمان في مكان مجهول داخل دهاليز الأمن وبعيدَيْن عن رقابة القضاء والنيابة. وتفصيل ذلك على النحو التالي:
أولاً: التكييف القانوني لبينات الإتهام
قام الشاكي بإعتقال المتهمين في تاريخين مختلفين، وضبط أجهزة تخصهما عبارة عن ثلاثة حواسيب محمولة بوصلاتهما الكهربائية وعدد ثلاثة أجهزة "كونيكت" وذاكرة خارجية ماركة "سامسونغ" وثلاثة هواتف محمولة ماركة "آي باد و آي فون" وذاكرتين (فلاشين) وثلاثة دفاتر صكوك مصرفية وحقيبة واحدة، بالاضافة لعدد من المستندات الخاصة بالمتهمَيْن، وقدّم الشاكي بعض هذه المضبوطات كمعروضات إتهام وإحتفظ بأجهزة ال"كونكت" والوصلات الكهربائية والذواكر ودفاتر الشيكات و المستندات والحقيبة في حيازته دون تقديمها للمحكمة، مما يعني أنها أضحت في حرزٍ حريز، ينتهي المطاف بمن يطلبها من أصحابها إلى ما ينتهي إليه مقتفي الأثر عند حافة النهر، هذا، ما لم يتكرم جهاز الأمن والمخابرات الوطني من تلقاء ذاته بتسليمها للمتهمَيْن خارج رواق المحكمة. ووفقاً لأقوال شاهد الإتهام الأول، وهو رئيس شعبة أمن المجتمع بجهاز الأمن والمخابرات الوطني، أنه قام شخصياً بتفتيش أجهزة اللابتوب الخاصة بالمتهم الأول والثاني بدون إذن من النيابة أو المحكمة وبدون حضور شاهدَيْن محايدَيْن من المدنيين، ودون تحريز وفقاً للضوابط القانونية. وأرسلت النيابة بعد ثلاثة أشهر ونيف، هذين الجهازين للمعامل الجنائية، حيث تم وضع الملفات معروض الإتهام في قرص مدمج. وقد أودعت المعامل الجنائية ملفات منتقاة بعناية داخل القرص المدمج دون أن يتم إدخال جميع الملفات الموجودة بأجهزة الحواسيب المحمولة في القرص المدمج خلافاً لما جرى عليه عمل المعامل الجنائية . وفي تقديرنا المتواضع، أن هذا الإجراء لا يخلو من حالين، فإما أن المعامل الجنائية قد تفحصت محتويات الأجهزة وإنتقت منها ما أودعته في القرص المدمج معروض الإتهام، الأمر الذي يضعها موضع المتحري، أو أنها أودعت الملفات التي أملاها عليها الشاكي، وهو ما يضعها موضع الشاكي، وفي كلا الحالين، في تقديرنا، هي بينة مردودة. وسنناقش هذا الإجراء في متن هذه المرافعة.
ولتكييف بينة الإتهام والإجراءات التي اتبعها الشاكي تكييفاً قانونياً، لا بد لنا من التعرض لنصوص قانون الإجراءات الجنائية لسنة 1991م وقانون الإثبات لسنة 1994م، حيث تنص المادة 69 من قانون الإجراءات الجنائية لسنة 1991م على أن يكون أمر القبض مكتوباً ويوقع عليه وكيل النيابة أو القاضي. كما نص القانون على أن يتم تنفيذ أمر القبض بواسطة الشرطة. وبالتالي لا مكان لجهاز الأمن والمخابرات الوطني ولا لرجل الأمن في قانون الإجراءات الجنائية لسنة 1991م. كما نصت المواد من 86 إلى 95 من ذات القانون على الضوابط التي تحكم تفتيش الأشخاص والأماكن ومنها أن يصدر أمر التفتيش من قاضٍ أو وكيل نيابة وأن يكون أمر التفتيش موقعاً بواسطة القاضي أو وكيل بحسب الحال. وأن يتم التفتيش بواسطة الشرطة وفي حضور الشخص المعني واثنين من المدنيين من أقارب المتهم أو المقيمين معه أو الجيران وغير ذلك من الإجراءات. والثابت بالمحضر أن جهاز الأمن والمخابرات الوطني لم يتبع أياً من هذه الإجراءات، مما يجعل البينة التي تمخضت عن هذا التفتيش بينة باطلة