قديماً قال رحالة زار هذه البلاد ووجد غالب أنحائها غارقة في الوحل والطين والعفن والعطن والحسك والوسخ، لولا أن رحم الله أهل هذه البلاد فأنعم عليهم بشمس حارقة تقتل كثيراً من الميكروبات والجراثيم لقضوا بالأمراض والعلل، ونضيف لما قاله هذا الرحالة بعد مضي عشرات السنين على قولته تلك، ومن رحمة الله على عباده المساكين في السودان أن مدهم بعافية منه وزودهم بمناعة طبيعية لولاها لأهلكهم الماء الذي يشربونه والطعام الذي يأكلونه. بالأمس أعاد وزير البيئة التذكير بقضية مياه الشرب الملوثة والمختلطة بمياه الصرف الصحي اسم الدلع (للغائط والبول)، وهي قضية قديمة وخطيرة، ولكن رغم خطورتها ما تزال على حالها دون حتى مجرد التفكير الجاد في إيجاد حل لها، فقبل نحو ثلاث سنوات كان خبراء قد أكدوا عبر تقارير منشورة أن مياه الشرب بالعاصمة الخرطوم مختلطة بمياه الصرف الصحي. وكان المهندس مختار عبد الرازق، مدير سابق لهيئة مياه ولاية الخرطوم، قد قال في الخصوص إن مياه الولاية ملوثة بنسبة تتراوح ما بين 42 – 58%، وأرجع السبب إلى شركات المسؤولين والحفر التقليدي للآبار عبر التصديقات العشوائية، واصفاً الجهات المختصة بالمياه والصرف الصحي بالطرشاء. كما حمّل رئيس اللجنة الفنية للبيئة والصرف الصحي بالولاية وقتها محمد عوض الكريم الذي كان يتحدث في أحد المنابر الدورية لجمعية حماية المستهلك، حمّل الحكومة مسؤولية القصور في توفير صرف صحي آمن، ودعا إلى تكوين لجنة بقرار جمهوري للنظر في التخلص من الفضلات الآدمية بطريقة علمية. فيما كشف رئيس جمعية مبادرة البيئة للتنمية المستدامة حينها عن ثلاثة بلاغات بوجود تلوث لمياه الشرب بمناطق بحري والأملاك وبيت المال والثورة (الحارة 15)، والتي أثبت معمل مياه ولاية الخرطوم تلوثها بسبب اختلاطها بآبار السايفون. وأكد الخبراء أن المسافة بين الصرف الصحي وآبار المياه أقل من المسموح به صحياً، وسبق وتظاهر مواطنو حي جبرة والأزهري بالخرطوم قائلين بأنهم يشمون رائحة عفونة بالمياه. وفي السياق ذاته كان المدير التنفيذي لمنظمة (السقيا) أيامها قد قال إن دراسة مبدئية كشفت عن تلوث مياه الشرب بالمناقل. وسبق وكشف المستشار البيئي بمجلس الوزراء بروفيسور تاج السر عبد الله في تصريحات صحفية عن مهددات لصحة الإنسان حددها في التغيير النوعي لمياه الشرب بسبب الصرف الصحي غير الآمن، واعترض على اتباع نظام (السبتك تانك) ووصفه بالأسوأ في العالم، وأبان أنّ إحدى الدراسات أثبتت وصول الملوثات لعمق (220) متراً في مياه الشرب، وأشار إلى وجود الكثير من المناطق السكنية التي تتحصل على مياه الشرب من آبار لا توجد عليها رقابة إضافة إلى إصابة (20) طفلاً يومياً في أعمار ما بين (12 14) عاماً بالفشل الكلوي، بجانب زيادة ملحوظة في الإصابة بمرض (الزرقة) لدى الأطفال نتيجة لفقد ثاني أكسيد الكربون بما يسبب الموت الفجائي.