عفوا سيدتي، عفوا يا أمي أو أختي، لقد وقرت الآذان فما عدنا نسمعك، حتى بعد أن بلغت صرختك الآفاق وسار بذكرها الركبان، لا أظن أننا سمعناك بما فيه الكفاية. هل صحيح انك أخذت أبنائك، الذين حملتهم تسعة أشهر وهنا على وهن، وأرضعتهم من لبنك ومن دمك، هل أخذتهم طوعا واختيارا، وقدمتهم لمن يدفع أكثر؟ ثلاثة من الأبناء، من رحمك ودمك ولحمك، واحدا تلو الآخر ذهبوا فداء لثلاثة أبناء آخرين، كي تجلبي لمن تبقّى الأكل والشرب والمسكن؟. هذا قطعا ليس طوعا واختيارا، لا توجد أم تفعل ذلك طوعا واختيارا، إنما تفعله قهرا وكمدا وقسرا وألما، تفعله وهي تنزف قطرة قطرة، دما ودمعا وصيحة آه مكتومة، حتى تمزق الأحشاء يوما ما. الأم هي الأم، غنية كانت أو فقيرة، ثرية أو معدمة، لا فرق في ذلك، ولا فرق في المشاعر والعواطف ودفء الأمومة، وقد وُلدنا لأمهات فقراء إلا من الستر والمحبة والاهتمام والتضحية، فما قصرن في تربيتنا والاهتمام بنا وتغذيتنا بكل ما تيسر، بل وما صعب مناله أحيانا. عفوا سيدتي، هل طرق بابك المسؤولون، مواكب وأفرادا وجماعات، وقالوا إنهم ما كانوا يعرفون أن الامور في البلاد وصلت لمرحلة أن تبيع الأم أبناءها؟ هل جاءتك وفود مكوك البلد بسياراتهم وحاشياتهم واصطفوا أمام بابك يبكون ويستغفرون ويقسمون أنهم ماعرفوا أن الحال هو الحال!؟. هل صرخ مكٌّ منهم وبكى و “تمرمغ” في التراب يسألك الستر والعفو و المغفرة ويرجوك ألا تدعي عليهم رب السموات والأرض، حتى لا يخسف بهم الأرض . هل سمعت الطرقات على بابك والصياح وفوجئت بمك كبير يضع خده على الأرض ويسألك أن تطأيه بمداسك، عل رب الخلق يفغر له ويرحمه ويتعطف عليه يوم الحساب، وترجاك فيما أنت ترفضين وتعتذرين عن فعل ذلك بينما تتزايد صيحاته وقسمه عليك لتفعلي!!!؟. لقد عرضت الأمانة على السموات والأرض فرفضنها وأبين أن يحملنها وحملها الإنسان، بل وأكثر من ذلك اقتلعها اقتلاعا وتشبث بها ووقف جنده بينه وبين الناس قائلين أن لا أمين على خلق الله إلا هو، فأين ذهبت الأمانة وأين مسؤوليتها وأين حقها، وأين حق هذه المرأة، التي هي إنسان وليست بغلا، والتي عثرت بعاصمة البلاد، وليس بأطراف العراق، عثرت وعسرت حتى باعت أبناءها، فهل ينام مكوك هذا البلد؟ في البلد وزارة رعاية اجتماعية وديوان زكاة وعشرات المنظمات والهيئات التي تدعي الإنسانية وتتاجر بآلامنا وأحلامنا، تتطاول بناياتها وتتقاطع سياراتها ويكثر هدير مكيفاتها هنا وهناك، وتظهر وجوه مسؤوليها ومسؤولاتها الممتلئة صحة وعافية في شاشات التليفزيون كل يوم، ماذا يفعلون وفي بلادنا أم تجوع وتجوع فتذهب لتبيع بعض أبنائها لتستطيع إطعام أفواه أبنائها الآخرين. كلنا مسؤولون، بدءا من أكبر مسؤول بالبلد إلى أصغر واحد، كل هيئاتنا ووزارتنا المسؤولة عن رعاية الناس وتلبية احتياجاتهم، وحتى مجتمعنا الذي عرف بالبر والتكافل، ماذا حدث له حتى تجوع امرأة وتبيع أبناءها، أين الأهل والأقارب والجيران، أين الدعاة وأئمة المساجد ولجان الفتاوى الذين يتشطرون على الناس هنا وهناك ثم يسكتون على فضيحة أخلاقية وإنسانية ودينية لا تليق بأكثر المجتمعات كفرا وفجورا وفسقا.