خلال السنوات الأخيرة، عبر معارضون وحكومات اجنبية ومواطنون اتراك عن مخاوفهم من الاتجاه نحو نظام تسلطي في ظل اردوغان. ورغم الإشادة به في السنوات الأولى بعد توليه رئاسة الحكومة في 2003، بات اردوغان يتهم بأنه يدغدغ نزعة دكتاتورية منذ أن أصبح أول رئيس منتخب مباشرة من الشعب في صيف 2014. ويطمح أردوغان لتغيير الدستور التركي الذي صيغ في 1980 اثر آخر انقلاب عسكري ناجح، بهدف تبني نظام شبيه بالنظام الرئاسي الأميركي يعزز سلطاته كرئيس. ويقول الباحث في مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات في واشنطن افكان اردمير ان الانقلاب كان نتيجة عوامل عدة بما فيها مخاوف الجيش من النظام الجديد الذي يعد له اردوغان. ويضيف ان الاسباب الاخرى تتضمن "احد آخر التطورات المتمثلة في قانون اعادة تشكيل المحاكم العليا وكذلك رفض اردوغان البقاء على الحياد". ويقول مدير معهد "إدام" البحثي والباحث الزائر لدى معهد "كارنيغي" الاوروبي سنان أولغن "لم يشارك الجيش كله في الانقلاب مثلما حدث في الانقلابات السابقة وانما نفذته مجموعة احتجزت بنفسها قائد الجيش رهينة". ويقول محللون إن أردوغان نجح في المرحلة السابقة وخاصة عندما كان رئيسا للحكومة في التخفيف من قوة قبضة الجيش بعد أن دبر عشرات المحاكمات العسكرية لجنرالات كبار كان يخشى قدرتهم على لجم طموحاته السلطوية، بتهم تتعلق بمحاولات سابقة لتدبير انقلاب عسكري على حكومته. وبعد عزل هؤلاء الجنرالات يبدو ان اردوغان قد نجح فعلا في الإتيان بقادة عسكريين مقربين من أفكاره وجدهم عندما دقت ساعة الحقيقة وقرر عدد من الضباط تغيير النظام السياسي القائم لسباب تتعلق ب"الدفاع عن قيم العلمانية ورفضا للانحرافات السياسية التي قام بها اردوغان وحزبه الإسلامي الحاكم". ويؤكد المحللون أن مسألة رفض عدد من قادة الجيش الكبار للانقلاب لا تتعلق بالإيمان المطلق بالديمقراطية وإنما بمصالح شخصية خاصة مع اردوغان نفسه، وإلا فإن الحديث عن ديمقراطية اردوغان على الأقل في المرحلة الأخيرة من حكمه واستماتته في البقاء في واجهة السلطة وتلقبه من رئيس حكومة إلى رئيس دولة ومساعيه لتغيير الدستور من أجل تعديل البنود المتعلقة بسلطات الرئيس كلها عوامل، تنفي حقيقة أن دفاع هؤلاء الجنرالات عن اردوغان وحكومته الإسلامية، هو دفاع عن الديمقراطية في تركيا. ويؤكد أولغن "قامت بذلك (محاولة الانقلاب) مجموعة لا تنتمي الى المراتب القيادية – مجموعة صغيرة في الجيش نسبيا.. حتى انها خطفت قائد الجيش.. لم تكن عملية خطط لها الجيش وكان ذلك جليا. من دون الدعم التام للجيش لم تكن لديهم القدرة"، على النجاح. ويقول اولغن "عندما لاحظ الناس ان الانقلابيين لا يحظون بدعم الجيش، كان من السهل الوقوف في وجه الانقلاب.. في الواقع، كانت كل الظروف ضد الانقلابيين وظهر حتى على "تويتر" وسم: ليس انقلابا وانما مسرحية". وتقول المحاضرة في السياسة والعلاقات الدولية في جامعة نوتنغهام ترنت في بريطانيا ناتالي مارتن "بدا انه كان محكوما عليه بالفشل. وهو امر اشاع الشكوك بانه من الممكن تماما ان يكون انقلابا كاذبا". ويتساءل المحللون عما إذا كان اردوغان سيستغلّ الفرص التي أتاحها له الانقلاب الفاشل من اجل تشديد قبضته على تركيا. ويقول اردمير "يمكنه اما البناء على واقع ان جميع الاحزاب دعمته وان يبدأ عهدا من التوافق، واما يستغل هذا كفرصة لتعزيز حكم الرجل الواحد". ويضيف "الامر عائد له تماما، المسار الذي سيختاره ستكون له عواقب هائلة.. الشق المتفائل في داخلي يفضل اختيار المسار الديموقراطي، لكن الواقعي والمتشائم يقول ان اردوغان لن يفوت مثل هذه الفرصة، وسيكون ذلك مؤسفا حقا". ويقول اولغن "سيخرج اردوغان من الوضع أقوى، ولكن السؤال هو ان كان يرغب في استخدامه من اجل اعتماد سياسة اكثر توافقية". ويضيف ".. لكن السيناريو المرجح هو ان يستخدم اردوغان هذا لتحقيق طموحاته الشخصية واقامة نظام رئاسي". وقال إلمار بروك رئيس لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان الأوروبي وأحد حلفاء المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان سيستغل محاولة الانقلاب العسكري لإحكام قبضته على السلطة. وتحدث بروك- وهو عضو بارز في حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي الذي تتزعمه ميركل- لصحيفة دي فيلت الألمانية خلال الليل أثناء مقاومة الموالين لإردوغان ضد من حاولوا الاستيلاء على السلطة وقوله لمؤيديه أنه "سيطهر" الجيش. ونقلت الصحيفة عن بروك قوله في مقابلة نشرت السبت "سيحاول إردوغان توسيع صلاحياته في السلطة" مضيفا أن مثل تلك الخطوة قد تؤدي "لانقسام عنيف" في المجتمع التركي. وأضاف بروك "على تركيا العودة سريعا لنظام دستوري وذلك يجب أن ينطبق على الجيش وعلى إردوغان أيضا الذي يؤدي حاليا مهام رئاسية ليست في الدستور". ولم يصدر رد فعل على الفور من تركيا على تصريحات بروك. واتفق زعيم حزب الخضر المعارض في ألمانيا جيم أوزديمير مع وجهة نظر بروك. وقال لصحيفة فيلت ام زونتاج "لن يترك إردوغان هذه الفرصة تمر ليس فقط ليطهر الجيش بل أيضا لتحقيق مشروعه الخاص بالتعديلات الدستورية بهدف الاستبداد". وأضاف "وسائل الإعلام القليلة المعارضة والمبادرون في المجتمع المدني ليس لديهم آفاق جيدة ليتوقعونها".