لمخالفتها للدستور والقانون وقواعد العدالة والإجراءات السليمة، وبالتالي ينطبق عليها نص المادة التاسعة من قانون الإثبات لسنة 1994م والتي تقرأ على النحو التالي: (… تعتبر البينة مردودة في أي من الحالات الآتية: أ/ البينة التي تنتهك مبادئ الشريعة الإسلامية أو القانون أو النظام العام…). وقد قضت المحكمة العليا في سابقة حكومة السودان //ضد// حسين عبد اللطيف (مجلة الأحكام القضائية 1986م صفحة 209) بأن: (قيام الشرطي بتفتيش منزل المتهم دون إحضار شاهدين موثوق بهما ودون أن ينص الأمر الصادر من القاضي على خلاف ذلك يعتبر إجراءً باطلاً لمخالفته أحكام المادة 73 من قانون الإجراءات الجنائية ومن ثم يجوز أن تعتبر بينة الشرطة غير مقبولة في الإثبات. وأن مخالفة الشرطة للمادة 73 من قانون الإجراءات يصطدم مع نص المادة 12 من قانون الإثبات والتي تنص على جواز رفض البينة المقبولة متى رأت أن قبول تلك البينة ينتهك مبادئ الشريعة الإسلامية أو العدالة أو النظام العام). ولا يَعْزِبَنَّ عن بالنا أن القضية التي بين يدي عدالتكم تم فيها التفتيش بواسطة جهاز الأمن والمخابرات الوطني وليس الشرطة، مما يزيد الأمر إزوراراً. كما قضت محكمة الاستئناف العليا في سابقة: حكومة السودان //ضد// بابكر محمد بابكر، مجلة الأحكام القضائية (1967م) صفحة 15 بأنه: (عندما تكون الجريمة تحت طائلة قانون العقوبات يجب أن يكون التفتيش على ضوء قانون الإجراءات الجنائية، وأن التفتيش الذي تم بواسطة موظفي الصحة العامة دون مراعاة لنصوص قانون الإجراءات الجنائية هو تفتيش غير قانوني وغير ذي أثر في الإجراءات المقامة أمام المحكمة).
كما أن جهاز الأمن والمخابرات الوطني قد إعتقل المتهمَيْن وقام بتفتيش أجهزتهما في البدء، ثم فتح الدعوى الجنائية في مواجهتهما، كما درجت عادته، بعد ثلاثة أشهر ونيف، وهذا ما يجعل البينة المتحصل عليها، في تقديرنا، باطلة وفي حكم العدم. وقد قضت محكمة الاستئناف في سابقة: حكومة السودان //ضد// أوهاج حسين محمد (مجلة الأحكام القضائية 1974 صفحة 144) بأن: (أمر التفتيش تحت المادة 71 إجراءات جنائية يتطلب أن يُقدم بلاغ ثم يصدر أمر، أما يصدر الأمر ويوقع وينفذ ثم يفتح البلاغ بعد ذلك فهو إجراء غير سليم. وأن التفتيش مسألة كبيرة وخطيرة وتمس حرمات الناس وطمأنينتهم، وعبارة "أي شيئ مخالف للقانون" والتي لا توضح ما يراد التفتيش عنه تعطي البوليس – إن أراد – فرصة ليعثر ويطلع على ما يحرص بعض الناس على سريته، وفي ذلك إنتهاك للخصوصية التي يحرص القانون على حمايتها كجزء من الحرية الشخصية). وكذلك قضت محكمة الاستئناف في سابقة: حكومة السودان //ضد// إبراهيم عيسى أحمد وآخر، مجلة الأحكام القضائية 1981م صفحة 146 بأن التفتيش بدون أمر تفتيش صادر من قاضٍ أو محكمة يعتبر باطلاً وكل ما يترتب على ذلك باطل حتى لو أدى التفتيش إلى إكتشاف جريمة. وأن من أبسط القواعد الأصولية المستقرة فقهاً وقانوناً أن من يطلب من الناس الإلتزام بالقانون وحدوده وضوابطه لحماية المجتمع وقيمه ومثله لا بد أن يكون في المقام الأول ملتزماً بحدود القانون وضوابطه. ولا مجال لمخالفة الضوابط التي نص عليها القانون لأن قصد المشرع هو عدم فتح أي مجال للتحايل عليها).
