والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    "منطقة حرة ورخصة ذهبية" في رأس الحكمة.. في صالح الإمارات أم مصر؟    بايدن يعين"ليز جراندي" مبعوثة للشؤون الإنسانية في الشرق الأوسط    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    مصادر: البرهان قد يزور مصر قريباً    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    إقصاء الزعيم!    برشلونة: تشافي سيواصل تدريب الفريق بعد تراجعه عن قرار الرحيل    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    إيفرتون يصعق ليفربول بثنائية    الحلم الذي لم يكتمل مع الزعيم؟!    الجيش يقصف مواقع الدعم في جبرة واللاجئين تدعو إلى وضع حد فوري لأعمال العنف العبثية    أحلام تدعو بالشفاء العاجل لخادم الحرمين الشريفين    السيسي: قصة كفاح المصريين من أجل سيناء ملحمة بطولة وفداء وتضحية    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    تشكيل وزاري جديد في السودان ومشاورات لاختيار رئيس وزراء مدني    السودان..رصد 3″ طائرات درون" في مروي    دبابيس ودالشريف    البيت الأبيض: يجب على الصين السماح ببيع تطبيق تيك توك    في أول تقسيمة رئيسية للمريخ..الأصفر يكسب الأحمر برعاية وتألق لافت لنجوم الشباب    كواسي إبياه سيعيد لكرتنا السودانيةهيبتها المفقودة،،    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    فيديو.. مشاهد ملتقطة "بطائرة درون" توضح آثار الدمار والخراب بمنطقة أم درمان القديمة    وزير الخارجية المكلف يتسلم اوراق اعتماد سفير اوكرانيا لدى السودان    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. إعلامية مصرية حسناء تشارك في حفل سوداني بالقاهرة وتردد مع الفنانة إيلاف عبد العزيز أغنيتها الترند "مقادير" بصوت عذب وجميل    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    عن ظاهرة الترامبية    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نص مرافعة الدفاع عن البطلة سمر ميرغنى
نشر في سودانيات يوم 25 - 10 - 2013


[b][font=Courier New][font=Courier New]
نص مرافعة الدفاع عن البطلة سمر ميرغنى
(حريات)
[size=4]تسلمت محكمة بحري مرافعة الدفاع في محاكمة الدكتور سمر ميرغني وحددت جلسة يوم الاثنين القادم لصدور الحكم .
وقال الدكتور ميرغنى بن عوف والد الدكتورة سمر بان الحكم ايا كان فهو ليس بالمشكلة ، والقضية ليست سمر القضية قضية أنظمة تعيش خارج نطاق الوعي بالعلاقة بين الحاكم والمحكوم ، وتأكل من فتات الازمات ، مؤكدا : ان القضية ستبدأ بعد النطق بالحكم .. واشار ناشطون وناشطات بان جلسة الاثنين تمثل لهم مناسبة رفع الصوت العالي لادانة قهر النساء واكدوا على مواصلة الحشد للجلسة القادمة .
(نص مرافعة الدفاع ادناه):
محاكمة سمر ميرغني إبن عوف
إيجازي / /
مرافعة الدفاع الختامية
السيد / القاضي الموقر ،،
نيابة عن المتهمة أعلاه وبكل الإحترام ألتمس من سيادتكم إيداع هذه المرافعة الختامية، ملتمساً شطب الإتهام في مواجهة المتهمة والأمر بإطلاق سراحها فوراً.
سيدي القاضي
لابد أن نستهل هذه المرافعة بشكركم على سعة صدركم، وإتاحتكم المجال للطرفين في حدود ماتسمح به الإجراءات، لتقديم بيناتهم ودفوعهم. و نحن إذ نؤكد أنكم لم تألون جهداً في إتاحة الفرصة للدفاع لإبداء ما يشاء من دفوع، إلا أننا نؤكد، رغم ذلك، أن المتهمة لم تنال حقها في المحاكمة العادلة، بسبب إجراءات المحاكمة الإيجازية، والتي فرضها القانون على المحكمة. إجراءات المحاكمة الإيجازية، أخذها قانون الإجراءات الجنائية السوداني الأول، والذي صدر في مفتتح القرن الماضي، عن قانون التحقيق العسكري الهندي، لم تعد مناسبة مع التطور الدستوري في بلادنا، لكونها لا تتيح حق الدفاع للمتهمين، على الوجه المقرر في الدستور، والمواثيق الدولية. الإجراءات الإيجازية تخلو من إجراء صياغة ورقة إتهام، وفي ذلك إخلال خطير بحق الدفاع، لأن سماع قضية الدفاع دون أن تكون هنالك ورقة إتهام، يخرق حق المتهم فى المحاكمة العادلة، حين يضطر لأن يقدم قضية دفاعه دون أن يعلم يقيناً كنه ما يواجه من إتهام، وهو أمر مربك للدفاع. ورقة الإتهام تتيح للمتهم أن يعرف على سبيل الدقة طبيعة الإتهام الموجه ضده، بشكل يسمح له بتقديم دفاعه على ذلك الإتهام. كم نحن بعيدين بهذه الإجراءات المجحفة، عن ما ذكرته المحكمة العليا الأمريكية فى الولايات المتحدة ضد كارل (United States V. Carll, 105 U. S. 611 (1881)) حين ذكرت أن مجرد ترديد الجملة التى إستخدمتها المادة المعنيىة فى ورقة الإتهام، لا يكفى لتوضيح التهمة للمتهم، بل على المحكمة أن تحدد الوقائع التى يدعي الإتهام أن المتهم قام بها، والحالة الذهنية التى صاحبت ذلك عند قيامه بها، والتى لو صح ما جاء فى الورقة من إدعاءات، تشكل اساساً لإدانة المتهم بإرتكاب المادة موضوع الإتهام.
ليس أمامنا إلا أن نرفع عقيرتنا بالإحتجاج على المحاكمة الإيحازية، التي ما زال قانوننا يقبلها، وأحياناً يفرضها، رغم أنف المادة 27(3) ) من الدستور والتي تنص على أنه تعتبر كل الحقوق والحريات المضمنة في الاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان والمصادق عليها من قبل جمهورية السودان جزءً لا يتجزأ من هذه الوثيقة. ورغم أنف المادة 14(3) أ من العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية والتي تنص على أن "لكل متهم بجريمة أن يتمتع أثناء النظر في قضيته، وعلى قدم المساواة التامة، بالضمانات الدنيا التالية (أ) أن يتم إعلامه سريعا وبالتفصيل، وفى لغة يفهمها، بطبيعة التهمة الموجهة إليه وأسبابها"
ومع تمسكنا بكل ذلك فإننا نرى أن الإتهام قد أخفق إخفاقاً تاماً في تقديم اى بينة تشير إلى إرتكاب المتهمة لأى جريمة، مما يلزم معه، شطب الدعوي في مواجهة المتهمة.
ولننتقل الآن لمناقشة ما إستنتجنا أن المتهمة تواجه من تهم.
