نعود بعد تلك الإضاءة الضرورية الى الجماعة فى السودان حيث يعتبر الإرهاب الذى مارسه اخوانهم فى مصر " لعب عيال". فبينما أنحصر إرهاب الاخوان فى مصر بدرجة كبيرة على دولتهم، بلغ إرهاب الجماعة فى السودان أركان الأرض وقبلها الأربع. يقول شيخهم الترابى فى رده على سؤال من صحيفة الوسط عن دعمهم للإرهاب فى كل من يوغندا واريتريا ومصر: " كل تلك الإتهامات كانت مبنية على أسس خاطئة وغير سليمة، فأنا أحب الحوار ولا أميل الى العنف ودفعت عمرى كله ثمناً لتطلعاتى الرافضة للعنف بكل اشكاله و ألوانه لأنى كنت أحد ضحاياه". وإذا تركنا جانباً " اللولوة" الواضحة فى إجابة الرجل حيث أُستفسر عن دعم دولته للإرهاب ولم يسأل عن موقفه الشخصى من العنف الخ.. إذا تركنا هذا جانبا، فالرجل يعرف أن أقرب خاصته مارسوا الارهاب (كما سنوضح) ولم نسمع انه نهاهم عن ذلك او أدانه. وإن كان هؤلاء "الخاصة" يمارسون الإرهاب يبقى حديث الترابى عن رفضه للعنف حديث لا طائل منه. بالطبع لقد ظل الترابى طوال عمره يمارس العنف من خلال آخرين بعضهم فى قاعدة تنظيمه وبعضهم خاصته. وبالطبع لا أحد يتوقع أن شخصاً فى موقعه يخرج بنفسه ويهاجم مقار الصحف او يطلق الرصاص على منازل القادة من خصومه السياسيين. لكن المسؤلية عن مثل تلك الأفعال تقع بكاملها على قيادة التنظيم وفى كل ذلك لم نسمع يوما أن الرجل أدان الممارسات الإرهابية التى يقوم بها أعضاء تنظيمه، الأمر الذى يعنى بالضرورة موافقته عليها وأنه مصدر التوجيهات لارتكابها. فالترابى ظل هو القابض على أمر التنظيم لأكثر من نصف قرن من الزمان ويحظى بنفس الطاعة العمياء من أعضاء التنظيم التى حظيّ بها البنا ولا احد يشك اليوم أنه لولا موافقة الترابى على الإنقلاب لما قام الإنقلاب مطلقا وهو ما يذهب اليه بشير موسى " هنالك من يقول أن إنقلاباً ينفذه ضباط مرتبطون بالجبهة الإسلامية القومية ما كان له أن يتم بدون تخطيط ومباركة من الترابى. فسيطرة الترابى على قرار الجبهة كانت قاطعة وولاء قياداتها له لم تكن تشوبها شائبة" (الإسلاميون، ص 194). تلك السيطرة "القاطعة" إذن تعنى اول ما تعنى، أن أى عملا يقوم به التنظيم خاصة العمليات التى لها تبعات " كالعمليات الإرهابية" كانت تتم بعلمه وموافقته. فى غير ذلك تصبح سيطرته غير "قاطعة" ويصبح ما كتبه الكادر الإسلامى بشير موسى غير دقيق وبلا مصداقية وهو أمر نستبعده لأن الكاتب من الكادر المطلع على الكثير وهو استاذ جامعى يعلم خطورة ما يكتب ولذلك نرجح مصداقيته بسيطرة الترابى القاطعة ومن ثم إلمامه بالعمليات الإرهابية التى وقعت التى سنقوم بتفصيلها أدناه. إذن، يحاول الترابى ببيان تنظيمه ذلك أن يقول للسودانيين وللعالم أن لا علاقة لهم بالإرهاب أصلا وأنهم ضده ويدينونه. وفوق كل ذلك يريدون منا ومن العالم أن نصدقهم…. هكذا..! غنىٌ عن القول أن أغلب العمليات الإرهابية التى يشهدها العالم اليوم والتى تقوم بها مجموعات تنتسب الى الإسلام السياسى، إبتداء من أمريكا واروبا مرورا بالشرق الأوسط وافريقيا ثم اسيا حتى جنوبالفلبين، كان إسلاميو السودان هم من بذر وسقى بذرتها، وكانوا ظئرها الأول والمشرف على ترعرها حتى شبت عن الطوق، ثم هم من أسرج لها وأطلقها لتعيش فى الأرض قتلا وسفكا للدماء. لذلك ما سفك دم برىء فى أى ركن من الأرض فى ربع القرن الأخير