السيد/ القاضي الموقر
نحن إذ نلتمس من عدالتكم طرح البينات التي قدمها الشاكي في مواجهة المتهمَيْن لمخالفتها لصحيح الإجراءات، وإذ نستنكر على الشاكي إعتقال المتهمَيْن لفترة طويلة من الزمن بالمخالفة لقانون الإجراءات الجنائية ودستور السوان لسنة 2005م، فإننا لا نتعامى عن السلطة التي منحها قانون جهاز الأمن والمخابرات الوطني لسنة 2010م للشاكي، ولا نتعامى كذلك عن الإزدواجية التي خلقها هذا القانون لكونه يسري بالتوازي مع قانون الإجراءات الجنائية لسنة 1991م حتى أضحى أي شخص معرضاً لإجراءات الضبط تارةً بواسطة الشرطة وطوراً بواسطة جهاز الأمن والمخابرات الوطني. بيد أننا نلتمس من المحكمة الموقرة القضاء في هذه الدعوى طبقاً لأحكام دستور السودان لسنة 2005م.
فنحن نرى، مع أكيد الاحترام، أن محكمتكم ملزمة بتطبيق نصوص الدستور، من بعض الجوانب، وأن الأمر ليس حكراً على المحكمة الدستورية، غَيْر أننا لا نلتمس من عدالتكم إرتداء عباءة المحكمة الدستورية وإعلان عدم دستورية قانون جهاز الأمن والمخابرات الوطني لسنة 2010م، بل نلتمس عدم تطبيق أي نص قانوني يتعارض مع نصوص الدستور عموماً ووثيقة الحقوق على وجه الخصوص. وهادينا إلى هذا الإلتماس نص المادة 6/2 من قانون تفسير القوانين لسنة لسنة 1974م والتي تقرأ كالآتي: (إذا تعارض أي نص في أي قانون مع أي حكم من أحكام الدستور، تسود أحكام الدستور بالقدر الذي يزيل ذلك التعارض) كما تنص الفقرة الثالثة من ذات المادة علي أن: (تسود أحكام القانون اللاحق علي القانون السابق بالقدر الذي يزيل التعارض بينهما). ففي تقديرنا أن المعني بتطبيق هذه النصوص هي المحاكم العادية (بخلاف المحكمة الدستورية)، لأن المحكمة الدستورية، بحكم وظيفتها التي حددها الدستور وقانونها الخاص، لا تتقيد بأي قانون آخر متى تعارض هذا القانون مع الدستور والمواثيق الدولية التي صادق عليها السودان. بمعنى آخر، فإن المشرع عندما وضع نص المادة السادسة من قانون تفسير القوانين لسنة 1974م، قصد أن يتم تطبيقها بواسطة المحاكم العادية.
كما أن الدستور نفسه قد نص في المادة 48 منه علي أنه لا يجوز الإنتقاص من الحقوق والحريات المنصوص عليها في وثيقة الحقوق ، وأن تصون المحكمة الدستورية و المحاكم المختصة الأخرى هذه الوثيقة وتطبقها. وببسيط العبارة فإننا نرى أن المحاكم الأدنى ملزمة بتطبيق نصوص الدستور متى تعارضت نصوص القانون مع الدستور. وقد قضت المحكمة العليا في سابقة حكومة السودان //ضد// م. ر. م. (مجلة الأحكام لقضائية لسنة 2007م صف141حة) بأن: (الدستور يعلو على القانون ويتعين إتباعه). وعلى الرغم من إختلاف وقائع هذه السابقة عن وقائع القضية التي بين يدي عدالتكم، إلا أن قرار المحكمة العليا بوجوب تطبيق نص المادة 156 من الدستور الإنتقالي لسنة 2005م، وأن نصوص الدستور يعلو على القانون، يدعم رأينا الذي ذهبنا إليه في هذه النقطة.