أولا:- المواد التي يحتمل أن تكون أساساً للإتهام
أ. مخالفة المادة 67 من القانون الجنائي
تنص المادة 67 من القانون الجنائي على ما يلي:
يعد مرتكباً جريمة الشغب، من يشارك فى أى تجمهر من خمسة أشخاص فاكثر، متى استعرض التجمهر القوة، او استعمل القوة، او الإرهاب، او العنف ،ومتى كان القصد الغالب فيه تحقيق أى من الأغراض الآتية:
(أ‌) مقاومة تنفيذ أحكام أى قانون او إجراء قانوني،
(ب) إرتكاب جريمة الإتلاف الجنائي أو التعدي الجنائي أو أى جريمة أخرى،
(ج) مباشرة أى حق قائم أو مدعي به بطريق يحتمل أن يؤدي الى الإخلال بالسلام العام،
(د) إرغام أى شخص ليفعل ما لا يلزمه به القانون أو لئلا يفعل ما يخوله إياه القانون.
وفقاً لذلك فالركن المادى للجريمة هو الإشتراك في تجمهر من خمسة أشخاص، أو أكثر، متى إستعرض ذلك التجمهر القوة، أو إستعمل القوة، أو الإرهاب، او العنف. لم يقدم الإتهام اى بينة حول إستخدام التجمهر، او إستعراضه، للقوة، أو الإرهاب، او العنف. أنظر قول الشاكي عن التجمهر بأنه( في يوم الجمعة الموافق 27/9/2013م بميدان شمبات كان هناك متظاهرين مالين الشارع وقمنا طردنا الناس ) أما شاهد الإتهام الاول فلم يشر اى إشارة لسلوك المتظاهرين وإنما تحدث عن أنه كان عضواً في (تيم بتاع قبض).
باقي الشهود لا علاقة لهم بواقعة التظاهر. ومن ذلك، ومن أقوال المتهمة، يظهر أنه كان هناك موكب يهتف بهتافات تشير إلى الزيادات في الأسعار، ورفض المتظاهرين لها، وإن فريق من الشرطة قد إستخدم القوة لفض هذا الموكب، وهذا بالطبع لا يشكل أى مخالفة للقانون من جانب المتظاهرين، وإن كان يشير لمخالفة للقانون من جانب الشرطة .
أما بالنسبة للركن المعنوى فإن القانون يتطلب أن يكون القصد الغالب في التجمهر تحقيق اى من الأغراض المذكورة في المادة المذكورة، و جملة القصد الغالب هي جملة غامضة ومعيبة، ومخالفة للدستور ولأساسيات القانون الجنائي. فالمادة 8 من القانون الجنائي تتحدث عن ضرورة توافر القصد أو الإهمال، كركن من أركان المسؤولية الجنائية. وهذا القصد أو الإهمال، وفقاً لمبدأ شخصية العقوبة، يجب أن يتوافر لدى الجانى، وليس لدى غيره من الناس. وقواعد الإشتراك الجنائي تتطلب أن يكون هنالك قصداً مشتركاً لدى المشاركين في إرتكاب الجريمة. لذلك فإنه يجب تفسير هذه المادة بأنها لم تقصد التخلي عن الأساس الشخصي للمسئولية الجنائية، لأن المسئولية الجنائية الجماعية تخالف الأساس الدستوري لسلطة التجريم، وتخالف المواثيق الدولية، وهي فوق ذلك كله تخالف الأساس الديني للعقاب، حيث المسؤولية عن الفعل شخصية.
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله ، فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها ، فهجرته إلى ما هاجر إليه . رواه البخاري ومسلم .
قال الله تعالى (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ{7}سورة الزمر
وقال تعالى (كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رهين ) 21 سورة الطور
تفسير القرطبي:
}لَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} أي لا تحمل حاملة ثقل أخرى , أي لا تؤخذ نفس بذنب غيرها , بل كل نفس مأخوذة بجرمها ومعاقبة بإثمها . وأصل الوزر الثقل ; ومنه قوله تعالى : " وَوَضَعْنَا عَنْك وِزْرك " [ الشرح : 2 ] . وهو هنا الذنب ; كما قال تعالى : " وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارهمْ عَلَى ظُهُورهمْ " [ الأنعام : 31 ] . قال الأخفش : يقال وزر يوزر , ووزر يزر , ووزر يوزر وزرا . ويجوز إزرا , كما يقال : إسادة . والآية نزلت في الوليد بن المغيرة , كان يقول : اتبعوا سبيلي أحمل أوزاركم ; ذكره ابن عباس . وقيل : إنها نزلت ردا على العرب في الجاهلية من مؤاخذة الرجل بأبيه وبابنه وبجريرة حليفه .
لذلك فإننى أدعو عدالتكم لتفسير هذه الجملة المعيبة بما يرفع عنها عوارها، مستصحبين في تفسيرها نص المادة 2 (أ) من قانون أصول الأحكام القضائية لسنة 1983 حين نصت على أن "يستصحب القاضي ، ان المشرع لا يقصد مخالفة الشريعة الاسلامية تفصيلا لواجب قطعي، او اباحة لمحرم بين، وأنه يراعى توجيهات الشريعة في الندب والكراهية"
على ضوء ذلك نرى وجوب تطلب أن يصدر من المتهم ما يؤكد مظاهرته للقصد الغالب للتجمهر، كأن تكون الدعوة للتجمهر تحمل دعوة لتحقيق أحد الأغراص المنصوص عليها في المادة، او أن ينصرف أغلبية المشاركين إلى تحقيق الأغراض المذكورة في المادة، ويبقى المتهم معهم يظاهرهم فيما يفعلون. إذا رأيتم أن هذا التفسير لا يتفق مع المعنى الواضح للألفاظ التي إستخدمتها المادة، فليس أمامكم إلا أن ترفضوا تطبيقها وفقاً لإلتزامكم الدستوري الذى سنتعرض له في جزء لاحق من هذه المرافعة.
إننا هنا نؤكد ان الإتهام لم يقدم أى بينة على إنغماس أغلبية المتظاهرين في أى من الأغراض المذكورة في المادة، على تفصيل في الغرض سنعرض له بعد قليل. وكل ماذكره شهود الإتهام في حق المتهمة هى أنها كانت تصور، وتهتف بعض الهتافات التى ذكرها شاهد الإتهام الأول، ثم عاد في مرحلة المناقشة فذكر أنه غير متأكد من ان المتهمة بالتحديد كانت ترددها ام لا. ولابد لنا أن نشير إلى الغرض في المادة 67 (أ) يتطلب مقاومة تنفيذ اى قانون، أو إجراء قانونى. ولا شك أن المقصود من هذا ليس مجرد إبداء رأى في ذلك القانون، أو الإجراء، ولا مجرد معارضة القانون، أو الإجراء القانونى، بل معارضة تنفيذه. فإذا تجمهر خمسة أشخاص أو أكثر في الطلمبة مقاومين تطبيق إجراء رفع الدعم عن المحروقات، بإرغام العاملين عليها بقبول السعر القديم، فإن هذا يشكل غرضاً غير مشروع للتجمهر يوقعه تحت طائلة المادة 67، أما إذا كان التجمع للإحتجاج ضد هذا الإجراء، فإن هذا تعبير عن حق دستوري، لا مخالفة فيه للقانون، وإلا فكيف يمكن القول بإحترام حق التظاهر السلمي؟
ب. مخالفة المادة 69 من القانون الجنائي
تنص المادة 69 على مايلي :- (من يخل بالسلام العام أو يقوم بفعل يقصد به أو يحتمل أن يؤدي الى الإخلال بالسلام العام او بالطمأنينة العامة ، وكان ذلك فى مكان عام ، يعاقب بالسجن مدة لا تجاوز شهراً أو بالغرامة أو بالجلد بما لا يجاوز عشرين جلدة.)
