عزمي عبد الرازق يكتب: هل نحنُ بحاجة إلى سيادة بحرية؟    الأقمار الصناعية تكشف مواقع جديدة بمطار نيالا للتحكم بالمسيرات ومخابئ لمشغلي المُسيّرات    اهلي جدة الاهلي السعودي الأهلي    أهلي جدة يصنع التاريخ ويتوج بطلًا لنخبة آسيا    فاز بهدفين .. أهلي جدة يصنع التاريخ ويتوج بطلًا لنخبة آسيا    بتعادل جنوني.. لايبزيج يؤجل إعلان تتويج بايرن ميونخ    منظمة حقوقية: الدعم السريع تقتل 300 مدني في النهود بينهم نساء وأطفال وتمنع المواطنين من النزوح وتنهب الأسواق ومخازن الأدوية والمستشفى    التلفزيون الجزائري: الإمارات دولة مصطنعة حولت نفسها الى مصنع للشر والفتنة    وزير الثقافة والإعلام يُبشر بفرح الشعب وانتصار إرادة الأمة    السودان يقدم مرافعته الشفوية امام محكمة العدل الدولية    عقب ظهور نتيجة الشهادة السودانية: والي ولاية الجزيرة يؤكد التزام الحكومة بدعم التعليم    هل هدّد أنشيلوتي البرازيل رفضاً لتسريبات "محرجة" لريال مدريد؟    "من الجنسيتين البنجلاديشية والسودانية" .. القبض على (5) مقيمين في خميس مشيط لارتكابهم عمليات نصب واحتيال – صورة    دبابيس ودالشريف    النهود…شنب نمر    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (ألف ليلة و....)    منتخب الضعين شمال يودع بطولة الصداقة للمحليات    الرئاسة السورية: القصف الإسرائيلي قرب القصر الرئاسي تصعيد خطير    عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دال (دام) (دامو)
نشر في حريات يوم 22 - 01 - 2016


أمين محمد إبراهيم
(دام بهاك مشمول بالنظام). خليل فرح. (يا أرض أجدادي و يا كنزي العزيز المقتنى). عبد الواحد عبد الله ومحمد وردي.
(من ارشيف موقع سودانيزأونلاين بعد المراجعة والتنقيح والتحديث بمناسبة عودة النظام، إلي الحديث مؤخراً، عن تنفيذ سدود دال و كجبار والشريك).
فى كتابه، "كيف يسخر المصريون من حكامهم"، يقول الكاتب الصحفي المصري عادل حمودة، أن النكتة السياسية هي سلاح الشعوب المقهورة، تستخدمها فى مواجهة قاهريها الطغاة، وترياق مضاد لصلفهم واستبدادهم وظلمهم. فالشعوب تلجأ بوعي وبصيرة، إلى الضحك من رمز القهر والاستبداد و للاستخفاف و الهزء به حتى تجعله أمثولة ومثار تندر. و تستهدف الشعوب ذلك النيل من بنية ذهنيته المتعجرفة المستبدة، و تبديد تماسكه المفتعل، و لتجريده من مظاهر القوة الكاذبة، والهيبة الزائفة المخادعة، و كشف ضعفه وتضعضعه، و تعرية احساسه بالأمان المتوهم، و تركه معزولاً و محاصراً ونهباً لمخاوفه و هواجسه. وفي خضم تطورات الصراع، تتصاعد وتائر استهداف الشعب ذهنية الطاغية، بتكثيفه إعمال سلاح السخرية اللاذعة، والانتقال به من حالة الدفاع إلي الهجوم، حيث يصل إعماله ذروة سنامه، باسنخدامه كوسيلة للاغتيال المعنوي. و يُعَدُ هذا الطور الأخير،ً من أطوار، تجهيز و (دوعلة) الطاغية، لمواجهة مصيره البائس و نهايته المحتومة. وتمثل هذه الدرجة في نظر الكاتب، المعادل الموضوعي، للقهر والقمع المادي الذي يمارسه الحكام في مواجهة شعوبهم.