وتأسيساً على ما تقدم، فإننا نرى أن قانون الإجراءات الجنائية لسنة 1991م وضع الضوابط اللازمة لحماية المتهم في المقام الأول من لحظة القبض عليه وإنتهاءً بمحاكمته، بخلاف قانون جهاز الأمن والمخابرات الوطني لسنة 2010م الذي يمنح أعضاءه سلطات تتعارض في المقام الأول مع وثيقة الحقوق التي نص عليها دستور السودان. وبالنظر إلى وقائع هذه الدعوى، فهناك حلقة مظلمة في الإجراءات بدأت من تاريخ 14/12/2014م وإنتهت بتاريخ 1/3/2015م وهو تاريخ إحالة المتهمَيْن من المعتقل لحراسة النيابة ثم المحكمة. فالفترة التي قضاها المتهمان في المعتقل لم تظهر أثناء المحاكمة، وتبين ذلك من خلال أسئلة الدفاع للمتحري الذي ما انفك يردد أنه يجب ألّا يُسأل عن المرحلة التي سبقت فتح البلاغ، إذ تقتصر معرفته فقط على ما بعد إحالة المتهمَيْن من معتقل جهاز الأمن إلى حراسة الشرطة.
وطبقاً للإجراءات التي حددها القانون، تنشئ الشرطة ملفاً لكل متهم اصطلح عليه القانون مسمى "محضر التحري"، يوضح كل ما تم من إجراءات بتاريخها وساعتها، ويودع هذا الملف في محضر المحكمة عند بدء إجراءات المحاكمة. أما تلك الفترة التي يقضيها المعتقل في معتقله، فليس لها ملف ولا محضر، وإن كان ثمة ملف لدى جهاز الأمن والمخابرات الوطني فإنه لا يُقدم للمحكمة مثله مثل محضر التحري، لتظل هذه المرحلة المعتمة من مراحل الإجراءات سهماً مغروساً في خاصرة المحاكمة العادلة التي نصت عليها المادة 34 من دستور السودان لسنة 2005م. عليه، فإننا نجدد إلتماسنا لسيادتكم بتغليب نصوص الدستور على القانون.
فضلاً عن ذلك، فإن شاهدي الإتهام أفادا في أقوالهما بأنهما تحصلا على المعلومات من خلال أقوال المتهمَيْن في مرحلة الإعتقال ومن خلال مصادرهم الأمنية التي تتقصى عن المعلومات. وفي تقديرنا أن شهادتهما لا قيمة لها، لأن الإقرار أمام جهة غير قضائية لا يُعتد به في المسائل الجنائية وفقاً لنص المادة 16 من قانون الإثبات لسنة 1994م، كما أن الإفادات التي أسندها الشاهدان لمصادر أمنية تعتبر من قبيل الشهادة بالنقل طبقاً لنص المادة 28 من ذات القانون والتي تُقرأ: (لا تقبل الشهادة بنقل الشهادة الصادرة عن شخص آخر إلا إذا توفى أو استحال العثور عليه، أو أصبح غير قادر على أداء الشهادة أو تعذر إحضاره دون ضياع في المال أو الوقت لا ترى المحكمة ضرورة له.) وبصورة عامة لا ينطبق على إفادة الشاهدين تعريف الشهادة المنصوص عليه في المادة 23 والتي تقرأ كذلك: (الشهادة هي البينة الشفوية لشخص عن إدراكه المباشر لواقعة تثبت لغيره مسئولية مدعي بها على آخر أمام المحكمة.) إذ أن الشاهدين لم يدركا أياً من الوقائع التي ذكراها إدراكا مباشراً بل وقفا عليها من خلال اقوال المتهمَيْن و مصادرهما الأمنية التي تنقل إليهما الأخبار والتقارير، ولا بد من الإشارة الي أن الشاهد الثاني، حسبما أفاد، قام بدور المتحري في المرحلة التي سبقت فتح البلاغ.