إلا ولإسلاميّى السودان فيه نصيب. حتى داعش ما انفكوا يرسلون لها الطلاب، لذلك يلحقهم نصيب وافر من الدماء التى سفكت فى باريس حتى وإن أدانوا العملية او ذرفوا دموع التمسايح على الضحايا. فالعالم من أقصاه الى أقصاه يعلم دورهم وهو دور موثق ومعلوم لن ينفيه بيان متهافت يصدروه جزافا لذر الرماد فى العيون. ولسنا هنا بصدد تبيان دورهم فى الإرهاب العالمى، ويكفى ان دولتهم لا تزال على قائمة الدول الراعية للإرهاب، بل نود أن نعود بالقارىء للوراء قليلاً لنكشف ممارستهم للارهاب ضد خصومهم حتى قبل ان يسطوا على السلطة وينشروا الإرهاب فى نواحى الأرض وهم فى ذلك من الراسخين ولهم فيه قصب السبق وقد حملوا رأيته بذكاء شديد. نعود لهم إذن وهم فى كامل وحدتهم قبل إنقلابهم المشؤم، نعود لنبين إرهاب قادتهم بشهادة أعضاء فاعلين منهم حتى لا يتقولوا ولا يزاودا على ما نقول. نعود لذلك وسنعفيهم من ممارستهم فى حرب الجنوب وفى دارفور و فى بيوت الأشباح وقتل الشباب والطلاب والتعذيب والإعدامات… سنترك كل ذلك جانبا وننظر فى سجلاتهم الأخرى وأعترافات أعضائهم. سنروى لهم حادثتين فقط ونطلب منهم إدانتهم كما أدانوا أحداث باريس، فالأرهاب هو الأرهاب سواء كان فى باريس، نيويورك، أديس ابابا، العيلفون او شارع المك نمر فى الخرطوم. يقول الصحفى الراحل سيد أحمد خليفة فى عموده " أوراق شخصية" عن محاولة إغتيال الجبهجية لمولانا الميرغنى بعد توقيعه لما يعرف ب "إتفاق الميرغنى/ قرنق" العام 1988 " ولم تمض ثلاث أو اربع دقائق على مغادرتى بيت الميرغنى إلا و أسمع دوى صوت إنفجارات خطيرة نجمت عن إطلاق جماعة من غلاة الجبهة نحو 33 طلقة من مدفع كلاشنكوف إلى ذات الترس أو البلكونة التى كانت مقرا لإجراء الحديث المؤجل حيث تحول الكرسيان الى حطام. ولقد كان الغرض من ذلك الفعل الإرهابى القبيح كما ثبت من التحقيقات هو إغتيال الميرغنى وربما ضيفه الذى هو أنا ". أما الواقعة الإرهابية الثانية كما يوردها الراحل سيد احمد خليفة فهى اكثر تفصيلا. قادها أحد خاصة الترابى وأصفيائه المقربين إبراهيم السنوسى وقد جاء هذا الصفيّ المقرب من الشيخ كما يورد منصور خالد فى " النخبة وإدمان الفشل الجزء الثانى فى حاشية ص 270 ليشرف لاحقا على تعذيب المعتقلين فى بيوت الاشباح" – ومعه متطرفين أخرين ، يقول الراحل: "قاد إبراهيم السنوسى ومعه بعض غلاة الجبهة مظاهرة مجنونة من مسجد جامعة الخرطوم عقب الصلاة وكانوا ينددون بسيد أحمد خليفة وبجريدة الوطن بعد ان عاملنى إمام مسجدهم حاج نور كما عامل الخمينى سلمان رشدى حيث افتى بقتلى لأننى تجرات ونشرت خبرا عن قطب من أقطاب الجبهة كان قد أتهم فى قضية زينب عبد الله وشمبات الأراضى المشهورة. كانت مظاهرة السنوسى وخلفه بعض مئأت قد اتجهت لمجلس الوزراء لتسليم مذكرة تطالب بمحاكمتى، وبينما لم يجد المتظاهرون من يسلمونه المذكرة فى يوم عطلة الجمعة، إتجهت المظاهرة نحو جريدة الوطن حيث إقتحم المتظاهرون مكاتبها بشارع المك نمر وعاثوا فيها فسادا وتدميرا وضربا فى العاملين و المحررين بما فى ذلك الموظفات من النساء. كان ثلاثة من متعصبى الجبهة الأكثر دموية قد تحددت لهم مهمة واحدة داخل مكاتب الوطن وهى إستغلال الهرج والمرج وطعن سيد أحمد خليفة فى قلبه والإجهاز عليه تماما. لقد كان أحد هؤلاء الثلاثة المكلفين بالجريمة