لا شك أن هذه المادة غير دستورية لغموضها، وخلوها من أى معنى محدد ، ويتوجب على محكمتكم الموقرة الإمتناع عن تطببيقها. معلوم لعدالتكم أن الإخلال بالسلام العام في الشريعة العامة The Common Law هوعنصر تتضمنه أى جريمة، ولكنه ليس جريمة قائمة بذاتها. لذلك فإن فقهاء القانون الإنجليزي مجمعين على أن جميع الجرائم تتضمن a breach of queen's peace وفقاً لذلك، فإنه عند صياغة التهمة، حسب قانون لائحة الإتهام لعام 1915م Indictments Act يشمل الاتهام جملة أن المتهم قد إرتكب فعلا ضد سلام سيدتنا الملكة وتاجها وكرامتها against the peace of our lady the queen , her crown and dignity. ثم تأتي بعد ذلك تفاصيل الإتهام الموجه للمتهم. وهذا هو السبب في أن مكتب المدعى العام، بإعتباره ممثلاً للملكة، هو الذي يتولى الإتهام في جميع الدعاوى الجنائية. أما إعتبار الإخلال بالسلام العام، دون تحديد اى فعل كجريمة معاقب عليها، فهذأ غموض مخالف للدستور، نفرد له باباً منفصلاً في هذه المرافعة، لأن الغموض في الصياغة يشوب أيضاً المادة 67، والمادة 153 ونكتفى هنا بالقول بأننا وإن كنا لا نستطيع أن نعرف بالضبط ما هو المقصود بالإخلال بالسلام العام، إلا اننا نعرف أن الفعل المنسوب للمتهمة ليس به أى إخلال بالسلام العام، لأن الإخلال بالسلام العام لا يمكنه أن يتضمن ممارسة حق دستوري، وإذا صح أن المتهمة كانت تهتف ضد رفع الدعم عن المحروقات، فإنها تكون قد مارست حقها الدستوري في الإحتجاج، وبالتالي فإنها لا تكون قد إرتكبت إخلالاً بالسلام العام.
حق التظاهر السلمي هو حق مكفول بنصوص دستورية، تُوجِب على القانون إحترامه فتنص المادة 40 (1) من الدستور على أن "يُكفل الحق في التجمع السلمي، ولكل فرد الحق في حرية التنظيم مع آخرين، بما في ذلك الحق في تكوين الأحزاب السياسية والجمعيات والنقابات والاتحادات المهنية أو الانضمام إليها حمايةً لمصالحه." وتنص المادة 27 (4) على أن "تنظم التشريعات الحقوق والحريات المضمنة فى هذه الوثيقة ولا تصادرها أو تنتقص منها." وتنص المادة 27(3) على أن "تعتبر كل الحقوق والحريات المضمنة في الاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان والمصادق عليها من قبل جمهورية السودان جزءً لا يتجزأ من هذه الوثيقة." وتنص المادة 21 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والذي صادق عليه السودان " يكون الحق في التجمع السلمي معترفا به. ولا يجوز أن يوضع من القيود على ممارسة هذا الحق إلا تلك التي تفرض طبقا للقانون وتشكل تدابير ضرورية، في مجتمع ديمقراطي، لصيانة الأمن القومي أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم." وعلى عدالتكم أن تفسروا حكم المادة 69 بما لا يخرق ذلك الحق، فإذا لم يكن من الممكن التوصل لذلك، فعليكم الإمتناع عن تطبيقها، وسنفرد لذلك باباً في هذه المرافعة لمناقشة ذلك، ونكتفي هنا بالقول بأنه لا يجوز للمحكمة الموقرة -بكل إحترام- أن تطبق أحكام المادة 69 من القانون الجنائي، ما لم تتوصل لتفسير لتلك المادة يمنعها من أن تطال حق التظاهر السلمي، والإحتجاج على السياسات الحكومية، لأنه عن أي ديمقراطية نتحدث إذا لم يكن القانون يكفل فيها حق الإحتجاج على السياسات الحكومية.؟!!!!
ج. المادة 153 من القانون الجنائي
تنص المادة 153 (1)على مايلي :- من يصنع او يصور او يحوز مواد مخلة بالآداب العامة او يتداولها، يعاقب بالسجن مدة لا تجاوز شهراً او بالجلد بما لا يجاوز اربعين جلدة كما تجوز معاقبته بالغرامة.
1. عدم معقولية المادة :
تنص الفقرة الأولى من المادة الرابعة في الدستور على " تُؤسس وحدة السودان على الإرادة الحُرة لشعبه وسيادة حكم القانون والحكم الديمقراطي اللامركزي والمساءلة والمساواة والاحترام والعدالة" وجوهر مبدأ سيادة حكم القانون هو أن يمنع صدور القوانين بشكل تحكمي، و هذا يتطلب أن يكون القانون معقولاً، فصدور القانون يجب أن يكون بغرض تنظيم نشاط معين، أو علاقة معينة، بما يخدم المصلحة العامة، سيادة القانون لا تعني تسلط القانون، كما ولا تعني تسلط السلطة التشريعية. لذلك فإن السلطة التشريعية مقيدة بوجوب أن يكون القانون معقولاً، ويعني ذلك أمرين: الأول أن يكون هنالك سبباً معقولاً لإصدار القانون، والثاني أن تكون أحكام القانون تحقق الغرض من إصداره بصورة معقولة. والسبب في ذلك أن التشريع هو قيد على حرية الناس، ولذلك فإنه يجد شرعيته فقط فى قبول الناس المسبق للرضوخ له، وهذا الرضا مقيد بالقيود والتي تراضوا عليها مع حكوماتهم في الدستور الذي يحكم الحاكمين والمحكومين على السواء، فأساس تطلب معقولية القانون هو أن رضا المحكومين يتطلب أن يعلموا أسباب ما يرضخون له من إجراءات أو قواعد وهذا يقتضي أن لا يكون لأي من السلطات العامة سلطة تحكمية. ومعيار المعقولية هو جزء من المراجعة الدستورية Judicial Review الذي تقوم به الهيئة القضائية، بالنسبة لأعمال السلطتين التشريعية والتنفيذية ويكون بأن تسأل المحكمة نفسها هل الإجراء الحكومي (أو القانون) موضوع الفحص هو وسيلة معقولة لغرض مشروع يجب على السلطة المعنية أن تهدف لتحقيقه.