ثانياً: وزن البينة
نؤكد للمحكمة الموقرة تمسكنا ببطلان البينات التي أسفر عنها الإعتقال والتفتيش، ولكنا لا نجد مناصاً من التعرض لجوهر البينات التي قدمها الإتهام طالما أنها قد طُرِحتْ أمام المحكمة، وأسست عليها المحكمة قرراها بتوجيه التهمة للمتهمَيْن، آخذين في الإعتبار أن المتهمَيْن أنكرا وجودها في أجهزتهما إنكاراً مطلقاً، الأمر الذي حدا بنا لتقديم خبير الكمبيوتر والشبكات ليدلي بشهادته حول إمكانية إضافة معلومات أو استرجاعها وإمكانية تعديل تاريخ الملفات وتاريخ تصنيع الجهاز. وتفادياً للتكرار، نشير إلى ما ذكرناه فيما تقدم بخصوص رد البينة التي لا تتم وفق الإجراءات.
قدم الإتهام قرصاً مدمجاً أعدته المعامل الجنائية حوى بعضاً من محتويات أجهزة الحواسيب المحمولة خاصة المتهمَيْن عبارة عن خُرط وتقارير ومنهج جهاز الأمن والمخابرات الوطني، بجانب قرص مدمج آخر عبارة عن محاضرة قدمها المتهم الأول بكنيسة بحري الإنجيلية كانت هي السبب الأساس لإعتقاله، ونعقد حاجبي الدهشة من القبض على قس يقوم بدوره المنوط به من وعظ للمؤمنين وحثهم على الحفاظ على دُور عبادتهم بالطرق السلمية، كما أن إتهامه بالإساءة الي الدين الإسلامي لمجرد ذكره أن من أسماء الله الحسنى "الغيور المنتقم" أمر يدعو للحيرة والإستغراب، فالإتهام يحاسب المتهم وفقاً للدين الإسلامي ولكنّ اللهَ إلهٌ غيورٌ ومنتقمٌ اسمٌ من أسماء الله في الكتاب المقدس، ونعتقد بتواضع أن مناقشة كل محتوى الوعظ في هذه المرافعة إطالة لا حاجة بنا إلبيها، وباختصار فان ما قام به المتهم الأول من وعظ هو صميم عمله ودوره كواعظ ومرشد ديني.
حوت الخُرط التي قدمها الإتهام توضيحاً لبعض ولايات السودان بمدنها وقراها، قدمها الإتهام على أنها خرط عسكرية أعدها المتهمان لأغراض عسكرية. وقبل مناقشتها، نلفت الإنتباه إلى أن شاهدي الإتهام والخبير الأمني قد أكدوا أن هذه الخرط متاحة في الشبكة العنكبوتة، وفي مُكْنَة أي شخص التوفر عليها بسهولة، ليضحي من نافلة القول التعرض لأقوال شاهدي الدفاع (الخبير العسكري وخبير الكمبيوتر والشبكات) اللذين أكدا بجلاء أن هذه الخرط متاحة وفي متناول أي شخص.
ذكر شاهد الإتهام الثالث، الذي قدمه الإتهام كخبير أمني أن كل المعلومات التي ضُبطت بحوزة المتهمَيْن متاحة، عدا منهج جهاز الأمن والمخابرات والوطني، إلا أنه أضاف أنه وفي حالة جمعها من جهة غير مختصة فانها تثير الشك حول دوافع من قام بجمعها، كما أضاف أن هذه الخُرط عسكرية وإستخباراتية وتُمكن من القيام بأعمال عسكرية. وكما هو معلوم لعدالتكم أن الإدانة لا يمكن أن تقوم على شكوك تساور الشاكي، وربما لا تساور غيره، وذلك على غرار القاعدة الذهبية الراسخة أن البينة التي يتطلبها إثبات الجرائم يجب أن تكون فوق مرحلة الشك المعقول، بل أنه يكفي لإعلان براءة المتهم من التهمة المنسوبة إليه مجرد إثارة الشك في ذهن المحكمة. ومن ناحية ثانية، فقد أكد شاهد الدفاع الثاني، وهو خبير عسكري متمرس وعمل في كافة الوحدات العسكرية، أن هذه الخُرط والمعلومات والتقارير مدنية ولا علاقة لها بالعمل العسكري وأنها تختلف كليةً عن الخرط والمعلومات التي يتم استخدامها في العمليات الإستخباراتية والعسكرية، وفي تقديرنا أن شاهد الإتهام الثالث وهو خبير أمني لا علاقة له بالشئون العسكرية والحربية ومن ثم فان إفادته عن إستخدام الإحداثيات والخُرط في عمليات عسكرية هي من قبيل البينة المردودة التي نصت عليها المادة التاسعة من قانون الإثبات (بينة الرأي من غير أهل الخبرة)، وإن لم تعُدها المحكمة كذلك، فانها لا يمكن أن تقدم على بينة الخبير العسكري المختص في العمليات العسكرية والحربية والإستخباراتية، لا سيما وأنه أوضح بجلاء أن الجهة المختصة بتحديد المعلومات الإستخباراتية هي وحدة الإستخبارات العسكرية بالقوات المسلحة.