و لعل الناس يذكرون كيف صاغ الوعي الجمعي لشعبنا، عشرات بل مئات النكات السياسية، وكيف ذاعت وانتشرت بين الناس، بعد انقلاب يونيو 1989م المشئوم، والنظام في أول عهده وقتها، و في أوج طغيانه و جبروته لا يزال، يأخذ الناس بالشدة والعسف، ويسومهم سوء العذاب بشططه وغلوائه. ومن تلك النكات ما شاع حينها من أن وجد الناس أنفسهم، في صبيحة يوم من تلك الأيام العصيبة، يتراكضون في شوارع الخرطوم، ركضاً محموما، وقد بلغ الهلع والذعر بهم مبلغاً عظيما. وفى تسابقهم هذا المذعور، صادفهم قادم من أطراف المدينة، لم يكن قد ألم بالنبأ، الذي أفزع غيره بعد، فسألهم عن سبب هذا التدافع المجنون؟ فأجابوه بأن سبب تدافعهم و فرارهم، هو أن النظام قد أصدر قراراً يقضى، باستئصال (فردة) من كل رجل يثبت الفحص عليه أن له أكثر من (فردتين) في أعضاء ذكورته!!. فازداد عجب الرجل، فسألهم وفيما الفزع والهروب إذن، إذا كان الرجل، لا يحمل بطبيعة الحال، غير (فردتين فقط)؟؟! ولم يطل عجبه، إذ أخبروه بأن القرار (مشمول بالنفاذ بالعاجل والفوري)، كما في عبارة ذائعة للقانونيين. و مفاد هذا أن عملية الاستئصال، تُنَفَذُ فورياً، أي تسبق إجراء التحري والفحص. فالاستئصال إذن لا مناص منه و واقع لا محالة. و هو رد صاعق لم يدر بخلده، و يستحيل أن يخطر بقلب بشر.! فكان أن أجهش الرجل بالقهقهات ولكنه كان ضحكا كالبكاء، على حد قول المتنبي.
ويبدو أن من يقفون وراء فكرة سدود (دال وكجبار والشريك) يصرون على تطبيق ذات سيناريو الاستئصال أولا، ثم الفحص والبحث تاليا. كما يبدو أيضاً، أنهم يراهنون على سلطات، جهاز الدولة البوليسية القمعية، الاستثنائية الواسعة والشاملة، في تنفيذ إنشاء السدود المذكورة، رغم اعتراض ومقاومة مواطني تلك المناطق ورفضهم المسبب للسدود. و لذا فهم يسارعون للبدء في تنفيذ الخطوات العملية لإقامة السدود، ودون أن يبذلوا أي جهد، أيا كان مقداره من الضآءلة، لإقناع هؤلاء المواطنين بجدوى مطالبتهم، دون غيرهم، بغير سببٍ معقول أو مسوغ أو مقتضى، بتقديم تضحية بجسامة وبهظ فقدانهم أرضهم وما عليها من نخيل وشجر وزرع، وكامل مواردهم المادية والمعنوية، وتشمل فيما تشمل، مراتع الصبا والشباب، و مآثر الآباء والجدود وآثار أقدم الحضارات التي عرفتها الإنسانية، و دون أن تبيّن للمتضررين من السدود، الجدوى الاقتصادية منها، و كذلك مصدر وطبيعة سلطاتهم المطلقة، التي تخوِل لهم، إغراق أرضي الغير وممتلكاتهم جبراً ولو كرهوا.
وهكذا تتجاهل دولة المؤتمر الوطني إرادة النوبيين، وتظن توهماً أن في وسعها إقامة السدود حتف أنف المتضررين من إقامتها، وإذا اعترض المواطنون النوبيون وناهضوا إقامة السدود، و رفضوا إغراق أراضيهم وسائر ممتلكاتهم، فيما لا طائل من ورائه، وعبروا عن هذا الرفض بأي شكل من أشكال التعبير السلمي، المكفولة لهم كحقوق دستورية وفقا لأحكام دستور السودان الانتقالي لسنة 2005م، قابلت إدارة السدود تظاهراتهم السلمية، بالرصاص الحي وجندلتهم تقتيلا كما حدث في مجزرة كجبار، أو بإلحاق الأذى بأنواعه بهم ضرباً بالعصي وإطلاق القنابل المسيلة للدموع والاعتقال كما حدث ويحدث في الخرطوم و جزيرة صاى و عبري و فرَيق و أرضوان و غيرها، وبالقمع والملاحقة والاعتقال كما يحدث للناشطين في لجان وقواعد المناهضة والمقاومة على طول الأرض النوبية وفى الخرطوم وخلافها من مدن السودان. علاوة على كل ذلك تحظر السلطات نشر كل ما يتعلق برفض ومقاومة ومناهضة إقامة هذه السدود من أنشطة وحراك شعبي واسع، بينما تسمح لمؤيدي إقامة السدين رغم محدودية عددهم بالترويج لإقامة السدود من منابر إعلام الدولة وأجهزة الحزب الحاكم.