يلاحظ هنا أن المادة تعاقب على مجرد حيازة مواد مخلة بالآداب العامة، دون أن تُعرِّف ما هي المواد المخلة بالآداب العامة. العقاب على مجرد الحيازة مخالف للدستور ويفتقد المعقولية. لا شك أن تعبير "مخلة بالآداب" هو تعبير غامض، والتجريم بتعبيرات تفتقد الوضوح الكافي يخالف الدستور. وتجريم حيازة الصور التي تظهر فيها عورات الرجال والنساء، أو المناطق الحساسة من أجسامهم، أو تلك التي تصورهم في أوضاع جنسية، بغض النظر عن الغرض من تلك الحيازة، يفتقد المعقولية تماماً، فهناك صور ورسومات تستخدم لأغراض التعليم، فكيف يمكن لعلم التشريح أن يُدرس في ظل هذه المادة؟ كذلك فإن هنالك رسومات وصور لها قيمة فنية عالية، وأيضاً قصص وأشعار تحوى ألفاظاً جنسية ومن ذلك مثلاً كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني والحيوان للجاحظ، وهما من عيون الأدب العربي فهل تعتبر حيازتهما جريمة؟
المادة 153 مأخوذة من قانون النشر الفاضح الإنجليزي لعام 1857م The obscene Publication Act 1857 وقد كان بشارع هوليولHolywall في لندن والمعروف بشارع بائعي الكتب عند صدور القانون ما يزيد عن الخمسين مكتبة متخصصة في الأدب الإباحي، تضع الكتب بطريقة تلفت نظر المارة، وقد صدر القانون لمحاربة ذلك، وذلك بعد حملة ضارية قادها لورد كامبل والذي قال أن الغرض من القانون منع بيع سموم أشد فتكاً من الزرنيخ. إلا أنه حتى فى ذلك الحين فقد تنبه البعض لخطورة التعبيرات الغامضة التى جاء بها القانون، فتساءل لورد ليندهيرست Lord Lyndhurst قائلاً "ولكن ما هو تعريف كلمة فاضح؟ لو سألنا شخصين مختلفين عن معنى الكلمة قد نحصل على إجابتين جد مختلفتين " فى دعوى تتلخص وقائعها في أن رجل بروتستاني نشر كتاب عن شعيرة الإعتراف لدى الكاثوليك أسماه كشف الإعتراف، حاول فيه أن يهاجم هذه الشعيرة زاعماً أن القسوس الكاثوليك يسألون النساء أثناء الإعتراف أسئلة دقيقة أورد أمثلة لها عن حياتهم الجنسية، قام قاضي وولفرهامتون ويدعى هيكين، بمصادرة الكتاب، وأدان المؤلف بموجب قانون النشر الإباحي، أرست هذه الدعوى مبدأين هامين الأول أن قصد المتهم من النشر لا يشكل دفاعاً صحيحاً ضد جريمة النشر الإباحى، والثانى هو أن وجود أى جزء فاضح فى الكتاب يكفى للإدانة بغض النظر عن باقى أجزاء الكتاب. أدى التعريف الغامض الذى تبناه القانون لأن يتم تبني التفسير الأكثر تضييقاً على حرية البحث والإبداع الفنى، وقد ساد ذلك التفسسر حتى أصبح قانون النشر الإباحي يعرف بإسم قانون هيكين.
بعد إنتشار المبادئ الخاصة بحقوق الإنسان، وتبني المجتمع الدولي لها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، لم يعد قانون النشر الفاضح مقبولاً، لما يشوب أحكامه من عدم معقولية تعيق البحث العلمى، وتمنع الإبداع الفنى، فصدر في عام 59 قانون جديد تحت نفس الإسم تم بموجبه إلغاء قانون 1857م وقد عُدِّل قانون 59 في عام 64 تعديلاً لا يتصل بما نحن فيه. عرَّف قانونا 59 و64 النشر الفاضح بنشر مادة إذا أُخِذت في مجموعها، مع الأخذ في الإعتبار بكل الظروف ذات الصلة، تكون من شأنها أن تفسد الأشخاص الذين يقرأونها أو يشاهدونها أو يسمعونها ،كما وقيد القانون رفع الدعوى بالأخذ بموافقة النائب العام وذلك حماية للكتاب الجادين وللباحثين. ومع ذلك فقد بقيت تلك الأحكام البالية في قانوننا بسبب قلة إكتراث القائمين على الأمر بما تمليه مبادئ حقوق الإنسان من تغيير على الأحكام القانونية حتى بعد أن أصبحت تلك المبادئ مبادئً دستورية.
2.عدم دستورية المادة
المادة بشكلها الحالي تخرق تماماً الحق في الخصوصية المنصوص عليه في المادة 37 من الدستور "لا يجوز انتهاك خصوصية أي شخص, ولا يجوز التدخل في الحياة الخاصة أو الأسرية لأي شخص في مسكنه أو في مراسلاته، إلا وفقاً للقانون" وقد تنبهت لذلك المحكمة العليا الأمريكية في دعوى ستانلي ضد جورجيا Stanley v Georgia 394 U.S. 557 (1969) حيث تم العثور على بعض الأفلام الإباحية في غرفة نوم المتهم عقب تفتيش منزله بموجب أمر تفتيش صحيح. تم تقديم المتهم للمحاكمة بتهمه حيازة مواد إباحية، حيث تمت إدانته بموجب قانون ولاية جورجيا. أيدت المحكمة العليا في جورجيا الإدانة وقررت أنه ليس من الضروري لإدانة الشخص بحيازة مادة إباحية، إثبات أن تلك الحيازة كانت بغرض بيع، أو عرض، أو ترويج المادة. قررت المحكمة العليا أن قانون ولاية جورجيا الذي يعاقب على مجرد حيازة المواد الإباحية، هو قانون مخالف للدستور، لأن الدستور يحمي الحق فى الحصول على المعلومات والأفكار، بغض النظر عن قيمة تلك المعلومات والأفكار، من الناحية الإجتماعية، ويكرس حق الفرد في حمايته من تدخل الدولة في خصوصياته، ومن التحكم في أفكاره، وبالتالي لا يجوز للقانون أن يمنع مجرد حيازة المواد الفاضحة. ولا يبرر ذلك المنع أن حيازة المواد الفاضحة قد تقود إلى سلوك معادي للمجتمع، أو أن يكون المنع جزء من خطة لمنع نشر المواد الفاضحة. وقررت المحكمة أن ما ذكره القاضي برانديز في الرأي المخالف في أولمستيد ضد حكومة الولايات المتحدة OLMSTEAD V.US هو تفسير صحيح للقانون حين ذكر أن "واضعي دستورنا عملوا على أن يوفروا شروطاً تساعد على البحث عن السعادة، فمنحوا الفرد في مواجهة الحكومة الحق في أن يُترك وشأنه، وهو أكثر الحقوق شمولاً، وأكثرها قيمةً بالنسبة للشخص المتحضر" وهذا هو ما يطالب به الطاعن في الدعوى التي تنظرها. أنه يطالب بالحق في أن يقرأ ويدعم ما يشاء، والحق في أن يشبع حاجاته الفكرية والعاطفية كما يشاء في داخل خصوصية منزله. أنه يطالب بأن يكون محصناً ضد تفتيش الدولة لمحتويات مكتبته ... مهما كانت المبررات للقوانين التي تنظم مسألة المواد الفاضحة فإنها لا يجب أن تصل الى خصوصية منزل الفرد. إذا كان هنالك للتعديل الأول للدستور أي معنى، فإنه يعني أنه ليس للدولة أن تحدد للشخص الجالس بمفرده في منزله، أي كتب عليه أن يقرأ، أو أي فلم عليه أن يشاهد. إن كل تراثنا الدستوري يتمرد على فكرة منح الحكومة سلطة السيطرة على أفكار الناس. ويجدر بنا أن نشير لأن حقي الخصوصية والبحث عن المعلومات اللذان إرتكزت عليهما المحكمة العليا الأمريكية، لإبطال قانون جورجيا الذي ينطبق على الحكم الذي تتبناه المادة153 من قانوننا الجنائي إنطباق النعل على النعل، قد تبناهما دستورنا في المواد 37 و39 من وثيقة الحقوق.
