وسكان حارات منطقة الفتيحاب الشقلة الذين عانوا لأشهر من شح المياه الذي تطور إلى ندرة ثم أضحى عدما، لم يقطعوا ولا عنقاً واحدة، وكل الذي فعلوه هو أنهم تجمهروا وقطعوا الزلط تعبيراً عن حقهم في الحياة كما جاء في أخبار الأمس، ويا روح ما بعدك روح، ولهذا لم أكن أتصور أبداً أن يُفعل بهم الذي فُعل بهم. قد أتصور اعتقال غازي صلاح الدين بسبب مواقفه وآرائه السياسية. وقد أتصور اعتقال فلان وفلان وفلان وفلانة وفلانة وغيرهم وغيرهن من الصحافيين والصحافيات بسبب كتابات وأخبار صحفية. وقد أتصور قمع مظاهرة ضد ارتفاع أسعار الخبز والسكر والمحروقات. وقد أتصور حظر مريم الصادق ودكتور بخاري الجعلي والمحامي صالح محمود من السفر خارج البلاد للمشاركة في أحد المؤتمرات. وقد أتصور اعتقالي شخصياً بعد نشر هذا العمود. ولكن لم يخطر ببالي أبداً أن تُواجه تظاهرة قوامها الأكبر من نساء وأطفال منطقة الفتيحاب الشقلة، لم ترفع شعارات سياسية ولم تطالب بحريات صحافية ولم تحتج على خروقات لحقوق الإنسان ولم تقل إنها خرجت للتعبير عن خيبتها في مخرجات الانتخابات السابقة أو مقدمات الحوار المزمع، ولا هتفت بأن عوائلها قد فقدوا وظائفهم منذ مجزرة ما يسمى بالصالح العام، ولا نادت بتشغيل أبنائها العطالى، ولا احتجت على الوجع الذي تكابده ولا على المعالجة الغالية التي تكتوي بنارها ولا على ارتفاع كلفة التعليم الذي لم يعد يقدر عليه إلا الراسخون في المال، بقدر ما في جيبك يكون تعليم ابنك، ولا.. ولا.. ولا مما تعدون من كرب وضوائق ناء بحملها كاهل المواطن الغلبان. فقط طالبت هذه التظاهرة الاحتجاجية بحقها في الحياة، مجرد جرعة ماء تبل العروق وتُذهب الظمأ، ولكن وبدلاً من أن تُسيّل السلطات لهم الماء من صنابيرهم التي جفت، إذا بها تمطرهم بسيل من القذائف المسيلة للدموع، فسالت الدموع من مآقيهم في الوقت الذي كانوا يتوقعون منها أن ترأف بحالهم فتسعفهم بجرعات ماء لا أن تقذفهم بقنابل الدخان الحارق. لا ندري لماذا يتعذر الحصول على الماء في هذه العاصمة التي يشقها نيلان ونهر، ولا ندري لماذا تتعثر الحلول على كثرتها، ولماذا لا تأتي الوعود أكلها على تواليها من والٍ إلى والٍ، هل ذلك لأسباب موضوعية هيدرولوجية، أم لأخرى إدارية وتمويلية، إن كانت الأولى فتلك مشكلة لا تبرئ ذمة الولاية، وإن كانت الثانية فوزرها بالكامل على الولاية، فليس فوق الماء شيء يمكن أن تعيره الولاية اهتمامها الإداري وسخاءها المالي، فلتنظر الولاية ماذا هي فاعلة بهذه المشكلة الحقيقية غير المختلقة ولا المصنوعة، فلا هي من اختراعات الطابور الخامس ولا هي من تخرصات المغرضين والمرجفين في المدينة، مشكلة حساسة واحتياج حيوي، تحتاج إلى بذل الجهد ولن يحلها حتى الرمي بقنابل الهاون دعك من قنابل البمبان. [email protected]