أما بالنسبة لمنهج جهاز الأمن والمخابرات الوطني فوفقاً لأقوال المتحري فانه غير متاح، وبمفهوم المخالفة فهو ليس سرياً، كما أن شاهد الدفاع الثالث أفاد أن أكاديمية الأمن التي تُدرس هذا المنهج تتبع لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي، وفي تقديرنا أن تبعيتها لجهة مدنية تعني أن المعلومات متاحة لعديد من الأشخاص المدنيين ومن بينهم الشاهد نفسه، أما حديثه عن وقوع المنهج في تصنيف "المحظور" وهو حسبما أفاد يأتي في المرتبة قبل الأخيرة من حيث سرية المعلومات فلا تسنده إفاداته التي أدلى بها قبلاً، كما أنه لم يوضح علاقة هذا المنهج بالأمن القومي وأسرار الدولة.
من زاوية أخرى، لم يكشف الإتهام عن علاقة إشتراك بين المتهم الأول والثاني، فالأخير لم يكن من ضمن الحاضرين صبيحة الأحد الذي أدى فيه المتهم الأول الصلاة في الكنيسة الإنجيلية ببحري، هذه الصلاة التي وعظ فيها المتهم الأول المصلين وحثهم فيها على الحفاظ على كنيستهم من الإستثمار وبنهايتها تم اعتقاله، وليست ثمة أدنى علاقة له بما دار في ذلك اليوم، كما أن الخُرط وإحداثياتها التي زعم الإتهام أنه ضبطها في الحاسوب خاصة المتهم الأول لم تكن للمتهم الثاني أية علاقة بها، وكذا الحال بالنسبة للتقارير التي أقر بها المتهم الثاني، لم تكشف عن علاقة بينه والأول. ولتبرير العلاقة بين المتهم الأول والثاني زعم الإتهام أن المتهمَيْن يعملان لصالح منظمة، غير أنه فشل من خلال جميع الشهود في الكشف عن هوية المنظمة ومكان عملها وعلاقتها بالسودان، كما لم يُقدم أية2 بينة مادية تثبت وجود مراسلات بين المنظمة المزعومة والمتهمَيْن.
ويتضح كذلك من خلال التقارير التي أقرها المتهم الثاني ، أنها لا تعدو أن تكون تقارير عن سير عمل الكنائس في بعض ولايات السودان وعرض لفيلم المسيح الذي أفاد المتحري وشاهد الإتهام الأول أن المتهم الثاني قام بتسليمه للمناديب في هذه الولايات، فضلاً عن ذلك فان المتهم الثاني لم يُعد هذه التقارير، إنما اُرسلت له من هؤلاء المناديب ولا حاجة بنا للقول أن أية مسئولية جنائية تقع على عاتق من أعدها وليس من استلمها.
ختاماً، نرى أن الإتهام لم يقدم أية بينة تثبت الركن المادي للجرائم موضوع البلاغ، ناهيك عن إثبات الركن المعنوي، وقد أسس الإتهام بنيان قضيته على الرمل، في حين قدّم الدفاع قضية متماسكة وألقى بظلال كثيفة من الشكوك على ما قدمه الإتهام من بينات رغماً عن ضعفها وعدم تعلقها بموضوع البلاغ، مما يدعونا لالتماس إعلان براءة المتهمَيْن من التهم التي نسبت إليهما.
وتفضلوا بقبول وافر الإحترام والتقدير
هيئة الدفاع
مهند مصطفى النور
عثمان مبارك موسى
ثابت الزبير سليمان
أحمد علي صبير
سمير علي مكين
نجم الدين التوم الشاهر
المحامون.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.