ثانياً مخالفة المواد المذكورة للدستور
1. القانون الغامض والدستور
المواد الثلاث السابق الإشارة لها تشتمل على تعريفات غامضة للأفعال التي تعاقب عليها إختلف حول معانيها الشراح. يكون القانون غامضاً، عندما يجعل الأشخاص ذوى الذكاء العادى يخمنون المعنى المقصود، ويختلفون حوله، (الولايات المتحدة ضد ونش)، والقانون الغامص يخالف الدستور من أوجه ثلاث :الأول أنه يؤدى إلى معاقبة الناس على أفعال لم يكن في وسعهم معرفة عدم مشروعيتها وقت إرتكابها، والثاني أنه يؤدى إلى تسلل المعايير غير الموضوعية لتطبيق القانون، وهذه المعايير من شأنها أن تقود إلى تطبيق تحكمي وتمييزي بواسطة منفذي القانون، والثالث أنه يؤدى إلى أن يمنع المواطن نفسه من ممارسة حرياته الأساسية بسبب الأثر الذي يحدثه غموض القانون لدى المواطن والمعروف فى فقه القانون الأمريكى بال CHILLING EFFECT والذي يؤدي لإمتناع الشخص عن ممارسة حرياته الأساسية خوفاً من أن يكون في ذلك خرقاً لقانون لا يعرف المواطن النشاط الذى يمنعه ذلك القانون على وجه التحديد.
أ الإخلال بالحق في المحاكمة العادلة
اللغة التي تحمل أكثر من معنى لا تصلح لتعريف الجرائم لما في ذلك من إخلال بالحق في المحاكمة العادلة وفقاً للدستور، فالمادة (34) فقرة (4) تنص على أنه ( لا يجوز توجيه الاتهام ضد أي شخص بسبب فعل أو امتناع عن فعل ما لم يشكل ذلك الفعل أو الامتناع جريمة عند وقوعه.) وهذا الحكم لا يتطلب وجود قانون يُجرِّم الفعل فحسب، بل يتطلب علم المتهم بأن ما يقوم به هو فعل مُجرَّم، وذلك لا يتحقق بمجرد وجود قانون إذا كان ذلك القانون حمال أوجه، لا يعلم المتهم مسبقاً أى وجه منهم سيأخذ به القاضى، بل يجب ان تكون المعاني التي تفهم من لغة القانون واضحة للمتهم، وقت إتيانه الفعل المعاقب عليه. لذلك ففي دعوى بالمر ضد مدينة يوكليد Palmer v. City of Euclid, 402 U.S. 544 (1971) حين أدين بالمر بموجب قانون الشخص المشبوه وهو قانون خاص بالمدينة المدعى عليها والذى يدين الشخص الذي يتواجد فى ساعات غير معهودة أو متأخرة فى الطريق العام، دون أن يكون ذلك بسبب قيامه بعمل مشروع، ولا يستطيع أن يعطى سببا لتواجده في ذلك الوقت في الطريق العام. كانت جريرة بالمر هى أن فتاة نزلت من عربته في وقت متأخر من الليل، قبل ان يبدأ في الحديث في جهاز إرسال لاسلكي. عند القبض عليه لم يكن بالمر يعرف إسم الفتاة، ولا إلى أين كانت ذاهبة، كما وأنه أعطى ثلاث عناوين مختلفة لنفسه، فتمت إدانته بموجب القانون.عندما وصل الأمر للمحكمة العليا قضت بأن القانون غامض بدرجة تجعله مخالف للدستور لأنه يفشل في أن يعطي شخص ذو ذكاء عادي اخطار مناسب، بان ما يرغب في ارتكابه يخرق القانون .المعيار الذي وضعته المحكمة الأمريكية في العديد من الدعاوى هو أنه إذا كان الشخص ذو ذكاء معتاد، ولا يستطيع أن يتبين على وجه الدقة ماهية النشاط الذي يجرمه القانون، او العقوبة التي يمكن توقيعها عليه وفقاً للقانون المعني، فإن القانون يجب إعتباره غير دستوري بسبب غموضه .
ب القانون الغامض يؤدى للتمييز
وأهمية تحديد الفعل المُجرَّم لا تقتصرعلى عدم قدرة الخاضعين للقانون على معرفة ما يفترض أن لا يقوموا به، بل أيضاً أيضاً حتى تعرف سلطات تنفيذ القانون ما يتوجب عليها ضبطه من أفعال، دون أن تتدخل بتحديد معانى القانون، لأن غموض القانون يمنح قوات الضبط سلطة تحكمية تتيح لهم أن يحددوا لأنفسهم مايستوجب تدخلهم، وهذه السلطة التحكمية غالباً ما يتم إستخدامها ضد الفئات الضعيفة من السكان، ولذلك فإن القانون الغامض غالباً مايتم إستخدامه بشكل تمييزي، وذلك يعود لأن القوانين التمييزية لا تخلق التمييز، ولكنها تستجيب له، فالتمييز والذى يقوم على تحيز غير مبرر ضد طائفة من السكان، هو فى واقع الأمر نتاج ظروف إقتصادية إجتماعية، وبالتالى فهو موجود لدى قوات الضبط، ولدى القضاة ، فهؤلاء وأولئك غالباً ما يتم إختيارهم من القسم الأكثر حظاً من السكان، وحتى من يتم إختيارهم من خارج ذلك القسم يضمن نظام الترقية وما يتيسر للمعينين منهم من التعليم والتأهيل بقاءهم فى الدرجات الدنيا من السلم الوظيفى. أضف لذلك أن التمييز فى واقع الأمر يقوم على ثقافة سائدة فى المجتمع، تتأثر بها أيضا الأقسام التى يتم التمييز فى مواجهتها، ولا يعصم وجود عناصر من الأقسام المُميَّز ضدها فى تلك الأجهزة من التمييز، ليس فقط لتأثرهم بالثقافة السائدة فى المجتمع ككل، بل أيضاً لتأثرهم بما هو سائد فى الأجهزة التى يعملون بها، ولتمسكهم بالمناصب التى يشغلونها، مما يجعلهم أكثر ملكية من الملك. لكل تلك الأسباب يغلب أن تُفسر القوانين الغامضة بشكل تمييزى بواسطة الشرطة والقضاء. وهذا ما تكشف عنه التجربة العملية بالنسبة للمادة 152 فهي في مطلق عباراتها لاتفرق بين رجل وإمرأة ،ومع ذلك فإننا نعلم ان هذه المادة لا يتم إستخدامها في العادة إلا ضد النساء، وكأن الرجال لا يمكن لهم ان يرتدوا زياً فاضحاً مع أننا نعلم جميعاً كيف يمكن أن تكون ملابس الرجال مبرزة لما يتعين إخفاءه من أجسادهم. غني عن البيان أن التمييز بين الناس بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو الُلغة أو العقيدة الدينية أو الرأي السياسي أو الأصل العرقي محظور بنص المادة 31 من الدستور.
