لو فرضنا جدلا" بأن الخرطوم تعتبر عاصمة لهذا البلد الوطن الكبير, تستوحينا المخيلة بأننا نغرد خارج السرب , كما وضح جليا للعيان , مدى هذا الأنشطار الذى لاتسندها الملكة الجمالية من حيث التخطيط والرونق , تفتقد كل مظاهر الحضارة والتمدن . مستودع للقاذورات , تعكس القبح بكل الصور , كما تحمل هذه الكلمة من معانى , عاصمة تنتشر فيها العطالة وفاقدى الهوية , ومواقف للمواصلات يوصف بالعشوائية , تكدس العربات فى الطرقات , ليس هنالك حدائق عامة تستروح فيها الأنفس المكلؤمة , معاناة الباعة المتجولين , المطاردة الدائمة من أجل التحصيل على الرسوم , ظواهر تشبح المعارك فى الأدغال والأحراش , هذه المظاهر بصورة دائمة يوميا . تعكس واجهة غير حضارية فى عيون الزوار الاجانب . معاملة غير أنسانية فى الكشات للباعة وخاصة النساء اللائى يعملن فى بيع الشاى , هؤلاء النسوة مجموعة من الأرامل والثكلى والأيتام , أمهات وزوجات وأخوات عصف بهن شظف العيش وظروف الحياة القاسية , وأتجهن الى كسب العيش الحلال بشرف من أجل الحفاظ على سمعة شعب السودان , المعطاء دوما الأبى , شامخ الرأس , يضرب به الأمثال بين شعوب الأمم هل لنا أن نجد لهؤلاء النسوة متكأ من أجل الكرامة الأنسانية , أين دور الرعاية الأجتماعية , أين تذهب أموال الزكاة , أين نصيب هؤلاء . أننا نسعى دوما لاظهار الوجه الحقيقى دون أعطاء الصبغة حتى لاتكون الصورة تحمل غير المألوف لدينا . هذا قليل من كثير , لو نظرنا الى الأسطول من العربات ذات الموديل الحديث فى الطرقات , والمواقف يدخلنا الحيرة بأن نعيش غير الواقع , أين نحن فى عالم (( الترف)) أناس يفترشون الأرض ويلتحفون السماء , يأكلون من فتات براميل النفايات , وآخرون يصابون بالتخمة من الشبع الى مراحل الطراش , ليس هنالك قاسم مشترك بين بنى البشر . لابد من مراعاة هذه الفوارق , ونحن أمة ندين بالاسلام , كما أن ظاهرة تفريغ العاصمة من البشرية لاعادة الصورة الجمالية , هذا ليس من العدالة الأجتماعية بمكان .هذا الوطن يسع الجميع , والدستور كفيل بالحفاظ على حقوق هؤلاء الضعفاء . هنالك قصور فى الرؤية ولابد من أيجاد تصور شامل من خلاله معالجة كل هذه الظواهر . أعادة النظر فى مواقف المواصلات حتى لايمشى المواطن عشرات الاميال للوصول الى تلك المواقف التى وضعت بدون دراسة ,لابد من توفير وسائل للتنقل فى أماكن واضحة , كما يتم تنظيم مواقع للباعة المتجولين , لان عملية الكشات ومصادرة حقوقهم , تنطلى على ذلك سلبيات ليس فى الامكان معالجتها . عليه لابد من أيجاد منافذ ترويحية حتى لاتنعكس الطابع السالب على المواطن , نحن نحتاج الى تربية وطنية , ولابد للجهات المسؤولة أن تنتهج مادة التربية الوطنية فى المدارس , وحتى ينشأ الاجيال على هذا الروح . كما ينبغى علينا أن نهتم بمعاناة الآخرين , حتى يكون ديدننا فى المعاملات والتعايش السلمى على حقب من الأزمان . لابد من مراعاة المرونة , وتقدير المسئولية الاجتماعية , والحفاظ على كرامة المجتمع , ليس هنالك بديل غير أننا نتبع ونغرس الروح الأنسانى القويم لقوام المجتمع بأسره , ونديم التواصى وأصلاح ذات البين حتى يذوب هذه الفوارق الاجتماعية , ونسعى الى تغيير وجه هذا البلد بحيث تواكب مصاف العواصم ونتنفس من رئة واحدة وحدقات عيوننا من أجل فلذات أكبادنا ووطننا الحبيب .