النوبيون لمن لا يعرفهم أهل حضارة وحملة علم ووعى، وفضلا عن ذلك فهم أصحاب إرث تاريخي طويل في ممارسة الديمقراطية، ولم يقفلوا باب الحوار مع أي جهة، لإيمانهم الراسخ بعدالة قضيتهم، وهم عبر لجانهم وممثليهم على استعداد للجلوس مع السلطات المعنية، لمناقشة أسباب رفضهم ومناهضتهم إقامة السدود في منطقتهم، وقد أعلنوا عن استعدادهم هذا إلى السلطات المعنية، مرارا وتكراراً، ولكن يبدو أن هذه السلطات تراهن على فرض رأيها وإنفاذه بغير وسيلة الحوار والتداول الرأي مع مخالفيها، وفى اعتقادنا أن ما تراهن عليه مجرب، وللسلطات المذكورة دروس ماثلة فيها، لم يجف مدادها بعد، و تقول حكمة الحكماء: أن من جرب المجرب حاقت به الندامة.
في أتون المقاومة والرفض، تفتقت الذهنية المبدعة لمناهضي السدود الصامدين، عن الشعار "الدالي" المموسق "دال دام دامو" أعلاه، وهو يجمع بين لفظة دال ( قرية بمركز عبري، مقترحة كموقع للسد)، وكلمة دام الانجليزية وترجمتها السد، تتبعهما كلمة "دامو" النوبية وتعنى حرفيا (لا يوجد) أو (معدوم).و دلالتها في سياق الشعار، هي (لا) الرافضة والناهية عن منكر إغراق جزء عزيز أخر من بلاد النوبة (أرض البطولات، وميراث الحضارات)، وطمرها بالمياه بدعاوى وحجج كاذبة ظاهرها رحمة التنمية، وباطنها عذاب النفي والاقتلاع من الجذور، وكأنما التنمية معلقة بشرط لازم من كل بد، ولا محيد عنه ولا بديل له،هو إقامة السدود على طول الأرض النوبية، وتهجير أهلها إما إلى بيئة غريبة عنهم كما فعلوا بأهلنا "بوداي حلفا"، أو إلى بيئة صحراوية بعيدة عن مجرى النيل وبيئته التي ألفوها وكيفوا حياتهم عليها منذ آلاف السنين، كما فعلوا بأهلنا بأمري والحامداب والمناصير. و ينطبق مضمون الشعار، على سدي كجبار والشريك والنوبيون شيبا وشبابا، رجالاً ونساء وأطفالاً سيمضون في طريق نضالهم في رفض السدود ومناهضة إغراق أراضيهم ومقاومة تهجيرهم حتى انتصار قضيتهم العادلة تحت شعار دال دام دامو، وقد صاغه هكذا وعيهم الجمعي المبدع والمبتكر، مع غيره من الشعارات، الدالة على رفض ومناهضة ومقاومة استكمال مخطط، إغراق وطمر أرض آبائهم وجدودهم. ولا يساومون في ذلك والشاهد أنهم كللوا هام كل حوائط وجدران المنازل والمدارس والمتاجر والزوايا وغيرها من المباني، بالسكوت من لأقصاها إلى أدناها، بهذا الشعار وغيره، كترجمة فعلية لنضالهم يجسد وحدتهم وتراصهم صفا واحدا، واحتشادهم وتناصرهم في أتون معركتهم المصيرية، وفى وجه القوى التي تسعى قصدا وعمدا، لإغراق أرضهم ، ونفى آثار جدودهم، وطمس معالم حضارتهم، واقتلاعهم من جذورهم وتشريدهم في المنافي. ولن ينسى النوبيون تفريط أولى الأمر المتعمّد من قبل في وطنهم، وتقديمهم مدينة وادي حلفا وجزء عزيز من الأرض النوبية، كقربان لكهربة مصر، وتنميتها صناعيا وزراعياً، ولعلنا لا نفارق الحقيقة قيد أنملة، إذا قلنا أن الإقدام على إغراق حلفا، وتهجير أهلنا النوبيين، تم باستغلال غياب الحريات الديمقراطية، والحقوق الدستورية الأساسية، واعتماداً على عنف الدولة البوليسية المتمثل في الحكم الشمولي وقتها، وبالقمع المباشر لحركة المقاومة والمناهضة النوبية، التي اشتعلت في حلفا والخرطوم، ولو لا ذلك ما كان للكارثة أن تقع، لتصبح حلفا جرحنا النازف الذي لن يندمل أبدا، مهما تقادم عليه الزمن، وتصرَمت السنوات، لذلك فالنوبيون لن يقبلوا بإغراق أي جزء من أرضهم، مهما كانت الأسباب والمبررات، ولن يسمحوا بتكرار مأساة وادي حلفا ثانية أبدا.