ج التدخل في ممارسة الناس لحرياتهم
حتى تحمى المحاكم فى أمريكا حقوق الناس الدستورية، أصبحت تتشدد فى تتطلب الوضوح عندما يتصل الأمر بعقوبة جنائية، أو بالتدخل في ممارسة الناس لحرياتهم الأساسية. دعوى COATES ET ALV CITY OF CINCINNATI والتي أدين فيها المتهمون بمخالفة قانون ينص على تجريم تجمع أي ثلاثة أشخاص أو أكثر في طريق جانبي، عندما يكون سلوكاً يضايق يزعج annoy المارة قررت المحكمة عدم دستورية القانون بعد أن رفضت ماذكرته المحكمة الأدنى من أن كلمة annoy هي كلمة مستخدمة بكثرة، وهي تعني ان تزعج أو تعرقل أو تستفز المارة، وهي لذلك واضحة المعنى لأن معنى الكلمة لا يتصل بمدى حساسية كل شاكي على حدة. ولكن المحكمة العليا رفضت ذلك وتساءلت إن لم يكن تفسير الكلمة يتصل بحساسية الشاكى فعلى حساسية من يعتمد ؟ على حساسية الشرطي ؟ ام القاضي؟ وذكرت أن السلوك الذي يزعج بعض الناس لا يزعج الآخرين، ولذلك فإن القانون غامض ليس لأنه لا يحدد طائفة من الناس يزعجهم ذلك السلوك، بل لأنه لا يحدد السلوك المُجرَّم على الإطلاق، وبالتالي فإن الناس ذوي الذكاء العادي يتوجب عليهم ان يخمنوا المعنى المراد من ذلك، وهذا مخالف للدستور، فللقانون ان يجرم أفعال محددة ولكن ليس له ان يضع معيار للتجريم، يعتمد على ما إذا كان رجل الشرطي قد إنزعج من الفعل ام لم ينزعج، لما يؤدى إليه ذلك من منع للناس من ممارسة نشاطات، تدخل ضمن حرياتهم الأساسية خوفاً من التعرض لمساءلة قانونية. وفى دعوى باباخريستو ضد مدينة جاكسونفيل، والتى تتلخص وقائعها فى أن شابين من السود كان يجوسان بعربة دون أن يقصدا مكاناً بعينه وفى صحبتهما فتاتين من البيض، حين تم القبض عليهم بتهمة التجول بعربة بدون غرض مشروع، وهى جريمة وفقاً لقانون التشرد في مدينة جاكسونفيل. قررت المحكمة العليا أن القانون بأسره غير دستورى، ورأت أن اللغة الفضفاضة تؤدى لمنح سلطة التشريع للقاضى أو الشرطة وذلك يتنافى مع حكم القانون، و ذكرت أن القانون مأخوذ من القانون الإنجليزى القديم وقت تحول الإقطاع للرأسمالية في القرون الوسطى، حيث كانت الحاجة لدفع القوى العاملة الفقيرة للإستقرار في مكان واحد قد أدت لتجريم أشياء لم تعد المجتمعات الحديثة ترى فيها ما يدعو للتجريم، فالقانون يعاقب على إعتياد السير ليلاً وذلك في نظر المحكمة عملاً مشروعاً قد يقوم به من يعانون من الأرق ليتمكنوا من النوم، والقانون يجرم العيش على نفقة الزوجة أو الأطفال لمن هو قادر على العمل، و هذا قد يؤدي لمعاقبة العاطلين بسبب أزمة إقتصادية. وقد لاحظت المحكمة أن القانون يعطي الشرطة سلطة للقبض على كل الذين يسلكون سلوكاً مريباً، أى أن القانون يتطلب من الناس أن يسلكوا في حياتهم المسلك المقبول للشرطة والمحاكم، وهو أمر غير دستوري إذ ينتج عنه إدانة أشخاص بناءً على تعابير غامضة، وغير منضبطة تفسرها المحاكم بالطريقة التي تروق لها، وذكرت المحكمة أن إفتراض أن محاكمة من تبدو طريقة ممارستهم لحياتهم مدعاة للتهمة في عين الشرطة أو المحاكم لا يتفق مع الدستور الذي يتطلب أن تكون الأفعال المجرمة واضحة .
PAPACHRISTOU v. CITY OF JACKSONVILLE, U.S. Supreme Court 405 U.S. 15 (1972) 405 U.S. 156
ثالثاً: سلطة القضاء العادى فى مراقبة دستورية القوانين
إذا كان الثابت هو أن المادة 67 تخرق المبدأ الدستوري في المحاكمة العادلة الذي يرتكز على شخصية العقوبة والمادة 69 تخرق المبدأ الدستوري في المحاكمة العادلة للغموض الذي يشوبها والمادة 153 تخرق المبادئ الدستورية المتعلقة بمعقولية التشريع وحقي الخصوصية وتطلب المعلومات، فإننا نطالب عدالتكم بالإمتناع عن تطبيقهم وفاءً لإلتزامكم بحماية وثيقة الحقوق وأداءً لمهامكم بتطبيق القانون. بالنسبة للقوانين التي تتعارض مع الأحكام المضمنة في وثيقة الحقوق، فإن القاضي العادي مأمور بعدم تطبيقها بنص المادة 48 من الدستور " تصون المحكمة الدستورية والمحاكم المختصة الأخرى هذه الوثيقة وتحميها وتطبقها" فإذا الدعوى المعروضة عليكم تستند على مواد تخالف نصاً في وثيقة الحقوق، فعليكم الإمتناع عن تطبيق تلك المواد إلتزاماً بنص المادة 48 الصريح الذي يخاطبكم مباشرة ويلزمكم بصيانة الوثيقة وتطبيقها. من جهة أخري فعدم إعمالكم لتلك المواد هو من صميم عملكم القضائي، فالقاضي أصلاً لا يمكنه أن يطبق القانون ما لم يفسره، والقاضي غير مكلف بتطبيق قانون واحد بل كل القوانين، وهذه القوانين قد تحمل أحكاماً متعارضة لذلك فإنه مطلوب منه أن يقوم وفق قواعد التفسير بتحديد الحكم الواجب التطبيق بين أحكام القوانين المختلفة. والدستور هو قانون من ضمن القوانين التي يجب على القاضي أن يطبق أحكامها، ولكنه يعلو على كافة القوانين الأخرى، وهو ما يمنع القاضي من تطبيق حكم القانون العادي، إذا تعارض مع حكم في الدستور، لأن الدستور وفقاً للمادة الثالثة منه " هو القانون الأعلى للبلاد، وتتوافق معه دساتير الولايات وجميع القوانين" وفي هذا مخاطبة للمشرع، وللقاضي الدستوري، وللقاضي العادي، كل في مجاله. فعلى المشرع أن يمتنع عن إصدار قوانين تحوي أحكاماً مخالفة للدستور. وعلى القاضي الدستوري إلغاء القوانين المخالفة للدستور متى ما عرضت أمامه في دعوى إلغاء. وعلى القاضي العادي الإعراض عن تطبيقها إذا عرضت عليه في أي دعوى. إذا رأيتم انكم غير مختصين بالنظر في الأحكام الدستورية، وأن سلطتكم تنتهي عند تطبيق القانون، فإننا نري أن القانون نفسه والذي لا جدال في أنكم ملزمون بتطبيقه، يلزمكم بعدم تطبيق الأحكام القانونية المخالقة للدستور. ولذلك فقد نصت المادة 6(2) من قانون تفسير القوانين والنصوص العامة على أنه "إذا تعارض أي نص في أي قانون مع أي حكم من أحكام الدستور تسود أحكام الدستور بالقدر الذي يزيل ذلك التعارض ".
القانون المخالف للدستور هو أصلاً (لا قانون) non law، حيث أن الشرط الأول للقانون صدوره وفقاً للدستور شكلاً وموضوعاً، وإلا افتقد صفة القانون، هذا هو الأساس الذي إكتسبت بموجبه المحكمة العليا الأمريكية سلطة إبطال القانون المخالف للدستور. وقد فطنت لذلك لجنة حقوق الانسان الافريقية في دعوى وماه موكونج ضد الكاميرون، فذكرت أنه لكي يكون سبب القبض مشروعاً، فإن الإتهام يجب أن يكون بمخالفة قانون لا يهدر حقوق المتهم الدستورية ، وإلا فإن السبب لا يجوز الإعتداد به.
