بيان لأساتذة جامعة الخرطوم ظلت جامعة الخرطوم، منذ تأسيسها وحتى اليوم تمثل الذاكرة المؤسسية المتقدة للأمة، ومنارة الاستنارة السامقة لشعبنا، مجسدة بذلك لصالح الوطن مخزوناً هائلاً للفكر ومصدراً متجدداً للكسب الأكاديمي المتميز. وفوق ذلك فقد كانت الجامعة وما زالت مصنعاً خصباً للكوادر القيادية التي لعبت دوراً طليعياً لدفع حركة الوطن للأمام. يذكر التاريخ للجامعة دورها في الحركة الوطنية في الخمسينيات والستينيات وما لعبته من دور مجيد في ثورة اكتوبر 1964 توج برئاسة وسكرتارية مؤتمر المائدة المستديرة، وواصلت مقاومتها لنظام مايو في السبعينيات ولعبت نقابة أساتذة الجامعة دوراً هاماً ومحورياً في تعبئة وقيادة قوى الانتفاضة المجيدة ضد نظام مايو في 1985 وأصبحت دار الأساتذة محطة للعمل الوطني الجامع. ولم تخنع في عهد الإنقاذ بالرغم من تشريد أساتذتها وإخضاعها للسيطرة الحزبية الأحادية والتغول على أصولها وممتلكاتها لإضعافها فاصطف الأساتذة وانتزعوا حق التنظيم النقابي المستقل 2006-2009 ولا تزال روح المقاومة متقدة وسط أساتذتها حاملين هموم الوطن ساعين للإسهام في إخراجه من الأزمة الخانقة التي يعانيها راهناً. لا شك أن الظروف التي تحيط بالبلاد اليوم تختلف كثيراً عن ما سبق. فقد شرعن نظام الإنقاذ نظام حكمه بالدين وهو أبعد ما يكون عنه سلوكاً، وعمل بمثابرة على تحطيم الأصول الإنتاجية للاقتصاد الوطني، وأقدم في رعونة على تسليع الخدمات الأساسية من صحة وتعليم، وعمل بلا كلل على تخريب الأجهزة الرقابية والحسابية والأمنية للدولة، ونشط بتهور في تدمير البنية التحتية للحياة السياسية المدنية مشعلا وبغير هوادة نيران حرب أهلية أهدرت موارد البلاد، وأدت لانفصال الجنوب وفاقمت النزاعات في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق وأهدرت كرامة وسيادة الوطن بالارتهان للإرادة الدولية حفاظاً على سلامة قادتها من استحقاق العدالة. ترتب على ما تقدم تجيير غير شامل لموارد الدولة للأجهزة العسكرية والأمنية، مردوفا بالتوظيف السياسي للدين كأداة فعالة للتعبئة الديماغوغية ومسوغا للقمع المباشر. وتلازم ذلك مع تدهور محزن للأحوال المعيشية لشرائح متزايدة من شعبنا، وزيادة مضطردة في معدلات البطالة والفقر بصورة غير مسبوقة، وتمزيق متعمد للنسيج الاجتماعي، وهجرة قسرية مهينة لملايين السودانيين خارج البلاد حتى انتهى النظام بعد ربع قرن من استبداده بالأمر إلى وقوفه معزولاً بائساً على ساحة سياسية تم تجريفها بالكامل غُيبت عنها النقابات والأحزاب والمنظمات النسوية والشبابية والمهنية ومنظمات المجتمع المدني، واحتكرت أجهزة الأمن مفاصل العمل العام تمكيناً وحماية لمصلحة الاقلية الفاسدة الحاكمة. يتلخص المشهد السياسي اليوم في التسلط العاري من كل شرعية أخلاقية أو قانونية للنظام، واختار النظام لنفسه الاحتكار المتسلط لكل أنشطة الدولة تمكينا وحماية للطغمة الحاكمة الوالغة في شتى ضروب الفساد، وتمسكاً أرعناً بسياسات ثبت بعد ربع قرن من التجربة فشلهاً، ضمن إطار من المصادمة اليومية لكل قطاعات الشعب. ما من وطني مخلص اليوم إلا واستشعر الخطر المحدق بالوطن جراء بقاء السلطة على ما هي عليه بالرغم من وصول الأزمة لذروتها. ويتفاقم الخطر ببطء وتعثر حركة الأطراف المعارضة في سعيها للوصول لتوافق وطني مقبول يجنب البلاد مآلات ما حل ببعض الدول من تدخل خارجي قد يذهب بريح الوطن جراء عجز القوى الوطنية الوصول لحلول بنفسها. إننا واستلهاماً لتاريخ الوطن، وإيماناً منا بقدرة القوى الحيوية لشعبنا على مقاومة التسلط والعسف في كل أقاليم البلاد ولما عكسته الهبات الشعبية والمظاهرات الاحتجاجية وآخرها انتفاضة سبتمبر-أكتوبر الحالية من إرادة للنهوض مجدداً، وعطفاً على ما لعبته الجامعة من دور ريادي في أكتوبر 1964 والانتفاضة 1985 نرى أن الوقت قد أزف لتقوم الجامعة بدورها الذي يحفظه التاريخ ويطلبه الحاضر خلاصاً لمستقبل الوطن، واستشعاراً منا لهذا الدور المطلوب ولما للجامعة من مكانة عند كافة الأطراف وما لمنسوبيها (داخل وخارج البلاد) من خبرات فنية وأكاديمية وفكرية وروح وطنية خالصة، فإننا في تجمع الأساتذة نرى: ومن الضروري الاستفادة من تجربة المرحلة الانتقالية 2005-2011، ومن الضروري أيضا أخذ العبرة من تجارب الدول القريبة (نماذج اليمن حيث تولى مجلس التعاون الخليجي رعاية صيغة توافق انتقالي) حيث ساهم الدور الخارجي في توفير الضمانات وتقديم المساعدات خاصة الاقتصادية في المرحلة الانتقالية التي يحتاج فيها الاقتصاد لمساعدات إسعافية ورفع المقاطعة وإعفاء الديون وتشجيع الاستثمارات. تجمع أساتذة جامعة الخرطوم.