لم ولن ولا ينطلي على أحد، تبرير الإصرار على بناء السدود، بالحديث عن توفير و حشد كافة الموارد المطلوبة للتنمية الاقتصادية. فحديث التنمية، في ظل الحزب المنتحل لاسم الدولة، و تهيمن عضويته، التي تم أحلالها، محل الشعب المجرَد من حقوقه، على إدارته و اقتصاده و موارده، لا يعدو كونه ضرب من ضروب، استغفال الناس و الاستهانة بعقولهم. والدليل على أنه محض حديث استغفال و استهبال، هو ريع البترول الذي بدأ تصديره في أواخر تسعينات القرن الماضي، و استمر حتى يوليو 2011م. ويقدَر هذا الريع بمبلغ يتراوح بين (70 – 100) مليار دولار، خلت كل المصادر الرسمية، من أي دليل، مباشر أو غير مباشر، على أنه قد وُظِفَ لدعم البني التحتية للاقتصاد، أو سُخِرَ لدعم أي مشروع إنتاجي قائم، أو لتأسيس مشاريع جديدة، أو أنه أسهم بأي مقدار، في تحسين الظروف المعيشية، للمواطن البسيط. قال الدكتور عبد الملك النعيم، أحد أبواق إعلام النظام، و المروجين لحوار الوثبة (الدائر بين رجل وظله)، ل (قناة شروق التابعة للمؤتمر الوطني 8/11/2015م)، ما معناه، أنه لو قُدِر أن تكون هناك إدارة رشيدة وجهت موارد البترول إلي بناء و تأهيل القطاعات المنتجة، كمشروع الجزيرة، الذي أهمل إهمالاً واضحاً، لما عانت البلاد ما تعانيه اليوم. ولكن بوق النظام الدكتور عبد الملك ما لم يوضِح لنا أين ذهب ريع البترول؟؟! إذا لم يذهب إلي أيٍ مما ذكر من القطاعات المنتجة أو الخدمية. كما لم تفلح الحركة الشعبية (الأم)، رغم محاولاتها المضنية، في فك شفرة مصارف أموال البترول، طوال ست (6) سنوات شاركت المؤتمر الوطني، خلالها كراسي الحكم. و عليه ليس غريبا، ألَا يعرف شعب السودان، أين ذهبت تلك الأموال؟؟ وإن كان على يقين تام، بأنها لم تذهب لتمويل مشاريع اقتصادية، منتجة أو حتى خدمية، و أنها لم تسهم في تخفيف معاناته المعاشية المزرية، ولم تكبح عنه غلواء السوق، و لم تحسن ظروفه الحياتية المتفاقمة السوء كل صباح جديد. و مثال آخر، لعوار وخطل ربط إنشاء السدود بحديث التنمية، هو سد الحامداب (وهذا اسمه الصحيح) الذي ملأ النظام، بدعايته الأرض و الفضاء زعيقاً و ضجيجاً، الذي لم يرتبط تخطيطه وتنفيذه، عند عباقرة الطفيلية اللاسلاموية، بأي نوع من المشاريع الزراعية، بل أن من ضحوا بأراضيهم و ممتلكاتهم لقيامه، من مواطني أمري الجديدة والحامداب الجديدة، يشكون لطوب الأرض من حرمانهم، من خدمات الكهرباء، اللازمة لري مزارعهم، كما يشكون لرب السماء من نقص وغلاء الجازولين. و اسمحوا لي أن أقتطف هنا عبارة بليغة للراحل البروفيسور علي المك نصها (ذهب ليشتكي لطوب الأرض فقيل له صعد ليشتكي لطوب السماء). وبالتالي فإن ضحايا السد يعانون من تعرض زراعتهم للعطش. و ما لا شك فيه، هو أن عجز كهرباء سد الحامداب، عن