رابعاً :- في البينات
1. المحمول
قدم الإتهام المحمول الخاص بالمتهمة كأحد أدلة الإتهام. ولاندرى في ظل المحاكمة الإيجازية التى لا تتيح معرفة التهمة الموجهة للمتهمة، ماإذا كان الغرض من تقديمه، إثبات مخالفة المادة 153 فحسب، أم مواد أخرى. ومما يزيد الأمر غموضاً هو أن المحمول قد تحول بفعل الشرطة إلى جثه هامدة، لا يصدر منه صوت، ولا صورة. فلم تشاهد المحكمة مابداخله مما يستلزم معه إستبعاده أساساً من البينة، لأنه لا يثبت شيئاً، ولا ينفي شيئاً. وإذا كان هنالك مايمكن إستنتاجه من واقعة الموت السريري للمحمول الخاص بالمتهمة، فهو أن من كان المحمول في حيازته، يرغب في إخفاء محتويات المحمول. وسنرى حالاً لماذا تفعل الشرطة ذلك بالبينة الوحيدة التي أمكنها الحصول عليها في مواجهة المتهمة. إلا أنه لا بد أن نبادر ونذكر أن الفعل الذي قامت به المتهمة مستخدمة هاتفها الجوال، وهو تصوير أفلام المظاهرات، لا ينطوى على أى جريمة. فليس هنالك أصلاً مايمنع تصوير المظاهرات، سواء أكانت مظاهرات مشروعة كما يدعى الدفاع، أو كانت غيرمشروعة كما يزعم الإتهام، دون تقديم دليل على ذلك. الثابت هو أن القانون لا يمنع تصوير المظاهرات، سواء أكانت مشروعة، أم لم تكن. ولا يوجد أى مجال للإتهام، مهما جمح به الخيال، لأن يزعم أن التصوير تم في منطقة عسكرية، أو لمنطقة عمل عسكري، حتى تدخل ضمن الأفعال المجرمة بواسطة المادة 57. اللهم إلا إذا إعتبرنا إطلاق النار على متظاهرين عُزل عملاً عسكرياً. إذا كان ذلك كذلك، فلا يبقى إلا ما زعمه شهود الإتهام من أن المحمول كان يحتوى على صور فاضحة. والإتهام الآن يعتمد على اقوال شهوده، لإثبات جريمة حيازة صور فاضحة، بعد أن افسد بفعله البينة الوحيدة المقبولة حول هذه الصور. وشهادات شهود الإتهام حول الصور الموجودة في الموبايل، بالإضافة لتناقضها، لا تصلح لإثبات الجريمة، لأنه ليس للشرطة أن تقرر ما إذا كانت صورة ما فاضحة، أو مخلة بالآداب، لأن هذا صميم عمل القاضي. بل وأن مجرد وصف الشهود للصور بأنها فاضحة يجب إستبعاده من البينة، لأن الشاهد يروي فقط ما تلقاه بحواسه، وليس له أن يبدي رأيه في ذلك. لكى يقرر القاضي، ما إذا كانت صورة ما فاضحة لابد له من أن يرى بنفسه الصور، وأن يقرر هو من الصورة نفسها، وما تريد أن تنقله للمشاهد، أنها صورة مخلة بالآداب.
ولو راجعنا الشهود وماذكروه حول الصور المزعومة، سنجد العجب العجاب. فالشاكي يزعم أن بالمحمول صور وأفلام فاضحة، دون أى شرح إضافي، وهي بينة رأي، غير مقبولة، ومستوجبة للطرح. أما شاهد الإتهام الأول فيذكر أن به صور للمتهمة وهي عارية، وشاهد الإتهام الثاني يذكر أنه به صور وأفلام فاضحة، وصور مظاهرات، ويذكر الشاهد الأخير أنها صور بنات. إذا فالصور التى يذكرها الشهود على إختلاف بينهم، هي صور عارية إما للمتهمة نفسها، أو لبنات آخرين، ولو صح هذا فماهو المخالف للآداب في ذلك؟ إن المتهمة تشاهد نفسها عارية دون أن يكون ذلك سبباً لإتهامها بشئ، فماذا لو صورت نفسها، طالما أنها تحتفظ بالصورة لنفسها؟ أما الإدعاء بأن به صور لبنات عاريات، فهذا أيضاً غير مخالف للآداب بالنسبة للمتهمة، فهي نفسها فتاة وصيدلانية، وليس هنالك مايخالف الآداب إذا كانت هنالك صور لفتيات، أو نساء عاريات، إذ أنه ليس هنالك مايثير شهوتها في تلك الصور، خاصة وأننا لا نعلم ماذا تظهر تلك الصور. ألا يجوز أن تكون تلك الصور تبدي عيوباً خَلقية، أو مرَضية، تحتاج لعلاج؟ هذه كلها إفتراضات لا تنتهى، ولكن مجرد وجود صور لنساء عاريات لدى إمرأة، لم تحاول عرضها على أحد، لا يخالف الآداب.
2. تفتيش محتويات المحمول
يبقى بعد ذلك سؤال، هل القبض على المحمول وتفتيش محتوياته هو تفتيش صحيح وفقا للقانون، يجوز معه عرض البينة التى تم الحصول عليها نتيجة لذلك التفتيش ؟
لا شك لدينا في أن تفتيش المحمول الخاص بالمتهمة كان أصلاً غير مشروع وموجب للعقاب. المؤكد هو أن التفتيش يتطلب إذن من وكيل النيابة أو القاضي وهذا لم يحدث في هذه الإجراءات، وفيما عدا حالات التفتيش بأمر من القاضي أو وكيل النيابة فإن هنالك ثلاث حالات للتفتيش المشروع، وهي الحالات التى نصت عليها المواد 74و89و92 من قانون الإجراءات الجنائية. المادة 74 تنص على "علي من يقوم بالقبض أن يجرد الشخص المقبوض عليه من أي اسلحة أو ادوات خطرة توجد في حيازته وعليه أن يحضر جميع تلك الاسلحة والادوات الي نقطة الشرطة أو وكالة النيابة أو المحكمة المطلوب احضار الشخص المقبوض عليه امامها." وهي مادة كما نرى لا تسمح للشاكي بالقبض على المحمول أصلاً دعك من تفتيشه، لأنه ليس سلاحاً ولا آداة خطرة. أما المادة 89 ونصها "يجوز للشرطي الذي القي القبض علي أي شخص أو تسلم أي شخص مقبوض عليه أن يجري عليه التفتيش الشخصي وان يضبط جميع الاشياء الموجودة معه ويحفظها في مكان امين وان يحرر قائمة بها ويسلم صورة منها الي المقبوض عليه." فتجيز ضبط المحمول، والإحتفاظ به في مكان أمين، ولكنها لا تسمح بتفتيش المحمول نفسه بالنظر لمحتوياته. أما المادة 92 ونصها "اذا قامت شبهة معقولة بان اي شخص موجود في المكان الذي يجري تفتيشه أو بالقرب منه يخفي شيئا مما يجري التفتيش عنه فيجوز تفتيش ذلك الشخص." فلا إنطباق لها على وقائع هذه الإجراءات، لأنه لا يوجد أمر تفتيش أصلاً ينفذه الشاكي. ماتم فعلاً هو أن الشاكي قد اخذ المحمول، عنوة حسب إعترافه، من المتهمة، دون أن يكون مخولاً بحجزه، ونظر في محتوياته، دون الحصول على إذن تفتيش من النيابة، وهو غير مخول بذلك فيكون بذلك قد إرتكب جريمة بإنتهاك خصوصية المتهمة وفقاً لأحكام المادة 166 من القانون الجنائي بإطلاعه على أسرارها دون وجه حق. ونحن نلتمس منحنا الإذن بفتح بلاغ جنائي ضده .
