مدينة كسلا تاريخ ملئ بالاشراقات والنوازع الانسانية الاصيلة ، وانسانها مضرب الامثال في كل ما يمت للخلق والاخلاق و…. ففي الشهور القليلة الفائتة كتبنا وناشدنا كافة السلطات باسترجاع الاراضي المنهوبة خاصة وزارة التربية والتعليم والتي مازالت تستأجر مبنىً لادارة شئونها حتى اللحظة ، كما تناولنا بالتفصيل ما آلت اليه طرق المدينة والتي كادت ان تتحول الى اطلال بسبب ما اصابها من تشوهات وحفر ومطبات عطلت حركة السيارات والناس وشوهت وجه المدينة المشرق ، ومازلنا في صف الانتظار لنرى تحول الاقوال الى افعال في ارض الواقع من قبل الجهات المسئولة والتى اقسمت على العمل من اجل الوطن والمواطن . وفي خضم تلك الالتفاتات تطل علينا ظاهرة ملاحقة الباعة حول السوق الكبير وفي اطرافه ، وليس احدا فيما اظن يقف ضد تنظيم السوق وتنظيم حركة البيع والشراء ، ولكن كلنا ضد الطرق والاساليب غير المدروسة وغير المسئولة في آن واحد . فلا يعقل ان تجمع سلطات المحلية من الباعة البسطاء اشيائهم ومبيعاتهم وتستردها لهم بعد دفع غرامات متباينة ، ليعودوا مرة اخرى لممارسة عملهم ثم تعاد الكرة مرة تلو الاخري ، وكأن ما يدعونه تنظيم ما هو الى حقل للتحصيل المستمر، ومورد ثابت للمحلية من أناس يلهوث طوال اليوم لتوفير لقمة واحدة يسدون بها رمق الجوع والعطش !!! فقد شاهدنا مواقف لا تمت للانسانية بشئ ، اذ يؤخذ من البائع معروضاته ويشتت من بائع القهوة محلولاته وتصادر اوانيه ، ثم لا يجد مخرجا الا بعد دفع الغرامة ، والتي بعدها يعاود لمزاولة عمله وهو في حالة من الترقب في اليوم التالي والذي يعاد فيه نفس السيناريو !!! فالترغيب في العمل والحض عليه هو من أسس الدعوة المحمدية ، وباركته وأثنت وحضت عليه ، وقد كان الرسول يمقت المتواكلين والاتكاليين الذين لا يعملون ولا ينتجون ، "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم-: لأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَأْتِيَ بحُزْمَةِ الْحَطَبِ عَلَى ظَهْرِهِ فَيَبِيعَهَا فَيَكُفَّ اللَّهُ بهَا وَجْهَهُ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ" إن معظم الباعة من النساء والارامل والشيوخ والكفلاء الذين يجتهودن للعمل بعرق جيبنهم ولا يمدوا يدهم لأحد حتى لا يتحولوا الى متسولين "لإن يحمل احدكم حبله على ظهره فيحتطب ، مثل هؤلاء يجب ان تكون للسلطات المحلية دور كبير تجاههم ومساندتهم والوقوف خلفهم وامامهم إن كان الهدف من وراء إخلاء الفضاءات الحيوية بسوق المدينة ولفتح الممرات ، فلا يمكن ان يكون بطريقة بوليسية تهدد ارواح البشرية بما تؤديه من تدافع وهرولة في حين أن هذه القرارات قد تسببت في استياء عارم وسط صفوف الباعة الذين يعيشون على مداخيل هذه التجارة «البسيطة» المتمثلة في بيع الكسرة والشاي والخضروات . ففي بعض المدن مثلا تجد هذه الفئة تحظى بمجموعة من الإمتيازات كتجميعهم في أسواق نموذجية، وتقنين ظروف العمل والمنافسة وإحترام مجموعة من الضوابط التي تساهم في إنعاش تجارتهم وايجاد البديل الذي يحميهم من الضياع والتشرد ، بدلا من هذه الإختلالات والفوضى العارمة التي تسود هذا المجال. فقد تؤدي مثل هذه الملاحقات دون ايجاد البدائل التي تضمن للشخص حفظ حياته إلى حدوث كوارث إنسانية لا تحمد عقباها مثل مسألة إحراق "البوعزيزي" لنفسه في "تونس" والتي تسببت في مشاكل لم تكن في حسبان النظام الحاكم، خاصة اذا كانت تتبع في مسألة " الكشات " المحسوبية والزبونية الممنهجة من طرف السلطات المحلية تجاه بعض هؤلاء الباعة . وتعتبر هذه المرة ليست الأولى التي تشن فيها السلطات المحلية بمدينة كسلا حملة ضد الباعة في الطرقات والبرندات ، إذ سبق أن نظم عدد من المعتمدين الذين تعاقبوا على بلدية كسلا حملات ضد هؤلاء الباعة ولكن دون جدوى، ويرجع هذا الأمر إلى أن الطريقة التي تحاول بها السلطات وضع حد لظاهرة الباعة المتجولين تفتقد للخطط والدراسة وايجاد البدائل المرضية ، والى حين تحقق ذلك ستظل المشكلة قائمة والغرامات مستمرة والاستياء يملأ الجميع ….