هو عمار محمد آدم، احد أكبر عتاة الجبهة وسط الطلاب آنذاك واحد أقوى خصوم الجبهة الاسلامية الحاكمة الآن. ويقول عمار وهو يروى لى الحكاية شخصيا: إنهم حين اقتحموا مكتبى ووجدوه خاليا أصيبوا بإحباط كبير" هاتان حادثتان كانا غريبين على المجتمع السودانى مثلا سلوكا إرهابيا صادما فى مجتمع لم يكن يعرف الإرهاب والإغتيال السياسى – ربما خارج مناطق الحرب – مطلقا. وهما يكشفا عن الطبيعة الإرهابية للإسلاميين حتى أن كانوا يعيشون فى أجواء حرية تكفل لهم جميع الحقوق السياسية دون حجر. فالراحل سيد احمد خليفة كان صحفيا يستخدم قلمه فقط ضدهم، أما هم فبالرغم من انهم كانوا يصدرون العديد من الصحف اليومية إلا انهم إختاروا العنف والإرهاب لحسم قضيتهم مع الراحل. تلك هى طبيعتهم. بالطبع يمكننا إيراد المزيد من الحوادث المماثلة للسلوك الإرهابى الذى ظل الجبهجية يمارسونه منذ ايام جبهة الميثاق ضد خصومهم السياسيين عامة وضد الطلاب خاصة. أما الإرهاب الذى مارسوه بعد إنقلابهم المشؤوم فهو كما سبقت الإشارة موثق ومعروف ومتاح لمن يريد وهو إرهاب ستكتب عنه أجيال السودانيين فى الشمال والجنوب ولن توفيه حقه، كما يكتب الباحثون الأوربيون عن الإرهاب الدينى فى القرون الوسطى فى اوروبا الى اليوم. وبما أن حزب المؤتمر الشعبى هو الوريث الرسمى للجبهة القومية الإسلامية، فالترابى هو الأمين العام للتنظيمين، ترى هل يستجيب الحزب لمطالبتنا له بإدانة ذلك الإرهاب الذى مارسه أعضاؤه فى عقد الثمانينات ضد صحفى لا يملك إلا قلمه ! إن واقع التجربة والممارسة يقول أن تنظيمات الإسلاميين اينما وجدت هى تنظيمات إرهابية من قياداتها الى أصغر عضو فيها. الإرهاب والعنف هو مكونها الأساسى وأداتها الوحيدة. وما نراه اليوم من سفك للدماء وذبح للبشر كالشياه ما هو إلا تجسيد حي لما يحملونه من أفكار بريرية كتبها سيد قطب والمودودى وغيرهم . ولا تقتصر ممارساتهم على قتل الأبريا فقط بل تمتد للتمثيل بجثث ضحاياهم وما ممارسات ما يسمونه بالدفاع الشعبى ضد السكان فى جنوب السودان والتمثيل بالجثث إلا قدر ضئيل من ذلك. ليس ما اوردناه أعلاه هو إدعاء من عندنا، بل هو ما يقوله من كانوا اعضاء معهم فى داخل خلاياهم الإرهابية. دعنا نعزز ما نقول بشهادة عمار محمد أدم عضو الجبهة السابق – كان عمار قد شارك فى انقلاب الجبهة مع آخرين كلفوا باحتلال كبرى كوبر – يقول عمار فى مذكراته: " تم تجنيدى فى التنظيم الخاص وقد دربت على البندقية والكلاشنكوف والجيم 3 والقنابل اليدوية والمتفجرات، وتلقيت تمارين رياضية عالية وكنا نشاهد إقتحام المدن عبر اشرطة الفيديو والعمليات العسكرية الأخرى ومنها تخليص الرهائن الإسرائيلين فى مطار عنتبى" ويمضى عمار فى مذكراته ويقول لضمان بقاء السودان: " إن تفكيك الحركة الإسلامية ومؤسساتها وأجهزتها ومصادر تمويلها هو الضمان الوحيد لامن السودان وسلامته. ذلك أن الإسلاميين فى أى مكان إجتمعوا وتحت أى لافتة جلسوا يتعبئون بمشاعر الحقد والكراهية تجاه الآخرين ويمارسون قدرا وافرا من الوصاية عليهم. إن الخليط القائم الآن تحت مظلة الإسلام من المقدر أن يتسبب فى كارثة كبرى للوطن إن لم يكن قد تسبب فيها بالفعل". ليس لدى ما اضيفه على شهادة عمار الذى أكرمه الله بالتوبة من هذه الجريمة التى تسمى بالحركة الإسلامية… هل يفعل آخرون!