3. خصوصية المتهمة تمتد إلى هاتفها المحمول
ويلاحظ هنا أن إطلاع السلطة العامة على محتويات هاتفها دون إذن تفتيش يجعل البينة المتحصل عليها نتيجة لهذا الإطلاع غير مقبولة، على تفصيل سنعرض له في حينه. ولكننا نؤكد هنا أن خصوصية المتهمة لاتقتصر على مسكنها، بل تمتد بالضرورة إلى هاتفها المحمول، ونعيد إلى أذهان عدالتكم ما قضت به المحكمة العليا الامريكية في United States v. Park, والتى تتلخص وقائعها في أن الشرطة قبضت على بارك عقب تفتيش منزله، وفق أمر تفتيش صحيح، أسفر عن العثور على ماريجوانا في منزله. تم القبض على جهاز الهاتف المحمول الخاص به، والأجهزة الخاصة بمن وجد معه في المنزل. بعد التحفظ على تلك الأجهزة قامت الشرطة بالبحث عن قائمة الأسماء في المحمول، للتوصل لمن يتعامل معهم المتهم في المواد الممنوعة. إعترض بارك على تقديم المعلومات التى وجدت في هاتفه المحمول في البينة، فرفضت المحكمة إعتراضه، لان تفتيش المحمول يشابه تفتيش مفكرة العناوين Address Book وهو يتصل بالجريمة التى تم التفتيش من أجلها، بغرض التحصل على أدلة بشأنها. رفضت المحكمة العليا ذلك وقررت أن المحمول الحديث، بما يحمله من كم هائل من المعلومات، يشابه جهاز الكمبيوتر، وليس مفكرة العناوين، وبالتالي فإن تفتيشه يخرق خصوصية المتهم، لما يوفره من معلومات خاصة به، وهو أمر لا يجوز، إلا بعد الحصول على أمر تفتيش. ولما كانت الشرطة لم تحصل على أمر بذلك قبل تفتيش المحمول، فإن التفتيش يكون باطلاً، وماتم التحصل عليه من بينة نتيجة لذلك غير مقبولة، وفقاً للمبدأ الذي تتمسك به المحكمة العليا الأمريكية والمعروف بمبدأ ثمرة الشجرة المسمومة، والذي يقول بان الادلة المتحصل عليها بشكل غير مشروع، يكون كثمرة شجرة مسمومة، و العدالة لا تقتات على تلك الثمار
4. ضرورة إقتصار التفتيش على الغرض منه
ضرورة إقتصار التفتيش على الغرض منه، هو مبدأ قانونى هام مقرر حمايةً لحق الخصوصية. لأنه إذا كان التفتيش هو إنتهاك لخصوصية شخص إقتضته ظروف قانونية معينة، فإنه يجب أن يبقى في الحدود التى إقتضت إجراءه. لذلك ففي دعوى أريزونا ضد جرانت Arizona v Gant (April 21, 2009) قررت المحكمة العليا، أن القبض على شخص بشكل مشروع، يخول الضابط الذي ينفذه سلطة تجريده من السلاح. ولذلك فإنه يجوز للضابط أن يفتش العربة التى يقودها المتهم، في حالة ما إذا كان ممكناً للمقبوض عليه الوصول إلى محتويات العربة، بحيث يكون في إمكانه الوصول إلى سلاح في العربة. أما إذا لم يكن في إمكانه ذلك، فإن تفتيش العربة غير مشروع، والبينة المتحصلة عليها منه غير مقبولة.
وفى دعوى United States v Quintana حين أوقفت الشرطة المتهم والذى كان يقود عربته، رغم أن رخصة قيادته موقوفة، وتم تفتيش العربة بعد أن إشتم الضابط رائحة مارجوانا، ولكنه لم يجد شيئا. عقب ذلك فتش الضابط محتويات هاتف المتهم المحمول، حيث وجد صورة توضح زراعة مارجوانا في منزله. وعليه فقد ذهبت الشرطة إلى منزله الموجود عنوانه في رخصة القيادة حيث تم العثور على مارجوانا.
قررت المحكمة أنه لما كان القبض متصل برخصة قيادة غير سارية المفعول، فإن ذلك لا يعطى الضابط سلطة تفتيش محتويات الهاتف المحمول، مما يجعله تفتيشاً غير مشروع. ويجب حجب البينة المتحصل عليها بواسطته .
5. البينة المتحصل عليها بواسطة تفتيش غير مشروع
كانت الشريعة العامة الانجليزية فى أول الأمر لا ترى غضاضة فى قبول البينة المتحصل عليها بطريق غير مشروع، وعبر عن ذلك القاضي كرومتون في دعوى ليثام الشهيرة بقوله"لا يهم كيف تم الحصول على البينة سنقبلها حتى ولوكانت مسروقة، متى ما كانت موثوق بها ومنتجة في الدعوى ". ولكن المحكمة العليا الأمريكية في بحثها عن حماية الحريات العامة من تغول السلطات عليها، قالت بعدم قبول البينة المتحصل عليها بطريق غير مشروع، حتى تقفل الباب تماماً أمام الشرطة حين يتغاضون عن حقوق المواطنين فى سبيل تحقيق نجاحاً فيما هو موكول اليهم من مهام. وقد لاقى هذا المبدأ أول الأمر إعتراضاَ عبر عنه دين ويجمور بقوله "هذا المبدأ يبدو غير مبال بأنه يؤدى لأن يجعل من تطبيق العدالة أقل فعالية، فهو يعتبر الشرطى المتحمس لأداء عمله، أكثر خطورة على المجتمع، من القاتل أو السارق الذى يدعه المبدأ يفلت من العقاب "والذى جاء الرد عليه فى حكم المحكمة العليا فى دعوى ويكس "بقدر ما تستحق محاولات المحاكم معاقبة المذنبين من مساعدة، إلا أن ذلك لا يجب أن يعنى التضحية بتلك المبادئ العظيمة التي تم إدخالها في القانون الأساسي للبلاد نتيجة لتضحيات جسام "
أسست المحكمة العليا الأمريكية هذه النظرية، في عام 1886 فى دعوى بويد ضد الولايات المتحدة الأمريكية، وهي دعوى مدنية تم إرغام المدعى عليه فيها على أن يبرز مستندات خاصة تحتوي على مواد من شأنها أن تدينه جنائياً. رفضت المحكمة العليا قبول تلك المستندات لأن إرغام المدعى عليه بتقديم بينة ضد نفسه يخرق التعديل الخامس للدستور الأمريكي. ولكن هذه القاعدة أصبحت قاعدة لا تحيد عنها المحاكم في أمريكا عقب حكم المحكمة العليا في ويكس ضد الولايات المتحدة الأمريكية عام 1914م والتي تتلخص وقائعها في أن الشرطة دخلت منزل ويكس بدون امر تفتيش للبحث في أوراقه، لإشتباهها بأنه كان يستخدم البريد لإرسال أوراق يانصيب مخا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.