توفير الطاقة اللازمة لسقيا مزارع ضحاياه و لوضع حد لمعاناتهم مع الري، ينهض حجة قاطعة و مفحمة، في وجه من يزعمون، أن الغرض من السد هو توليد الكهرباء. فالسد الذي أنشئ لإنتاج الكهرباء و لا شيء سواها، فقط، عجز عن إحداث، أي تغيير ايجابي، في تغطية احتياجات المدن (وفي مقدمتها الخرطوم)، من الإمداد بخدمات الكهرباء، و ذلك رغم ما يدفعه المستهلكين، من مقدماً أموال طائلة، لشركة (الجمرة الخبيثة). ليس هذا فحسب، بل عاجز عن مد الكهرباء، لري الأراضي التي تقع على مرمى حجر منه. والشاهد أن الدولة، إذا استحالت بأجهزتها و مواردها، إلي ملكية خاصة للحزب الحاكم (كما هو الحال في السودان)، فإن غير المنتمين له، من عامة الشعب، لن يكون لهم أي نصيب، في تنمية الموارد المذكورة، حتى ولو كانت تلك التنمية حقيقية فعلاً. فماذا إذن، يكسب المواطن من السدود. وماذا يستفيد من دعاوي التنمية الكذوبة؟؟ الإجابة لا شيء البتة. إذن فلا مناص من التمسك بشعار "دال دام دامو" ورفعه علياً و التمترس تحت رايته الخفاقة في مناهضتنا ورفضنا إقامة سدى دال وكجبار أو أي سد في الولاية الشمالية و ولاية نهر النيل لأسباب لا حصر لها منها: أولاً: الغموض والكتمان والسرية المطلقة التي تتحرك به الدولة في كل مستوياتها لتنفيذ إقامة السود، دون تحديد الغرض أو الجدوى الاقتصادية أو غيرها من إقامة السدود والإغفال والتجاهل الكامل لرأى من ستغمر أراضيهم وممتلكاتهم مياه السدود، وكلها عوامل تفاقم من أزمة الثقة القائمة بينهم وبين الحكومة أصلاً، وتزيد من شكوك المواطنين في نوايا الحكومة الخفية، وتؤكد لهم تعويل الدولة، في تنفيذ مخططها لا على قبول ورضاء وثقة المواطنين، بل على آليات قمع الدولة، والضرب بيدها الباطشة لمن يجروء على مجرد التعبير عن رفضه بالتظاهر السلمي وغيره مما هو مكفول بدستور 2005م الانتقالي (شهداء كجبار).
ثانياً: عدم جدية دعوى تنمية المنطقة وإنسانها التي تدعيها الحكومة، فالتنمية في الأساس يقصد بها ترقية وتعزيز تطوير الموارد المادية والمعنوية الاقتصادية المكتشفة والكامنة في طبيعة وجغرافية الأرض، واستثمارها وتسخيرها وتوظيفها على الوجه الأمثل، لمصلحة الإنسان ومنفعته في بيئته المحيطة به، بحسبانه أغلى رأسمال والهدف الأوحد للتنمية، ولا جدوى للتنمية القائمة على نفى الإنسان من أرضه وتهجيرها منها بغير مقتضى أو مسوغ. ثالثاً: التجاهل المتعمد للبدائل المجرّبة محليا وإقليميا وعالميا لإنتاج الطاقة الكهربية، كالطاقة الشمسية أو الهوائية أو الحرارية باستغلال ما يوفره تكرير البترول السوداني من وقود كالفيروس أو الغاز وكهرباء سد الحامداب. وكذلك تجاهل بدائل الري المتاحة كمياه سد الحامداب ومخزون المياه الجوفية وهى كافية لإحداث أي تنمية مرجوة.
رابعاً: انعكاسات الأزمة السياسية وتداعيات الاستقطاب الاجتماعي الحاد، على آلية ومبررات اتخاذ القرار، مما يثير شبهات ومظنة الكسب المادي أو المعنوي (السياسي) غير المشروع، ويفاقم من آثار هذا الوضع تعويل الدولة كما أسلفنا القول، على الرأي الآحادى المسنود بالقوة والعنف، في اتخاذ وتمرير وتنفيذ أخطر القرارات، بدلا عن الحوار واحترام حقوق وإرادة المتضررين منها، وأخذ رأيهم في الاعتبار، والسعي لكسب ونيل رضائهم، خاصة إذا كانت القرارات ذات آثار سالبة وضارة.
خامسا: وعلى ذكر الحقوق المكفولة بموجب دستور 2005م الانتقالي فإننا نورد على سبيل المثال ما ناله إخوتنا في جنوب أرض الوطن من مكاسب مستحقة وفى مقدمتها حقهم تقرير مصيرهم إذا هموا أرادوا ذلك، وهو ما يعنى انفصال جزء مقدر من أرض الوطن عنه، وتأسيس دولة مستقلة كحق منصوص عليه في الدستور. فكيف يسعى من يسعى لجحد النوبيين في ظل هذا الدستور، حقهم الكامل غير المنقوص في رفض أو قبول قرار يقضى بغمر أرضهم بالمياه وإزالتها من الوجود وتهجيرهم إلى تخوم الصحراء، والعاقل من يتعظ بغيره. سادساً: ويعلم القاصي و الداني، أن النظام ممثلاً في تنفيذييه و شركاته و تجار حزبه وسماسرته قد باع بموجب عقود سرية لم يطلع عليها أحد، ملايين الأفدنة الزراعية من أخصب أراضي السودان لدول وشركات مشبوهة أجنبية ولصوص دوليين في أقنعة مستثمرين. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا. فكيف سيستثمر المشترون الأجانب هذه الأراضي دون ضمان مصدر ري؟ و لا يعقل بالطبع تصوَر أن الصينيين والكوريين مثلاً سيمدون جدولاً من بلادهم لري أراضي يحوزونها و يستثمرونها في السودان. و الراجح في اعتقادنا إن باعة أراضي السودان قد باعوها ومعها ضمان الري و ربما الطاقة الكهربائية من السدود وقبضوا الثمن و وضعوه في جيوبهم سواء كانت قماشية أو مصرفية. وهذا يفسِر لنا سر العنف الدموي الذي يقابل به النظام معارضي السدود. فالكواسر تكون أكثر فظاظة و دمويةً في الفتك بكل ما يقترب من فرائسها.
سادبعاً": من مخلفات تجارة الشمولية الكاسدة وبضاعتها البائرة التشكيك في قدرة الناس ومنهم النوبيين في اتخاذ ما يلائم مصالحهم ويحمى حقوقهم من قرارات ومواقف، واتهامهم بأنهم في رفضهم ومقاومتهم للسدود ينفذون أجندة سياسية لقوى سياسية أخرى مسماة أو غير مسماة، وهو ادعاء باطل بطلان مطلقاً، ولا يضاهيه في ذك إلا زعم من يدعيه، بحقه في الوصاية على الآخرين، تخرصا وبغيا وبلا سند أو وجه حق. والصحيح أن من يطلقون هذه المزاعم هم من يتخندقون وراء أجندتهم السياسية والاجتماعية الضيقة، ومصالحهم الحزبية التي صارت بفضل نهمهم وأنانيتهم، على طرفي نقيض من مصلحة الوطن وحقوق الشعب. أما النوبيون فيرفضون ويقاومون ويناهضون السدود وإغراق أراضيهم أصالة لا وكالة عن أحد، وبصرف النظر عمن يصدر منه مثل هذا القرار حتى ولو كان من بني جلدتهم العاقين و(كفيفي الإنسانية) كما في قول صديقنا الشاعر حميد ونضيف إليه مجزومي الولاء و ناقصي الوطنية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.